عــصــام بــشــيـر الــعــوف
مــؤلــف و كــاتـب ســيــاسـي و إســلامــي
العصر الجاهلي
مقدمة
الجاهلية هي عصر العرب قبل الإسلام ، وقد سمي في القرآن الكريم بالجاهلية بسبب ما فشى فيه من الجهل وعبادة الأوثان ، وينقسم إلى فترتين ، جاهلية أولى لا نعرف عنها إلا ما ورد ذكره في القرآن الكريم عن القبائل العربية مثل عاد وثمود وطسم وجديس وجرهم .
أما في جنوب الجزيرة العربية فقد كانت لهم ممالك ودول ذات زراعة وصناعة وتجارة واستمد القصاصون حكاياتهم الشعبي من تلك الحضارات القديمة واختلط فيها الواقع بالخيال ، غير أن هذه الحكايات قد تأصلت في أذهان العامة وغدت كأنها حقيقة لاشك فيها ، كقصة الملك سيف بن ذي يزن ، وتبدو كأنها كالأساطير لا يعول عليها في الدراسات العلمية رغم الأمثال والأقوال التي بنيت عليها ، كما أن هذه الحضارات عايشت حضارة الفرس واليونان والرومان ، وسابقتها في التقدم والرفاهية ، وظهرت عدة دول في جنوب الجزيرة العربية هي سبأ وحمير ومعين ومملكة تبع ، وقد ازدهرت الزراعة لوفرة أمطار اليمن وخصوبة تربته كما اشتهرت مأرب بسدها ، وبصناعة النسيج والوشي ودبغ الجلود وصنع الأسلحة . وكان موقعها التجاري الممتاز يتحكم بالتبادل التجاري بين بلاد العرب والشام وإفريقية والهند ، وإذا اشتهرت صنعاء بصناعة النسيج المطرزة والبرود والسيوف ، فقد عرفت ظفار بالبخور والطيب .
أما الجاهلية الثانية فقد ظهرت في القسم الشمالي من الجزيرة العربية بين عامي 450 – 610 للميلاد ، وقد ولد أدب رائع صح أن يكون محل ثقة العرب على اختلاف عصورهم الأدبية ، ويصح أن نثق به وأن نحبه ونحترمه ، بل وأن نقرأه ونحفظه وندرسه ، فهو مهد اللغة العربية والثقافة العربية بعد إستكمالها عملية البناء والتطور.
ويرى بعض المغرضين من المستشرقين أو العرب أن الأدب الجاهلي برمته مصنوع في العصر الأموي الإسلامي بسبب العديد من حفظة الشعر غير الموثوقين الذين لا ينقلون بأمانة بسبب التكسب بالمرويات ، والتنافس السياسي والتعصب القبلي والحروب ، ويظهر سخف هذا الرأي واضحاً ، ففي العصر الأموي جرى تدوين وكتابة الأدب الجاهلي ، وفهموا أن التدوين يعني الصنع ، وهل من قلة في الشعر الأموي حتى تلتبس الأمور عليهم بهذه التهمة الوضيعة وهي عملية إلغاء الأدب الجاهلي وإلصاقه بعصر آخر . وهل كان الأدب مغموراً أو مندثراً لا يعرفه إلا بعض الرواة حتى يتحكموا به .
تنتمي القبائل العربية الشمالية جغرافياً إلى عدة مناطق :
الحجاز وتشتهر بقلة مياهها وشدة حرارتها وأشهر مدنها مكة والمدينة والطائف ، وكانت مكة أكبر محطة تجارية لوقوعها في ملتقى القوافل التجارية بين اليمن وبلاد الشام ، كما عرفت بعض التنظيم الذي يرعى مصالح قريش التي كانت تحرص على علاقاتها الطيبة مع سائر القبائل القريبة والبعيدة. وكانت الطائف مدينة لعدد من القبائل فقد كانت أيضاً مصيفاً لأهل مكة وخاصةً لأثريائها.
وكان لمكة منزلة دينية كبيرة منذ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فلم تفقد الكعبة المشرفة مكانتها العظيمة عند جميع القبائل العربية رغم وثنيتها ، وإذا كانت أصنام قريش قد نصبت حول الكعبة فقد أذنت للقبائل بجلب أصنامها لتقدم لها القرابين بعد الطواف بالكعبة .
نجد هضبة واسعة ومراع خصبة ، يجودها الغيث ، ذات مناخ لطيف وهواء منعش وواحات كثيرة وطبيعة على قسط وافر من الجمال ، وقد تغنى الشعراء بهواء نجد ومناظرها وأزهارها ، فكثر على ألسنتهم ذكر الصبا وهي ريح لطيفة باردة شرقية تهب على نجد، والخزامى والعرار وهما نوعان من أزهار نجد رائحتها ذكية ، كما كانت نجد موطن معظم الشعراء الجاهليين .
تهامة وهي منخفض غائر يتميز بشدة حره .
وإلى جانب هذه المناطق يوجد عدد من الصحارى الرملية والحرات المترامية الأطراف . ويمكن القول بأن الجزيرة العربية قارية المناخ أي يشتد حرها صيفاً إلى درجة كبيرة ويشتد بردها شتاءً حتى تغطي الثلوج أعالي جبالها ، أما الرياح فمنها ريح الصبا ، وريح السموم وهي أشد الرياح جفافاً وحرارةً .
الحضر والبدو
الحضر : وهم من يعيشون حياة مستقرة ويشتغلون بالزراعة أو التجارة أو الصناعة كسكان بعض مدن الحجاز وإمارتي الحيرة والغساسنة . أما البدو فهم الذين يعيشون معيشة لا استقرار فيها ينتقلون في طلب الماء والعشب لرعاية ماشيتهم ، فإن جف الماء انتقلوا إلى مكان آخر .
وتشكل القبيلة الوحدة الإجتماعية الأولى ، ويخضع أفرادها لنظامها ، وإذا كان الغزو بين القبائل هو السائد بينهم ، فإن أخلاقهم العربية الأصيلة تحكمهم وتنظم أمورهم ، وإذا كان الأخذ بالثأر أحد أشد المساوئ في حياتهم ، فإن الكرم والشجاعة والعفو عند المقدرة ميزات تحكم علاقاتهم . وإذا كانت القوة تحدد مسارات حياتهم فإن التراحم والإيثار يضبط هذه القوة وينظمها .
أما الترفيه والمتعة عند الجاهليين فقد تلهوا بالصيد والقنص أو الخمر والميسر أو الاستماع إلى الغناء . وكان جمال المرأة أحد أشد المظاهر وأعمقها أثراً في نفس الجاهلي.
النظام السياسي : عرفت كل من إمارتي الحيرة والغساسنة بعض ملامح النظام السياسي لأنهما كانت تقلدان مظاهر الحكم عند الفرس والروم ، وقد أسس الفرس مملكة الحيرة التي يحكمها المناذرة اللخميون ، كما أسس الروم مملكة الغساسنة ، لمنع ما يشبه حروب العصابات التي كانت تشنها القبائل العربية على الفرس والروم أي لدفع غزو العرب بالعرب.
أما مملكة كندة فقد أقامها في نجد حسان تبع بعد اجتياح التبابعة للحجاز ولجزء من نجد وكان معهم رجال من قبيلة كندة ، واختار تبع رجلاً منهم ملكاً ، وقد انهارت هذه المملكة مع مقتل ملكها حجر والد الشاعر امرئ القيس . والجدير بالذكر أن الكتابة دخلت اللغة العربية مع هذه المملكة على يد بشر الكندي .
أما القبائل المتنقلة سعياً وراء الماء والكلأ فقد عرفت نظاماً سياسياً خاصاً بها لم تقلد به أحداً بل استوحته من حاجاتها ، وشيخ القبيلة هو سيدها وممثلها أو ملكها غير المتوج طاعته واجبة على كل فرد ، ويستمد قوته من محبة أفراد القبيلة له واقتناعهم بشجاعته ومروءته وعزة نفسه وغيرته على مصالحهم ومشاروتهم في كل الأمور ، وبذكائه وقوة شخصيته وهيبته وتقدمه في السن . وله بعض الامتيازات يستخدمها لمصلحة قبيلته ومنها مثلاً أن يأخذ ربع الغنائم ومالايصح قسمته .
وإذا اتسم هذا النظام بالدكتاتورية فهو أفضل بكثير من الأنظمة السياسية المعاصرة التي لم تستطع قوانينها أن تشمل جميع أفراد الشعب ، بل الأكثرية ، وعلى المتضرر أن يلجأ إلى القضاء وما أطول ردهاته. ولعل هذا النظام القبلي يشبه إلى حد كبير أنظمة الديمقراطية المباشرة التي عرفتها المدن اليونانية القديمة حيث يقوم كل فرد بالمشاركة في الحكم مباشرةً دون ممثلين عنه ، ولعل القبائل العربية قد تفوقت على المدن اليونانية في تطبيق الديمقراطية المباشرة دون تسميتها .
الصعاليك
وفي ظل هذا النظام القبلي ظهر الصعاليك ، وهم المطرودون من قبائلهم لجرم اقترفوه، ويهيم الصعلوك في الصحراء فيصارع الوحش ويسابقه ويقطع الطريق فيثير الذعر والهلع في قلوب الآمنين من المسافرين ، غير أن البعض منهم من تشوبه أخلاق كريمة فيلجأ إلى الشعر فيبث من خلاله معاناته وشكواه ، وبلغت شهرة بعضهم الآفاق كعروة بن الورد الذي رويت فيه القصص حتى قيل : من قال إن حاتم طي أكرم الناس فقد ظلم عروة ، كما اشتهر من الصعاليك تأبط شرا وابن السليكة والشنفرى الأزدي وقيس بن الحدادية من خزاعة ، وحاجز بن عوف الأزدي ، وأبو مازن السعدي واسمه فرعان بن الأعرف من بني تميم ، والخطيم بن نويرة ، والقتال الكلابي من بني عامر صعصعة ، وفضالة بن شريك الأسدي ، وصخر الغي من هذيل ، والأعلم الهذلي وهو حبيب بن عبدالله الهذلي وهو أيضاً أخو الشاعر الصعلوك صخر الغي ، وغيرهم .
الحالة الدينية
عرف العرب في الجاهلية أدياناً متعددة ، والوثنية 24هي الطاغية في جزيرة العرب حيث انتشرت فيها عبادة الأصنام والأوثان ، والأصنام تماثيل مصورة مصنوعة من الحجر أو من الخشب ، أشهرها ود ويغوث ويعوق ونسر وقد جاء ذكر هذه الأصنام في القرآن الكريم . وأما الأوثان فغير مصورة منها مناة الدالة على القضاء والمنية ، والعزى وهي شجرة بوادي نخلة ، واللات صخرة في الطائف مربعة أو هي الشمس، والعزى هي نجم الزهرة .
الأنصاب وهي حجارة ينصبونها ويذبحون عليها الذبائح .
الأزلام هي سهام يطلقون على بعضها الآمر، وعلى بعضها الآخر الناهي ، وعلى بعضها المتريث . فإذا عزم رجل على سفر أو أراد أن يقوم بعمل مهم استشار الأزلام ، في ما إذا كان سيوفق أم لا ، فإن خرج الآمر تفائل خيراً وأقدم ، وإن خرج الناهي تشاءم وأحجم ، وإن خرج المتريث انتظر . وقد لا يتقيدون بحكمها كما فعل امرؤ القيس حين خرج الناهي إليه عدة مرات فضرب به وجه الصنم وشتمه ومضى في مهمته ، وهي السعي لاسترداد ملكه .
الكعبة كانت مقدسة عند الوثنيين وفيها أصنامهم ومن أبرزها هبل المصنوع من العقيق على صورة إنسان ، وما انقطع الطواف حول الكعبة منذ إبراهيم عليه السلام . أما الطواغيت فهي أصنام كبيرة تحتفظ بها كل قبيلة حيث تقيم للطواف حولها بعيداً عن مكة .
الأحناف هم الذين مازالوا على ملة إبراهيم عليه السلام وهي تقوم على الإيمان بالله واليوم الآخر والقضاء والقدر ومنهم ورقة بن نوفل وأكثم بن صيفي ، أما الصابئة فهم عبدة الكواكب والنجوم وديانتهم فيها مزيج غريب من التوحيد والتنجيم والسحر وتعظيم الجن والشياطين والكواكب .
أما من يؤمنون بالدهرية فهم لا يعرفون إلهاً ولا ديناً ويقولون ما يهلكنا إلا الدهر . أما النصارى فكانوا في نجران واليمن وبلاد الشام موطن الغساسنة وفي الحيرة والجزيرة الفراتية وبعض مناطق الحجاز .
أما اليهود فكانوا في اليمن وبعض الواحات والمدن مثل خيبر ويثرب وتيماء .
كانت بلاد اليمن والشام والعراق متأثرة بحضارتي الروم والفرس أما العرب في الجزيرة فكانوا أميين تنتشر فيما بينهم الخرافات .
الحياة الأدبية : ازدهرت في الجاهلية الحياة الأدبية ، وظهر عدد من الخطباء مثل قس بن ساعدة وأكثم ين صيفي . وكثير من الشعراء كأصحاب المعلقات ، وغيرهم كحاتم الطائي والسموأل والخنساء وغيرهم .
المعلقات : هي أشهر القصائد الجاهلية ، وقد اختلف الدارسون حول سبب تسميتها وفي عددها ، وقيل سميت بالمعلقات لأنها كتبت بماء الذهب وعلقت على أستار الكعبة المشرفة ، وقيل بل سميت كذلك لكونها جديرة أن تعلق في الأذهان لجمالها ، وأصحابها سبعة هم : امرؤ القيس وزهير وعنترة وطرفة ولبيد وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة ، وعشرة إذا أضيف إليهم النابغة الذبياني والأعشى وعبيد بن الأبرص .
موضوعاتهم : البكاء على الأطلال ، الفخر بأنفسهم وبقبيلتهم وشجاعتهم ومكارم أخلاقهم ، الغزل ووصف الحبيبة ، وصف الفرس ، والرثاء .
وقد قامت في الجاهلية حربان كبيرتان توارثها الأبناء والأحفاد عن أجدادهم :
حرب داحس والغبراء وهما فرسان سبق أحدهما الآخر وتسببا في اقتتال رجال القبيلتين عبس وذبيان واستمرت الحرب أكثر من ثلاثين سنة حتى توصل رجلان كريمان إلى إعادة السلم ، بعد التوسط بين القبيلتين وتحملهما قيمة الديات هما الهرم بن سنان والحارث بن عوف .
حرب البسوس التي قامت بين قبيلتين هما بكر وتغلب بسبب ناقة قتلها ربيعة لأنها ترعى مع إبله وكانت لامرأة تدعى البسوس وكانت ضيفة لجساس شقيق زوجة ربيعة وابن عمه فاغتنم جساس الفرصة ليقتل ربيعة لتجبره على القبيلتين وكان ملكاً عليهما معاً ، وهب شقيق ربيعة ليأخذ بثأره ، وهو ( الزير سالم ) كما يسمى في الروايات الشعبية التي ظهرت بعد ذلك بقرون وهو الشاعر المهلهل ، واستمرت هذه الحرب أربعين سنة ، وانتهت بعد أنهكت الطرفين وأذاقت العرب من ويلاتها ونيرانها .
وقد كانت هاتان الحربان مادة خصبة لشعراء القبيلتين ولمن اكتوى بنيرانها من القبائل الأخرى .
الشعراء في العصر الجاهلي
أبو صخر الهذلي
هَلاَ رَثيْتِ لِمُسْتَهَـامِ مُغْــرَمِ أعَلِمْـتِ مَا يَلْقــاه أَمْ لمْ تَعلمـي
*****
أما والذي أبكى وأضحك ، والذي أمات وأحيا ، والذي أمره الأمـــر
لقد كنت آتيها وفي النفس هجرها بتاتا لأخرى الدهر ما طلع الفجـر
فمـــا هـو إلا أن أراهـــا فجـــاءة فأبهـــت لا عرف لـدي ولا نكـــر
وأنسى الذي قد كنت فيه هجرتها كما قد تنسـي لب شـاربهــا الخـــمر
تكاد يدي تنـــدى إذا ما لمستهـــا وينبت في أطرافها الورق الخضر
وإني لتعــروني لذكـراك هــــزة كما انتقض العصـفور بلله القطــر
فيا حب ليلى قد بلغت بي المـدى وزدت على ما ليس يبلغـه الهجــر
ويا حبهـا زدني جوى كـل ليلــة ويا سلوة الأيــام موعدك الحشـــر
*****
أحيحة بن الجلاح
هو أبو عمرو أحيحة بن الجلاح بن الحريش الأوسي شاعر شجاع من دهاة العرب . كان سيد يثرب وسيد الأوس وله حصن داخلها سماه المستظل ، وحصن خارجها سماه الضحيان ، وله مزارع وبساتين ومال وفير ، أما شعره فما وصلنا منه إلا القليل جداً . تزوج سلمى بنت عمرو العدوية ، وتزوجها بعد وفاته ( 102 ) قبل الهجرة ، هاشم بن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم .
مختارات من شعره :
ألايالهـــف نفســــي أي لهف على أهـل القفـارة أي لهـــف
مضوا قصد السبيل وخلفوني إلى خــلف من الإبرام خـلف
سـدى لا يكتفـون ولا أراهـم يطيعون امرءا إن كان يكفي
*****
وَما مِن أخوَةٍ كَثُروا وَطابوا بناشِــــئَةٍ لِأمَّــــهَمُ الهَبــــولُ
سَتُشـكِلُ أو يُفارقَهـا بنَوَهـا سَـــريعاً أو يَـــهِمُّ بهِم قبيــلُ
تَفَهَّم أيُّها الرَجُلُ الجَهــــولُُ وَ لا يَذهَب بكَ الرَأيُ الوَبيلُ
فإنَ الجَهلَ مَحمِلُهُ خَفيـــفٌ وَ إنَّ الحِــــلمَ مَحمــِلُهُ ثقيـلُ
*****
خَلقَ الَربعُ مِن سُعادَ فأمسى ربَـعُهُ مُخـلقاً كَـدَرسٍ المَــلاةِ
باليـاً بَعدَ حاضِر ذي أنيــسِ مِن سُليمى إذ تَغتَدي كَالمَهـاةِ
وَكَريــم نالَ الكَـرامِةِ مِنّــــا وَلئيـــمِ ذي نَخـــوَةٍ قـد أهَنّــا
ثُمَّ لـم يَرجِـع الكَـلامُ إلينــــا لو تَرى في الكَلامِ إن قد أذِنّا
*****
الأسود بن يعفر النهشلي
أبو نهشل من بني دارم ( ؟ - 23 ) قبل الهجرة ( ؟ - 600 ) من سادات تميم من العراق ، فصيحاً كريماً ونادم النعمان بن المنذر ، ولما كبر وكف بصره ، قيل له أعشى بني نهشل .
مختارات من شعره :
لهـــا وَركا عـنز وســــاقا نعامـــــةٍ وأسنانُ خِنزير ومكشرُ أرنبِ
ألا يا أســـلمِي قبل الفراق ظعيــــنا تحيـة من أمسـى إليكِ حزيــنا
تحيــــة من أظننتـــه متـوجــــــــها لِصـرم حبيبٍ قد أتى أن يبيـنا
تحيــــة من لا قاطع حبل واصـــل ولا صـارم قبل الفراق قريــنا
فغظنــاهُمُ حتى أتى الغيـظ منــــهم قلـــوبا وأكــباداً لــهم ورئيــنا
هُمُ الأسرةُ الدنيا وهم عدد الحصى وإخــوانــنا من أمـــنا وأبيـــنا
*****
الأعشى الأكبر
هو ميمون بن قيس من بني قيس بن ثعلبة بن بكر بن وائل ، ( 570 – 629 ) للميلاد الموافق ( ؟ - 7 ) للهجرة ، وسمي بالأعشى لأنه كان ضعيف البصر ، والأعشى لغة من لايبصر ليلاً ، ويلقب بأعشى قيس أو الأعشى البكري ، ويكنى أبا بصير تفاؤلاً ، من أصحاب المعلقات ، ولد في منفوحة من الرياض الآن ، وتتلمذ على خاله المسيب بن غلس ، وفي إسلامه روايات مختلفة ، وقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم مادحاً ومسلماً ، فتصدت له قريش ونفرته من الدين الجديد ، ومات في سفره ذاك . وتنسب إليه قصيدة أو قصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم تؤكد إسلامه وتأثره بأسلوب القرآن الكريم إلى حد كبير. تكسب من الشعر فمدح الملوك والأشراف في الحيرة واليمن وحضرموت والشام واليمامة والحجاز ، وأولع بالمتعة والخمر ، وسعى القيان إلى شعره للغناء ، وسمي صناجة العرب . وقد كان من فحول شعراء الجاهلية ، لم يمدح قوماً إلا رفعهم ، ولم يهج آخرين إلا وضعهم ، وقد مدح المحلق بأبيات قالها فيه ، وقد استعصى عليه تزويج بناته ، ولم تمض السنة إلا وتزوجن . وقال أحد النقاد : أشعر الناس امرؤ القيس إذا غضب ، والنابغة إذا رهب ، وزهير إذا رغب ، والأعشى إذا طرب . اشتهر بقصائده الطوال، ولم يصلنا إلا بعضها كالمعلقة ومطلعها :
ما بكاء الكبير في الأطلال وسؤالي وما ترد سؤالي
وقصيدة : " هيفاء كالمهرة " وقصيدة : " ودع هريرة إن الركب مرتحل " .
مختارات من معلقته وشعره :
ودَعْ هريـــــرةَ إنْ الركبَ مرتحــــــلُ وهـــلْ تطيــــقُ وداعـــاً أيــها الرّجلُ
غـرّاءُ فرْعَاءُ مَصْقُـولٌ عَوَارضُــــها ، تمشِي الهُوَينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ
كَـــأنّ مِشْـيَتَــهَا مِـنْ بَيْــتِ جارَتِــــهَا مـــرّ السَــــحابةِ ، لا ريـثٌ ولا عجــلُ
تَسمَعُ للحَلي وَسْـوَاســاً إذا انصَـرَفَتْ كـــمَا استَــــعَانَ بــريح عِشـرقٌ زَجِــلُ
ليســتْ كمنْ يكـره الجيرانُ طلعتــها ، ولا تــــراها لســـــرّ الجــــار تــخـتتـلُ
إذا تَقُــومُ يَضُــوعُ المِسْــكُ أصْــورَةً ، والزنبـــقُ الـــوردُ مــن أردانـــها شملُ
ما رَوْضَةٌ مِنْ رياض الحَزْنِ مُعشـبةٌ خَضــــرَاءُ جـــادَ عَليـــها مُسْبــلٌ هَطِلُ
يضاحكُ الشمسَ منها كوكبٌ شـــرقٌ مُؤزَّرٌ بــعَمِيــــمِ الـنَبْـــــتِ مُــكْتَـــهِــلُ
يَوْمــاً بأطْيَبَ مِنْـهَا نَشْـــرَ رَائِحَـــــةٍ ، ولا بأحســـــنَ منـــــها إذْ دنا الأصــلُ
علقتـــــها عرضـــاً ، وعلقتْ رجــلاً غيــري ، وَعُلِّقَ أُخرَى غيرَها الرّجـلُ
فَكُــلّنَا مُغَـــرَمٌ يَهْـــــدِي بصَاحِبـــــهِ ، نَـــاءٍ وَدَانٍ، وَمَحْــــــبُولٌ وَ مُـــحْتَبــلُ
قـــالتْ هريـــــرةُ لمَا جئتُ زائرهــا: وَيْلـــي عَليــكَ، وَ وَيلـي منكَ يا رجـلُ
نازعتــــهمْ قضبَ الرّيـــــحان متكـئاً ، وقهــــوةً مـــــزّةً راووقــــــها خضــلُ
لا يســــــتفيقونَ منــها ، وهيَ راهنةٌ ، إلاَ بـــهَاتِ! وَإنْ عَلّــــــوا وَإنْ نَهِلُـــوا
يســعى بــها ذو زجاجاتٍ لهُ نطـــفٌ ، مُقلّـــصٌ أَســــــفلَ السّـــرْبال مُعتَمـِـلُ
وَمُســـتَجيبِ تَخالُ الصَنجَ يَســـــمَعُـهُ إذا تُــــرَجِّعُ فيـــــهِ القَينَـــةَ الفُضُـــــل
مـــنْ كلَ ذلكَ يـومٌ قدْ لـهوتُ بـه ، وَفي التَجـاربِ طُولُ اللّـهوِ وَالغــــزَلُ
شــريح ، لا تتركني ، بعدما علقت حبالك اليوم ، بعد القدِّ ، أظفــاري
قد طفــــت ما بين بانقــيا إلى عدن وطال في العجم ترحالي وتسياري
فكان أوفاهم عهــــداً ، وأمنعـــــهم جاراً ، أبوك : بعُرفٍ غير إنـــكارِ
كالغيث ، ما اسـتمطروه جاد وابلهُ وعند ذمّته ، المســـتأسد الضّاري
كن كالسَّموأل ، إذ طاف الهمام به ، في جحفل كهزيع اللّيــــل جـــرّارِ
جار ابن حيّا ، لمن نالتهُ ذمّتــــــهُ ، أوفى ، وأمنع من جار ابن عـــمَّارِ
بالأبلق الفرد من تيـــــــماء منزله ، حصن حصين ، وجار غير غــدَّارِ
إذ سامه خطّتي خســــــفٍ فقال لهُ "قل ما تشاء ، فإنّي ســـــامعٌ ، حارِ"
فقال : " ثكلٌ وغدرٌ أنت بينــــهما فاختر" – وما فيهما حظٌّ لمخـــــتارِ-
فشــــــــكَّ غير طويـــلٍ ثمَّ قال لهُ : "أقتل أســــــــيرك ! إنّي مانعٌ جاري"
*****
تريك القذى من فوقها وهي فوقه إذا ذاقها من ذاقها يتمطق
وكأس كعين الديك باكرت خدرها بفتيان صدق والنواقيس تضرب
إذا قلـــت غني الشرب قامت بمز هرتكــــاد له الـــكف تـــــنـــطق
وكــــأس شـــــربت على لــــــذة وأخــــرى تداويـــــت مـنها بـها
أجدك لم تســــــــمع وصاة محمد نـــبي الإله حين أوصى وأشــهدا
إذا أنت لم ترحل بزاد من التـــقى ولاقيت بعد المــوت من قد تزودا
ندمت على أن لاتكــــون كــــمثله فــترصد للأمرالذي كان أرصــدا
فإيـــاك والمــيتـــات لاتقربــنهـــا ولا تأخذن ســـهما حديدا لتقــصدا
وذا النصب المنصوب لا تنسـكنه ولا تـــعبــد الأوثــان والله فاعـبـدا
ولا تـــقـــربن حرة كان ســـــرها عــليـك حــراما فانــكــحن أو تأبدا
وذا الرحــــم القربى فلا تــقطعـنه لــــعاقـــبة ولا الأســــير المـقـيــدا
وسبح على حين العشيات والضحى ولا تحـمــد المثــرين والله فـاحـمدا
ولا تحزن من بائس ذي ضرارة ولا تحســـبن المــال للمـــرء مخلدا
امرؤ القيس الكندي
هو جندح بن حجر ( 497 – 545 ) شاعر نجد ، ولد بمخلاف السكاسك باليمن ، أبوه يمني الأصل وكان ملكاً على بني أسد وغطفان بنجد ، أمه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير أخت كليب والمهلهل من تغلب ، وهو من أصحاب المعلقات . ولقب بامرؤ القيس أي رجل الشدة لمعاناته الطويلة ، بعد مقتل أبيه على يد الأسديين من قومه ، انصرف الشاعر إلى حياة اللهو والبذخ والصيد ، وظهرت شاعريته في سن مبكرة ، فبكى على الأطلال ووصف الصحراء والفرس ومغامراته العاطفية ولهوه ، ونفاه أبوه إلى حضرموت ، ولما أتاه خبر مقتل أبيه قال : اليوم خمر وغداً أمر ، وذهبت مثلاً ، وتنقل بن القبائل والبلاد يدعوها لنصرته ، وسمي بالملك الضليل ، واستجار بالسموأل بتيماء فترة ثم لجأ إلى الحارث بن أبي شمر في بادية الشام ، الذي أرسله إلى قيصر الروم يوستنيان الأول الذي ماطله ثم ولاه بادية في فلسطين ، لكنه أصيب بالجدري أو مايشبهه ومات في أنقرة وسمي بذي القروح ودفن على جبل يقال له عسيب قرب قبر أميرة ، كما يقال أيضا أن جبلا يقال له عسيب في نجد . وقال في ذلك حين علم بقرب أجله :
أجارتنا إن المزار قريب وإني مقيم ما أقام عســيب
أجارتنا إنا غريبان ههنا وكل غريب للغريب نسيب
ويعتبر امرؤ القيس عند جميع النقاد ومؤرخي الأدب والشعر العربي في المقدمة وعلى رأس الشعراء في العصر الجاهلي.
مختارات من معلقته :
قفا نبك مـن ذكرى حبيب ومنزل بسِـــقطِ اللّـوى بيـنَ الدَّخول فحَــوْمل
فتوضح فالـمقراة لم يَعفُ رسمهَا لـــما نســجتها مـن جَــنُوب وشـــمال
كأني غداة البين ، يوم تحـــــملوا لدى ســـــــمرات الحي ، ناقف حنظل
وفاضت دمــوع العــين مني صبابة عـــلى النــحر حتى بل دمــعي محـملي
وقوفا بها صـــحبي على مطيــهم يــقولون لا تــهلك أســــى وتــجـــمل
وإن شــــفائي عـــبرة مـــــهراقة فــهل عند رســـم دارس من مـــعول
ألا رب يوم لك منهن صـــــالح ولاســــيما يـــــوم بــــدارة جـــلجـــل
ويوم عقرت للعـــذارى مطـــيتي فيــاعجبــــا من كـــورها المتــحمــل
فظل العذارى يرتـــــمين بلــحمها وشـــــحم كــهداب الدمقـــــس المفتل
ويوم دخلت الخدر، خدر عــنيزة فقالت : لك الويــلات إنــــك مرجـــل
تقـول وقـد مال الغبيــط بنـا معـا عقرت بــعيري يـا امرأ القيس فانزل
أفـاطِمُ مــهلاً بعـض هـذا التــدلل وإن كنتِ قد أزمعت صرمي فأجملي
وَإنْ تـكُ قد ساءتـكِ منـي خَليقــةً فسُـــلّي ثيــــابي من ثيـــابكِ تَنْسُــــلِ
أغــرّكِ منــي أنّ حُبّـــكِ قاتِـــلي وأنـــكِ مهــــما تأمــري القــلب يفعل
ومَـا ذَرَقَتْ عَيْنــاكِ إلا لتَضْربي بسَـــهمَيـكِ في أعشــــار قلبٍ مُقتّـــل
تجاوزت حراســـا لديها ومعشرا علي حراصــــا لو يـــــرون مـــقـــتـلي
فـــقالت : يــمين الله مالك حيـــلة ومــــا إن أرى عنــك العـــماية تنجـــل
خرجـت بها أمشــــي تجر وراءنا عـــلى أثــــرينــــا ذيـــل مــرط مرحل
مهفهفة بيضـــاء ، غير مفاضـــة تـرائبها مصــــــقولة كالســـجـــنجـــل
تــضيء الظلام بالعشـــــي كأنها مـنارة مـمســــــــى راهــب مــتبتـــــل
وتضحي فتيت المسك فوق فراشها نؤوم الضــحى لم تنطـــق عن تفضــل
إلى مثلــها يرنـــو الحليم صــــبابة إذا مـــااســــكرت بيــن درع ومجــول
تســلت عمايات الرجال عن الصبا وليـــس فــؤادي عن هـــواها بمنســــل
وليل كموج البحر أرخى سـدولهُ علـــيَّ بأنــــــواع الهـــــموم ليبتــــلي
فَقُـــلْتُ لــهُ لــما تَمَـطّى بصــلبه وأردَف أعــــجازاً ونــــــاءَ بكلْكــــلِ
ألا أيّها اللّيلُ الطّويلُ ألا انْجَــلي بصُبْــــح ومـا الإصْـباحَ مِنك بأمثـــلِ
فيـــا لكَ مــن ليلْ كأنَّ نجومـــهُ بكـــل مــــغار الفتــــل شـــدت بيذبـلِ
كأن الثـريا علّقت في مصامــها بأمــراس كتّـــــانٍ إلى صُــــمّ جَنـــدَلِ
وَقد أغتَدي وَالطَيرُ في وُكُناتِـها بمُنــــجَردٍ قيـــــدِ الأوابــــــدِ هَيـــــكَلِ
مِكَـــرٍّ مِفَــــرٍّ مُقبـلٍ مُدبـرٍ مَـعاً كَجُلــمودِ صَـخرٍ حَطَّهُ السَــيلُ مِن عَلِ
كُمَيتٍ يَزلَّ اللِبدُ عَن حالِ مَتنِــهِ كَــــــما زَلَّـــتِ الصَـــــفواءُ بالمُتَنَــزَّلِ
دَريــرٍ كَخُـذْروفِ الوَليدِ أمَــرّهُ تقلـــــبُ كفيــــــــهِ بخيـــــطٍ مُوصـــلِ
لهُ أيطــلا ظبي وســـــاقا نعامة وإرخــــــاء ســـــرحانِ وتقـريبُ تنفـلِ
*****
أوس بن حجر
هو أوس بن حجر بن مالك التميمي ( 95 – 2 ) قبل الهجرة ( 530 – 620 ) للميلاد، هو أبو شريح شاعر مضر ، شاعر تميم في الجاهلية ، وزوج أم الشاعر زهير بن أبي سلمى ، كثير الأسفار وأكثر إقامته في الحيرة عند عمرو بن هند ، وقرنه الحطيئة بالشاعر النابغة الجعدي . في شعره رقة وحكمة كما كان كثير الغزل، كان أشعر الناس في زمنه فلما ظهر النابغة الذبياني تواضع له .
مختارات من شعره :
ودّعْ لميــــسَ وداعَ الصّارمِ اللاحِـي إذ فنّــــــكتْ في فســـــادِ إصْـــلاحِ
إذ تســـــتبيكَ بمصـــقولِ عوارضُـهُ حمـش اللّثـاتِ عذابٍ غير ممــلاحٍ
وقدْ لــــهوتُ بمثـــــلِ الرّثــمِ آنســةٍ تُصْبي الحليمَ عَرُوبٍ غير مِكْــلاحِ
كأنّ ريقتَــــها بعـــد الكَـرَى اغْتَبَقتْ من ماءِ أصْهَبَ في الحانوتِ نَضّاحِ
أوْ مـــنْ معتّقــــةٍ ورهــاءَ نشْوتُـــها أوْ مـــــنْ أنــــابيبِ رمّـــانٍ وتــفّاحِ
هبـــّتْ تلومُ وليســتْ سـاعةَ اللاحي هلاّ انتظـــرتِ بهـــذا اللّوم إصباحي
إنْ أَشْــرَبِ الخَمْرَ أوْ أرْزَأ لها ثمَـناً فلا محـــــــالةَ يومـــــاً أنّني صاحي
ولا محـــــالةَ مــنْ قبــرِ بمــحنيــــةٍ وكفـــــنٍ كســــــرَاةِ الثـــور وضّـاحِ
دَع العَجــــوزَيْن لا تســـمعْ لِقِيلهـما وَ اعْمَـــدْ إلى سيّدٍ في الحيّ جَحْجاحِ
كــانَ الشّــــبابُ يلهِّيـــــنا ويعجبُــنَا فـــــــمَا وَهَبْــــــنا ولا بعْــــنا بأرْبَاحِ
إنّي أرقتُ ولمْ تأرقْ معِي صــاحي لمســـــــتكفٍّ بعيـــــــدَ النّـــومِ لــوّاحِ
قد نمتَ عنّي وباتَ البرقَ يُسهرني كـــــما اســــتْضاءَ يَهوديٌّ بمِصْــباحِ
يــا مــنْ لبرقِ أبيـتُ اللّيــلَ أرقبُــهُ في عـــارضٍ كمضـيءِ الصُّبح لـمّاحِ
دانٍ مُسِــفٍّ فوَيــقَ الأرْضِ هَيْدبُـهُ يَكــــــادُ يَدفَعُـــــهُ مَــن قـــامَ بالــرّاحِ
كَأنّ رَيِّقـــــهُ لـــــمّا عَــلا شَطِـــباً أقـــــرَابُ أبْلـــــقَ يَنْــفي الخَيْلَ رَمّاحِ
هبّـــتْ جنــوبٌ بأعلاهُ ومـــالَ بهِ أعــــــجازُ يسُــــــــحّ المــــــــاءَ دلاّحِ
فارْتَــــجَّ أعْـــلاهُ ثُمّ ارْتَـجّ أْسْـــفَلُهُ وَضَــــاقَ ذَرْعاً بحمْلِ المـاءِ مُنْــصَاحِ
كأنّـــــــما أعْــــــلاهُ وأســــــــفله ريطٌ منشّـــــــرةٌ أو ضـــــوءُ مصـباحِ
يمـزعُ جلدَ الحصى أجشّ مبتركٌ كأنّـــــــهُ فاحــــصٌ أوْ لاعــــبٌ داحي
فمَنْ بنجـــــوتهِ كــــمَنْ بمحـــفلِهِ والمُســــــتكنَّ كــــمَنْ يمشــي بقـرواحِ
كأنَّ فيــــهِ عشــــــاراً جلّةً شُــرُفاً شُــــعْثاً لــــهَامِيمَ قــد همّتْ بإرْشــــاحِ
هُـــدْلاً مَشــافِرُهَا بُحّــاً حَنَاجِـرِهَا تُزْجي مَرَابيعَها في صَحصَحِ ضــاحي
فأصْبَحَ الرّوْضُ والقِيعانُ مُمْرعةً مـــنْ بيــــن مرتفـــقِ منــــها ومُن أطاحِ
وقدْ أرَانــــي أمامَ الحــيِّ تَحْملُني جلذيّــــــةٌ وصــــــلتْ دأيــــاً بألــــواحِ
عَيْرانَــــةٌ كَأتانِ الضّحْلِ صَلّبَـهَا جـــــرمُ السّــواديِّ رضّوهُ بمرضــــاحِ
ســـقى ديارَ بني عوفٍ وساكنَـهَا وَدَارَ عَلْقَمَـــــةِ الخَيْــــــرِ بن صَــــبّاحِ
بشر بن أبي حازم
بشر بن أبي حازم عمرو بن عوف الأسدي ، أبو نوفل . ( ؟ - 22 ) قبل الهجرة( ؟ - 601 ) للميلاد . شاعر من أهل نجد ، من بني أسد بن خزيمة . هجا أوس بن حارثة الطائي بخمس قصائد ، ثم غزا الشاعر طيئاً فجرح ، وأسره بنو نبهان الطائيون . فأخذه منهم أوس لقاء مائتي بعير ، ثم كساه حلته وحمله على راحلته وأمر له بمائة ناقة وأطلقه ، فقام الشاعر بمدحه فقال فيه خمس قصائد محا بها الخمس السالفة . توفي قتيلاً في غزوة على بني صعصعة بن معاوية ، رماه فيها فتى من بني واثلة بسهم أصابه .
مختارات من شعره :
تَعَنّى القلبَ مِن سَــلمى عَناءُ فـــــما لِلقلبِ مُذ بانوا شِـــــفاءُ
هُـدوءاً ثُمَّ لَأيـاً ما اِســـــتَقَلّوا لِوجهَتِــــهم وَقد تَلَعَ الضِــــياءُ
وَآذَنَ أهــلُ سَلمى بِارتِحــالٍ فــــما لِلقلبِ إذ ظعَنوا عَـــزاءُ
أكاتِمُ صاحِبي وَجدي بسَلمى وليـــــس لِوَجدِ مُكتَتِمِ خَــــفاءُ
فَلمَا أدبَـروا ذَرَفَت دُمـوعـي وَجَهلٌ من ذَوي الشَيبِ البُكاءُ
كَأنَّ حَمــولهُم لمّا اِسَـــتَقَلّوا نَخيـــلُ مُحَــــلِّمٍ فيـها اِنحَناءُ
وفي الأظعانِ أبكارٌ وَعونٌ كَعينِ السِــدرِ أوجُهُها وضاءُ
تأبط شرا
هو ثابت بن جابر الفهمي ( ؟ - 450 ) للميلاد يعتقد أنه من قبيلة دوس بن فهم من زهران ، يقال أنه كان يضع سيفه تحت إبطه حين يخرج للغزو فتقول أمه ، ويقال إنها من بني القين من بني الفهم : تأبط شرا ، ويقال إن أمه واسمها أميمة لامته لأنه لا يأتيها بشيء ، فأتاها مرة بجراب فيه أفاعي يحمله تحت إبطه : فقالت : تأبط شرا، فغدت لقباً له . من الصعاليك ، ومشهور بسرعته في الجري وله عصابة تأتمر بأمره ترك أفرادها قبائلهم من بني خثعم وهذيل والأزد ، ومنهم الشاعر الشنفرى . عاش تأبط شرا في بلاد غامد وزهران والحجاز والمنطقة التي تحيط بالطائف ، شعره وصف لمغامراته كما يفخر بنفسه وبرفاقه ، وكان يتألم حين يسقط أحدهم قتيلاً ، ضاع أكثر شعره .
مختارات من شعره :
يــــا عيد يــــالك من هم وإيــــراق ومر طيف على الأهوال طراق
يمشــي على الأين والحيات محتفياً نفسي فداؤك من سار على ساق
ولا أقــــول إذا ما خلـــــة صرمت يا ويح نفسي من شوق وإشفاق
ســــباق غايات مجد في عشـــيرته مرجع الصـوت هذا بين إرفاق
*****
أغَــــرَّكَ مِنِّــــي يَـــا بْنَ فَعْلةَ عِلَّتِي عَشِـــيَّةَ أنْ رَابَتْ عَلَيَّ رَوَائِــبي
ومــــوقدُ نيــــرانِ ثلاثٍ فشَـــــرّها وألأمــها إذ قَدتُــها غيرَ عــازبِ
سَــــلبْتَ سِـــلاحٍي بَائِسـاً وَشَتَمْتَنِي فيا خَيرَ مســـلُوبِ ويا شرَّ سالبِ
فإن أكُ لـــم أخضِبــكَ فيــها فإنّــها نيــــوبُ أســاويدٍ وشولُ عقاربِ
ويا ركبـــةَ الحمــراءِ شــرَّةَ ركبـةٍ وكادتْ تكونُ شــــرّ ركبةَ راكبِ
أقســـمتُ لا أنسى وإن طالَ عيشُنا صَنِيـــعَ لُكَيْزِ وَالأحَلِّ بن قَنْصُـلِ
نَزَلْـــــنَا بـــهِ يَوْمـــاً فسَاءَ صَبَاحُنَا فإنَّك عمــري قد ترى أيَّ منـزلِ
بَكـــــى إذْ رَآنَـــــا نَازلِيـــنَ ببَابــهِ وكيفَ بكـاءُ ذي القليل المســــبَّلِ
فلا وأبيــــهِ ما نــزلــــنا بعـــامـــرِ ولا عامرٌ حتَى الرئيـس بن قوقلِ
ولا بالشَّـــــليل ربُّ مروانَ قاعــداً بأحْسَــــنَ عَيْـــشِ وَالنُّفَـاثيَ نَوْفَلِ
ولا ابنِ وَهِيبٍ كَاسِبِ الحَمْدِ وَالعُلاَ وَلاَ ابنِ ضَبَيْــعٍ وَسْـطِ آلِ المُخَبَّلِ
ولا ابن حُلَيْــــسِ قـاعِداً في لِقـاحِـهِ وَلاَ ابنِ جُرَيٍّ وَسْـــــطُ آلِ المُغفَّلِ
ولا ابن ريـــــاح بالزُّليْــــفَاتِ دَارُهُ رياح بنِ ســعدٍ لا رياحِ بنِ معقـلِ
أولئِــــــكَ أعْــــطى لِلوَلاَئِدِ خِلْفَـــةً وَأدْعَى إلى شَحْمِ السَّدِيفِ المُرَعْبَلِ
*****
جساس بن مرة البكري
هو عمرو بن مرة ( ؟ - 535 ) للميلاد ، قاتل كليب بن ربيعة التغلبي ، زوج أخته جليلة ، بعد أن أصبح ملكاً على قومه ، واستعلائه عليهم وقامت بذلك حرب البسوس. كان من أمراء العرب وشجعانهم ، له شعر قليل ، قتل أكثر من خمسة عشر فارساً من أعدائه ، وقتل في أواخر الحرب التي استمرت أربعين سنة .
جليلة بنت مرة
هي جليلة بنت مرة بن ذهل بن شيبان بن بكر بن وائل ، أول أو أقدم شاعرة وصلت أخبارها وأشعارها إلينا ، أخت جساس قاتل زوجها ابن عمها كليب وهو أخو الزير سالم المهلهل ، وصفت خالتها البسوس جمالها لملك تبع في اليمن ، وبحيلة حاكها جساس وكليب وأخوه المهلهل والشاعر امرؤ القيس ابن عمتهما فاطمة ، وتمكن كليب من قتل ملك تبع والزواج من ابنة عمه جليلة ثم نصب نفسه ملكاً على قومه وتجبر حتى قتله جساس . أكثر شعرها في رثاء زوجها كليب ووصف ما آلت إليه حياتها بعد نكبتها التي تجل عن الوصف .
مختارات من شعرها :
يا ابنة الأقوام إن لمت فلا تعجلي باللوم حتى تســـألي
فإن أنت تبينت الـــذي يوجب اللــــوم فلومي وأعذلـي
إن تكن أخت امرئ ليمت على شـفق منها عليه فأفعلي
جــــــل عنــــــــدي فعل جســـــــــاس على وجـــــدي
فــــــيا حســــــــرتي عـــــــما انجــــــلت أو تنجلــــي
فعل جســاس على وجدي به قاطع ظهري ومدن أجلي
لو بـــعين فقئت عينـــي ســـوى أختها فأنفقأت لم أحفل
تحمــل العين قذى العين كما تحمــل الأم أذى ما تفتـلي
يا قتيـــــــلاً قوضت صرعته سقف بيتي جميعاً من عل
قوضت بيتي الذي استحدثته وانثنت في هدم بيتي الأول
ورمــاني قتله من كثب رميه المصمى به المســــتأصل
ليتــــه كان دمــــي فاحتلبوا دركاً منه دمى من أكحـلى
يا نســائي دونكن اليوم قد خصني الدهر برزء معضل
خصـــني قتل كليب بلظى من ورائي ولظى مســتقبلي
ليــــــس من يبكي ليوميه كـــمن أنا يبكــي ليوم بجــل
درك الثـــأر يشــــفيه وفي دركي ثأري ثكل المثكــل
إنــــني قاتلــــة مقتولــــــة ولعـــــل الله أن يرتــاح لي
*****
حاتم بن عبدالله الطائي
ولد ومات في جبل عوارض من بلاد قبيلة طيء من أهل نجد ( ؟ - 678 ) ، فارس وشاعر وجواد يضرب المثل بكرمه . كان يدين بالمسيحية وسكن مع أمه بين جبلي أجا وسلمى ، في منطقة حائل الآن ، حيث توجد بقايا من قصره وموقدته الشهيرة وقبره في بلدة توازن . كانت أمه عتبة بنت عفيف بن عمرو بن أخزم مشهورة بالكرم، وكانت ذات مال وفير ، وقد حجر عليها إخوتها منعاً لها من التبذير ، ونشأ ابنها حاتم على غرارها بالجود والكرم وحب الخير . وقد هجره أبوه لأنه نحر ثلاثة من الإبل لثلاثة ضيوف كان يكفيهم أقل من ذلك لكن حاتماً رأى في وجوههم إختلافاً، وكان هؤلاء النابغة الذبياني وعبيد بن الأبرص وبشر بن أبي حازم . زار الشام وتزوج من ماوية بنت حجر الغسانية ، ويكنى بأبي عدي وأبي سفانة ، ابنه وابنته اللذين أسلما . كان مظفراً ، إذا قاتل غلب ، وإذا أسر أطلق ، وإذا سئل أعطى. سمع قيصر الروم عن كرمه ، فأرسل يطلب فرسه وهي من كرام الخيل ، غير أن حاتماً كان قد ذبحها ليقدمها طعاماً لضيفه صاحب القيصر .
مختارات من شعره :
أمــاوي أن المـــال غــاد ورائــح ويبقى من المــال الأحاديث والذكـــر
أمــاوي مــايغني الثـراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
أمــاوي أن يصبح صـاديا بقفــرة مــــن الأرض لا مـــــاء ولا خــــمر
تـري أن ما أنفقت لم يك ضـرني وأن يـــــدي ما بخــــلت بـه صــــفر
ألا لا تلومانـــي على مــا تقــــدم كـــفا بصـروف الدهر بالمرء محكما
فإنكـــما لمـــا مضــى تدركانــه ولســــــت على ما فــــاتني متنــــدما
فنفســــك أكرمــها فإنـك إن تــهن عليك فــلن تلــقى لها الدهر مكـــرما
تحلم على الأدنين واسـتق ودهــم ولن تســـــتطيع الحلم حتى تحــــــلما
وذو اللب والتقـوى حقيق ودهــم ذوي طبــــع الأخــلاق أن يتكــــرما
واغفـــر عوراء الكريم ادخــاره وأعـرض عن شــــتم الليــم تكـــرما
ولا أخذل المولى وإن كان خاذلاً ولا أشـــتم ابن العـم إن كان مفحــما
لحـــى الله صــعلوكاً مناه وهمه من العيش أن يلقى لبوســـاً مطعـــما
وعـــاذلة هبــــت بليــــل تلومـــــني ، وقد غــــاب عـــيون الثــريا ، فغــردا
تلـــومُ على إعطائيَ المـالَ ، ضِلّـــةً إذا ضَــــنّ بالمـــال البَخيلُ وصَـــرّدا
تقـــــولُ : ألا أمْسِكْ عليكَ ، فإنّــــني أرى المــال ، عند الممسـكين ، معبَّدا
ذرينـــــي وحالـــي ، إنّ مالكِ وافِــرٌ وكل امـــرئٍ جـــارِ على ما تعـــــودا
أعـــــــاذل! لا آلــــوك إلا خليقــــتي ، فلا تجعَلـي ، فوْقي ، لِســـــانَكِ مِبْرَدا
ذرينـــي يكُنْ مالي لعِرْضِـــيَ جُنّـــةً يَقـي المــالُ عِرْضِــي ، قبل أن يَتَبَدّدا
أرينــــي جَواداً ماتَ هَزْلاً ، لعَلّــــني أرى مــــا تَرَينَ ، أوْ بَخيــلاً مُخَلَّـــــدا
وإلاّ فكُفِّــــي لومــــــكِ ، واجعـــــلي إلى رأي من تلــحين ، رأيك مســـــندا
ألم تعلمي ، أني ، إذا الضيف نابنــي ، وعزّ القِرَى ، أقري السديف المُسرْهدا
أســـــــودُ ســــادات العشيرة ، عارفاً ، ومن دون قوْمي ، في الشدائد ، مِذوَدا
وألفى ، لأعــراض العشيرة ، حافظاً وحَقّــــهِمِ ، حــتى أكــونَ المُسَـــــوَّدا
يقولون لي : أهلكت مالك ، فاقتصـد ، ومـــاكنتُ ، لـــولا ماتقولونَ ، ســـيّدا
كلوا الآن من رزق الإله ، وأيسروا ، فإنّ ، على الرّحــــمن ، رزْقـــكُمُ غَدا
ســأذخرُ من مالي دلاصاً ، وسـابحاً ، وأســــمرَ خطــــياً ، وعضـــباً مهنــدا
وذالكَ يكفيـــني من المــــال كلـــــه ، مصـــــوفاً ، إذا ماكان عنـــدي متلــدا
*****
هل الدهرُ إلا اليوم ، أو أمـس أو غدُ كـــدْاكَ الزّمـــانُ ، بَينَـــنا ، يَتَـــردَدُ
يردُ عليــــنا ليلــــة بعد يــــومـــــها ، فلا نحــنُ ما نَبقى ، ولا الدَهرُ يَنــفذُ
لـــنا أجــلٌ ، إمـــا تـــناهى إمـــامه ، فـنحـــــن على آثــــــــاره نتـــــوردُ
بَـــنُو ثُعَـــلٍ قـــوْمي ، فما أنا مُــدّع سِـــواهُمْ ، إلى قوْمِ ، وما أنا مُســـنَدُ
بدرئــــهم أغـــثى دروءَ معاشــــــر، ويَحْنِــــفُ عَنّــــي الأبْلجُ المُتَعَـــــمِّدُ
فمَهْــلاً! فِــداكَ اليَـوْمَ أمّــي وخـالتي فلا يــأمـــرني ، بالـدنيـــة ، أســـــودُ
على جبن ، إذا كنت ، واشتد جانبي أســــام التي أعييـــت ، إذْ أنا أمــــردُ
فهــلْ تركتْ قلــبي حضور مكانـها ، وهَلْ مَنْ أبَى ضَـيْماً وخَســفاً مخـــلَّدُ؟
ومتعســف بالرمح ، دونَ صحابـهِ ، تَعَسّــــفْتُهُ بالسّــــيفِ ، والقوْمُ شُـــهّدُ
فَخَـــرّ على حُـــرّ الجبــين ، وَذادَهُ إلى الموت، مطرور الوقيعة ، مذودُ
فــما رمتـــه حتى أزحت عويصه ، وحـــتى عَـــلاهُ حالِكُ اللّونِ، أســوَدُ
فأقســمت، لا أمشي إلى سر جارة ، مدى الدهــر، ما دام الحــمام يغـردُ
ولا أشــــتري مـالاً بغَدْرِ عَلِمْتُــــهُ ألا كلّ مــالٍ ، خالَــط الغَدْرُ، أنـــكَدُ
إذا كــانَ بعضُ المــالِ رِبّاً لأهْلِــهِ فإنّـــي، بحَمْـــدِ اللهِ، مـــالي مُعَبَّــــدُ
يُفّــكّ بــهِ العــاني، ويُؤكَلُ طيّــــباً ويُعْـــطى ، إذا مَنّ البَخيلُ المُطـــرَّدُ
إذا مــا البخيل الخب أخمدَ نــــاره ، أقـــولُ لـــمَنْ يَصْلى بناريَ أوقِــدوا
توَسّــعْ قليــلاً، أو يَكُنْ ثمّ حَسْـــبُنا ومـــوقدها البـــاري أعـف وأحـــمدُ
كذاكَ أمــورُ النّاس راضٍ دَنِيّـــــةً وســـــامِ إلى فرْع العُـــلا، مُتَـــوَرِّدُ
فَمِنْــهُمْ جَــوادٌ قد تَلَفّــــتُّ حَــوْلــهُ ومنـــهُمْ لئيـــمٌ دائــمُ الطّرْفِ، أقــوَدُ
وداع دعـــاني دعـــــوة ، فأجبتـه ، وهل يــــدع الداعـــــين إلا المبــــلَّدُ ؟
*****
حاجب بن حبيب
مختارات من شعره :
أعلنْتَ في حُبِّ جُمحلِ أيَّ إعلانِ وقـــد بدا شـــأنها من بعـدِ كتـــمانِ
وقد سَـعَى بيننا الواشونَ واختلفُوا حـــتى تجنبتـــها من غير هجـرانِ
هلْ أبْلُغَنْــــها بمثلِ الفحلِ ناجــيةٍ عنــــسٍ عذافرةٍ بالرحــلِ مــذعانِ
كأنـــــها واضـــحُ القرابِ حــلاهُ عن مــــاءِ مَــاوَانَ رامِ بعد إمْـكانِ
فجـــال هافٍ كســــفُّودِ الحديدِ له وَسْـــط الأماعِز من نَقْـعِ جَنَابـــانِ
تهــــوي ســــنابكُ رجليهِ محنـبةً في مُكْـرَهِ من صَلإيح القُفِّ كَــذَّانِ
ينتــــابُ ماءَ قطيـــاتٍ ، فاخلــفهُ وكـــانَ مــوردهُ مــــاءَ بحـــورانِ
فلم يهلــهُ ولكن خاضَ غمــــرتهُ يشــــفي الغليلَ بعـذبٍ غير مــدانِ
ويْـــلُ قوْمٍ رأينا أمــس ســادتَهم في حادثـــاتٍ ألمَّتْ خيـرَ جيـــرانِ
يرعبنَ غبا وإن يقصرنَ ظاهرةً يَعْطِفْ كرامٌ على ما أحدثَ الجانِي
والحـــارثانِ إلى غاياتهم ســـبقاً غفـــواً كما أحرزَ السبقَ الجَـوادانِ
والمعطيان ابتغاءَ الحمدِ مالهـما والحمـــدُ لا يشــــترى إلا بأثـــمانِ
*****
حاجز بن عوف الأزدي
حاجز بن عوف بن الحارث بن الأخشم بن عبدالله بن ذهل بن مالك بن سلامان بن مفرج الأزدي ( ؟ - ؟ ) ، شاعر جاهلي مقل من اللصوص المغيرين العدائين ، وضاع أكثر شعره .
مختارات من شعره :
أن تذكــــروا يــوم الـريّ فإنّــه بـــواء بأيــــــام كثيـــــر عـــديدها
فنحن أبحنا بالشـــخصية واهـناً جــهاراً فجئنا بالنســـــاء نقـــودها
وَيــوم كراء قد تدارك ركضـنا بني مـالك وَالخيل صعر خــدودها
وَيوم الأراكات اللواتي تأخرت ســــراة بَني لهبان يَدعو شــريدها
ونحن صبحنا الحي يوم تنومـة بملمومة يهـوى الشـــــجاع وَئيدها
وَيوم شـروم قد تركنا عصـابة لدى جانِب الطرفاء حمرا جلودها
فما رغمت حلفاً لأمر يصـيبها مـــن الذل إلِّا نحن رغـماً نزيـدها
*****
الحادرة
هو قطبة بن أوس بن محصن بن جرول المازني الفزاري القحطاني ( ؟ - ؟ ) قبل الهجرة ( ؟ - 600 ) للميلاد ، جاهلي ومخضرم ، ويلقب بالحويدرة أو الحادرة لضخامة جسمه ، وهو شاعر مقل في شعره ، شارك في حروب قومه بني ثعلبة ، ضد بني عامر ، وتهاجى مع زبان بن سيار الفزاري ، وقد أعجب حسان ببعض شعره .
مختارات من شعره :
أظــــاعنةٌ ولا تودعــــــنا هنــــدُ لِتَحْزُنَـــــــنا، عَزَّ التَّصَــــدُّفُ والكُنْدُ
وَشـطتْ لتنأى لي المزارَ وَخلتها مُفَقَّــــــدةً ، إنَّ الحَــــــــبيبَ لـــهُ فَقْدُ
فلســــــنا بحمالي الكشــاحةِ بيننا لِيُنْسِــــــيَنا الذَّحْلَ الضَّـــغائنُ والحِقْدُ
فلا فحُــــشٌ في دارنا وصــديقِنا وَلا ورعُ النهـبى إذا ابتـــدرَ المـــجدُ
وإنَّا سَـــــــواءٌ كَهْلُـــنا وَوَليـــدُنا لــــــنا خلــــقٌ جـــزلٌ شــــمائلهُ جلدُ
وَإنَّا ليَغْـــشَى الطَّامِــعُونَ بُيُوتَـنا إذا كانَ عوصاً عندَ ذي الحسبِ الرفدُ
وَإنــي لــمنْ قومٍ فأنى جهلتـــهمْ مَكَاسِــــــــيبَ في يَوْمِ الحَفِيظةِ للحَمْدِ
ألا هــلْ أتى ذبـــيانَ أنَّ رماحنا بكُشْــــــيَةَ عالَتْــها الجــــراحةُ والحَدُّ
فأثــــنوا علينا ، لا أبــاً لأبيــكمُ بإحســـــــانِنا ، إنَّ الثَّـــــناءَ هُوَ الْخُلْدُ
بمحســـــبنا يومَ الكفافةِ خيلـــنا لنمنــــعَ ســــــبيَ الحيّ إذْ كـــرهَ الردُّ
بمحبــس ضـنك والرماحُ كأنها دَوَالي جَــــرُورِ بَيْنَـــها ســـــلبٌٌ جُرْدُ
إلى الليْل حَتَّى أشرقتْ بنُفوسِها وَزَيَّــــنَ مَظْلُــــــومٌ دَوَابــــــرَها وَرْدُ
تصبُّ سـراعاً بالمضيق عليهم وَتُثْنَى بطـــــــاءً لا تُحَـــــشُّ ولا تَعْدُو
إذا هيَ شكَّ السَّمْهَريُّ نُحُورَها وَخامتْ عن الأبطــــــالِ أقحمــها القدُّ
ســوالفها عوجٌ إذا هيَ أدبرتْ لِكَـــرٍّ سَـــــــريعِ فَــهْيَ قَابعَــــةٌ حُرْدٌ
*****
الحارث بن حلزة اليشكري البكري
هو من عظماء قبيلته بكر بن وائل ( ؟ - 570 ) من أصحاب المعلقات ، اعتزل حرب البسوس ، وكان شديد الفخر بقبيلته ، حتى ضرب به المثل فقيل أفخر من الحارث بن حلزة ، ولم يدون من أخباره إلا اليسير جداً ، كالاحتكام إلى عمرو بن هند ، لحل الخلاف بين بكر وتغلب ، رداً على عمرو بن كلثوم التغلبي ، وقد عزت نفس الحارث عليه أن يطلب من الملك ، فقالت له ابنته : إن الملوك لا يستحى أن يطلب منهم ، وذهبت مثلاً . فنظم المعلقة وأعدها ودرب جماعة من قومه على إنشادها، لأنه كان أبرص ، وكره أن ينشد للملك من خلف سبعة ستور ثم يغسل أثره بالماء على عادة الملك آنذاك . غير أنه بدأ إنشاده ، ومن شدة إعجاب الملك بشعره أمر بإزالة الستور وقربه وأدناه وأجلسه بجانبه وأطعمه من قصعة الملك .
مختارات من معلقته :
آذَنَتْـــــــنَا ببَينِـــــهَا أسْــــــــــــماءُ رُبَّ ثـــــاوٍ يُمَـلَّ مِنهُ الثَّــوَاءُ
آذَنَتْـــــــنَا ببَينِـــــهَا ثُـــمَّ وَلَّـــــــت ليتَ شِعري مَتى يَكونُ اللِقاءُ
بَعْـــدَ عَهْدٍ لَــــنَا ببُرقةِ شَــــــــمّاءَ فَأدْنَى دِيـــــارها الخَلْــــصاءُ
يخلطــونَ البـريءَ منَّا بذي الذَّنب وَلاَ يَنْفَـــعُ الخَـــلِيَّ الخَــــلاءُ
زَعَمُــوا أنَّ كُلَّ مَنْ ضَــرَبَ العَيرَ مَــــوالِ لـــــنا وَأنّا الـــــوَلاءُ
أجمـعوا أمـرَهُم بليــــــلٍ فَلــــــمّا أصبحوا أصـبحَت لَهُم ضَوضاءُ
منْ منادٍ ومن مجيبٍ ومِنْ تصهَالِ خَيْــــلٍ خِـــلاَلَ ذَاكَ رُغَـــاءُ
لا يقيــمُ العزيزُ بالبلــــدِ السّـــــهلِ ولا ينفــــعُ الذلـــــيلَ النـجاءُ
ليـــــسَ يُنجي مُوائِـــلاً مِن حِــذار رَأسُ طـــودٍ وَحَــرَّةَ رَجلاءُ
فمَلكـــــنا بــذلِكَ الـــناسَ حَـــــتَّى مَلكَ المُنـــذِرُ بنُ ماءِ السَماءِ
أسَـــــــدٌ في اللِــقاءَ وَردٌ هَــموسٌ وَرَبيـــعٌ إن شَـــنَّعَت غَبراءُ
فَرَدَدناهُم بطعــــنِ كَـــــمَا تُنــــهَزُ عَن جَمَّــــةِ الطــــويِّ الدِلاءُ
وَفَكَكـــــنا غُلَّ اِمرئ القيــسِ عَنهُ بَعدَ ما طالَ حَبسُـــهُ وَالعَناءُ
*****
الخرنق بنت بدر
الخرنق بنت بدر هفان بن مالك من بني ضبيعة البكرية العدنانية ، ويقال الخرنق بنت هفان ، ( ؟ - 50 ) قبل الهجرة ( ؟ - 574 ) للميلاد ، أخت الشاعر طرفة بن العبد لأمه ، تزوجت بشر بن عمرو بن مرشد سيد قومه ، وقتله بنو أسد في يوم قلاب من أيام الجاهلية ، وكان أكثر شعرها في رثاء من قتل معه من أبناء أخيها طرفة .
مختارات من شعرها :
ألا لا تْفَخــرَنْ أسَــــدُ عَليْــــنَا بيَــــــومِ كان في الكِـــــــتَابِ
فقدْ قطـــعتْ رؤوسٌ من قعينٍ وَقدْ نَقَعَت صُدُور مِن شَرَابَ
وَأرْدَيْنَا ابنَ حَسْحاسٍ فَأضْحى تجولُ بشــــلوهِ نجسُ الذئابِ
ألا مـــن مبلغٌ عمـــرو بنَ هندٍ وقد لا تَعْــدَمُ الحَسْـــنَاءُ ذاما
كما أخْرَجْتَنَا مِنْ أرْض صِدْقِ تَرى فِيـــــها لمُغتبط مُـــقاما
كَمَا قالـــتْ فـــتاةُ الحيّ لــــمَّا أحسَّ جنانها جيـــــشاً لـهاما
لوالِــــــدها وأرْأتْـــــه بليْــــل قطَا ولقلّ ما تَسْــري ظلاَماً
ألسْــــتَ تَرى القطا مُتوتراتٍ وَلوْ تُركَ القـــطا لغَفَا وَناما
ذو الإصبع العدواني
هو حرثان بن الحارث بن محرث بن ثعلبة بن سيار بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان ، شاعر عرف بالحكمة ، وسمي ذا الإصبع لإصبع زائد في رجله ، أو لأن حية نهشت إصبعه ، وكان من المعمرين إذ تجاوز عمره المئة عام بكثير . وكان له أربع بنات وأميمة الشاعرة إحداهن .
مختارات من شعره :
وفيــــهم رباط الأعوجيات والقـــنا وأســـيافهم فيها القضاء المجرب
وهم جمرات الحرب لم يلف مثلهم إذا لم يكن لناس في الأمر مذهب
وجوهــــهم تندى وتندى اكفـــــهم إذا لاح بـــرق لمخيلييــــن خلـب
ســــليم وعـــدوان وفهم تناولـــوا مفــــاخر عز لم تنلــــهن يعرب
*****
أأســـــيد إن مالا ملكت فســــر به ســيراً جميلا
آخ الكـــــرام اســــــتطعت إلى إخائـــــهم سبيلا
واشــــرب بكأسهم وإن شـــربوا به السم الثميلا
أهن اللــــــئام ولا تكن لإخائـــــهم جمــلاً ذلولا
إن الكـــــرام إذا تواخيــــهم وجدت لهم فضولا
ودع الذي يعد العشـــــيرة أن يسيل ولن يســيلا
أبـــــني إن الــــــمال لا يبـــكي إذا فقد البخيلا
أأســـــــيد إن أزمعت من بلد إلى بلد رحــــــيلا
فاحفظ وإن شحط المزار أخا أخيك أو الزميلا
وأركب بنفسك إن هممت بها الحزونة والسهولا
*****
زهير أبي سلمى المزني
هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح بن قرة بن الحارث بن الياس بن نضر بن نزار المزني من مضر ، ( ؟ - 13 ) قبل الهجرة الموافق ( ؟ - 609 ) للميلاد ، من أصحاب المعلقات ، حكيم الشعراء في الجاهلية ، ولد في بلاد مزينة بنواحي يثرب / المدينة المنورة ، وأقام في الحاجر من نجد ، وغطفان جيرانهم ، تزوج أم أوفى التي ذكرها في معلقته وطلقها لغيرتها ولأن أولاده منها يموتون صغاراً وتزوج كبشة بنت عمار الغطفانية ورزق منها بولديه الشاعرين كعب وبجير ، ولزهير أختان وكانتا شاعرتين الخنساء وسلمى ، والعديد من أحفاده وأبناء حفدته شعراء . ورث الشعر عن أبيه وخاله وزوج أمه أوس بن حجر وخال أبيه بشامة بن الغدير ، وكان مذهبهم ( عبيد الشعر ) وكانوا يتفانون في تهذيب قصائدهم وتصحيحها قبل إنشادها ، ويقال أن أحد الأخيرين قسم ثروته بين أقربائه ولم يعط زهيراً شيئاً ، فراجعه زهير فقال له تركت لك أفضل ما عندي موهبتي في الشعر ، فقال زهير هو خاصتي منذ البداية ، فقال ليس صحيحاً فالعرب تعلم جيداً أنها جاءتك مني . وقيل أنه في سن التسعين أو المئة قابل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الرسول : اللهم أعذني من شيطانه ، فما قال زهير بيتاً حتى مات ، ويقال أيضاً أن زهيراً رأى رؤياً استدل منها على قرب ظهور النبي المنتظر ، وذكر ذلك لولديه ونصحهما بالإستماع إليه وإتباعه . كان زهير ينظم القصيدة في شهر ويهذبها في سنة ، وسميت قصائده بالحوليات ، وكان أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء ويقدم عند البعض على صاحبيه امرئ القيس والنابغة . وهذا رأي عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبدالملك بن مروان والعباس بن أحنف ، ويرون من شعره أن أمدح بيت قالته العرب هو :
تراه إذا ماجئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وأصدق بيت هو :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وساهم زهير بشعره كلا من الحارث بن عوف والهرم بن سنان صانعي السلام وانتهت معهما حرب داحس والغبراء أو كما تسمى حرب السباق بين عبس وذبيان ، وقد تحملا دفع الديات للقبيلتين ، وبلغت ثلاثة آلاف بعير . وقد أكثر زهير في مدح الهرم بن سنان الذي كان يجزل العطاء ، وكان يمنحه جارية أو حصاناً ، وكان الهرم يعطيه مع كل تحية منه ، فخجل زهير وكان يقول عند دخوله مجلساً فيه الهرم : عمو صباحاً إلا الهرم وخيركم استثنيت .
مختارات من معلقته :
أمِـــــن أمِّ أوفى دِمنَـــــةً لم تَكَـــــــلَّمِ بحَومـــانَــــةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَـــــلَّمِ
وَدارٌ لــــــها بالــــرَقمَتَيــــنِ كأَنَّـــــها مَراجِعُ وَشمِ في نَواشِر مِعصَــمِ
سَــــئِمتُ تَكاليفَ الحَـــياةِ وَمَن يَعِش ثــمَانينَ حَولاً لا أباً لكَ يَســــــأمِ
رَأيتُ المَنايا خَبط عَشواءَ مَن تُصِب تُمِتهُ وَمَن تُخطِئ يُعَمَّــر فَيَـــهرَمِ
وَأعلـــمُ عِلـــمَ اليَومِ وَالأمــــس قبلهُ وَلَكِنَّني عَن عِلـمِ ما في غــدٍ عَـمِ
وَمَن لا يُصــــانِع في أمورِ كَثيـــرَةٍ يُضَـــرَّس بأنيابٍ وَيوطأ بمَنسِـــمِ
وَمَن يَكُ ذا فضـــلٍ فَيَبخَل بفضـــلِهِ عَلى قومِهِ يُســـتَغنَ عَنهُ وَيُذمَـــمِ
وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ أهلهِ يَفِرهُ وَمَن لا يَتَّقِ الشَــــتمَ يُشـــتَمِ
وَمَن لم يـــذد عن حوضـه بسـلاحه يهدم ومِن لا يظلم النــــاس يظـلمِ
وَمَن هـــابَ أســـــبابَ المَنِيَّةِ يَلقها وَإن يرق أســـبابَ السَماءِ بسُــلَّمِ
وَمَن يَعص أطــرافَ الزُجاج ينلنهُ يُطيــعُ العَـــوالي رُكِّبَت كُلَّ لَهذَمِ
وَمَن يوفِ لا يُذمَم وَمَن يُفضِ قلبُهُ إلى مُطمَئِـــــنِّ البرِّ لا يَتَجَمـــجَمِ
وَمَن يَغتَرب يَحسِـب عَدُوّا صَديقهُ وَمَن لا يُكَـــرِّم نَفسَـــــهُ لا يُكَرَّمِ
وَمَهــما تَكُن عندَ اِمرئِ مِن خَليقةٍ وَإن خالها تخفى عَلى الناسِ تُعلمِ
وَمَن يزل حاملاً على الناسَ نَفسهُ وَلا يُغنِها يَوماً مِن الدَهر يُســــأمِ
*****
زهير بن جَناب الكلبي
هو زهير بن جناب بن هبل الكلبي ، من بني كنانة بن بكر . من قضاعة ( ؟ - 64 ) قبل الهجرة ( ؟ - 560 ) للميلاد ، كان من الأمراء وسيد قضاعة وخطيبها وشاعرها ووافدها إلى الملوك . له معارك مع غطفان وبكر وتغلب وبني القين . غزا غطفان لأنهم اتخذوا حرماً مثل حرم مكة لا يقتل صيده ، وانتصر عليهم ، وولاه أبرهة من اليمن على بكر وتغلب إلا أنهم رفضوه وطعنه وهو نائم ابن زيابة من بني تميم بن ثعلبة ، وظن أنه قد قتله إلا أن زهيراً نجا من الموت وعاد لقتالهم . ويقال أنه مات من إدمانه شرب الخمر .
مختارات من شعره :
وَكَيفَ بمَن لا أســتطيعُ فِراقــهُ وَمَن هُوَ إن لا تَجمَعِ الدار لاهِفُ
أميــرُ شِقاق إن أقِم لا يُقِم مِعي وَيَرحَل وَإن أرحَل يُقِم وَ يُخـالِفُ
حَيّي داراً تَغَيَّـــــرَت بالجَــنابِ أقفَـــرَت مِن كَواعِـــبٍ أتــــرابِ
أينَ أينَ الفرارُ مِن حَذَرِ المَوتِ وَإذ يَتَّقــــــــــونَ بالأشَـــــــــلابِ
إذ اسَـــــرنا مُهَلهــــلاً وَأخـــاهُ وَاِبنَ عَمرِو في القِدِّ وَاِبنيَ شِهابِ
وَسَـــبَينا من تَغلِبٍ كُلَّ بَيـضاءَ رَقودِ الضُـــحى بَرودِ الرُضــابِ
يَــــومَ يَدعو مُهَلهلٌ يالبَكـــرها أهَـــــذي حَفيظــــــةَ الأحســــابِ
وَيْحَــكُم وَيْحَــكُم أبيحَ حِـــماكُم يا بَني تَغلِبَ أمــــا مِن ضِـــرابِ
وَهُمُ هاربـــــونَ في كُلِّ فَــــجٍّ كَشَــــــريدِ النَــــعامِ فوقَ الرَوابي
وَاِستَدارَت رَحى المَنايا عَليهِم بلُـــــيوثٍ مِن عامِــــــرٍ وَجَــنابِ
طحَنَتـــهُم أرحاؤُها بطحـــون ذاتِ ظُفـــــرِ حَديــــــدِةِ الأنــيابِ
فــــهُم بَينَ هاربٍ ليسَ يَألــــو وَقتيـــــــلٍ مُعَفَّــــر في التُـــرابِ
فَضَلَ العِزَّ عِزَّنا حينَ يَســـمو مِثَلَ فَضلِ السَـماءِ فوقَ السَـحابِ
*****
سلمى بنت حرملة
هي النابغة سلمى بنت حرملة الجلانية العنزية ، من بني جلان من عنزة بن ربيعة. وقيل هي والدة الصحابي عمرو بن العاص أو سبية أمه . وقيل خالة عقبة بن نافع وقيل أمه وقيل هي والدة أو خالة عروة بن أثاثة وأرنب بنت عفيف بن أبي العاص . شاعرة عرفت بذكائها ونبوغها .
سلامة بن جندل
سلامة بن جندل بن عبد عمرو ، أبو مالك ، من بني كعب بن سعد التميمي (؟ - 23) قبل الهجرة ( ؟ - 600 ) للميلاد شاعر من الحجاز . في شعره حكمة وجودة ، وهو من أفضل من وصف الخيل .
مختارات من شعره :
أودَى الشَّبابُ ، حَميداً ، ذو التَّعاج أودَى ، وذلك شأوٌ غيرُ مطلوبِ
وَلَّى حَثيثاً ، وهذا الشَّــــيبُ يَطلبُهُ لو كَانَ يُـدركُه رَكَضُ اليَعاقِيبِ
أودَى الشَّـــبابُ الّذِي مَجْدٌ عَواقبُهُ فيــــه نلذ ، ولا لذات للشـــــيبِ
يــومان : يـــــوم مقامات وأنــدية ويوم سير إلى الأعداء ، تأويبِ
وكرنا خيلتا أدراجها رجـــعا كا لســــــنابك ، من بدء وتعقـيبِ
والعاداتُ ، أســــــابيُّ الماءِ بــها كأنَّ أعناقها أنصــابُ تَرجِــيبِ
*****
السليك بن السلكة
هو السليك بن عميربن يثربي بن سنان السعدي التميمي ( ؟ - 17 ) قبل الهجرة( ؟ - 605 ) للميلاد ، أمه عبدة سوداء ورث عنها لونها الأسود ، كما ورث منها الشعر فقد كانت شاعرة جيدة ، وقد رثته بقصيدة جيدة . كان كبقية الصعاليك شاعراً فاتكاً مغيراً سريع العدو ، ولقب بالرنبال . كان لا يغير على مضر بل على اليمن أو على قبائل ربيعة . كان يدعى بسليك المقانب ، وكان عارفا بدروب الصحراء ومسالكها . وكان يدعو ويقول : اللهم إنك تهيء ماشئت إذا شئت ، اللهم إني لو كنت ضعيفاً كنت عبداً، ولو كنت امرأة كنت أمة ، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة ، فأما الهيبة فلا هيبة ، قتله أسد بن مدرك الخثعمي ، وقيل يزيد بن رويم الذهلي الشيباني من بكر بن وائل .
مختارات من شعره :
لـــحى اللهُ صُــــعلوكاً ، إذا جَـــــنَ ليلُهُ مصـــــافي المشــــــاش ، آلفاً
كلَّ مجزريَعُدّ الغِنى من نفسه ، كلَ ليلة أصـــــابَ قِراها من صَـــديقِ
ميسَّـــــــر ينامُ عِشاءً يصبحُ ناعســـــاً تَحُـــــثّ الحَــــصى عن جنبهِ
المتعفِّر يُعينُ نِســاء الحيّ ، ما يَستَعِنّه ويمسي طليحاً كالبعير المحس
*****
السموأل
السموأل بن غريض بن عادياء الأزدي ، من بني الديان من بني الحارث بن كعب القحطاني اليمني . عاش في النصف الأول من القرن السادس الميلادي . شاعر حكيم يهودي واسمه بالعبرية شموأل ومعناه سماه الله ، من سكان خيبر وله حصن يدعى الأبلق بناه جده عادياء في تيماء ، واشتهر بالوفاء إثر قيام الملك الضليل امرؤ القيس الشاعر بإيداع دروعه لديه ، وعدم تسليمها لأعدائه رغم تهديدهم بقتل ابنه الأسير وتنفيذهم لهذا التهديد . أكثر شعره في الفخر بالوفاء ومكارم الأخلاق .
مختارات من شعره :
إذا المَــــرءُ لم يُدنَــــس مِنَ اللُـــــؤمِ عِرضُه فكُلَّ رداءِ يَرتَديهِ جَميــلُ
وَإن هو لم يَحمل عَلى النَفس ضَيمَها فَليسَ إلى حُســــــنِ الثَناءِ سَــبيلُ
تعَيِّـــــرُنا أنّـــــا قليــــــلٌ عَديــــــدُنا فقُلتُ لــــها إنَّ الكِــــــــرامَ قليــلُ
وَما قـــلَّ مَن كانَت بَقايـــاهُ مِثـــــلنا شَـــــبابٌ تَســامى لِلعُلى وَكُهــولُ
وما ضَـــــــرَّنا أنّا قليــــــلٌ وَجــارُنا عَزيزٌ وَجــــارُ الأكثــــرينَ ذليــلُ
لَنا جَبَـــــلٌ يَحتَــــــلُّهُ مَن نُجيـــــرُه نَيـــــعٌ يَرُدُّ الطــــرفَ وَهُوَ كَليــلُ
رَســـا أصلُهُ تحتَ الثرى وَسَـما بهِ إلى النَجـــــم لا يُــــــــنالُ طويــلُ
هُوَ الأبلقُ الفَردُ الَّذي شــــاعَ ذكِرُهُ يَعــــزَّ عَلى مَن رامَـــهُ وَ يَطــولُ
وَإنّا لقـومٌ لا نَــرى القَتــلَ سُــــــبَّةَ إذا ما رأتـــــــهُ عامِـــــرٌ وَسَـلولٌ
يُقــــــــَرِّبُ حُبَّ المَــــوتِ آجــــالنا وَتَكــــــرَهُهُ آجـــالُــــــهُم فَتَطــولُ
وَما ماتَ مِــــنَّا سَــيِّدٌ حَتفَ أنـــفِهِ وَلا طُـــــلَّ مِــــنَّا حَيثُ كـانَ قتيلُ
تَســــيلُ عَلى حَدِّ الظُباتِ نُفوسُــنا وَلَيسَــــت عَلى غير الظُباتِ تَسيلُ
صَــفونا فَلم نَكدُر وَأخلَصَ سِــرَّنا إناثٌ أطـــــابَت حَملــــــنا وَفحولُ
عَلونا إلى خَير الظهور وَحَطَّــــنا لِوَقت إلى خَيـــــر البُطــونِ نُزولُ
فنحنُ كَماءِ المُزنِ مافي نِصــابِـنا كَــــــهامٌ وَلا فيـــــنا يُعَـــــدُّ بَخيلُ
وَنُنكِرُ إن شِـئنا عَلى الناس قولهُم وَلا يُنكِــــــرونَ القـولَ حينَ نَقولُ
إذا سَـــــــيِّدٌ مِنَّا خَلا قامَ سَـــــــيِّدٌ قؤُولٌ لِــــما قالَ الكِـــــــرامُ فعُولُ
وَما أخمِدَت نارٌ لــنا دونَ طـارق وَلا ذمَّـــــنا في الــــــنازلينَ نَزيلُ
وَأيّامُـــــنا مَشـــهورَةٌ في عَــدُوِّنا لها غَــــرَرٌ مَعلــــــــومَة وَحُجول
وَأسـيافَنا في كُلِّ شَــرقِ وَمَغربٍ بــــها مِن قِراع الدار عيــــن فَلولُ
مُعَــــــوَّدَةٌ ألَا تُسَـــــــلَّ نِصــالُها فَتُغمَـــــدَ حَـــتَّى يُســــــــتَباحَ قَبيلُ
سَلي إن جَهلتِ الناسَ عَنَّا وَعَنهُمُ فليـــــسَ سَــــــــــواءً عالِمٌ وَجَهولُ
فإنَّ بَني الرَيَّــــانِ قطــبٌ لِقومِهِم تَدورُ رَحـــــاهُم حَولَــــــهُم وَتَجولُ
*****
شبيب بن حاتم الطائي
شاعر ، لم تكن له شهرة أبيه ، وأمه وهي عالية العنزية من ربيعة بن عدنان ، ولها قصة مع أبيه ، قالت له أثناء أسره لدى بكر من قبيلة عنزة : قم افصد لنا هذه الناقة! فقام حاتم ونحر الناقة بدلاً من فصدها ، فذهلت عالية فقال حاتم الأبيات التالية بعد نحره للناقة :
عــــالي لا تلتـــــدّ من عاليه
إنّ الذي أهلكـــــت من ماليه..
إنّ ابـن أســـــماء لكم ضامن
حــتّى يـــؤدّي آنــــسٌ ناويه..
أفصــــــد الــــــناقة في أنفه
لكنّـــني اوجــــــرها العاليه..
إنّـي عن الفصــد لفي مفخر
يكـره منّي المفصـــد الآليه..
والخيل إن شمّص فرسانها
تذكر عند المـــوت أمثاليه..
وبعد فك أسره تزوجها.
الشنفري الأزدي
هو ثابت بن أوس الأزدي اليمني ( ؟ - 70 ) للهجرة ( ؟ - 525 ) للميلاد ، ومعنى الشنفري غليظ الشفاه ، ولعله من أصل حبشي . وقتلت قبيلة الأزد والده فتحولت أمه إلى قبيلة فهم التي نشأ فيها ، واشتهر بسرعته في الجري لا تدركه الخيل حتى قيل : أعدى من الشنفري ، وخص بغزواته بني سلامان الأزديين ثأراً لوالده وقيل أنه قتل منهم تسعة وتسعين رجلاً ، كما عرف برفقته لتأبط شراً . عاش الشنفري في البراري والجبال وحيداً حتى ظفر به أعداؤه وقتلوه . تنسب له لأمية العرب ، وهي من أهم قطع الشعر العربي ، وكانت توازي المعلقات من حيث البناء والثراء اللغوي.
مختارات من شعره :
أقيمــــوا بني أمي ، صــــــدورَ مَطيــكم فإني ، إلى قوم سِــــــواكم لأميلُ!
فقد حمـــت الحاجــاتُ ، والليــــلُ مقمــرٌ وشُـدت ، لِطياتٍ ، مطايا وأرحُلُ
وفي الأرض مَنْأىً ، للكريم ، عن الأذى وفيـها ، لمن خاف القِلى ، مُتعزَّلُ
لعَمْـرُكَ ، ما بالأرض ضيقٌ على أمرئٍ سَرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقلُ
ولي ، دونــــكم ، أهلونَ : سِـــيْدٌ عَمَلَّسٌ وأرقـــطُ زُهلول وَعَـــــرفاءُ جيألُ
هم الأهـــلُ . لا مســـتودعُ الســــرِّ ذائعٌ لديهم ، ولا الجاني بما جَرَّ ، يُخْذَلُ
وكلَّ أبـــيٌّ ، باســــــــلٌ . غير أنـــــني إذا عـرضت أولى الطــــرائدِ أبسلُ
وإن مـــدتْ الأيـــــدي إلى الزاد لم أكن بأعجلــهم ، إذ أجْشَـــعُ القومِ أعجلُ
*****
طرفة بن العبد البكري
هو عمرو بن العبد ، من بني قيس بن ثعلبة بن بكر بن وائل ، ويلقب بطرفة ، من أصحاب المعلقات ، ولد بصحراء البحرين ونشأ في اليمامة ( 538 – 564 ) للميلاد، وهو من أصحاب المعلقات ، من أبوين شريفين ، وكان أبوه وجده وعماه المرقشان وخاله المتلمس شعراء ، كفله أعمامه بعد موت أبيه وهو حدث ، وأساءوا إليه وإلى أمه ، وسلبوهما حقوقهما فعاش طفولة حزينة ، ثم ترك قبيلته شريداً لاهياً يعاقر الخمر ويفتش عن الملذات ، حتى وصل إلى أطراف الجزيرة ، ثم عاد يرعى إبل أخيه معبد الذي اختلف معه ، ثم عاد إلى حياة التشرد واللهو ، ووصل إلى بلاط الحيرة ، واستقبله ملك المناذرة عمرو بن هند وأخوه قابوس وقرباه لكن طرفة هجاه لأنه شعر بالإهانة حيث أراد الملك أن تقوم أم الشاعر على خدمة زوجته ، وأوقع به المناذرة ومات الشاعر مقتولاً وهو في ريعان شبابه . تعتبر معلقته أشهر ماقال لأنها تصور حياته بما فيها من عناء ولهو وعتاب وشبابه المتوثب .
مختارات من معلقته :
لِخَــــولةَ أطــــلالٌ ببُــــــرقةِ ثهــــــمَدِ ، تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليـــــدِ
وُقوفـــاً بــــها صَـــحبي عَلى مَطيَّـــهُم يَقولـــونَ لا تَهـلِك أســـــىً وَتَجَلَّـــدِ
يشـــــقّ حبابَ المـــاءِ حيزومها بـــــها كما قَسَـــــــمَ التُّربَ المُفايــلُ باليَـــدِ
وفي الحيِّ أحوى ينفضُ المردَ شــــادنٌ مُظاهِرُ سِـــــــمْطيْ لُؤلُؤٍ وَزَبَرجَــدِ
خـــذولٌ تــــراعي ربــــرباً بخميــــــلةٍ تَناولُ أطــــرافَ البَرير ، وتَرتَــدي
وتبســــــــمُ عن ألـــمَى كـأنَّ مُنـــــوراً تَخَلّلَ حُــــرَّ الرّمْلِ دِعْصٌ له نَــدي
سقتــــــهُ إيـاه الشــــــــمس إلا لثاتـــــهُ أســـــــــف ولم تكدم عليـــــه بإثمـدِ
ووجـــهٌ كأنَّ الشـــــمس ألقــت رداءها عليــــــه ، نَقِيَّ اللّــــــونِ لمْ أفَتَد
وجاشَـــتْ إليه النّفسُ خوفاً ، وخـــــالهُ مُصاباً ولو أمسى على غير مَرصَدِ
إذا القــــومُ قالوا مَن فَتىً ؟ خِلتُ أنّــني عُنِيـــــتُ فلمْ أكسَـــــــلْ ولم أتبَلّــــد
وإن يلتـــق الحـــي الجميــع تلاقنـــــي إلى ذروة البيــت الكريـــم المصمـد
وما زال تشـــــرابي الخمــــور ولذتـي وبيــعي وإنفــاقي طريــفي ومتلـدي
إلى أن تحــامتنــي العشــــيرة كلـــــها وأفـــردت إفـــراد البــعيــــر المعبد
ألا أيهـــاذا اللائمـــي أشـــهد الــــوغى وأن أحضر اللذات هل أنت مخـلدي
فإن كنت لاتســـــتطيع دفــــع منــــيتي فدعـــني أبـــادرها بما مــلكت يـدي
ولســــــــتْ بحـــلاَل التلاع مــــــخافةً ولكـــــن مـــتى يســـترفدِ القومُ أرفدِ
فإن تبغني في حلقـــــة القــوم تلقــــني وإنْ تلتمِسْـــني في الحوانيت تصطد
متى تأتني أصــــبحتَ كأســـــاً رويــةً وإنْ كنتَ عنـها ذا غِنَى فاغنَ وازْدَدِ
ندامـــاي بيضٌ كالنجــــــوم وقينــــةٌ تروحُ عَليـــــــنا بَينَ بُــردٍ ومَجْسَــــد
إذا نحنْ قُلنا : أســــــمِعينا انبرَتْ لنا على رســــــلها مطروفةً لم تشــــــدَّدِ
إذا رَجّعَتْ في صَوتِها خِلْتَ صَوْتَها تَجاوُبَ أظــــــآرِ على رُبَــــــعِ رَدي
ســــــتُبدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً ويأتِيـــــــكَ بالأخــــــبار مَن لم تُزَوّد
ويَأتِيــــكَ بالأخـــــبار مَنْ لم تَبعْ له بَتاتاً ، ولم تَضْــــــربْ له وقْتَ مَوعد
كريــم يروي نفـــسه في حـياتــــه مـخافة شــرب في الممات مصرد
فـــذروني أروي هامتي في حياتها ستعلم إن متنا صدى ، أينا الصدي ِ
*****
الطُفيل الغَنَوي
هو طفيل بن عوف بن كعب ، من بني غني ، من قيس عيلان ( ؟ - 13 ) قبل الهجرة ( ؟ - 609 ) للميلاد ، شاعر عرف بالشجاعة ، وهو من أفضل من وصف الخيل ، ويقال بأنه سمي ( طفيل الخيل ) لكثرة وصفه لها . ويسمى أيضاً ( المحبّر ) لتحسينه شعره ، عاصر النابغة الجعدي وزهير بن أبي سلمى ، ومات بعد مقتل هرم بن سنان . كان معاوية يقول : خلوا لي طفيلاً وقولوا ماشئتم في غيره من الشعراء .
مختارات من شعره :
مطوت بهمْ حتى تكــلَّ مطيـــــهم وَحَتَّى الجيَــــادُ ما يُقدْنَ بأرْسَـــــانِ
ألا هلْ أتى أهلَ الحـــجاز مغارنا على حيّ وردٍ وابنِ ريا المضــربِ
بناتِ الغــــرابِ والوجيــهِ ولاحق وأعْـــوَجَ تَنْمي نِسْــــبَةَ المتنسّــــِبِ
جَلَبْنَا من الأعْرَافِ أعْرَافِ غُمْرَةٍ وأعــرافِ لبنى الخيلَ يا بعدَ مجلبِ
ورَاداً وحُــوَّاً ، مُشْـــرفاً حَجَباتُها بنـــاتِ حصـــــــانٍ قد تعولمَ منجبِ
وكمــــتاً مــــدماةً كأنَّ متونـــــها جرى فوقها واستشعرتْ لونَ مذهبِ
نزائــعَ مقذوفاً على ســــــرواتها بمَــا لم تُخَالِسْــــهَا الغُزَاةُ وتُسْــــهَبِ
تباري مراخيـــــها الزجاجَ كأنها ضــــــراءٌ أحســـــتْ نبأة من مكلبِ
*****
عامر بن الظرب العدواني
شاعر وحكيم في سوق عكاظ . له أحكام فقهية أقرها الإسلام فيما بعد ، وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية .
مختارات من شعره :
أولئِــــكَ قومٌ شَـــــــيّدَ اللهُ فَخــــرَهُم فَما فَوقهُم فَخرٌ وَإن عَظُـمَ الفخرُ
أناسٌ إذا ما الدَهرُ أظلــــمَ وَجهُـــــهُ فأيديــهُمُ بيضٌ وَأوجُهُــــهم زُهرُ
يَصـــونونَ أحســـــاباً وَمَجداً مُؤثَلاً ببَذلِ أكفٍّ دونَها المُـزنُ وَالبَحرُ
سَـــمَوا في المَعالي رَتبَةَ فوقَ رُتبَةٍ أحلتـــهُمُ حَيثُ النَعائِمُ وَالنَســــرُ
أضاءَت لهُم أحسابــــهُم فتَضاءَلت لنورهُمُ الشَــمسُ المُنيرَةُ وَالبَـدرُ
فلو لامَسَ الصَـــــخرَ الأصَمّ أكُفُهُم لفاضَ يَنابيعَ النَدى ذَلِكَ الصَخرُ
شَـــــكَرتُ لــــــهُم آلاءَهُم وَبلاءَهُم وَما ضاعَ مَعروفٌ يُكافِئُهُ شُـكرُ
وَلَو كانَ في الأرض البَسيطةِ مِنهُم لِمُغتَبَـــط عافٍ لمـا عُرِفَ الفقـرُ
*****
عبد العزى بن مسروح الغامدي
هو عبد العزى بن مسروح بن جبير بن كثير ينتسب إلى كثير بن الدول بن سعد بن مناة بن غامد . يقال إن اسمه عبدالله أو عبد شمس بن مسروح الأزدي كما جاء في خبر قدوم جيش أبرهة الأشرم الحبشي لهدم الكعبة ، وقد مر بأرض الأزد الذين هزموا خيله وردوهم على أعقابهم وذكر ابن مسروح ذلك في إحدى قصائده .
مختارات من شعره :
نحن منعنا الجيش حوزة أرضنا وما كان منا خطبـــهم بقريب
إذا ما رمونا رشــق ازب أتيتهم بكل طوال الســـاعدين نجيب
وما فتية حتى أفاتت ســــهامهم وما رجعوا من مالنا بنصيب
*****
عبيد بن الأبرص الأسدي
هو عبيد بن حنتم ، وقيل : بن عوف بن جشم ، وأمه أمامة من أسد مضر ،( ؟ - 454) ولد بنجد وقتل بالحيرة ، ويقال أنه أحد زعماء أسد الذين قتلوا حجر والد امرئ القيس وكان عبيد يعدّ من شعراء الطبقة الأولى ، ومن أصحاب المعلقات، وجعله ابن سلام في الطبقة الرابعة . وقد قتله النعمان بن المنذر حين وفد عليه في يوم بؤسه .
مختارات من معلقته :
أقفَـــــرَ مِـن أهلِهِ مَلـــــحوبُ فَـالقُطبيّـــــاتُ فَالـذُّنـــــوبُ
إن بُدِّلـت أهلُـــها وُحوشــــــاً وَغيَّـــرَت حالــها الخُطوبُ
أرضٌ تَوارَثـــــها الجُـــــدودُ فَكُلُّ مَن حَلَّـــها مَحــــروبُ
إمّا قتيـــــــلاً وَإمّـا هالِكــــــاً وَالشَــــيبُ شَينٌ لِمَن يَشـيبُ
عَينـــــاكَ دَمعُهُمـا سَــــروبُ كَأنَّ شَــــــأنَيهما شَــــــعيبُ
واهِيَــــــة أو مَعيــــنٌ مَمـعِنٌ أو هَضـــــبَة دونَها لُـــهوبُ
أو فلـــــجٌ ما ببَطــــــــنِ وادٍ لِلمــــاءِ مِن بَينِهِ سُــــــكوبُ
فَكُلُّ ذي نِعمَــــــةٍ مَخلـــوسٌ وَكُلُّ ذي أمَـــــل مَِكــــذوبُ
وَكُلُّ ذي إبـــــــلٍ مَـــوروثٌ وَكُلُّ ذي سَــــلبٍ مَســـلوبُ
وَكُلُّ ذي غيبَـــــةٍ يَــــــؤوبُ وَغائِبُ المَـــــوتِ لا يَؤوبُ
أعاقِـــــرٌ مِثــــــلُ ذاتِ رحمٍ أم غــــانِمٌ مِثــــلُ مَن يَخيبُ
أفلِــــحُ بمَا شِــــــئتَ قد يُبلغُ بالضَّعفِ وَقد يُخدَعُ الأريبُ
لاَ يَعِــــظُ النَّاسُ مَن لاَ يَعِظِ الـــدَّهرُ وَلا يَنفَـــــعُ التَلبيبُ
إلّا سَــــــجيّاتِ ما القُلــــوبِ وَكَم يَصيرَنَّ شـــــانِئاً حَبيبُ
سَــــــاعِد بأرضٍ تَكُونُ فِيهَا وَلا تَقُـــــل إنَّــــنِي غـــريبُ
قد يوصَلُ النازحُ النائي وَقد يُقطــعُ ذو السُــــهمَةِ القريبُ
مَــن يَســــل النَّاسَ يَحرموهُ وَســـــــائِلُ اللهِ لا يَخــــــيبُ
وَالمَرءُ مَا عَاشَ فِي تَكذِيبِ طـــــولُ الحَيـــــاةِ لهُ تَعذيبُ
*****
عبيد بن عبد العزى السلامي
شاعر جاهلي من بني سلامان بن مفرج وهو ابن عم الشنفري وهو أزدي ( ؟ - ؟ ) تاريخ مولده وموته غير معروف ، وقد اختار له ابن ميمون صاحب (منتهى الطلب) ثلاث قصائد واعتبرها من عيون الشعر العربي ويتميز بالحكمة .
مختارات من شعره :
تذكَّرَ أيامَ الشَــبابِ الَّذي مَضى وَلَمَــــــا ترُعنــــــا بالفِراقِ الروايعُ
بأهــلي خَليــلٌ إن تحملتُ نحوهُ عَصـــــاني وإن هاجَرتُهُ فهو جازعُ
وَكَيفَ التعزّي عَن رَميمَ وحبَّها عَلى النأي والهجرانِ في القلبِ نافعُ
طوَيتُ عليهِ في القلبِ شـــــامَة شَـــــريكُ المَنايــــا ضُمِّنتهُ الأضالِعُ
وَبيض تَهادى في الرياطِ كَأنَّـها نــــهى لسـلـس طَابَت لـهن المراتِعُ
وَأدبَرنَ من وَجهٍ بِمثلِ الَّذي بنا فســـالت عَلى آثـــــارهنَّ المَـــدامِعُ
تبــــادِرُ عَينيهــــــا بكُحلٍ كأنَّهُ جُمانٌ هَــــوى من سِـــــلكِهِ متتـــايعُ
وَقُمنـا إلى خوصٍ كأنَّ عيونَها قِلاتٌ تَـــــراخى ماؤُها فهو واضــعُ
فَوَّلَّــت بنا تَغشى الخَبارَ مُلحَّة مَعـــــاً حولُها وَاللاقِحـــاتُ المَلامِــعُ
وَإنّي لصَرامٌ وَلم يُخلق الهَوى جَميـــــلٌ فراقي حينَ تَبدو الشَــــرايعُ
عدي بن زيد التميمي
هو عدي بن زيد بن حمّاد بن زيد العبادي التميمي . ( ؟ - 36 ) قبل الهجرة (؟-587) للميلاد شاعر من الدهاة ، من أهل الحيرة ، كان فصيحاً يحسن العربية والفارسية ، والرمي . وهو أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى ، وجعله ترجماناً بينه وبين العرب ، فسكن المدائن ولما مات كسرى وولي الحكم هرمز أعلى شأنه ووجهه رسولاً إلى ملك الروم طيباريوس الثاني في القسطنطينية ، فزار بلاد الشام ، ثم تزوج هنداً بنت النعمان . إلى أن وشى به أعداء له إلى النعمان بما أوغر صدره فسجنه وقتله في سجنه بالحيرة .
مختارات من شعره :
أرواحٌ مُــــــــوَدِّعٌ أم بُـــكــــــــــــور لكَ فاِعمَـــــد لِأيِّ حالٍ تصـــيرُ
وَســـــطهُ كَاليَراع أو سُـــــرُج المجد دل حينــــــاً يَخبو وَحينـــاً يُنيرُ
مِثل نار الحَرّاضِ يَجلو ذثرى المُزنِ لِــمَن شـــــــامَهُ أذى يَســـــتَطيرُ
مَرحٌ وَبلُهُ يَسُــــــحُّ سُـــــبوبَ السَـما مَجّــــــــاً كَأنَّـــــــــهُ مَنـــــحورُ
زَجَــــــلٌ عَجـــــزُهُ يُجاوبُـــــهُ دُفف لِخـــــــوانٍ مَأدوبَــــةٍ وَزَمــــيرُ
كَدُمى العاجِ في المَحــاريبِ أو كَال بَيض في الرَوض زَهرُهُ مُستَنيرُ
زَانَهُـنَّ الشفُوفُ يَنضَحنَ بالمســــكِ وَعَيــــــــشٌ مُفانِـــــــقٌ وَحــريرُ
*****
ثم ثاروا إلى صبوح فقامت قـــينة في يميــنها إبريــق
قدمته إلى عقــــاركعين الد يك صفى زلالها الراووق
عروة الصعاليك
هو عروة بن الورد بن زيد العبسي ( ؟ - 30 ) قبل الهجرة ( ؟ - 594 ) للميلاد ، كانت قبيلته تتشاءم من أبيه لأنه جرّ حرباً عليها ، كما أن أمه من قبيلة أقل شرفاً . هو شاعر من غطفان وفارس من فرسانها وصعلوك من صعاليكها ، ألّف عصابة من الصعاليك يأتمرون بأمره كان يسرق ليطعم الفقراء ويحسن إليهم ، كان فارساً بدوياً جواداً مغامراً شاعراً . قال معاوية بن أبي سفيان : لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج إليهم . وقال الحطيئة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : كنا نأتم في الحرب بشعره . وقال عبد الملك بن مروان : إذا قبيلة أصابها القحط الشديد تركوا المريض والضعيف والكبير واعتزلوهم ، وكان عروة يجمع هؤلاء وأشباههم من المساكين والمعوزين ، ويكسبهم ويطعمهم ويفك حاجتهم ، فإذا قوي أحدهم أخذه معه في الغارات ، ولما تنتهي فترة القحط ، يعيدهم إلى أهلهم وقبائلهم أصحاء ومعهم الغنائم التي كسبوها من الغارات .
مختارات من شعره :
لحى الله صعلوكاً إذا جن ليله مصافي المشاش ألفاً كل مجزر
يعد الغني من دهــره كل ليلة أصاب قراها من صديق ميسـر
ولله صــعلوك صفيحة وجهه كضوء شــــهاب القبس المتنور
*****
إذا المــــرء لم يبعث ســواماً ولم يرح عليــه ولم تعطـــــف عليــه أقاربُــه
فللمَـــــوتُ خيــــــرٌ للفتى منْ حَياتِـــهِ فقيــــــراً ، ومن موْلىً تدِبُّ عقاربُه
وســـــــائلة : أينَ الرَحيلُ ؟ وســـــائِلِ ومـتى يســــأل الصعلوك أين مذاهبُه
مَـــذاهِبُــــهُ أنّ الفِجــــــاجَ عريضــــةٌ إذا ضَـــنَّ عنه ، بالفعـــال ، أقاربُه
فلا أتــــرك الإخوان ماعشـــت للردى كما أنه لا يتــركُ المـــاءَ شـــــــاربُه
ولا يُستضامُ الدهرَ ، جاري ، ولاأرى كمن باتَ تَســـــري للصّديق عقاربُـه
وإنْ جــــارتي ألــــوَتْ ريــــاحٌ ببيتها تغافلــــت حتّى يســـــتر البيت جانبُه
إذا المـــــرء لم يطلب معاشــــاً لنفسه شكا الفقرَ ، أو لامَ الصّديقَ ، فأكثــرا
وصـــارَ على الأدنَينَ كَلاًّ، وأوشكتْ صـــــلات ذوي القربى له أن تنكــرا
وماطالب الحاجـــــات من كل وجهة من النـــاس إلا من أجـــد وشــــــمرا
فســــر في بلاد الله والتمــــس الغنى تَعِـــشْ ذا يَســـار، أو تموتَ فَتُعــذَرا
*****
علقمة الفحل
علقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس ، من بني تميم ( ؟ - 20 ) قبل الهجرة (؟-603) للميلاد شاعر من الطبقة الأولى ، معاصر لامرئ القيس وله معه مساجلات . وأسر الحارث ابن أبي شمر الغساني أخاً له اسمه شأس ، فشفع به علقمة ومدح الحارث بأبيات فأطلقه . وكان له ولد اسمه عليّ يعد من المخضرمين أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يره .
مختارات من شعره :
أطعـتَ الوُشـــاةَ والمُشــــاةَ بصُرمِها فقد أنهَجَـــــت حِبالُهـــــا للتّقَضُّـــبِ
وقد وَعَــــــدتكَ موعِـــدا لو وَفت به كمَوعودِ عُرقُوبِ أخـــــاه بيَثـــــربِ
وقالـــتْ : وإن يُبخَـــلْ عليكَ ويُعتَللْ تَشَـــــــكَّ وإن يكشف غرانك تدربِ
فقلــــتَ لهـــا : فِيئِي فما تَســــتَفِزُّني ذواتُ العُيـــونِ والبَنانِ المخضـــبِ
ففاءت كما فاءت من الأدم مُغـــــزلٌ بِبِيشَـــــةَ تَرعى في أراكٍ وحُلَّــــبِ
فَعِشــــــنا بها من الشَّـــــــبابِ مُلاوَة فأنجَـــــحَ آياتُ الرَّســـــولِ المُخَبَّبِ
فإنَّكَ لم تَقطَــــــعْ لُبَانَـــــةَ عاشـــــقِ بمثـــل بُكــــور أو رَواحِ مُـــــؤَوِّبِ
بمُجفَـــــرةِ الجَنبَينِ حَرفٍ شِـــــــملَّةٍ كَهمَّــــكَ مِرقالٍ على الأينِ ذِعِلـــبِ
إذا ما ضَربتُ الدَّفَّ أوصُلتُ صَوْلةً تَرقَـــــبُ مني ، غير أدنى ترَقُـــبِ
بعَيــنٍ كمِـــــرآةِ الصَّـــــناعِ تُديرُها لِمحجَـــرها منَ النَّصـــــيف المنقَّبِ
كأنَّ بحاذيـــــــها إذا ما تَشـــــذَّرت عَثــاكيل عِذق من سُـــمَيحةَ مُرطِبِ
تَذُبُّ به طـــــوراً وطــــــوراً تُمِرُّةُ كــــذَبِّ البَشــــــير بالرِّداءِ المُهدَّبِ
وقد أغتَــــدي والطَّيــرُ في وُكُناتِها وماءُ النَّدى يجري على كلِّ مِذَنَــبِ
بمُنجَــــــردٍ قيــــدِ الأوابـــــدِ لاحَهُ طِــرادُ الهَـوادي كلَّ شـــــأوٍ مُغرِّبِ
عمرو بن الأخرز العنزي
عمرو بن الأخرز بن الأخضر الجلاني العنزي ، شاعر جاهلي .
مختارات من شعره :
وأبلغ بني عوف وأبلغ محارباً وأبلغ بني جلان ما الحق تسأل
وهـــــزان أبلغ حيث حلت دياً فما من أخ إلا عليـــه معّــــول
*****
عمرو بن قُمَيئَة البكري
عمرو بن قميئة بن ذريح بن سعد بن مالك الثعلبي من بكر من وائل من نزار ( 179 – 85 ) قبل الهجرة ( 448 – 540 ) للميلاد ، نشأ يتيماً وأقام في الحيرة مدة وصحب حجراً أباً امرئ القيس الشاعر ، وخرج مع امرئ القيس في توجهه إلى قيصر فمات في الطريق فكان يقال له ( الضائع ) وهو المراد بقول امرئ القيس : بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه .
مختارات من شعره :
يا لهفَ نفسي على الشباب ولم أفقـــــد بــــــه إذ فقدتُـــــــهُ أمَمَـــا!
قد كنـــت في مَيْعةٍ أســــرُّ بها أمنــــعُ ضَــــيْمي وأهبط العُصُـما
وأســــحب الرّيط والبرود إلى أدنى تجــــــــاري وأنفُض اللِّــمما
لا تغبـطِ المــــرءَ أم يُقــالَ لهُ أمـــــــسى فلانٌ لعمـــــــرهِ حكمَا
إنْ سَّــــره طولُ عيشهِ ، فلقد أضحى على الوجهِ طولُ ما سَلِما
إنَّ من القومِ مَنْ يُعايــــشُ به ومنـــهمُ مَنْ تَــــــرى به دَسَـــــمَا
*****
عمرو بن كلثوم التغلبي
هو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب ، أبو الأسود ( ؟ - 584 ) للميلاد الموافق (؟-39) للهجرة من أصحاب المعلقات ، ساد قومه صغيراً ، وتنقل بين بوادي الجزيرة من العراق والشام ونجد ، فتك بملك المناذرة عمرو بن هند ، وقيل في ذلك أن أم الملك كانت تفخر بنسبها فقالت أنها أشرف نساء العرب فهي ابنة ملوك الحيرة وزوجة ملك وأم ملك ، قيل لها : ليلى بنت المهلهل أشرف منك ، فعمها كليب وأبوها المهلهل وزوجها كلثوم بن مالك أفرس العرب وولدها عمرو بن كلثوم سيد قومه . فقالت : سأجعلها خادمةً لي . ودعا ابنها الملك الشاعر وأمه لزيارتهم ، وأثناء الطعام أشارت أم الملك إلى جفنة وقالت : ناوليني ياليلى تلك الجفنة ، فقالت : لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها ، وألّحت أم الملك في طلبها فصرخت الضيفة : ياويلي يا ذل تغلب ، وسمعها ابنها مع الملك في غرفة مجاورة فقام إلى سيف معلق هوى به على الملك وقتله ، ثم أمر رجاله خارج القصر بنهبه . ويقال أنه عمّر طويلاً حتى بلغ 150 عاماً . أما معلقته فقد تناقلتها قبيلته وزاد فيها شعراؤها حتى بلغت الألف بيت ووصل إلينا منها ماوصل من حفظ الرواة ، وفيها من الفخر والحماسة ولم يكن له قصيدة أخرى وقد عرف بصاحب القصيدة الواحدة ، ومات في الجزيرة الفراتية .
مختارات من معلقته :
ألاَ هُبِّي بصَـــحْنِكِ فَاصْــــبَحيْنَا وَلاَ تُبْقِي عليك خُمُـــوْرَ الأنْدَريْــــنَا
مُشَـــــعْشَــــعَة كَأنَّ الحصَّ فِيْهَا إذَا مَـا المَاء خَالطهَا سَــــخِيْنَا
وَكَأس قــدْ شَـــــربْتُ ببَعْلبَــــكٍّ وَأخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصـريْنَا
وَإنَّـــــا سَوْفَ تُدْركُنَا المَنَـــــايَا مُقـــــدَّرَةً لنَـــــــا وَمُقـــدِّريْـنَا
أبَـــــا هِنْــــدٍ فلاَ تَعْجَلْ عَليْــــنَا وَأنْظِـــــرْنَا نُخَبِّــــرْكَ اليَقِيْـنَا
بأنَّـــــا نُوْردُ الرَّايَــــــاتِ بيْضاً وَنُصْـــدِرُهُنَّ حُمْراً قدْ رًويْـنَا
وَأيَّـــــــامٍ لنَـــــــا غُرٍّ طِــــوَالٍ عَصَـــيْنَا المَلِكَ فِيهَا إنْ نَدِيْـنَا
وَسَـــــــيِّدِ مَعْشَــــــرٍ قدْ تَوَّجُوْهُ بتَاجِ المُلْكِ يَحْمِي المُحْجَريْـنَا
تَرَكْـــــنَ الخَيْـــــلَ عَاكِفَةً عَليْهِ مُقلَّـــــدَةً أعِنَّتَــــــهَا صُـــفُوْنَا
وَأنْــــزَلْنَا البُيُـــوْتَ بذِي طُلُوح إلى الشَامَاتِ نَنْفِي المُوْعِدِيْـنَا
وَقَدْ هَــــرَّتْ كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّـــا وَشَـــــــذَّبْنَا قَتَــــادَة مَنْ يَلِيْـنَا
مَـــــتَى نَنْقُلْ إلى قَوْمٍ رَحَــــانَا يَكُوْنُوا فِي اللّقَـــاءِ لهَا طحِيْـنَا
وَقَدْ عَلِـمَ القَبــــائِلُ مِنْ مَعَـــــدٍّ إِذَا قُبَـــبٌ بأبطحِهَــا إِذَا ابْتُلِيْنَا
وَأنَّـــا المَانِــــعُوْنَ لِمَا أرَدْنَــــا وَأنَّـا النَّـازلُوْنَ بحَيْثُ شِـــــيْنَا
وَأنَّـــا التَاركُوْنَ إِذَا سَـــــخِطْنَا وَأنَّـا الآخِـــذُوْنَ إِذَا رَضِــــيْنَا
وَأنَّـــا العَاصِـــــمُوْنَ إِذَا أطِعْنَا وَأنَّـا العَــازِمُوْنَ إِذَا عُصِـــيْنَا
وَنَشْرَبُ إنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْواً وَيَشْـــرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْـنَا
ألاَ أبْلِــــغْ بَنِي الطَّمَّـــــاحِ عَنَّا وَدُعْمِيَّــــا فَكَيْفَ وَجَدْتُـــــمُوْنَا
إِذَا مَا المَلكُ سَامَ النَّاسَ خَسْـفَاً أبَيْنَـــــا أنْ نُقِــــرَّ الذُّلَّ فِيْـــــنَا
مَلأنَا البَــــرَّ حَتَّى ضَــاقَ عَنَّا وَظـهرَ البَحْـر نَمْلؤُهُ سَــــــفِيْنَا
إِذَا بَلَــــغَ الفِطـــــامَ لَنَا صَبيَّ تَخِـــرُّ لهُ الجَبَابرُ سَــــــاجِديْنَا
*****
عمرو بن مالك العنزي
هو عمرو بن مالك بن القرار العنزي شاعر جاهلي عرف بأبياته التي قالها لحاتم الطائي وكان أسيراً فيهم :
أحــاتم إنا لا نجيــع أســـــيرنا فأنت طليق الجوع إن كان نالكا
أحــاتم قد جربتنــا فوجــــدتنا ليوثاً لدى الهيجــاء إنا كـــذالكا
مختارات من شعره :
لاتَقْبُـــــروني إنّ قَبْـــــري مُحَـــــــرَّمٌ عَليْكُــــمْ وَلَكِنْ أبْشِـــرِي أمَّ عامِرِ
إذا احْتَمَلُوا رَأسِي وفي الرأس أكْثري وَغُودِر عِنْدَ المُلْتَقَى ثُمَّ سَــــائِرِي
هُنَالِكَ لا أرْجُـــــو حَيَــــاةً تَسُــــــرّني سَـــــجِينَ اللَّيَالي مُبْسِلاً بالجَرَائِرِ
لقلْـــــتُ لهـــــــا قدْ كان ذلك مــــــرَّةً ولسْــــــتُ على ما قدْ عهدتِ بقَادِرِ
*****
عنترة بن شداد العبسي
هو عنترة بن شداد بن معاوية بن قراد العبسي ( ؟ - 600 ) فارس من نجد ، ومن أصحاب المعلقات ، وأشهر الشعراء العرب قبل الإسلام ، أمه جارية حبشية أخذ عنها لونها الأسود ، وعد بذلك من أغربة العرب ، عرف بأخلاقه العربية الكريمة ، وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قوله :
ولقد أبيت على الطوى وأظله حتى أنــال به كريــم المأكـل
فقال : ماوصف لي عبد فأحببت أن أراه إلا عنترة .
عاش عبداً ثم اعترف به أبوه لشجاعته في حرب داحس والغبراء ، وذلك حين أغار بعض أحياء العرب على عبس فأصابوا منهم ، فلحق بهم عدد من فرسان عبس ومعهم شداد وعبده عنترة ، وشداد يقول له : كر يا عنترة ، ويجيبه : العبد لا يحسن الكر إنما يحسن الحلب والصر . فقال : كر وأنت حر ، فقاتل عنترة حتى استرد وأنقذ ما استلب من عبس . وألحقه أبوه بنسبه . وأصبح مضرب المثل في القوة والشجاعة والبأس ، كما نسجت على اسمه الأساطير في القصص الشعبية في العصور المتأخرة. وتزوج ابنة عمه عبلة بنت مالك التي اشتهر بقصة حبه لها ، وما أكثر ذكرها في شعره قرينة لشجاعته الخارقة كقوله :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطــــر من دمي
فوددت تقبيل الســــــــيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبســــم
وكان عفيف النفس واللسان ، ويرعى حق الجار وقد قال :
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جـــارتي مأواهــــا
وقد مات وهو في التسعين من عمره على ظهر جواده في غارة على قبيلة طيء وانهزام قومه حيث أصيب بسهم مسموم من رجل اسمه وزر بن جابر النبهاني الملقب بالليث الرهيص ، وبقي يقاتل وهو واقف متكئ على رمحه ويأمر قومه بالانسحاب ثم لحق بهم ومات .
مختارات من معلقته :
هلْ غادرَ الشُّـــــــعراءُ منْ متـــــردَّم أم هــلْ عرفتَ الدارَ بعدَ توهـــمِ
يا دارَ عَبــــــلة بالجَـــــــواءِ تَكَلَّـــمي وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلة وَاسلمي
إذ تســــــتبيكَ بذي غروب واضــــح عذبٍ مقبلـــــهُ لذيــــــذ المطــعمِ
أثــــني علــــــيَّ بما علِمْــــــتِ فإنني ســــــمحٌ مخــــالقتي إذا لم أظلمِ
وإذا ظُلمْـــــتُ فَإنَّ ظُلميَ باســــــــلٌ مـــــــرٌّ مذاقتهُ كَطــــعمِ العَلـــقمِ
هَلّا سَـــــــألتِ الخَيلَ يا اِبنَـــــةَ مالِكٍ إن كُــــنتِ جاهِلـــة بما لم تَعلمي
إذ لا أزال على رحــــــالةِ ســــــابح نهْــــــدٍ تعــــاوِرُهُ الكُمـــــاةُ مُكَلَّمِ
طْــــوراً يجَــــــرَّدُ للطعانِ وتـــــارةً يأوي إلى حصدِ القســـيِّ عرمرمِ
يُخبــــرْك من شَـــــــهدَ الوقيعَةَ أنني أغشــى الوغى وأعفُّ عند المغنمِ
ومدَّجــــــج كرهَ الكُمـــــــاةُ نِزَالــــهُ لا مُمْعـــــنٍ هَرَباً ولا مُسْــــتَسلمِ
جادتْ له كفي بعــــــاجل طعنـــــــةٍ بمثَقَّفٍ صَــــــدْقِ الكُعُــوبِ مُقوَّمِ
فشَــــــكَكتُ بالرُمحِ الأصَــــــمِّ ثِيابَهُ ليــــــسَ الكَريمُ عَلى القَنَا بمُحَرَّمِ
فتركتــهُ جزرَ الســــــباع ينشـــــــنهُ يقضـــمنَ حســنَ بنانهِ والمعصمِ
وَمِشَــــــكِّ ســـــابغةٍ هَتكتُ فروجَها بالســيف عن حامي الحقيقة معلمِ
زبـــــدٍ يــــــداهُ بالقــــداحِ إذا شــــتا هتَّـــــاك غايــــات التجـــار ملوَّمِ
لمـــــا رآني قـــدْ نَزَلــــــتْ أريــــدُهُ أبــــدى نواجــــذهُ لغير تبسُّــــــمِ
عهـــــدي به مَدَّ النَّهـــــــار كأنــــما خضـــبَ اللبان ورأســـهُ بالعظلمِ
فطعنتـــــهُ بالــــرُّمحِ ثـــم علـــــوتهُ بمهنــــدٍ صـــــافي الحديد مخـذَمِ
بَطــــل كَأنَّ ثِيابَـــــهُ في سَــــرحَتي حذى نِعال السِــــــبتِ ليسَ بتوَأمِ
يَا شَــــــاةَ ما قَنَص لِـــــمَنْ حَلَّتْ لهُ حرمـــتْ عليَّ وليتــــها لم تحرُمِ
فَبَعَثــــتُ جاريتي فقلتُ لها اذْهـــبي فتجسَّــــسي أخبارَها ليَ واعلمي
قالتْ رأيتُ منْ الأعــــــادي غـــرَّة والشــــــــاةُ مُمكِنةٌ لمنْ هُو مُرْتَمِ
لما رأيتُ القــــــومَ أقبلَ جمعـــــهمُ يتَذَامــــرونَ كَــرَرْتُ غَيْرَ مذَمّمِ
يدعـــــون عنترَ والرِّمـــــاحُ كأنها أشـــــــطانُ بئرٍ في لبـانِ الأدهمِ
ما زلـــــتُ أرميـــــهمُ بثغرةِ نحره ولِبانِــــهِ حتى تَسَــــــــرْبلَ بالدَمِ
فــــازورّ من وقع القنـــــا بلبانـــهِ وشــــــكا إليّ بعَبْـــــرةٍ وَتَحَمْحُمِ
لو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اشتَكى وَلكَــــانَ لو عَلِمَ الكَـــلامَ مُكَلِّمي
ولقد شـــفى نفســــي وأبرأ سُقمها قيل الفــــوارس ويـكَ عنتر أقدمِ
*****
رمـــتِ الفؤادَ مليحــــــة عــــذراءُ بســــــهامِ لحظٍ ما لـهنَّ دواءُ
مَرَّتْ أوَانَ العِيـــــدِ بَيْنَ نَوَاهِـــــدٍ مِثلِ الشُّموسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَـاءُ
فاغتـــالني سقمِي الَّذي في باطني أخفيتـــهُ فأذاعــهُ الإخفــــــاءُ
خطرتْ فقلتُ قضيبُ بانٍ حركت أعْطافهُ بَعْدَ الجَنُوبِ صَــــبَاءُ
ورنتْ فقلــــتُ غزالــــةٌ مذعورةٌ قدْ راعهَا وســـط الفلاةِ بــلاءُ
وَبَدَتْ فقُلــــتُ البَدْرُ ليْلــــةَ تِمِّــهِ قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَــا الجَــــوْزَاءُ
بســـمتْ فلاحَ ضياءُ لؤلؤ ثغـرها فِيهِ لِدَاءِ العَاشِـــــقِينَ شِــــفاءُ
سَـــــجَدَتْ تُعَظِّـــمُ رَبَّها فَتَمـايلتْ لجــــلالها أربابنـــا العظــماءُ
يَا عَبْلَ مِثلُ هَواكِ أوْ أضْـــــعَافُهُ عندي إذا وقعَ الإياسُ رجــاءُ
إن كَانَ يُسْــــعِدُني الزَّمَـانُ فإنَّني في هَّمتي لصـــــروفهِ أرزاءُ
*****
أحبك يا ظلوم فأنت عندي مكان الروح في جسد الجبان
ولا أقـــول مكــان روحي خشـــيت عليك بادرة الطعان
*****
القارظ العنزي
هو القارظ اليذكري العنزي من بني يذكر من عنزة بن ربيعة ، فارس وشاعر وسيد ربيعة ، يضرب بغيابه المثل . رفض تزويج ابنته فاطمة العنزية من خزيمة القضاعي الذي ذكر عشقه لها في شعره ، ترصد لأبيها القارظ وقتله غيلة ، وظنت ربيعة أن القارظ غائباً وافتقدوه وأصبح مضرب المثل لمن يغيب ولا يعرف مصيره. غير أن خزيمة اعترف بجريمته وهو سكران ينشد :
فتاة كأن رضاب العصير بفيها يعـــل به الزنجبيل
قتلـــت أبـــاها على حبها فتبخل إن بخلت أو تنيل
وسمعه فرسان عنزة وربيعة بن نزار ، فاجتمعت القبيلة ( كليب ) وائل بن ربيعة وثأرت من قضاعة التي انهزمت إلى بلاد الشام . وسكنت ربيعة نجد ، وكانت بطون ربيعة بكر وتغلب وقيس بن ثعلبة تجوب اليمامة وشمال الجزيرة حتى تصل لبادية الشام والعراق لمنعة فرسانها ، باستثناء قريش في مكة . ولما قتل القارظ أصبح كليب ملك ربيعة حتى قتل وقامت بمقتله حرب البسوس بين بكر وتغلب أربعين عاماً.
قس بن ساعدة الإيادي
قس بن ساعدة الإيادي ( ؟ - 600 ) للميلاد ، شاعر جاهلي ، غير أنه من أشهر الخطباء والحكماء العرب قبل الإسلام . كان أسقف نجران . ويكفيه شرفاً وفخراً أن أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم ، وصاحبه الجليل أبا بكر الصديق رضي الله عنه قبيل البعثة قد شهداه يخطب الناس بسوق عكاظ كما رويا عنه خطبته . ولما جاء وفد إياد إلى النبي صلى الله عليه وسلم سر بقدومهم وسألهم عن قس بن ساعدة ، فقالوا هلك يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يرحم الله قسا أما إنه سيبعث يوم القيامة أمة وحده " . وقال : "مهما نسيت فلن أنساه بسوق عكاظ واقفاً على جمل أحمر يخطب الناس ويقول : أيها الناس اسمعوا وعوا . من عاش مات ، ومن مات فات وكل ما هو آت آت ". وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن قس : هل ترك وصية ؟ قالوا وجدنا عند رأسه صحيفة كتب فيها قس بن ساعدة بخطه: ياناعي الموت ... ، وكان أول من قال : "أما بعد ". وقد قيل : "أبلغ من قس" .
مختارات من شعره :
يا ناعي الموت والملحود في جدث عليـــــهم من بقايا قولـــهم خرق
دعـــهم فإن لهم يوماً يصــــاح بهم فـهم إذا انتبهوا من نومهم أرقوا
حتى يعــــودوا بحال غير حالـــهم خلقــــاً جديداً كما من قبله خلقوا
منــــهم عراة ومنــهم في ثيابــــهم منها الجديد ومنها المنهج الخلق
*****
في الذاهبيــن الأوليــن من القرون لنــا بصــــائر
لمـــا رأيت مـــــوارداً للمـــوت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحــوها يمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي ولا يبقى من البــــاقين غــــابر
أيقنت أني لا محـــالة حيث صـــار القوم صـــائر
*****
"آيات محكمات ، مطر ونبات ، وآباء وأمهات ، وذاهب وآت ، ضوء وظلام ، وبر وآثام ، ولباس ومركب ، ومطعم ومشرب ، ونجوم تمور ، وبحور لا تغور ، وسقف مرفوع ، ومهاد موضوع ، وليل داج ، وسماء ذات أبراج . مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون . أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا".
"يا معشر إياد ، أين ثمود وعاد ، وأين الآباء والأجداد ، أين المعروف الذي لم يشكر، والظلم الذي لم ينكر ، أقسم قس بالله إن لله لدينا أرضى من دينكم هذا".
"إذا خاصمت فاعدل ، وإذا قلت فاصدق ، ولا تستودعن سرك أحداً ، فإنك إن فعلت لم تزل وجلا ، وكان بالخيار ، إن جنى عليك كنت أهلاً لذلك ، وإن وفى لك كان الممدوح دونك . وكن عف العيلة مشترك الغنى تسد قومك".
من عيرك شيئاً ففيه مثله ، ومن ظلمك وجد من يظلمه ، وإذا نهيت عن الشيء فأبدأ بنفسك ، ولا تشاور مشغولاً وإن كان حازماً ، ولا جائعاً وإن كان فهماً ، ولا مذعوراً وإن كان ناصحاً". وقالوا أنه هو أول من قال : " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ".
قيس بن منقذ الخزاعي
هو قيس بن منقذ شاعر من الصعاليك ، وينسب إلى أمه فيقال له ابن الحدادية الخزاعية من بني حداد من كنانة . أما أبوه فهو من بني سلول بن كعب من خزاعة ، وقد عشق أم مالك بنت ذؤيب الخزاعية وله فيها شعر بديع . قتله بنو مزينة في غارة لهم . كان شجاعاً فاتكاً كثير الغارات ، تبرأت منه خزاعة في سوق عكاظ وأخبرت أنها لا تحمل جريرة له أو تطالب بجريرة عليه ، قتله بنو مزينة في غارة لهم . له مع عامر بن الظرب العدواني حديث .
مختارات من شعره :
قالت وعيناها تفيضان عبرة بنفســـــي بين لي متى أنت راجع
فقلت لها والله يدري مسـافر إذا أضمرته الأرض ما الله صانع
*****
كليب بن وائل
وائل بن ربيعة بن الحارث بن مرة التغلبي من وائل ، سيد بكر وتغلب في الجاهلية . قبل الإسلام ( 443 – 492 ) للميلاد ، كان معتداً بنفسه ، وتشبّه بالملوك ، سكن نجد وأطرافها ، وبلغ من هيبته أنه كان يحمي مواقع السحاب ، فيقول ما أظلته هذه السحابة في حماي ، فلا يرعى أحد ماتظله ، وكان له كلب صغير يعوي ، إيذانا ببداية رعي غير إبله . ولذلك لقب بكليب ، وكان لا يرد أحد الماء مع إبله ، ولا توقد نار مع ناره، ولا يحتبي أحد في مجلسه . وقيل في الأمثال : ( هو في حمى كليب ) لمن كان آمناً ، وهو أخو المهلهل بن ربيعة ، وخال امرئ القيس ، قتله جساس بن مرة البكري الوائلي، وكان أخا زوجة كليب ، وثارت بذلك حرب البسوس ، وهي أطول حرب عرفت في الجاهلية ، ودامت أربعين سنة .
مختارات من شعره :
دَعاني داعيـــــاً مُضَــــرٍ جَميـــعاً وَأنفُسُــــــهُم تَدانَت لِاِختِـــــلاقِ
فكانَت دَعــــوَةً جَمَعَت نِـــــــزاراً وَلمَّت شَــــعثها بعدَ الفِــــــراقِ
أجَبنا داعي مُضَـــــرٍ وَسِـــــــرنا إلى الأمــــلاكِ بالقُـبِّ العِتـــاقِ
عَليهـــــا كُلُّ أبيَضَ مِن نِـــــــزارٍ يُساقي المَوتَ كَرهاً مَن يُسـاقي
أمامَهُم عُقابُ المَــــوتِ يَـــــهوي هَويَّ الدَلو أســـــــلمَها العَراقي
فَأردَينـــــا المُلوكَ بكُلِّ عَضــــبٍ وَطارَ هَزيمُـــــهُم حَذَرَ اللحـاقِ
كَأنَّـــهُمُ النَعـــــامُ غَداةَ خــــــافوا بذي السُــــــلِّانِ قارعَةَ التَـلاقي
فَكَــــم مَلِكٍ أذَقَنــــــاهُ المَنـــــــايا وَآخَرَ قد جَلبنـــــا في الوثــــاقِ
يــــالكِ مِن قَبَّـــــرَةٍ بمَعمَـــــري لا تَرهَبي خَوفاً وَلا تَســـتَنكِري
قَد ذَهَبَ الصَيّادُ عَنكِ فَابشِـــري وَرُفِــعَ الفَـــخُّ فَماذا تَحـــــذَري
خَـــلا لَكِ فَبيضـــي وَاصـــفِري وَنَفِّـــري ما شِــــئتِ أن تُنفِّري
فَأنتِ جاري مِن صُروفِ الحَذَرِ إلى بُلـــوغِ يَومِــــكِ المُقـــــدَّرِ
*****
لقيط بنِ يَعمُر
لقيط بن يَعمُر بن خارجة الإيادي ، ( ؟ - 249 ) قبل الهجرة ( ؟ - 380 ) للميلاد ، شاعر من أهل الحيرة ، كان يحسن الفارسية واتصل بكسرى سابور ( ذي الأكتاف ) فكان من كتّابه والمطلعين على أسرار دولته وفي مقدمة مترجميه. وهو صاحب القصيدة التي مطلعها ( يا دار عمرة من محتلها الجرعا ) ، بعث بها إلى قومه ، بني إياد ، ينذرهم بأن كسرى وجّه جيشاً لغزوهم وسقطت القصيدة في يد من أوصلها إلى كسرى فسخط عليه وقطع لسانه ثم قتله .
مختارات من شعره :
سلام في الصحيفة من لقيط إلى من بالجزيرة من إياد
بأن الليث كســرى قد أتاكم فلا يشــــغلكم سـوق النقاد
اتاكم منـــهم ســــــتون ألفاً يزجّون الكتائب كالجَــراد
على حنق أتينـــــكم فـــهذا أوان هلاككم كهــلاك عاد
*****
المتلمس
هو جرير بن عبد المسيح الضبعي ، وقيل جرير بن عبد العزى من قبيلة ضبيعة من ربيعة ، هو من فحول الشعراء غير أن شعره قليل . وهو خال الشاعر طرفة بن العبد، وقيل أنه كان بصحبته حين أتاهما الكتاب من ملك الحيرة ، فقرأه المتلمس ونجا من القتل ، ولم يفتحه طرفة فقتل . ولقب بالمتلمس الضبعي لبيت من الشعر يقول فيه :
وذاك أوان العرض حي ذبابة زنابيره والأزرق المتلمس
مختارات من شعره :
لعلَّكَ يَومــــاً أن يَسُـــــرَّكَ أنَّـــني شَهدتُ وَقد رَمَّت عِظاميَ في قبري
فَتُصبحُ مَظلـــوماً تُســـــامُ دَنيَّـــةَ حَريصاً عَلى مِثلي فقيراً إلى نَصري
وَيَهجُرُكَ الإخوانُ بَعــدي وَتُبتَلى وَيَنصُـــرُني مِنكَ المَليـــكُ فَلا تَدري
وَلَو كُنتُ حَيّـــاً قَبلَ ذلِكَ لم تُــرَم لهُ خُطُّةً خَســـفاً وَشوورتَ في الأمرِ
إلى اِبن الجُلندَى صاحبِ الخَيل جَيفرِ
إنَّ الهَـــــوانَ حِمارُ القومِ يَعرفَهُ والحُــــرُّ يُنكِــــرُهُ والرَّســـــلة الأجُدُ
كونوا كَبَكـــرٍ كَما قد كانَ أوَّلكُم وَلا تَكونــــوا كَعَبدِ القيــــسِ إذ قعَدوا
يُعطونَ ما سُئِلوا وَالخَطَّ مَنزلهُم كما أكَــــبَّ عَلى ذِي بَطنِـــــهِ الفــهَدُ
وَلن يُقيمَ عَلى خَســـفٍ يُسـامُ بهِ إلاَ الأذَلاَنِ عَيـــــرُ الأهــــــلِ وَالوَتِدُ
هَذا عَلى الخَسفِ مَربوط برُمَّتهِ وَذا يُشَـــــــجُّ فَما يَرثي لــــهُ أحَـــــدُ
فإن أقَمتُم عَلى ضَـــيمٍ يُرادُ بكُم فإنَّ رَحـــــلي لــــكُم وَالٍ وَمُعتَـــــمَدُ
كونوا كَسـامَةَ إذا شَعفٌ مَنازلُهُ إذ قِيــلَ جَيشٌ وَجَيشٌ حافِظٌ رَصَـــــدُ
شَـدَّ المَطيَّةَ بالأنساعِ فانحَرفَت عرضَ التَنـــوفَةِ حَتّى مســـــها النَجَدُ
وَفي البــلادِ إذا ما خِفتَ نائِرةً مَشـــــهورةً عَن وُلاةِ السَـــوءِ مُبتَعَدُ
*****
المرقش الأكبر
هو ربيعة بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة ، ويضعه البعض ضمن أصحاب المعلقات ، وقد سمي بالمرقش لقوله :
الدار قفر والرسوم كما رقش في ظهر الأديم قلم
هو أحد أشهر العشاق وصاحبته أسماء بنت عوف بن مالك بن ثعلبة ، زوّجها أبوها أثناء سفره ولما عاد قصد ديارها مع مرافق له من بني غفيلة ، وفي الطريق مرض المرقش فتركه الغفلي في الغار ، وعاد إلى أهله وأخبرهم بموته ، لكنهم عرفوا كذبه من شعر كتبه المرقش باللغة الحميرية على خشب رحله ، فاعترف وقتلوه ، وعرفت أسماء بخبره فأرسلت من يحمله إليها وقد أكلت السباع أنفه ، ومن الأبيات التي كتبها:
لله دركمـــا ودر أبيكمــــا إن أفلـــت الغفلي حتى يقتلا
ذهب السباع بأنفه فتركنه ينهشن منه في القفار مجدلا
مختارات من شعره :
يا راكبــــــاً إما عرضـــــت فبلــغن أنس بن عمرو حيث كان وحرملا
من مبلغ الفتيـــــان أن مرقشـــــــــاً أضـحى على الأصحاب عبأ مثقلا
وكأنمـا ترد الســــــــباع بشـــــــلوه إذ غاب جمع بني ضـــبيعة منهلا
فهل يرجعن لي لمتي إن خضبتــها إلى عهدها قبل الممـــات خضابها
رأت أقحــوان الشيب فوق خطيطة إذا مطـرت لم يســــــتكن صؤابها
فإن يظعن الشيب الشباب فقد ترى به لمتي لم يــــرم عنـــها غرابها
*****
المسيب بن علس
هو المسيب بن مالك بن عمرو بن قمامة من ربيعة من نزار ( 100 – 48 ) قبل الهجرة ( 525 – 575 ) للميلاد ، وهو خال الشاعر الأعشى الأكبر الذي كان رواية لشعره . وقيل إن اسمه زهير وكنيته أبو فضة .
مختارات من شعره :
ذَا حاجَةً وَلَّتكَ لا تَســـتَطيعُها فَخُذ طَرَفاً مِن غَيرها حينَ تُسبَقُ
فَذَلِكَ أحرى أن تَنالَ جَسيمَها وَللقصدُ أبقى في المَســير وألحقُ
كَلِفتُ بليلى خَدين الشَــــبابِ وَعالجتُ مِنـــــها زَمـــــاناً خَبالا
لها العَينُ وَالجيدُ مِن مُغـزلٍ تُلاعِــــبُ في القَفَـــــراتِ الغزالا
كَأنَّ السُــــــلافَ بَأنيابـــــها يُخالِـــــطُ في النّــــومِ عَذباً زُلالا
وَكَيفَ تَذَّكَـــــرها بَعـــــدَما كَبــــرتَ وَحلَّ المَشـــــيبُ القَذالا
فَدَع عَنكَ ليلى وَأتـــــرابَها فَقَد تَقطَّــــعُ الغَانِياتُ الوصــــالا
فإمّـــــا تَريــني عَلى آلــــةٍ رَفَضتُ الصِبا وَلبســــتُ السِمالا
المنخل اليشكري
هو الشاعر الجاهلي الذي أحب المتجردة زوج النعمان بن المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة ، وكان الشاعر أحد ندمائه ، وكان جلساء الملك يتغامزون على أن أولاد الملك من المتجردة يشبهون المنخل ، وغضب النعمان فأمر بقتل الشاعر وإحراق جثته ونثر غبارها في أماكن متباعدة ، حتى لا يعرف قَبره ، وكذلك إحراق جميع شعره ، وإحراق كل من يحفظ شيئاً من شعره أو يشدو به حتى ولو كان لا يعرف أنه للمنخل . وقد استطاع النعمان أن يمحو ذكر الشاعر إلا أن قصيدته التالية قد نجت من غضب النعمان .
مختارات من شعره :
إن كنت عازلتي فسيري نحو العراق ولا تحوري
لا تسـألي عن جل مالي وانظري كرمي وخيري
وفـــوارس كأوار حـــر النــــار أحــلاس الذكور
شــــــدوا دوابر بيضهم في كــل محكمــــة القتير
واســـــتلأموا وتلببـــوا إن التلـــــــبب للمــــــغير
*****
ولقد دخلـــت على الفتــــــاة الخدر في اليوم المـطير
الكــاعب الحســــــناء ترفل في الدمقس وفي الحرير
فدفعتـــها فتدافعت مشـــــي القطــــــــاة إلى الغـــدير
ولثمتــــــــها فتنفســـــــــت كتنفـس الظـبي الغــــرير
فدنت وقــــالت يــا منخـــل ما بجســـــمك من حرور
ما شف جسمي غير وجدك فأهدأي عني وســــــيري
وأحبـــــــــها وتحــــــــبني ويحـــب ناقتـــــها بعيري
*****
يارب يــــوم للمنخل قد لــــها فيــه قصــــير
ولقد شـــــــربت من المدامة بالقليل وبالكثير
فإذا انتشـــيت فإنني رب الخورنق والسـدير
وإذا صحوت فإنني رب الشــــويهة والبعير
يا هنــد من لمتيم يا هند للعــــاني الأســـــير
*****
المنقب العبدي
هو العائذ بن محصن بن ثعلبة من بني عبد قيس من ربيعة ( 85 - 3 ) قبل الهجرة (540 – 619 ) للميلاد ، من أهل البحرين ، مدح الملك عمرو بن هند والنعمان بن المنذر واتصل بهما ، يتميز شعره بالرقة والحكمة .
مختارات من شعره :
والمَـــوتُ خيـــرٌ للفتى من حياتِـــهِ إذا لم يَثـــبْ للأمـرِ إلاّ بقـــــائِدِ
فعالجْ جســــيماتِ الأمورِ، ولا تكنْ هبيتَ الفــــؤادِ همهُ للوســـــائدِ
إذا الرِّيـحُ جاءَت بالَجَهــامِ تَشُـــــلُّهُ هذا ليلهُ شــــلَّ القلاص الطَّرائدِ
وأعقبَ نَوءَ المِرزَمَيـــــنِ بغُبــــرَةٍ وقطٍ قليـــلٍ المــــاءِ بالَّليلِ باردِ
كفى حاجةَ الأضيافِ حتى يريحـها على الحــيِّ منَّا كلَّ أروعَ ماجدِ
تراهُ بتفـــــريج الأمــور ولفِّــــــها لما نالَ منْ معروفها غيرَ زاهدِ
وليــــسَ أخونا عند شَـــــرٍّ يَخافَـهُ ولا عنـــدَ خيرٍ إن رَجاهُ بواحـدِ
إذا قيل : منْ للمعضـلاتِ؟ أجابـهُ: عِظامُ اللُّهى منّا طِوالُ السَّــواعدِ
المهلهل بن ربيعة
هو عدي بن ربيعة بن الحارث بن مرة بن هبيرة الجشمي التغلبي الوائلي (؟-525) ، ويلقب بأبي ليلى وشعبة ، ويكنى بالمهلهل لوجهه الصبوح وفصاحة لسانه . كان يحب اللهو في صباه وسمي زير النساء أي يحب مجالستهن ، وهو خال الشاعر امرؤ القيس وجد الشاعر عمرو بن كلثوم لأمه ليلى بنت المهلهل ، كما أنه أخو كليب وائل بن ربيعة الملك الذي قتله جساس ، وبدأت حرب البسوس حيث انقلبت حياته رأساً على عقب إثر مقتل كليب ، فقد عكف على رثائه ثم قام ليأخذ بثأره . وهو إلى ذلك أحد أبطال الحكايات الشعبية في العصور المتأخرة . ويعرف فيها بالزير سالم ، ويقال إنه أول من قال الشعر أو أول من وصل إلينا شعره .
مختارات من شعره :
نبئـــتُ أنَّ النــــارَ بعدكَ أوقدتْ وَاســـــــــتبَّ بعدكَ يا كليبُ المجلسُ
وَتكلمـــوا في أمر كلّ عظيمـــةٍ لوْ كنتَ شـــــــاهدهمْ بها لمْ ينبـــسوا
وَإذا تشــاءُ رأيتَ وجهاً واضحاً وَذِرَاعَ بَاكِيَــــــــةٍ عَليْهَـــــا بُرْنُــــسُ
تبكي عليكَ وَلســـــتُ لائمَ حرةٍ تَأسَــــــى عَليْكَ بعَبْـــــرَةٍ وَتَنَفَـــــــسُ
أن في الصدر من كُلَيْب شجوناً هَاجِسَـــــــاتٍ نَكَأْنَ مِنْـــــهُ الْجِـــرَاحَا
أنْكَرَتْنِـــي حَلِيلَتِــــي إذْ رَأتْنِــي كاســــــفَ اللونِ لاَ أطيقُ المــــزاحا
وَلقدْ كُنْتُ إذْ أُرَجِـــلُ رَأسِـــــي ما أبالي الإفســـــــادَ وَالإصــــــلاحا
بئـسَ منْ عاشَ في الحياةِ شـقيا كاســـــــفَ اللونِ هائمـــــاً ملتــــاحا
يَــا خَلِيلــــيَّ نَادِيَــــا لِي كُليْبـــاً وَاعلمــــــــا أنهُ مـــــلاق كفـــــــاحا
يَــا خَلِيلــــيَّ نَادِيَــــا لِي كُليْبـــاً وَاعْلمَــــا أنــــــهُ هَائِمــــاً مُلْتَـــــاحَا
يَــا خَلِيلــــيَّ نَادِيَــــا لِي كُليْبـــاً قبلَ أنْ تبصـــــرَ العيون الصـبـــاحا
لمْ نَرَ النَّـــاسَ مِثْلنَا يَوْمَ سِـــرْنَا نســـــلبُ الملكَ غــــدوةً وَ رواحــــا
وَضَــــرَبْنَا بمُرْهَفَـــاتٍ عِتَـــاق تتـــــركُ الهـــدم فوقهــــنَّ صيـــاحا
ترَكَ الـــدَّارَ ضَـــــــيْفُنَا وَتَوَلَّى عَـــذَرَ الله ضَـــــيْفَنَا يَِــــوْمَ رَاحَــــا
ذهبَ الدهرُ بالســـــــماحةِ منـــا يا أذى الدهر كيفَ ترضى الجماحا
ويـــحَ أمي وَ ويحــــها لقتيـــلٍ مِنْ بَنِـــــي تَغْلِــــــبٍ وَوَيْحاً وَوَاحَا
يَا قَتِيـــــلاً نَمَــاهُ فَـرْعٌ كَريــــمٌ فَقَــدهُ قدْ أشـــــابَ مني المســــاحا
كيفَ أسلو عن البكـاءِ وَ قومي قـدْ تَفَانَوْا فَكَيْفَ أرْجُــو الْفَـــــلاَحَا
*****
النابغة الذبياني
هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري ، أبو أمامة ، المتوفي سنة 18 قبل الهجرة الموافق ( 535 – 604 ) للميلاد ، شاعر مسيحي ، وهو من أصحاب المعلقات ، ويضعه كثير من النقاد في مقدمة الشعراء بعد امرئ القيس ، ترأس سوق عكاظ حيث تنصب له خيمة حمراء ويأتيه الشعراء وينشدون قصائدهم ليحكم بينهم . ولقب بالنابغة لأنه قال الشعر حين بلغ مبلغ الرجال ، أو لأنه ذكر نبوغه في بيت له ، أو لغزارة شعره . يقال أنه من أشراف قومه ، أو في الوسط منزلة . كما لم يعرف عن نشأته إلا أنه نافس حاتم الطائي على ماوية وغلبه حاتم وتزوجها . لم يكن معروفاً قبل اتصاله ببلاط الحيرة في عهد المنذر ابن ماء السماء الثالث ، وبقيت علاقته وطيدة مع المناذرة حيناً والغساسنة حيناً آخر ، رغم انشغاله بحرب داحس والغبراء إلى جانب قبيلته ذبيان في مواجهة قبيلة عبس . وكان له دور كبير في ترجيح موقف ذبيان عند الغساسنة حيناً وعند المناذرة حيناً آخر حيث يفك أسرى قبيلته عندهم ، كما شمل دوره في تجميع القبائل مع قبيلته ، فكان بذلك شاعراً غزيراً وسياسياً بارعاً .
توطدت علاقته بالمناذرة في عهد النعمان الثالث أبي قابوس الذي فتح قصره للأدباء والشعراء والنابغة على رأسهم ، وقد قال فيه :
كأنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
وحسده الكثيرون وعملوا على إفساد هذه العلاقة وتمكنوا من ذلك ، فقد دخل النابغة على النعمان وعنده زوجته ( المتجردة ) المعروفة بحسنها ، وسقط عنها بعض ثوبها أو نصيفها فاستترت بيدها ، وأمره النعمان أن يصف ما حدث ، فقال قصيدته التي مطلعها :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولتـــــه واتقتـــــــنا باليـــــــد
فتحدث الحاسدون ومنهم المنخل اليشكري نديم النعمان الذي قال : لا يحسن هذا الشعر إلا من قد جرب ، وزاد حين لم يستبعد أن يكون أولاد النعمان من النابغة . وهرب النابغة وهجا النعمان لتصديقه مثل هذه الأقوال .
وأحسن الغساسنة استقباله ، وأقام مدة طويلة في بلاطهم ومدح عمرو بن الحارث الأصغر وأخاه النعمان بن الحارث بقصائد عديدة أشهرها القصيدة التي مطلعها :
كليني لهم ياأميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب
وحزن النعمان ملك المناذرة من هذا المديح لأعدائه وأدرك ظلمه للنابغة وأرسل إليه إلى الحيرة ، وكان النابغة قد بدأ بنظم اعتذارياته ، وعلى أثرها عاد الشاعر إلى النعمان .
مختارات من معلقته :
يا دارَ مَيّـــــةَ بالعَليْــــاءِ، فالسَّـــــــنَدِ ، أقَوَتْ، وطَالَ عليها ســــالفُ الأمَــدِ
وقفـــــتُ فيها أصَـــــيلاناً أســـــائِلُها ، عَيّتْ جواباً، وما بالرَّبـــعِ من أحــدِ
كليني لـــــهم ، يا أميمـــة ، ناصــب ، وليلِ أقاســـــــيهِ ، بطيء الكواكبِ
تطـــــاولَ حتى قلــــتُ ليسَ بمنقضٍ ، وليـــــسَ الذي يرعى النجومَ بآيـبِ
وصـــــدر أراحَ الليلُ عازبَ همــــهِ ، تضاعَفَ فيه الحزْنُ من كلَ جانـبِ
أنْبئْــــتُ أنَ أبـــا قابوسَ أوْ عَــــدَني ، ولا قــرارَ على زَأر منَ الأســــــدِ
مَهْـــــلاً ، فِـــــــداءٌ لك الأقوام كُلّهُمُ ، وما أثمـــــرُ من مـــــالٍ ومـنْ ولـدِ
لا تقــــذفني بركــــنٍ لا كفــــــاءَ له ، وإنْ تَأثْفَـــــكَ الأعـــــــداءُ بالرِّفَـــدِ
فَما الفُـــــراتُ إذا هَـــــبّت غواربـــه تَـــرمي أواذيُّــــهُ العِبْرَيــــنِ بالزّبَدِ
يَمُــــدّهُ كلُّ وادٍ مُتْـــــرَعٍ ، لجِــــبٍ ، فيه ركــــامٌ من الينبـــوتِ والحضدِ
يظلّ ، من خوفهِ ، المَلاحُ مُعتصِـماً بالخيزرانـــةِ ، بعدَ الأيـــــنِ والنجدِ
يومــــاً ، بأجوَدَ منه سَـــــيْبَ نافِلـةٍ ، ولا يَحُـــــولُ عَطــاءُ اليومِ دونَ غدٍ
هذا الثَّناءُ ، فإن تســـــمَعْ به حَسَـناً ، فلم أعرّض ، أبَيتَ اللّعنَ ، بالصَّــفَدِ
ها إنّ ذي عِـــــذرَةٌ إلاّ تكُنْ نَفَعَـتْ ، فإنّ صــــــاحبها مشـــــــــاركُ النكدِ