عــصــام بــشــيـر الــعــوف

مــؤلــف و كــاتـب ســيــاسـي و إســلامــي



العصر الأموي

مقدمة

( 41هـ / 661 م – 132هـ / 749 م ) بدأ العصر الأموي حين آلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان ثم توارث أبناؤه الخلافة لمدة تسعين سنة ، وهم : يزيد بن معاوية ، معاوية بن يزيد ، مروان بن الحكم ، عبدالملك بن مروان ، الوليد بن عبدالملك ، سليمان بن عبدالملك ، عمر بن عبدالعزيز ، يزيد بن عبدالملك ، هشام بن عبدالملك ، الوليد بن يزيد ، إبراهيم بن يزيد ، مروان بن محمد ، وقد تميز هذا العصر بظهور أحزاب عديدة هي :

الحزب الأموي وهم بنو أمية ، وعادت معهم العصبية القبلية ، وعصبية أخرى ضد العجم والموالي ، وقد اتسم الحكم بالمركزية إسمياً ، حيث يتصرف الوالي كما يشاء، إلا إذا اشتكى عليه أحد الناس إلى الخليفة .

الحزب الشيعي ويضم الذين شايعوا الإمام علي ، وقد اشتبكوا مع الأمويين في معارك عديدة ، انهزموا في بعضها وانتصروا في بعضها الآخر ، وقد قامت ثورة التوابين الشيعية ، وثورة المختار الثقفي ، وقد قضى عليهم الأمويون ، وكان الشيعة يتحينون الفرص للقضاء على الأمويين .

الخوارج وهم الذين رفضوا التحكيم في معركة صفين ، ورأيهم أن تكون الخلافة في قريش أو غيرها ، ويمكن أن يكون الخليفة عبداً أو حراً ، ولا شرط إلا التقوى ، لكن الأمويين أخذوهم بالشدة ، وقاتلوهم قتالاً شديداً ، وقد كان الخوارج يستميتون في القتال، لاعتقادهم بأنهم شهداء ، وقد سمّوا أنفسهم الشراة ، لأنهم اشتروا الجنة بأرواحهم . الزبيريون نسبة إلى عبدالله بن الزبير ، الذي دعا لنفسه بالخلافة ، بعد مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما في كربلاء ، وانضمت إليه أكثر القبائل ، وامتدت خلافته إلى الحجاز بكامله والعراق واليمن ومصر وقسم من بلاد الشام ، حتى كاد مروان بن الحكم أن يبايعه بالخلافة ، لكن الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان ، أرسل الحجاج إليه الذي قضى عليه .

الأنصار وهم الذين انضم أكثرهم إلى الإمام علي في معركة الجمل ، وجميع المعارك ضد معاوية ، الذي قال : ما سألت عن فارس مات من أهل الشام إلا قيل لي قتلته الأنصار . وقد اندفع الشعراء من الأنصار والأمويين ، بهجاء بعضهم بألسنة حداد ، وراحوا يتغزلون بنسائهم كيداً لهم ، لكن حسن سياسة معاوية كانت كفيلة بإرضائهم ، حتى بايعه ابن الزبير كما بايع ابنه يزيد ، ولم يقم باستقلاله إلا بعد استشهاد الحسين رضي الله عنه .

الحياة الإجتماعية

الحجاز

ابتعدت حياتهم عن روح البداوة ، وأخذت بأسباب التحضر بفضل إتساع الفتوحات ، وإزدهار الاقتصاد والعمران ، مع اختلافهما بين المناطق ، فقد غلب على حياة الحجازيين تياران :

التيار الديني الذي قام به بقيَّة الصحابة وأبناؤهم وتابعوهم في مكة والمدينة ، فأحدث ذلك نشاطاً كبيراً ، في دراسة القرآن الكريم وتفسيره ، ورواية الحديث والتثبت من صحته وجمعه واستنباط الأحكام ، وكان من نتيجتها فيما بعد ظهور المذاهب الإسلامية .

اللهو والغناء تيار آخر نشأ إلى جانب التيار الديني، وذلك بين سكان مكة والمدينة ، حيث أغرقهم الأمويون بالعطاء والعيش بترف ، وأصبحت الحجاز منتجعاً للمغنين والمغنيات ، كابن سريج والغريض ومعبد وحبابة وسلامة وغيرهم كثير ، ممن ذكرهم صاحب كتاب الأغاني . فأدى ذلك إلى تطور سبل العيش ، في المأكل والمشارب والملابس والمساكن ، كما رق عيشهم ، فسكنوا القصور ، واقتنوا الجواري الروميات والفارسيات والهنديات ، وشاع بينهم العبث . أما القبائل فقد بقيت على عهدها وأخلاقها ، فتميزوا بالحب العذري .

العصبية القبلية

ومن أبرز القبائل التي غزتها العصبية القبلية ، قيس التي كانت ضد الأمويين ، وقبائل اليمن الموالية لهم ، فنشبت بينهم الحروب ، حيث أعلنت القيسية ، بقيادة الضحاك بن قيس وزفر بن الحارث ، وكانت واقعة مرج راهط بين بكر وتغلب ، شاهداً على شدة الخصومة . وقد اهتم الشعراء بهذه الخصومة القبلية ، فيما بين المدح والهجاء والفخر والحماسة ، وتأليب الخصوم ، والإستعانة بالأحلاف .

بلاد الشام كانت مركزاً حضارياً قديماً ، جلبت إليها الشعراء للمديح في قصور الخلفاء، كما تأتيها أموال الفيء والخراج ، ومكاسب الفتوح من الجواري والقيان ، وكان أهل الشام يحبون معاوية ، منذ كان والياً عليهم ، ولم ينشب فيها عصيان ، ولم يتشدد الأمويون على أهلها .

العراق فقد ضم جماعات متباينة الأهواء والنزعات ، من الفرس والعرب ، وعصبيات يمنية وقيسية وشيعة وخوارج ، والطالبيون في الكوفة التي أصبحت عاصمة الخلافة في عهد الإمام علي ، أما البصرة فقد كانت مليئة بموالي الفرس ومن الهنود والأحباش ، وكانت مركزاً تجارياً مهماً ، وبلداً زراعياً ، بينها وبين الكوفة تنافس وعداء ، وأعلن العراق عصيانه على الأمويين ، وشهد الكثير من الثورات والوقائع .

المجتمع الأموي

يتألف المجتمع الأموي من فئات عديدة وهي :

العرب وهم أصحاب الخلافة والإدارة .

أهل الذمة من نصارى ويهود وصابئة ، ويدفعون الجزية لقاء حمايتهم ، وكانوا يتمتعون بكثير من الرعاية .

الموالي فهم المسلمون من غير العرب ، وكانوا من الأسرى وأعتقوا من رقهم لإسلامهم . أما الرقيق أو العبيد فهم الذين يملكهم غيرهم ، ويستخدمون في البيوت والقصور والأعمال التي يكلفهم بها المالك ، وقد أعطيت لهم حقوقهم في الحرية عن طريق المكاتبة ، لمن يريد ، وهي الاتفاق مع سيده على عطاء محدد ، يوفيه على أقساط ، وينال بذلك حريته ، وهذا النظام لم يكن معروفاً قبل الإسلام ، كما يعد اختراقاً كبيراً لنظام العبودية والعنصرية ، اللذين عرفتهما الإنسانية ، ولم يقض عليهما إلا في النصف الأخير من القرن العشرين .

العلوم الشرعية

وفي العصر الأموي ، بدأ تكون بعض العلوم الشرعية ، مثل تفسير القرآن الكريم ، وجمع الحديث الشريف ، والعناية بالفقه ، وقراءات القرآن الكريم ، وعلوم اللغة العربية ، كالنحو والصرف والحركات وتنقيط الحروف ، كما بدأت مذاهب النحويين واللغويين بالظهور ، وقامت في البصرة سوق المربد ، حيث يجتمع الشعراء والخطباء، والمربد في العصر الأموي ، كسوق عكاظ في العصر الجاهلي .

فقهاء التابعين في العصر الأموي

ابن سيرين

هو محمد بن سيرين ، أبوه سيرين أحد أربعين غلاماً سباهم خالد بن الوليد بعد معركة عين التمر قرب حصن قنسرين في بلاد الشام ، وأرسلهم إلى المدينة المنورة وكان سيرين من نصيب الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه ، ولما بلغ مبلغ الشباب ، وتمكن من حرفته وهي صناعة القدور من النحاس ، أعتقه مالك ، وطلب الزواج ، ووقع اختياره على صفية مولاة أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وكانت من أشد الناس حباً لأمهات المؤمنين وخاصة عائشة رضي الله عنهن جميعاً ، فمضى أبو بكر يستقصي عن الخاطب فصفية أمانة أودعها الله في عنقه ، وشهد قرانهما طائفة كبيرة من كرام الصحابة وكان فيهم ثمانية عشر بدرياً ، ودعا لهما كاتب الوحي أبي بن كعب ، وأمن الحاضرون ، وقامت ثلاث من أمهات المؤمنين إلى صفية فطيبنها وزينها للعرس ، وكان من ثمرات هذا الزواج أن رزق الأبوان غلاماً غدا بعد عقدين من الزمان علماً من أعلام التابعين هو محمد بن سيرين. ولد لسنتين بقيتا من خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ولما ترعرع وقارب سن البلوغ أخذ العلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البقية الباقية من كرام الصحابة وكبار التابعين من أمثال زيد بن ثابت وأنس بن مالك وعمران بن حصين وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس وعبدالله بن الزبير وأبي هريرة ، ثم انتقل مع أبويه إلى البصرة التي أسسها المسلمون في أواخر عهد عمر لتكون قاعدة لجيوش المسلمين الغازية في سبيل الله ، ومركز تعليم وتوجيه للداخلين في دين الله من أهل العراق وفارس . جعل ابن سيرين شطراً من يومه للعلم والعبادة في بيته وفي المسجد ، وشطراً آخر للكسب والتجارة وكان في سوقه يذكر الناس بالحلال والحرام ، ويفصل فيما شجر بينهم ، وله قصص مع الولاة لا يخشى في الله لومة لائم . ومن تقواه أنه اشترى بأجل زيتاً بصفقة كبيرة ، واكتشف أنه غير صالح للإستهلاك الآدمي ، فلم يرده للبائع خشية أن يبيعه للناس ، فأراقه كله ، ولما حل موعد السداد لم يقدر على الدفع ، ورفع أمره إلى الوالي فأمر بحبسه ، وتوفي وقد بلغ السابعة والسبعين من عمره .

أيوب السختياني

هو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري ، أبو بكر سيد فقهاء عصره تابعي، من النساك الزهاد ، من حفاظ الحديث . قال شعبة : كان أيوب سيد العلماء . وقال أبو حاتم : ثقة لا يسأل عن مثله . وقال ابن عيينة : لم ألق مثله . وقال ستاً وثمانين من التابعين ما رأيت فيهم مثل أيوب . وسئل ابن المديني : من أثبت أصحاب نافع ؟ قال أيوب وفضله ومالك وإتقانه وعبيد الله وحفظه . وقال ابن سعد : كان ثقة ثبتاً في الحديث جامعاً حجة عدلاً . توفي في الطاعون بالبصرة سنة إحدى وثلاثين ومائة وله ثلاث وستون سنة .

الحسن البصري

أمه خيرة مولاة أم المؤمنين هند بنت سهيل المعروفة بأم سلمة ، وكانت أثيرة لديها ، قضت فترة النفاس عندها ، وهي التي أطلقت عليه اسم الحسن ، أما أبوه فهو يسار مولى الصحابي الجليل زيد بن ثابت الأنصاري كاتب الوحي وأحد علماء الصحابة ، ودرج الحسن في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وامتد إلى أبعد من ذلك ، فقد أتاحت الصلات الواشجة بين أمهات المؤمنين وقرب بيوت بعضهن إلى بعض ، للغلام السعيد أن يتردد على هذه البيوت كلها وأن يتخلق بأخلاق رباتها وأن يهتدي بهديهن ، كما كان يملأ هذه البيوت لعباً وينال سقوف تلك البيوت بيديه وهو يقفز فيها قفزاً . وتتلمذ على أيدي كبار الصحابة فروى عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس وأنس بن مالك وجابر بن عبدالله وغيرهم رضي الله عنهم . ثم انتقل مع أبويه إلى البصرة واستقر فيها مع أسرته ، والتزم مسجدها وانقطع إلى حلقة عبدالله بن عباس وأخذ عنه التفسير والقراءات ، كما أخذ عنه وعن غيره الفقه واللغة والأدب ، وأقبل عليه الناس ينهلون من علمه ، وتساءل عنه الخلفاء والأمراء وتسقطوا أخباره ، له قصص مع الحجاج وعمر بن هبيرة ، وحضر حلقات دروسه الكثير من التابعين ، توفي سنة 110 للهجرة.

حماد بن زيد

هو الإمام البارع المجمع على جلالته أبو إسماعيل حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي البصري ، مولى آل جرير ابن حازم . قال يحيى بن معين : ليس أحد أتقن من حماد بن زيد . وقال يحيى بن يحيى : ما رأيت أحداً من الشيوخ أحفظ من حماد بن زيد . قال ابن مهديّ : لم أر أحداً قطُّ أعلم بالسُّنَّة ولا بالحديث الذي يدخل في السُّنَّة من حمَّاد . وقال أيضاً : أئمة الناس في زمانهم أربعة منهم حماد بن زيد بالبصرة . وقال أحمد بن حنبل : هو من أئمة المسلمين من أهل الدين وهو أحب إلي من حماد بن سلمة. قال ابن حبان : كان يحفظ حديثه كله . قال ابن سعد : كان ثقة ثبتاً حجة كثير الحديث . مات في سنة تسع وسبعين ومائة .

حماد بن سلمة

هو حماد بن سلمة بن دينار ، الإمام القدوة ، شيخ الإسلام ، أبو سلمة البصري ، النحوي ، البراز ، الخرقي ، البطائني ، مولى آل ربيعة بن مالك ، وابن أخت حميد الطويل . قال الذهبي : وكان مع إمامته في الحديث ، إماماً كبيراً في العربية ، فقيهاً فصيحاً ، رأساً في السنة ، صاحب تصانيف . وقال الإمام أحمد : حماد بن سلمة عندنا من الثقات ، مانزداد فيه كل يوم إلا بصيرة . وقال علي بن المديني : هو عندي حجة في رجال ، وهو أعلم الناس بثابت البناني ، وعمار بن أبي عمار ، ومن تكلم في حماد فاتهموه في الدين . وقال حجاج بن منهال : كان حماد بن سلمة من أئمة الدين . وقال ابن المبارك : دخلت البصرة فما رأيت أحداً أشبه بمسالك الأول من حماد بن سلمة . توفي سنة سبع وستين ومائة .

حيوة بن شريح

أبو زرعة حَيْوة بن شُرَيح بن صفوان التجيبي المصري ( ؟ - 158 هـ ،؟ - 775 م) الإمام ، الفقيه ، شيخ الديار المصرية ، الزاهد العابد . ثقة في الحديث . قال ابن المبارك : "وُصف لي حيوة فكانت رؤيته أكثر من صفته ". وكان يُعرف بالإجابة ، يعني في الدعاء . قال أبو حاتم عنه : "حيوة أعلى القوم ".

ربيعة الرأي

أبوه يدعى فروخ ، غلام الصحابي الجليل الربيع بن زياد الحارثي ، ورفيقه في فتوحاته ، أمير خراسان وفاتح سجبتان وما حولها من الأصقاع ، وعزم على عبور نهر سيحون ، لرفع رايات التوحيد في البلاد التي كانت تدعى ببلاد ماوراء النهر . وتحقق له ذلك وتوفي بعد سنتين ، وعاد فروخ إلى المدينة المنورة ، بما معه من ثروة عظيمة كانت سهمه الذي قسمه له الربيع ، وكان قد بلغ الثلاثين من عمره ، واشترى داراً ، وتزوج إمرأة صالحة ، وعاش منعماً ، غير أنه سمع أخبار انتصارات الجيوش الإسلامية ، فتأججت أشواقه إلى الجهاد في سبيل الله ، وعزم على الإنضواء تحت راية من رايات المسلمين ، وأخبر زوجه ، فقالت : ولمن تتركني وجنيني ، فقال : أتركك لله . وبعد أربعة اشهر من سفره . وضعت غلاماً أطلقت عليه اسم ربيعة . وأغدقت أمه على تعليمه من المال الوفير الذي تركه والده ، أما فروخ فقد تضاربت الأخبار فيه فهو إما شهيد أو أسير في إيدي الأعداء ، أو طليق يواصل الجهاد . أما ربيعة فقد أقبل على حلقات العلم في مسجد المدينة مع الصحابة الكرام وعلى رأسهم أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما نهل العلم عن الرعيل الأول من التابعين من أمثال سعيد بن المسيب ومكحول الشامي وسلمة بن دينار . ومرت ثلاثون سنة ، ثم أتى المدينة فارس في أواخر العقد السادس من عمره ، يمني نفسه بزوجته التي خلفها شابة مع جنينها في تلك الدار التي يقصدها ، ورأى الباب مفتوحاً قليلاً ، فدخل ، وسمع رب البيت صرير الباب ، ورأى رجلاً متوحشاً سيفه وحاملاً رمحه في صحن داره ، فاندفع إليه ، وتواثب الرجلان ، وعلا صياحهما ، وتدفق الجيران ، وأحاطوا بالرجل الغريب ، واستيقظت صاحبة البيت ، وأطلت من نافذة خدرها ، وعرفت زوجها فصاحت بهم : ياربيعة هذا أبوك فروخ .. فتعانق الرجلان ، وانفض الناس وذهب كل منهما إلى مبيته ، ونهض فروخ مع الفجر ونادى ربيعة إلى الصلاة فقيل له سبقك إلى المسجد منذ النداء الأول ، فمضى إلى المسجد ، ولم يلحق المكتوبة مع الجماعة ، ووقف عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعا وتذكر ماشاء الله له أن يتذكر وبكى ، ثم اتجه نحو الروضة الشريفة وتنقل كثيراً ، ثم نهض يريد العودة إلى بيته ، غير أنه رأى باحة المسجد قد غصت بمجلس من مجالس العلم في حلقة إثر حلقة وفيهم الشبان والشيوخ وكثير منهم كانوا يلتقطون ما يقوله الشيخ ويكتبونه ولم يستطع فروخ أن يتبين صورة العالم ، ثم التفت إلى رجل كان يجلس بجانبه وقال من هذا الشيخ فقال الرجل وهل في المدينة رجل لا يعرفه أنه سيد من سادات التابعين وعلم من أعلام المسلمين فقال فروخ وماهو اسمه قال أنه ربيعة الرأي قال وهل الرأي اسمه قال لا ولكن علماء المدينة دعوه بذلك لأنهم كانوا إذا لم يجدوا لقضية نصاً في كتاب الله أو حديث رسول الله ، لجأوا إليه فيجتهد في الأمر ويقيس على ما ورد فيه نص ثم يأتيهم بالحكم الذي تطمئن له القلوب قال ولكن لم تنسبه لي فقال الرجل أنه ربيعة بن فروخ المكنى بأبي عبدالرحمن ولقد سمعت الناس قبيل الصلاة يقولون إن أباه عاد الليلة الماضية . وكان من تلاميذ ربيعة أبو حنيفة ومالك ويحيى بن سعيد الأنصاري وسفيان الثوري وعبدالرحمن بن عمر الأوزاعي والليث بن سعد وغيرهم كثير .

رجاء بن حيوة

ولد رجاء في بيسان في فلسطين في أواخر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وينتمي إلى قبيلة كندة العربية ، نشأ على طاعة الله وطلب العلم وقد أخذه عن طائفة كبيرة من الصحابة من أمثال أبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وأبي أمامة وعبادة ابن الصامت ومعاوية بن أبي سفيان وعبدالله بن عمرو بن العاص والنواس بن سمعان وغيرهم . وقد أصبح وزيراً لطائفة من خلفاء بني أمية إبتداءً من عبدالملك بن مروان وإنتهاءً بعمر بن عبدالعزيز . وقد وقعت لرجاء قصة أنارت له طريقه في مخالطة الخلفاء ومهمته معهم وقد رواها فقال كنت واقفاً مع سليمان بن عبدالملك في جموع من الناس ورأيت رجلاً يتجه نحونا وسط الزحام وكان حسن الصورة جليل الهيئة وكأنه يريد الخليفة لكنه وقف بجانبي وقال يا رجاء إنك قد ابتليت بهذا الرجل وأشار إلى الخليفة وإن في القرب منه الخير الكثير أو الشر الكثير ، فاجعل قربك منه خيراً لك وله وللناس ، واعلم يا رجاء أنه من كانت له منزلة من السلطان فرفع إليه حاجة امرئ ضعيف لا يستطيع رفعها ، لقي الله عزوجل وقد ثبت قدميه للحساب واذكر يا رجاء أن من كان في حاجة أخيه المسلم كان الله في حاجته ، واعلم يا رجاء أن من أحب الأعمال إلى الله إدخال الفرح على قلب امرئ مسلم ، وسمعت الخليفة ينادي أين رجاء فانعطفت نحوه فكلمته وكلمني ثم فتشت عن صاحبي وتحريت المكان فلم أجده. وأراد الخليفة عبدالملك بن مروان أن يمسك برجل كان يشايع ابن الزبير ولما أمسك به أراد أن يقتله فقام إليه رجاء وقال يا أمير المؤمنين إن الله عزوجل قد صنع لك ماتحب من القدرة فأمسكت بالرجل فاصنع لله مايحبه من العفو فسكنت نفس الخليفة وعفا عن الرجل وأحسن إليه . وحج الوليد بن عبدالملك وبصحبته رجاء وزار المدينة وزار مسجدها وكان يريد توسعته فأخرج الحراس الناس من المسجد ولم يبق فيه إلا سعيد بن المسيب الذي رفض الخروج وسأل الخليفة رجاء وعمر بن عبدالعزيز عنه فقالاأنه ضعيف البصر فقال الوليد إني أعلم من هو إنه سعيد بن المسيب وهو أحق أن نأتيه ونسلم عليه ثم دار في المسجد ثم أقبل عليه وسلم ، وهو يقول هذا بقية سلف هذه الأمة. وكان سليمان قد أرسل جيشاً كبيراً لفتح القسطنطينية بقيادة أخيه مسلمة بن عبدالملك فارس بني مروان الذي عزف عن الخلافة وآثر عليها الجهاد في سبيل الله وكان أكبر إخوته وأحقهم بالخلافة ، وكان داوود بن سليمان الخليفة وطائفة من أهل بيته يجاهدون مع سلمة ، ولقد لحق الخليفة بأخيه ليكون قرب المعركة ونزل مرج دابق شمال حلب ، وآلى على نفسه أن لا يبرح دابق حتى يدخل المسلمون القسطنطينية، وكان في الأربعين من عمره ، وكان رجاء معه في هذا العزم ، واقترب موعد صلاة الجمعة فصلى الخليفة بالناس وعاد وهو يشعر بالمرض ، وأصابته الحمى وثقلت عليه يوماً بعد يوم ، ودخل عليه رجاء ووجده يكتب ، فسأله فقال أعهد بالخلافة من بعدي إلى أيوب ابني ، فقال رجاء : مازال صغيراً لم يبلغ الحلم ، فمزق سليمان الكتاب . وبعد يوم أو يومين ، أخبره أنه يريد الخلافة لابنه داوود ، فقال رجاء: وهل تدري حي هو أم شهيد ، فقال الخليفة : فمن ترى يا رجاء ، فقال الرأي رأيك يا أمير المؤمنين ، وكان رجاء يستبعد من يريدهم سليمان واحداً واحداً ، حتى يصل إلى عمر بن عبدالعزيز . فقال الخليفة : وكيف ترى عمر بن عبدالعزيز ، فقال : ماعلمته إلا فاضلاً كاملاً عاقلاً ديناً ، فقال : صدقت ولكنني إن وليته لتكونن فتنة ، فقال رجاء : أشرك واحداً معه واجعله بعده وكان يزيد بن عبدالملك ، وكتب سليمان كتاباً بذلك وختمه وأعطاه لرجاء . ثم جمع أهل بيته وطلب منهم مبايعة من ولى في كتاب مودع عند رجاء ، وبايع الجميع واحداً واحداً وهم لا يعرفون من يبايعون . وحاول عمر بن عبد العزيز مع رجاء معرفة إن كان هو الخليفة الجديد حتى يثني الخليفة عن تسميته . وحاول هشام بن عبدالملك مع رجاء ولم يستطع معرفة ما يريد . ثم أسلم الخليفة الروح ، وكتم رجاء الخبر وجمع أهل الخليفة في مسجد دابق ، وطلب المبايعة مرة أخرى فبايعوا واحداً واحداً ، ولما استوثق من البيعة أخبرهم بموت الخليفة وقرأ كتاب الخليفة ، ولما وصل إلى ذكر عمر بن عبدالعزيز صاح هشام : لا نبايعه أبداً ، فصاح رجاء : إذن والله أضرب عنقك قم فبايع ، وبايع هشام على مضض. فطوبى لسليمان وطوبى لرجاء بن حيوة.

الزنجي مسلم بن خالد

الزنجي مسلم بن خالد كان مفتي مكة . وعليه تتلمذ محمد بن إدريس الشافعي في صباه.

زيد بن وهب

أبو سليمان زيد بن وهب الجهني ، وجهينة حي كبير من قضاعة من علماء التابعين وخيارهم ، وذوي الفضل فيهم ، وكان محدثاً صدوقاً ومؤرخاً وفقيهاً . قرأ القرآن على عبدالله بن مسعود .

غزا في أيام عمر آذربيجان ، وشهد مع علي حروبه . له كتاب خطب علي عليه السلام في الجمع والأعياد وغيرها . روى عن علي وأبي ذر الغفاري وعبدالله بن مسعود وحذيفة بن اليمان والبراء بن عازب وعثمان بن عفان وزيد بن أرقم وأبي الدرداء وعبدالرحمن بن حسنة وعطية بن عامر وثابت بن وديعة . وروى عنه : حبيب بن أبي ثابت وسليمان الأعمش والحارث بن حصيرة والحكم بن عتيبة والمنصور بن المعتمر وموسى الجهني وعثمان بن المغيرة الثقفي وعدي بن ثابت الأنصاري وطارق بن عبدالرحمن وعبدالملك بن ميسرة وابو إسحاق السبيعي وعبدالعزيز بن رفيع ، توفي سنة ست وتسعون .

سعيد بن جبير

أبو عبدالله سعيد بن جبير بن هشام الأسدي . من أعلم التابعين وأوثقهم وأعبدهم وكان فقيهاً مفسراً للقرآن الكريم ، ناشراً للسنة ، مجاهداً للظالمين . قال له ابن عباس حدث، فقال أحدث وأنت هاهنا ؟ فقال أليس من نعمة الله عليك أن تحدث وأنا شاهد ، فإن أصبت فذاك ، وإن أخطأت علمتك ؟ قال عمر بن ذر : قرأت كتاب سعيد بن جبير : إعلم إن كلّ يوم يعيش المؤمن غنيمة . كان عبدالله بن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول أليس فيكم ابن أم الدهماء ؟ خرج سعيد على الحجاج بن يوسف، وقاتله في معركة دير الجماجم سنة 83 هجرية ، ثم اختفى في مكة المكرمة إلى أن قبض عليه الحجاج وقتله سنة 94 هجرية وله 49 سنة ، وكان قد دعا على الحجاج أثناء إلقاء القبض عليه قائلاً : اللهم اجعلني آخر من يقتله الحجاج ، فاستجاب الله تبارك وتعالى دعاءه ، وهلك الحجاج بعد قتله سعيداً بأيام يسيرة ، وكان ينتبه من نومه مرعوباً فزعاً قائلاً : مالي ولسعيد ... ومناقشة سعيد الحجاج تلك المناقشة الرائعة مشهورة . ولما بلغ قتله الحسن البصري ، قال الله إيت على فاسق ثقيف ، والله لو أن من بين المشرق والمغرب اشتركوا في قتله لأكبهم الله عزّوجلّ في النار. قال أحمد بن حنبل : قتل الحجاج سعيد بن جبير ، وماعلى وجه الأرض أحد وإلاّ وهو مفتقر إلى علمه . روى سعيد بن جبير عن الحسين بن علي عليهما السلام وعدي بن حاتم وعبدالله بن عباس وعبدالله بن الزبير وأبي سعيد الخدري وعائشة أم المؤمنين وأنس بن مالك وأبي مسعود الأنصاري وأبي عبدالرحمن السلمي وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو بن العاص وعبدالله بن المغفل المزني . وروى عنه ابو إسحاق السبيعي ، ويعلى بن حكيم والمنهال بن عمرو وسليمان الأعمش والحكم بن عتيبة وأبو الصهباء بن السائب وبكير بن شهاب وجبل بن سليمان ومحمد بن سليمان بن والبة وعطاء .

سعيد بن المسيب

هو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي ، أبو محمد سيد التابعين ، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة ، جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع رأى عمر وسمع عثمان وعليا وزيد بن ثابت وأبا موسى وسعدا وعائشة وأبا هريرة وابن عباس ومحمد بن سلمة وأم سلمة وخلقا سواهم . وقيل : إنه سمع من عمر . قال عنه ابن عمر : هو والله أحد المفتين . وقال أحمد بن حنبل وغير واحد : مرسلات سعيد بن المسيب صحاح . وقال قتادة ومكحول والزهري وآخرون واللفظ لقتادة : ما رأيت أعلم من سعيد بن المسيب . قال علي بن المديني : لا أعلم في التابعين أحداً أوسع علماً من ابن المسيب هو عندي أجل التابعين . توفي رحمه الله بالمدينة سنة إحدى – وقيل إثنتين ، وقيل ثلاث ، وقيل أربع ، وقيل خمس وتسعين للهجرة ، والله أعلم .

سفيان الثوري

هو سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبدالله بن موهبة بن أبيّ بن عبدالله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مُضر بن نزار ، شيخ الإسلام أبو عبدالله الثوري الفقيه الكوفي ، سيّد أهل زمانه علماً وعملاً . قال بشر بن الحارث : كان سفيان الثوري كأن العلم بين عينيه ، يأخذ منه ما يريد ويدع منه ما يريد . وقال سفيان بن عيينة : ما رأى سفيان مثله . وقال شعبة وابن معين وجماعة : سفيان أمير المؤمنين في الحديث . وقال ابن المبارك : لا أعلمُ عَلى وجه الأرض أعلمَ منه . وقال أبو عاصم : الثوري أمير المؤمنين في الحديث . وقال ابن مهدي : ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري . توفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة .

سفيان بن عيينة

هو سفيان بن عيينة ابن أبي عمران ميمون مولى محمد بن مزاحم ، أخي الضحاك بن مزاحم ، الإمام الكبير حافظ العصر ، شيخ الإسلام ، أبو محمد الهلالي الكوفي ، ثم المكي . كان إماماً عالماً ثبتا حجة زاهداً ورعاً مجمعاً على صحة حديثه وروايته، وحج سبعين حجة . قال يحيى القطان : سفيان إمام من أربعين سنة ، وذلك في حياة سفيان . وقال الشافعي : لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز . وقال ابن مهدي : كان ابن عيينة من أعلم الناس بحديث أهل الحجاز . وقال أحمد : ما رأيت أعلم بالسنن منه. وقال الذهبي : كان إماماً حجة حافظاً واسع العلم كبير القدر . مات سنة ثمان وتسعين ومائة .

شريح القاضي

كان شريح بن الحرث الكندي اليمني ، معروفاً في الجاهلية ، وله مقام رفيع ومنزلة عالية بين أصحاب الرأي وأهل العلم ، فلما أشرق نور الإسلام ، كان من أوائل المؤمنين بالله ورسوله ، المستجيبين لدعوة الهدى والحق ، وكان عارفوا فضله ومقدروا شمائله ومزاياه ، يأسون عليه أشد الأسى ، ويتمنون أن لو أتيح له أن يفد على المدينة مبكراً ، ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قبل أن يلحق بالرفيق الأعلى ، ولينهل من موارده الصافية مباشرةً ، ويحظى بشرف الصحبة . اختصم لديه أعرابي وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، واستمع لكليهما وحكم للأعرابي ، فأعجب به عمر وولاه قضاء الكوفة ، وبقي في القضاء في عهد عثمان وعلي ومعاوية ويزيد، وله قصص كثيرة عن عدله ، وفطنته الحادة ، وذكائه الفذ ، وخلقه الرفيع ، وطول تجربته ، رضي الله عن عمر ، فقد زان مفرق القضاء في الإسلام ، بلؤلؤة كريمة الأعراق ، رائعة المجتلى .

شعبة بن الحجاج

هو شعبة بن الحجاج بن الورد الواسطي ، أبو بسطام الأزدي العتكي ، مولاهم ، الحافظ الكبير عالم أهل البصرة في زمانه ، بل أمير المؤمنين في الحديث ، سكن البصرة من صغره ورأى الحسن وسمع منه مسائل . قال الشافعي : لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق . وقال ابن معين : شعبة إمام المتقين . وقال الحاكم : شعبة إمام الأئمة بالبصرة في معرفة الحديث . قال أحمد بن حنبل : كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن ، يعني علم الحديث واحوال الرواة . وكان الثوري يقول : شعبة أمير المؤمنين في الحديث . توفي سنة ستين ومائة ، وهو ابن سبع وسبعين سنة ، رحمه الله تعالى .

الشعبي

هو عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار أبو عمرو الهمداني الشعبي الحميري اليمني ، يختلف المؤرخون على عام مولده وقيل 21هـ ، ولد في الكوفة في السنة السادسة من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقد أحب العلم وشغف به في الكوفة والمدينة المنورة ، وقد روى عن الكثير جداً من الصحابة ، والتقى بأكثر من خمسمائة صحابي ، منهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وعبادة بن الصامت وأبو موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري والنعمان بن بشير وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس وعدي بن حاتم وأبي هريرة وعائشة أم المؤمنين وغيرهم ، وكان يقول لعن الله أرأيت . قال ابن سيرين : قدمت الكوفة وللشعبي حلقة عظيمة والصحابة يومئذٍ كثير ، وقال الزهري : العلماء أربعة ، سعيد بن المسيب في المدينة ، وعامر الشعبي في الكوفة ، والحسن البصري في البصرة ، ومكحول في الشام ، واتخذه الخليفة عبدالملك بن مروان جليساً يصلح للدين وللدنيا ، وقد أعجب به وفزع إليه عند الملمات كما بعثه سفيراً بينه وبين الملوك ، وأرسله مرة إلى جستنيان ملك الروم الذي أبقاه عنده طويلاً من شدة إعجابه به ، ولما ألح بطلب العودة سأله الملك : أمن أهل بيت الخليفة ، ونفى الشعبي ذلك . وأذن له الملك بالعودة وأعطاه رقعة للخليفة ، ولما قرأها الخليفة وجد فيها : عجبت للعرب كيف ملكت عليها رجلاً غير هذا الفتى . وقال عبدالملك للشعبي : حسدني عليك فكتب لي ما يغريني بقتلك . سأله رجل في مسألة فقال الشعبي : يقول عمر كذا ويقول علي كذا، فقال الرجل : وأنت ماذا تقول ؟ فقال : وهل لي بعد قوليهما ماأقول .

عبدالرحمن بن أبي ليلى

أبو عيسى عبدالرحمن بن أبي ليلى واسم أبي ليلى يسار الأنصاري فقيه العراق ، من أبرز التابعين ، علم من أعلام الإيمان والجهاد ، وكان رجل صدق . ولد لست سنوات بقيت من خلافة عمر بن الخطاب واستشهد في معركة دير الجماجم عام 83 هجرية . اشترك مع أمير المؤمنين علي – عليه السلام – في معركتي صفين والنهروان . قال عبدالملك بن عمير : أدركت ابن أبي ليلى في حلقة فيها نفر من الصحابة منهم البراء بن عازب يستمعون لحديثه ، وينصتون له . قال عطاء بن السائب عن عبدالرحمن بن أبي ليلى : أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مافيهم أحد يسأل عن شيء إلاّ أحب أن يكفيه صاحبه الفتيا ، وأنهم ها هنا يوثبون على الأمور توثباً ومن هنا يعلم أنّه كان يدعو إلى التأمل في الفتيا وعدم التسرع إلى الجواب ، وأنه كان ينتقد ظاهرة التسرع في الفتيا التي كانت في عصره .

عبدالله بن إدريس الكوفي

عبدالله بن إدريس الأودي الكوفي ، من أعلام الحفاظ ، عابد حُجّة فيما يروي ، قامت بينه وبين الإمام مالك صداقة ، وكان مذهبه مذهب أهل المدينة ، عرض عليه هارون الرشيد القضاء فأبى . مدحه الإمام أحمد قائلاً : " كان ابن إدريس نسيجاً وحده " . ويقول ابن عرفة : " لم أر بالكوفة أفضل منه " . ولما نزل بابن إدريس الموت بكت بنته ، فقال : " لا تبكي يا بنية ، فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة " . توفي بالكوفة سنة 192 هجرية .

عبدالله بن المبارك

هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام فخر المجاهدين قدوة الزاهدين عبدالله بن المبارك بن واضح أبو عبدالرحمن الحنظلي مولاهم المروزي التركي الأب الخوارزمي الأم التاجر السفار صاحب التصانيف النافعة والرحلات الشاسعة ، وكان فقيهاً عالماً زاهداً ثقة ثبتا صحيح الحديث . قال ابن معين : كان ثقة عالماً متثبتاً صحيح الحديث وكانت كتبه التي حدث بها عشرين ألفاً . وقال ابن مهدي : الأئمة أربعة سفيان ومالك وحماد بن زيد وابن المبارك . وقال أبو أسامة حماد بن أسامة : ما رأيت رجلاً أطلب للعلم من ابن المبارك ، وهو في المحدثين مثل أمير المؤمنين في الناس . وقال ابن مهدي : عبدالله بن المبارك ثقة إمام . وقال أبو إسحاق الفزاري : ابن المبارك إمام المسلمين . وقال الإمام أحمد بن حنبل : لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه. وقال الذهبي : حديثه حجة بالإجماع . توفي سنة إحدى وثمانين ومائة .

عطاء بن أبي رباح

هو غلام حبشي ، كان مملوكاً لإمرأة من أهل مكة ، وأعزه الله بالعلم منذ نعومة أظفاره ، أخذ العلم عن أبي هريرة وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس وعبدالله بن الزبير وغيرهم من الصحابة ، وكان يخدم السيدة المكية فيوفيها حقها من الخدمة ، إلى أن أعتقت رقبته تقرباً لله لعل الله ينفع به الإسلام والمسلمين ، وأصبح صاحب الفتيا في المسجد الحرام خلفاً لعبدالله بن عباس ووارث علمه .

حدث الإمام أبو حنيفة عن نفسه فقال : أخطأت في خمسة أبواب من المناسك بمكة فعلمنيها حجام أي حلاق ، وذلك حين أردت أن أحلق لأخرج من الإحرام ، وقلت : بكم تحلق لي رأسي ، قال : هداك الله النسك لا يشارط فيه ، أعط ماتيسر لك ، وجلست منحرفاً عن القبلة ، فأومأ لي أن أستقبل القبلة ، وأعطيته من رأسي الجانب الأيسر ، فقال : أدر شقك الأيمن ، وحلق رأسي ، وقال : مالي أراك ساكتاً ، كبر ، فجعلت أكبر ، ولما انتهى قمت لأذهب ، فقال إلى أين ، قلت إلى رحلي ، قال : صل ركعتين ثم انطلق حيث تشاء . وحدثت نفسي ماكان لحجام أن يقع مثل هذا إلا إذا كان ذا علم ، فسألته : من أين لك ما أمرتني به من مناسك ؟ فقال : رأيت عطاء بن أبي رباح يفعله . وحدث عثمان بن عطاء الخراساني ، قال : انطلقت مع أبي نريد هشام بن عبدالملك ، فلما اقتربنا من دمشق إذا بشيخ على حمار أسود عليه قميص صفيق وجبة بالية وغطاء رأس لازق برأسه ، قلت من هذا ؟ قال هذا سيد فقهاء الحجاز عطاء بن أبي رباح ، ونزلا واعتنقا ، ثم ركبا حتى وصلا قصر هشام وقبل أن يجلسا حتى أذن لهما ، ولما خرجا قال لي أبي والله ما دخلت إلا بسببه وسأله الخليفة عن حاجته فقال : أهل الحرمين أرزاقهم وأعطياتهم ، وأهل مكة والمدينة ، وأهل الحجاز ، وأهل الثغور ، وأهل الذمة من اليهود والنصارى لا يكلفون ما لا يطيقون ، وكان الخليفة يأمر غلامه بالكتابة لتنفيذ الأمر ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ، اتق الله في نفسك، خلقت وحدك وتموت وحدك وتحشر وحدك وتحاسب وحدك ، فبكى هشام وقام عطاء ولم يشرب عنده قطرة ماء . ولقد عمّر طويلاً حتى بلغ مائة عام ووقف على عرفات سبعين حجة وترك الدنيا خفيف الحمل من أثقالها ، كثير الزاد من عمل الآخرة.

مكحول الشامي

هو أبو عبدالله ، مكحول بن عبدالله الشامي ، من سبي كابل ذكره ابن ماكولا في كتاب "الإكمال" في ترجمة شاذل ، فقال : هو مكحول بن أبي مسلم واسمه شهراب بن شاذل بن سند بن سروان بن بزدك بن يغوب بن كسرى . كان جده شاذل من أهل هراة في أفغانستان ، وتزوج ابنة ملك من ملوك كابل ، ثم هلك عنها وهي حامل ، فانصرفت إلى أهلها ، فولدت شهراب ، فلم يزل في أخواله بكابل حتى ولد له مكحول، فلما ترعرع مكحول سبي ، ثم كان في نصيب سعيد بن العاص ، فوهبه لإمرأة من هذيل ثم أعتقته . وقيل كان مولى لبني ليث . وكان من السند لا يفصح باللغة العربية ، وكان في لسانه عجمة ظاهرة ، ويبدل بعض الحروف بغيرها ، فسأله بعض الأمراء عن القدر ، فقال : أساهر أنا ؟ يريد أساحر أنا . وقال معقل بن عبدالأعلى القرشي : سمعته يقول لرجل : مافعلت تلك الهاجة ؟ يريد الحاجة ، وهذه العجمة تغلب على أهل السند . واستمع إلى عدد من الأئمة كأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وأبي هند الداري وغيرهم ، وكان مقامه بدمشق . وكان معلماً للأوزاعي وسعيد بن عبدالعزيز وغيرهم كثير ، قال الزهري : العلماء أربعة ، سعيد بن المسيب بالمدينة ، والشعبي بالكوفة ، والحسن البصري بالبصرة ، ومكحول بالشام . ولم يكن في زمنه أبصر منه بالفتيا ، وكان لا يفتي حتى يقول : لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ، هذا رأي والرأي يخطئ ويصيب .

وكيع بن الجراح

هو وكيع بن الجراح ابن مليح الإمام الحافظ الثبت محدث العراق أبو سفيان الرواسي الكوفي أحد الأئمة الأعلام ، ورواس بطن من قيس عيلان ، قال علي بن الحسين بن حبان عن أبيه : سمعت يحيى بن معين يقول : ما رأيت أفضل من وكيع . قيل له : ولا ابن المبارك ؟ قال : قد كان لابن المبارك فضل ، ولكن ما رأيت أفضل من وكيع. وقال ابن معين : الثبت بالعراق وكيع . قال ابن عمار : ما كان بالكوفة في زمان وكيع أفقه ولا أعلم بالحديث منه . قال أحمد بن حنبل ما رأت عيني مثل وكيع قط يحفظ الحديث ويذاكر بالفقه فيحسن مع ورع واجتهاد ولا يتكلم في أحد . وقال أيضاً : كان وكيع مطبوع الحفظ ، كان حافظاً حافظاً ، وكان وكيع أحفظ من عبدالرحمن بن مهدي كثيراً كثيراً . وقال بشر بن موسى عن أحمد : ما رأيت مثل وكيع في الحفظ والإسناد والأبواب مع خشوع وورع . مات سنة سبع وتسعين ومائة.

يحيى القطان

هو أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ التميمي ، مولاهم البصري القطان الإمام ، من تابعي التابعين . اتفقوا على إمامته ، وجلالته ، ووفور حفظه ، وعلمه ، وصلاحه . قال أحمد بن حنبل : ما رأيت مثل يحيى بن القطان في كل أحواله . وقال أيضاً : ما رأيت أحداً أقل خطأ من يحيى بن سعيد . وقال أيضاً : إلى يحيى القطان المنتهى في التثبت . وقال ابن المديني : ما رأيت أحداً أعلم بالرجال منه . وقال بندار : هو إمام أهل زمانه . وقال النسائي : أمناء الله على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله ، مالك وشعبة ويحيى القطان . مات سنة ثمان وتسعين ومائة .



الشعراء في العصر الأموي

أبو الشمقمق

هو مروان بن محمد أبو الشمقمق ، ( 112 – 200 ) للهجرة ( 730 – 815 ) للميلاد ، أصله من خراسان ، سكن البصرة ، وهو من موالي بني أمية ، له أخبار مع شعراء عصره ، كبشار ، وأبي العتاهية ، وأبي نواس ، وابن أبي حفصة . وكان كثير الهجاء ، وممن هجاهم يحيى بن خالد البرمكي وغيره ، وكان عظيم الأنف ، منكر المنظر ، أتى بغداد في أول خلافة الرشيد العباسي .

مختارات من شعره :

عاد الشمقمقُ في الخسارهْ    وَصَــــبَا وَحَـنَّ إلى زُرَارَهْ

من بعــد ما قيــلَ ارعوى    وَصَحَا لأبوابِ الشَّــــطارَهْ

مِــنْ قهـــــوةٍ مِسْـــــــكيَّة    وَاللّـــونُ مثــــلُ الجُلَّنـــارهْ

تـــدعُ الحليــــــمَ بلا نهى    حيــــرانَ ليــــسَ به إحارهْ

ولربّمـــــا غنَّـــــى بـــها    يا جـــارتا ماكنتِ جــــارهْ

يا أيـــــها المـــــلكُ الذي    جَمَعَ الجَــلاَلةَ والوَقـــــارهْ

وَرثَ المكــارمَ صـــالحاً    والجــــودَ منه والعِمــــارَهْ

إني رأيتــــكَ في المنـــامِ    وعدتني منــــكَ الزيــــارهْ

فغـدوتُ نحوكَ قاصـــــداً    وعليكَ تَصْــــديقُ العِبَارَهْ

أنَّـي أتــــاني بالنّـــــــدى    والجودِ منكِ إلى البشــارهْ

إنَّ العِيَـــــالَ تركتُــــــهُمْ    بالمِصْرِ خبزُهُمُ العُصارهْ

ضـــجوا فقلتْ تصــبروا    فالنجــعُ يقرن بالصــبارهْ

حتى أزورَ الهاشـــــــــم    أخا الغضــارة والنضـارهْ

ولقد غـــدوتُ وليسَ لي    إلا مديحــك منْ تجـــارهْ

*****

الأحوص

عبدالله بن محمد بن عبدالله بن عاصم الأنصاري . من بني ضبيعة ، ( ؟ - 105 ) للهجرة ( ؟ - 723 ) للميلاد ، شاعر إسلامي أموي عرف بالهجّاء والغزل ، لقب بالأحوص لضيق في عينه ، وكان معاصراً لجرير والفرزدق . وهو من سكان المدينة . وفد على الوليد بن عبدالملك في الشام فأكرمه ، ثم بلغه عنه ماساءه من سيرته ، فردّه إلى المدينة وأمر بجلده فجلد ونفي إلى دهلك وهي جزيرة بين اليمن والحبشة كان بنو أمية ينفون إليها من يسخطون عليه . فبقي بها إلى ما بعد وفاة عمر بن عبدالعزيز ، وأطلقه يزيد بن عبدالملك ، فقدم دمشق ومات بها .

مختارات من شعره :

رَامَ قلْبي السُّــلوَّ عَنْ أسْـــــماءِ    وَتَعــــزَّى وَمَــا مِـــنْ عَـــــزَاءِ

سُخْنَةٌ في الشِّتَاءِ بَاردَةُ الصَّيْفِ    سِـــــراجٌ في اللَّيْلـــةِ الظَّلْـــمَاءِ

كَفِّنَانِي إنْ مِتَّ فِي دِرعٍ أرْوَى    وامْتَحَا لِي مِنْ بئْرِ عُرْوَةَ مَائِي

إنَّني والّضــــذي تَحُــجُّ قُرَيشٌ    بَيْتَــــهُ سَـــــــالِكِينَ نَقْبَ كَــدَاءِ

لمُلِمٌّ بـــهَا وإنْ أبْــــتُ مِنْــــها    صــــادِراً كالّذي وَرَدْتُ بــدَاءِ

ولها مربـــعٌ ببرقــــةِ خــــاخِ    وَمَصـــيفٌ بالقصرِ قصْر قَباءِ

قلبتْ لي ظهرَ المجنِّ فامستْ    قدْ أطـــاعتْ مقــــــالةَ الأعداءِ

أهَاجَ لكَ الصَّــــبَابَةَ أنْ تَغَنَّتْ    مُطوَّقــــةٌ عَلى فَنَـــــنٍ بكُـــور

تفجَّعُ فوقَ غصـــنٍ منْ أراكٍ    وَتَحْــــتَ لُبَانِــهَا فَنَنٌ نضيــــر

*****

الأخطل

غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو ، أبو مالك ، من بني تغلب ( 19-90 للهجرة ) ( 640 – 708 ) للميلاد ، من أشهر شعراء عصر بني أمية وأكثر من مدح خلفاءهم . وهو أحد الثلاثة المتفق على أنهم أشعر أهل عصرهم : جرير والفرزدق والأخطل . ويطلق عليهم المثلث الأموي ، نشأ مسيحياً في أطراف الحيرة بالعراق واتصل بالأمويين ، وتهاجى مع جرير والفرزدق ، فتناقل الرواة شعره . كما كان معجباً بأدبه ، تياهاً ، كثير العناية بشعره . وكانت إقامته بين دمشق والجزيرة .

مختارات من شعره :

خَليلــــيَّ قومــــاً للرَّحيـــــلِ ، فإنّنـــي    وَجَدْتُ بَني الصَّــــمْعاء غَيْرَ قَريبِ

وأســــفِهْتُ إذ مَنّيْتُ نفْسي ابنَ واسِــع    منى ، ذهبتْ ، لم تســـــقني بذنُوبِ

فإن تنـــــزلا ، بابن المحلق ، تنــــزلا    بذي عـذرةٍ ، ينداكُمـــــا بلغـــــوبِ

لحــــى اللّهُ أرْماكــــاً بدِجْلــة ، لا تقي    أذاةَ امرئ عَضْبِ اللّسانِ شَـــغوبِ

إذا نحنُ ودّعــــــنا بـــــلاداً همُ بـــــها    فبُعْـــداً لحــــــرَّاتٍ بها وَسُـــــهُوبِ

نَســــــيرُ إلى مَنْ لا يُغِــــبُّ نوالــــــهُ    ولا مُسْــــــلِمٍ أعْراضَهُ لسَــــــبوبِ

بخوص كأعطــال القســــي ، تقلقلتْ    أجنتــــــها مـــنْ شــــــــقةٍ ودؤوبِ

إذا مُعْجــــــلٌ غادرنــهُ عند منــــــزلٍ    أتيـحَ لجواب الفــــلاةِ ، كســـــوبِ

وهُـــــنَّ بنا عَــــوجٌ ، كأنَّ عُيُونَـــــها    بقايا قِـــلاتٍ قَلّصَــــتْ لنُضُـــــوبِ

مَسانيفُ ، يَطويها معَ القيظِ والسُّـرى    تكاليــــفُ طلاع النجادِ ، رَكـــوبِ

راحَ القطيــنُ من الثــــغراء أو بكروا    وصَدَّقوا مِن نهارِ الأمْس ما ذكروا

إنّي إذا حَلــــبَ الغلبـــــاءُ قَاطِبَـــــــةً    حوْلي وبكْــــرٌ وعَبْدُ القيْــس والنّمِرُ

أعَـــــزُّ مَنْ ولدتْ حـــــوّاءُ مِنْ ولـــدٍ    إنَّ الرِّبـــا لهُمُ والفَخْرَ إنْ فَخَـــــروا

يا كلـــبُ إن لم تكنْ فيكــمْ محافظــــةً    ما في قضــــاعةَ منجاةٌ ولا خطـــرُ

أعبــــــدَ آل بغيـــــضٍ لا أبـــاً لــــكمُ    عبســــاً تخافونَ والعبســـــيّ محتقرُ

ما كان يُرْجى ندى عَبْسِ الحجاز ولا    يُخْشـى نَفيرُ بني عَبْسٍ إذا نَفَـــــروا

ولا يُصَـــلّي عَلى موْتــــــاهُمُ أحَــــدٌ    ولا تَقبَّـــــــــلُ أرْضُ اللهِ ماقبــــرُوا

إذا أناخـــــوا هدايــــــاهُمْ لمنحـــرها    فهمْ أضلّ من البدنِ الذي نحــــــروا

قدْ أقْســــــمَ المجْدُ حقاً لا يحالِفُـــــهُمْ    حتى يحالف بطنَ الرَّاحةِ الشـــــــعرُ

*****

جَرير

جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر الكلبي اليربوعي ، أبو حزرة ، من تميم ( 28 – 110 ) للهجرة ( 648 – 728 ) للميلاد ، أشعر أهل عصره ، وأحد شعراء المثلث الأموي الفرزدق والأخطل وجرير ، ولد ومات في اليمامة ، وعاش عمره في الشام مع خلفاء بني أمية يتنافس مع شعراء زمنه ، ولم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل . وكان عفيفاً ، وهو من أغزل الشعراء وأشدهم هجاء .

مختارات من شعره :

أتصـــحو أم فؤادكَ غيرُ صـــــاح    عشـــــــيةَ همَّ صـــحبكَ بالرواحِ

تقُولُ العــــاذلاتُ : عَلاكَ شَـــيْبٌ ،    أهذا الشـــــيبُ يمنعني مــراحي

يكلفـــني فـــــؤادي من هـــــــواه    ظعــائِنَ يَجْتَز عن عَلى رُمــــاحِ

ظعائَنَ لمْ يَــــدِنَ مَعَ النّصَــــارى    وَلا يَدْرينَ ما سَــــمْكُ القـــــراحِ

فبعـــضُ المــاءِ ماء ربــابِ مزنٍ    وبَعْضُ المــاءِ مِنْ سَــــبَخِ مِلاحِ

ســـــيَكْفِيكَ العَـــــوازلَ أرْحَبـــيٌّ    هجــانُ اللـــونِ كالفردِ الليـــــاحِ

يعــــز على الطريـــــــق بمنكبيهِ    كما ابتَرَكَ الخَليعُ على القِــــداحِ

تعـــــزْت أمُّ حـــــزرةَ ثمَّ قالــتْ    رَأيـــتُ الزَاردِينَ ذَوي امْتِنــاحِ

تُعلّلُ ، وَهْيَ ســـــاغِبةٌ ، بَينـــها    بأنْفاسٍ مِنْ الشَّــــــبمِ امْتِيــاحي

ثِــــقي بالله ليْــــسَ لهُ شَـــــريكٌ ،    ومن عنــــدِ الخليفـــــةِ بالنجاحِ

أعتْني يا فـــــــــداكَ أبـي وأمـي    بســـــيبٍ منــــكَ ذو ارتبـــــاحِ

فإنّي قــدْ رَأيـــتُ عَـــليّ حَقـــــاً    زِيَــــارَتِيَ الخَليفةَ وامْتِــــداحي

سأشـــكرُ أنْ رددتَ عليَّ ريشي    وَأثَبَــــتَّ القـــــوادِمَ في جَنَاحي

ألسْـــــتُمْ خَيرَ مَنْ رَكِبَ المَطايا    وأنـــدى العالمينَ بَطـــونَ راحِ

وقوْمِ قدْ سَــــمِوْتَ لهمْ فَدَانُــــوا    بدهـــــــمِ فــي مللــــــــةٍ رداحِ

أبحــتَ حمى تهامةَ بعدَ نجـــــدٍ    وما شــيءٌ حميـتَ بمســـــتباحِ

لكمْ شـــــم الجبالِ منَ الرواسي    وأعظمُ ســــــيل معتلـج البطاحِ

دَعَــــوْتَ المُلْحِــــدينَ أبَا خُبَيْبٍ    جماحاً هلْ شـــفيتَ منَ الجماحِ

فقدْ وَجَـدُوا الخَليفــــةَ هِبْـــرزيّاً    ألفّ العِيــصِ ليس من النّواحي

فما شجراتُ عيصكَ في قريش    بعَشّـــاتِ الفُرُوع وَلا ضَواحي

رأى الناسُ البصيرةَ فاسـتقاموا    وبينتِ المـراض منَ الصـــحاحِ

*****

فغض الطرف إنك من نمير    فلا كعباً بلغت ولا كلابا

يا أم عمرو جــــزاك الله مغفرة    ردي على فؤادي مثلـــــما كانا

إن العيون التي في طرفها حورٌ    قتلنـــــنا ثم لم يحيـين قتــــلانا

يا حبذا ســـاكن الريان من جبلٍ    وحبذا ســـاكن الريان من كانا

ليت الذي خلق العيون الســـودا    خلق القلوب الخافقات حـــديدا

عوذ فؤادك من سهام لحاظـــها    أو مت كما تشاء الغرام شهيدا

جَميل بُثَينَة

جميل بن عبدالله بن معمر العذري القضاعي ، أبو عمرو ( ؟ - 82 ) للهجرة ( ؟ - 701 ) للميلاد ، شاعر في النسيب والغزل والفخر والقليل من المديح ، كانت منازل بني عذرة في وادي القرى من أعمال المدينة ، ورحلوا إلى أطراف الشام الجنوبية ، وكان شاعراً من عشاق العرب في الحب العذري ، افتتن ببثينة من فتيات قومه ، منذ الطفولة ، وأخلص لها في حبه ، وتناقل الناس أخبارهما ، من خلال شعره ، وزوجها أهلها من غيره ، فرحل إلى مصر ، وافداً على عبدالعزيز بن مروان ، الذي أكرمه وأمر له بمنزل فأقام فيه ، وبقي في مصر حتى توفي ، ولم تستطع بثينة إخفاء حزنها بل هلعها حين جاءها نعيه بأبيات أوصى جميل أن تقال عند بيتها وبين قومها ..

صـدع النـعي ومــا كنى بجميل    وثوى بمصر ثواء غير قـفول

ولقد أجر الذيل في وادي القرى    نشــوان بــين مــزارع ونخيل

قــومي بثينة فــاندبــي بعـــويل    وابــكي خـليلـك دون كل خليل

خرجت من بيتها باكية وهي تقول : إن كنت صادقاً فقد قتلتني وإن كنت كاذبا فقد فضحنتي . وصعقت مغشيا عليها ولما قامت قالت :

وإن سلوي عن جميل لســاعة    من الدهر ماحانت ولا حان حينها

سـواء علينا يا جميل بن معمر    إذا مـــت بـأســــاء الحـــياة ولينها

مختارات من شعره :

وأوّلُ ما قــــادَ المَــــودّةَ بيننا ،    بوادي بَغِيضٍ ، يا بُثينَ ، سِبابُ

وقلنا لها قولاً ، فجاءتْ بمثلهِ ،    لكلّ كـــلامٍ ، يا بُثينَ ، جـــوابُ

*****

وإني لأرضـــى ، من بُثينــةَ ، بالّـــــذي    لوَ أبصره الواشي ، لقرتْ بلابلهُ

بلا، وبـألاّ أســــــــــتطِيعَ ، وبالمُـــــنى ،    وبالوعدِ حتى يســــأمَ الوعدَ آملهُ

وبالنظرةِ العجلى ، وبالحولِ تنقضــــي ،    أواخِــــرُه ، لا نلتقي ، وأوائِلُــــهُ

ألا ليتَ ريعـــــانَ الشـــــــبابِ جــــديدُ    ودهـــراً تولى ، يا بثينَ ، يعـــودُ

فنبــــقى كما كنّـــا نكــــــونُ ، وأنتــــمُ    قــريبٌ وإذ ما تبذليــــنَ زهيـــــدُ

وما أنسَ ، مِ الأشــــياء ، لا أنسَ قولها    وقد قَرّبتْ نُضْوي : أمصــرَ تريدُ؟

ولا قولها : لولا العيــــونُ التي تـــرى ،    لزُرتُكَ ، فاعذَرْني ، فَدَتكَ جُـدودُ

خليلي ، مـــاألقى مـن الجـــدِ باطـــــنٌ    ودمعي بما أخفيَ ، الغداةَ ، شـهيدُ

ألا قــــد أرى ، واللهِ أنْ ربّ عبـــــرةٍ    إذا الدار شـــــطّتْ بيننا ، ســتَزيدُ

إذا قلـــــتُ : مابي يــا بثينـــةُ قاتِــــلي ،    من الحبّ ، قالت : ثابتٌ ، ويزيدُ

وإن قلتُ : رديّ بعضَ عقلي أعشْ بهِ    تولّـــتْ وقالتْ : ذاكَ منكَ بعــــيدُ!

فلا أنا مــــدودٌ بــــما جئــــتُ طـــــالباً ،    ولا حبــــــها فيما يبيـــــدُ يبيـــــدُ

جـزتكَ الجوازي ، يا بثينَ ، ســــلامةً    إذا ماخليـــــلٌ بانَ وهو حميــــــدُ

وقلتُ لـــها ، بيني وبينكِ ، فاعلــــمي    من الله ميثــــــاقٌ له وعُهـــــــودُ

وقد كان حُبّيــــكُمْ طريفــــاً وتالــــــداً ،    وما الحـــبُّ إلاّ طارفٌ وتليـــــدُ

وإنّ عَـــرُوضَ الوصـــلِ بيني وبينها ،    وإنْ سَــــــهّلتْهُ بالمنى ، لكـــؤودُ

وأفنيتُ عُمـــري بانتظــــاريَ وَعدها ،    وأبليـــتُ فيها الدهرَ وهو جـــديدُ

فليتَ وشـــــــــاةَ الناسِ ، بيني وبينها    يدوفُ لـــهم سُـــــمّاً طماطمُ سُودُ

وليتـــهمُ ، في كلّ ُمسىً وشـــــــارق ،    تُضـــــاعَفُ أكبــالٌ لهم وقيـــــودُ

ويحسَـــب نِســـــوانٌ من الجهل أنّني    إذا جئتُ ، إياهـــــنَّ كنتُ أريــــدُ

فأقســــــــمُ طرفي بينهنّ فيســـــتوي    وفي الصّـــــدْر بَوْنٌ بينهنّ بعيـــدُ

ألا ليتَ شِــــــــعري ، هلَ أبيتنّ ليلةً    بوادي القُـــرى؟ إني إذن لســـعيدُ!

وهل أهبطـــنْ أرضـــاً تظلُّ رياحُها    لها بالثنايـــــا القاويـــــاتِ وئِيــــدُ؟

وهل ألقيـنْ ســــعدى من الدهر مرةً    وما رثّ من حَبــلِ الصّــفاءِ جديدُ؟

وقد تلتـــــقي الأشــــــتاتُ بعدَ تفرقِ    وقد تُـــدرَكُ الحاجاتُ وهي بعِيــدُ

وهل أزجرنْ حـــرفاً علاةً شـــــملةً    بخرقِ تباريــــها ســـــــواهمُ قودُ

على ظهر مرهوبٍ ، كأنّ نشـــوزَهُ ،    إذا جاز هُلاّكُ الطريق ، رُقــــودُ

ســــبتني بعيني جؤذرِ وسط ربربٍ    وصـــدر كفـــاثور اللجين وجيــــدُ

تزيفُ كما زافـــتْ إلى ســـــــلفاتها    مُباهِيةٌ ، طيَّ الوشـــــــاح ، مَيودُ

إذا جئتُها ، يوماً من الدهر ، زائـراً ،    تعرّضَ منفوضُ اليدينِ ، صَــدودُ

يصُدّ ويُغضي عن هواي ، ويجتني    ذنوبـــاً عليـــــها ، إنّه لعَنـــــــودُ!

فأصـــرمُها خَــــوفاً ، كأني مُجانبٌ ،    ويغفـــــلُ عـــن مــــرة فنعـــــودُ

ومن يُعـــط في الدنيا قريناً كمِثلِــها ،    فذلكَ في عيـــشِ الحيــاةِ رشــــيدُ

يموتُ الهـــوى مني إذا ما لقِيتُــــها ،    ويحيا ، إذا فارقتــــها ، فيعــــــودُ

يقولون : جاهِدْ يا جميلُ ، بغـــزوةٍ ،    وأيّ جـــــهادٍ ، غيرهـــنّ ، أريدُ

لكلّ حــــديثٍ بينَهـــــنّ بشاشــــــةُ    وكلُّ قتيـــــلٍ عنـــــدهنّ شـــــهيدُ

وأحســـنُ أيامي ، وأبهجُ عِيشَــتي ،    إذا هِيجَ بي يـــــوماً وهُنّ قَعــــودُ

تذكـــرتُ ليلى ، فالفـــؤادُ عميــــدُ ،    وشـــــــطتْ نواها ، فالمزارُ بعيدُ

علقتُ الهوى منها وليداً ، فلم يـزلْ    إلى اليــــــومِ ينمي حبـــها ويزيـدُ

فما ذُكِرَ الخُـــــلاّنُ إلاّ ذكرتُــــــها ،    ولا البُخــلُ إلاّ قُلتُ ســــوف تجودُ

إذا فكــــرتْ قالت : قد أدركتُ ودهُ    وما ضـــرّني بُخلي ، فكيف أجودُ!

فلو تُكشَفُ الأحشاءُ صودِف تحتها ،    لبثنـــــةَ حـــبُ طـــــارفٌ وتليــــــدُ

ألمْ تعلـــمي يا أمُ ذي الـــودعِ أنني    أضــاحكُ ذِكراكُم ، وأنتِ صَـــلودُ؟

فهلْ ألقيــــنْ فَرداً بثينــــــةَ ليلــــةً    تجــــودُ لنــــا من ودّها ونجـــــودُ؟

ومن كان في حبي بُثينةَ يَمتــــري ،    فبرقاءُ ذي ضــــالٍ عليّ شــــــهيدُ

*****

حطان بن المعلى

شاهر أموي ذكره أبو تمام في حماسته.

أنزلـني الدهـر على حــــكمه    من شــــامخ عـــال إلى خـفـض

وغالــني الدهــر بوفر الغـنى    فليس لي مال ســـــوى عرضي

لولا بـنيات كزغــب الــقــطا    رددن من بــعـض إلى بــعـــض

لكان لي مضطرب واسع في    الأرض ذات الطــول والعــرض

إنـــمـــا أولادنــا بــيـنـــنـــــــا    أكبادنا تـــمـشي عــلـــى الأرض

لو هبت الريح على بعـــــضهم    لامــتنعت عيني من الغــمــــض

ذو الرُمَّة

غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي ، من مضر ( 77 – 117 ) للهجرة ( 696 – 735 ) للميلاد ، قصير دميم ، يضرب لونه إلى السواد ، وكان مقيماً بالبادية ، ويأتي كثيراً إلى اليمامة والبصرة . أكثر شعره في البكاء على الأطلال ، والتشبيب بميّة المنقرية التي عرف بحبه لها ، وكان شعره من أجود الشعر . وكان جرير يعجب بشعره . توفي بأصبهان ، وقيل في البادية .

مختارات من شعره :

ألمْ تُســـــأل اليومَ الرُّســـــــومَ الدَّوراسُ    بحزوى وهل تدري القفارُ البسـابسُ

متى العهــــدُ ممن حلّها أمْ كم انقضــــى    مِنَ الدَّهْر مُذْ جَرَّتْ عَليْهَا الرَّوَامِسُ

دِيَـــــارٌ لمَيٍّ ظـلَّ مِنْ دُونِ صُــــــحْبَتِي    لنفسي لما هاجتْ عليها وســــــاوسُ

فكيـــــفَ بميٍّ لا تواتيـــــــكَ دارهــــــا    وَلاَ أنْتَ طاوي الْكَشْح عَنْهَا فَيَائِـــسُ

أتَى مَعْشَـــــرُ الأكْـــــرَادِ بَيْني وَبَيْنَـــهَا    وحولان مــــرَّاً والجبـالُ الطَّـــوامسُ

ولمْ تنســــــني ميَّاً نوَّى ذاتَ غربـــــــةٍ    شــطونٌ ولا المســـتطرفاتُ الأوانسُ

إذَا قُلْـــتُ أسْــــــلُو عَنْكِ يَامَيُّ لـــمْ أزَلْ    مُحِـــلاً لِدَار مِنْ دِيَــــــارِكِ ناكِــــسُ

نَظَرْتُ بجَـــرْعَاءِ السَّـــــــبيبةَ نَظْـــــرَةً    ضُحَى وَسَوادُ الْعَيْنِ فِي الْمَآءِ غامِسُ

إلى ظعنٍ يقرضـــنَ أجوازَ مشـــــــرفٍ    شِـــــمَالاً وَعَنْ أيْمَـانِهنَّ الْفَــــــوَارسُ

ألفنَ اللَّـــوى حتى إذا البـــــروقُ ارتمى    بهِ بَارحٌ رَاحٌ مِنَ الصَّيْفِ شَــــــامِسُ

وَأبْصَـــــرْنَ أنَّ النَقْعَ صَــــــارَتْ نِطافْهُ    فرَاشــــــاً وَأنَّ الْبَقْــــلَ ذَاوٍ وَيَــــابسُ

تَحَمَّلْـــــنَ مِنْ قـــــاع الْقَرينَـــــةِ بَعْدَمَــا    تَصَيَّــــفَنَ حَتَّى مَا عَنِ الْعِـــدِّ حَابـسُ

إلى منهــــــلٍ لــــمْ تنتجعــــــهُ بعكَّــــــةٍ    جنـــوبٌ ولمْ يغرسْ بهِ النخلَ غارسُ

فلمَّا عَرَفْنَــــــا آيَـــــةَ الْبَيْـــــنِ قَلَّصَـــتْ    وَسْـــوجُ المَهَارَى وَاشْـمَعَلَّ المَوَالِسُ

وَقلْتُ لأصْــــحَابي هُمُ الُحَيُّ فَارْفَعُـــــوا    تُداركْ بنَا الْوَصْلَ النَّوَاجِي الْعَرَامِسُ

فَلمَّا لحِقَنَــــــا بالْحُـــــدُوجِ وَقدْ عَلـــــتْ    حَمَــــاطاً وَحِرْبَـــاءُ الْفَلاَ مُتَشَــاوسُ

وفي الحــــيِّ ممن نتَّقــــي ذاتَ عينــــهِ    فريقـــــان : مرتــــابٌ غيورُ ونافسُ

وَمْسَتْبشِــــــرٌ تَبْـــدُو بَشَاشَـــــــةُ وَجْههِ    إلينـــا معـــــروفُ الكآبــــةِ عابـــسُ

تَبَسَّــــــمْنَ عَنْ غُـــرٍّ كَأنَّ رُضَـــــــابَهَا    نَدَى الرَّمْل مَجَّثْهُ الْعِهَــــــادُ الْقَوَالِسُ

عَلى أقحُـــــوانِ فِي حَنَــــادِجَ حُـــــــرَّةٍ    يناصــــي حشــــــاها عانكٌ متكاوسُ

وخالــــسَ أبـوابَ الخــــــدور بعينـــــهِ    على جانبِ الخوفِ المحبُّ المخـالسُ

وألمحنَ لمحــــاً عنْ خــــدود أســــــيلةٍ    رواءٍ خلا ما أنْ تشــــــفَّ المعاطسُ

كَمَا أتْلعَــتْ مِنْ تَحْتِ أرْطى صَـــريمَةٍ    إلى نَبْــــأةِ الصَّــوْتِ الظبَاءُ الْكَوَانِسُ

نَأتْ دَارُ مَيٍّ أنْ تُـــــزَارَ وَزََوْرُهَـــــــا    إلى صُـــــحْبَتي باللَّيْلِ هَادٍ مُوَاعِـــسُ

إذَا نحنُ عرَّســـــنا بأرضِ ســـرى بها    هوى لبَّســـــــتهُ بالفــــــؤادِ اللَّوابــسُ

إلى فِتْيَةٍ شُـــــعْثٍ رَمَى بِـــــهمُ الْكَرَى    مُتُونَ الحَصَى لَيْسَــــتْ عَليْهَا مَحَابسُ

أناخـــوا فأخفــــــوا عندَ أيدي قلائصٍ    خِمَــــاصٍ عَليْهَا أرْحُــــلٌ وَطنَـــافِسُ

ومنخـــرقَ السِّــــــربالِ أشعثَ يرتمي    بهِ الرَّحْـــلُ فَوْقَ الْعِيسِ وَاللَّيْلُ دَامِسُ

إذَا نحزَ الإدلاسُ ثغــــــرةَ نحــــــــرهِ    بهِ أنَّ مُسْــــــترْخِي العِمَامَةِ نَاعِـــسُ

أقمــــتُ لهُ أعــــــناقَ هيــــــمٍ كأنَّــها    قطاً نــــشَّ عنها ذو جلاميدٍ خامـــسُ

وَرَمْلٍ كَأوْرَاكِ الْعَــــــذَارَى قطعْتُــــهُ    إذَا جَلَّلتْــــــهُ المُظْلِمَــــاتُ الْحَنَــادِسُ

رُكَـــــامٍ تَرَى أتْبَاجَــــهُ حِينَ تَلتَقِــــي    لها حبـــــكٌ لا تختطيــــهِ الضَّــغابسُ

ومــــاءٍ هتكتُ الدُّمنَ عنهُ ولمْ يـــــردْ    رَوَايَــــا الفِـرَاخِ وَالذِّئَابُ اللَّغــــــاوسُ

خَفِيِّ الجَبَــــأ لا يَهْتَــــدِي فِي فَلاَتِــــهِ    مِنَ الْقــــوْمِ إلاَّ الْهبْـرزيُّ الْمُغــــامِسُ

أقــــولُ لعجلى بيــــنَ يـــــمٍّ وداحــسِ    أجـــدّي فقدْ أقَــوَت النُّجُومُ الْطَوَامِــسُ

وَتَهْجيــــر قَــذَّافٍ بأجْــــرَامِ نَفْسِــــــهِ    عَلى الْهَـــوْلِ لاَحَثْهُ الْهُمُومُ الْهَوَاجِـــسُ

مرَاعَاتُكِ الآجَــــالَ مَا بَيْنَ شَــــــارعٍ    إلى حيثُ حادتْ منْ عناقَ الأواعــــسُ

وعطياً كأسرابِ الخروج تشــــــوَّقَتْ    مَعَاصِــــيرهَا وَالعَاتِقـــــاتُ العَـــوَانِسُ

يراعيـــنَ مثلَ الدَّعصِ يبرقُ متنـــــهُ    بَيَاضــاً وَأعْلى سَــــائِر اللَّوْنِ وَارسُ

ســـــبحلاً أبا شـــــرخينِ أحيـــا بناتهِ    مَقالِيتُــــهَا فَهْيَ اللُّبَـــــابُ الْحَبَــــائِسُ

كلا كفأتيــــها تنقضـــــان ولمْ تجــــدْ    لهُ ثيــــلَ ســـــقبٍ في النَّتاجينَ لامسُ

إذا طــــرفتْ في متــــــعِ بكـــــراتها    أو اســــتأخرتْ منــها الثّقال القناعسُ

دَعَاهُنَّ فاسْتَسمَــــــمَعْنَ مِنْ أيْنَ رزُّهُ    بهَـــــدرِ كَمَا ارْتَجَّ الْغَمَـــامُ الرُّوَاجِسُ

فَيقْبلْــــنَ إرْبَاباً وَيَعْرضْـــــنَ رَهْبَــةً    صــــدودَ العذارى واجهتــها المجالسُ

خناطيـــــلُ يســــــــتقرينَ كلَّ قرارةٍ    مَــرَبٍّ نَفَــــتْ عَنْـــهَا الْغُثَاءَ الرَّوَائِسُ

بهِ أشْــــعَلتْ فِيهَا الذُبَالَ الْقوابـــــسُ

إذا نحــنُ قايســـــنا أناســاً إلى العلا    وإنْ كرموا لمْ يســـــتطعنَ المقـــــايسُ

نَغارُ إذَا مَا الرُّوْعُ أبْدَى عَلى الْبُرَى    ونقري سديفَ الشَّــــحمِ والماءُ جامسُ

وإنّا لخشـــــنٌ في اللّقـــــاءِ أعـــزَّةٌ    وفي الحيِّ وضـــــاحونَ بيضٌ قلامسُ

وَقَــــوْمِ كِــــرَامِ أنْكَحَتْنَــــا بَنَاتِـــهِمْ    ظباتِ السِّـــــيوفِ والرِّمــاحُ المداعسُ

*****

الراعي النُمَيري

عُبَيد بن حُصين بن معاوية بن جندل النميري ، أبو جندل ( ؟ - 90 ) للهجرة( ؟ - 708 ) للميلاد ، من أجود الشعراء في عصره ، ولقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل ، وكان بنو نمير أهل بيتٍ وسؤدد . وقيل : كان راعي إبلٍ من أهل بادية البصرة ، وهو من أصحاب الملحمات . عاصر جريراً والفرزدق ، وكان يفضّل الفرزدق ، فهجاه جرير هجاءاً مُرّاً .

مختارات من شعره :

كَمْ مِنْ أبٍ لي ، يا جَريرُ ، كَأنّهُ    قَمَرُ المَجَرّةِ ، أوْ سِرَاجُ نَهَارِ

لن تدركـــوا كرمي بلـــؤمِ أبيكُم    وَأوَابــدي بتَنَحّـلِ الأشْـــــعَارِ

شَــــــغّارَةٍ تَقِدُ الفَصِــيلَ برجْلِهَا    قَطّــــارةٌ لقـــــوادمِ الأبكـــارِ

*****

رأيتُ الجحشَ جحشَ بني كليبٍ    تَيَمَّمَ حَوْلَ دِجْلَــــةَ ثُمَّ هَـــــابَا

فَأوْلى أنْ يَظــــلَّ الْعَبْدُ يَطْــــفُو    بحَيْثُ يُنَازعُ الْمَاءُ السَّـــــحَابَا

أَتَاكَ الْبَحْـــرُ يَضْــــرِبُ جَانِبَيْهِ    أغرَّ ترى لجـــريتهِ حبـــــــابا

نُمِيْـــرٌ جَمْـــرَةُ الْعَرَبِ الَّتي لَمْ    تزلْ في الحربِ تلتهبُ إلتهابا

وإنّي إذْ أســـــبُّ بها كليـــــــباً    فتحتُ عليهمُ للخســــــفِ بابا

ولولا أنْ يقـــــالَ هجـــا نميراً    ولمْ نســــمعْ لشـاعرها جوابا

رغبنا عنْ هجـــــاءِ بني كليبٍ    وَكَيْفَ يُشَــــاتِمُ النَّاسُ الْكِلاَبَا

وَدَاريٍّ سَـــــلخْتُ الْجِـــلْدَ عَنْهُ    كما ســــــلخَ القراريُّ الإهابا

*****

تقولُ ابنتي لمَا رأتْ بعدَ مـائنا    وإطلاَبَهُ هَلْ بالسُّبَيْلةِ مَشْرَبُ

فقلتُ لها إنَّ القــــوافيَ قَطعتْ    بَقيَّــــةَ خُلاَّتٍ بهَا نَتَقَــــــرَّبُ

رأيتُ بني حمّانَ أسـقوا بناتهمْ    وما لك في حمّـانَ أمٌّ ولا أبُ

*****

سلمة بن عياض

ليست له ترجمة واضحة .

مختارات من شعره :

رأيتكَ يا خيرَ البريةِ كلها    نشرتَ كتاباً جاءَ بالحقِّ معلما

*****

الطرماح

الطّرمَّاح بن حكيم بن الحكم ، من طيء ( ؟ - 125 ) للهجرة ( ؟ - 743 ) للميلاد ، شاعر جيد الشعر ، ولد ونشأ في الشام ، وانتقل إلى الكوفة فكان معلماً فيها . كان من (الخوارج ) . واتصل بخالد بن عبدالله القسري ، فكان يكرمه ويحب شعره . وكان هجاءاً ، معاصراً للكميت صديقاً له ، لا يكادان يفترقان . وقيل إنه كان قحطانياً عصبياً.

مختارات من شعره :

إنّ الفـــــؤادَ هفَــــــــا للبــــائن الغـــــــــــردِ    لمَّا تَــــذَيَّلَ خَلْفَ العُنَّــــس الخُـــــرُدِ

والعيشُ تنقــــــلُ نقــــــــــلاً ، وهُوَ يتبعُـــها    يمشــــي منَ الغيِّ مشيَ النَّابِ بالرَّبدِ

واسْتَجْمَعَ الحَيُّ ظعْناً ، واسْــــــــــــــتَبَدَّ بهم    نَاو يَرَى الغيَّ بالإتْبــــاعِ كالرَّشَـــــدِ

مســــتقبلٌ ، ولدتُهُ الجنُّ ، أوْ ضــــــــــربَتْ    فِيهِ الشَّياطِينُ ، ذَو ضِغْنٍ وذَو حَسَـــدِ

واستطربتْ ظعنُهُم ، لمَّا احــــــــــزألَّ بــهمْ    آلُ الضُّحَى ، ناشـــطاً منْ داعياتِ ددِ

مازلتُ أتبعُــــهُمْ عيــــــــــناً ، مدامُعـــــــها    يُحْسَـــبْنَ رُمْداً ، ومَا بالعَيْنِ مِنْ رَمَدِ

حَتَّى اسْــــــــــمَدَرَّ بَصيرُ العَيْنِ ، وابْتَدَرَتْ    أخْصَـــــامُها عَبْرَةً مِنْ لاعِجِ الكَـــمَدِ

يا طيِّىءَ السَّــــهْلِ والأجْبَـــــــــالِ مُوعِدُكُمْ    كالمبتغي الصَّيدَ في عرِّيسةِ الأســــدِ

واللَّيـــثُ منْ يلتمــسْ صـــــيداً بعقـــــــوتِهِ    يُعْــرَجْ بحَوْبائِهِ مِنْ أحْرَز الجَسَـــــدِ

ضَجَّـــــتْ تَمِيــــمٌ ، وأخْزَتْـــــها مَثالِبُــــها    يُنْقلـــــنَ مِنْ بَلــــــدٍ نــــــــاءٍ إلى بَلدِ

والقيْــــنُ لمْ يَبْــــقَ مِنْــــهُ عِنْـــــدَ كَبْـــرَتِهِ    إلاَّ كمَـــــا أبقـــــتِ الأيَّــــــامُ منْ لبدِ

أبقيـنَ منهُ وســــــــط محبـــــرةٍ    يكبو ، وترفعُـــهُ الولـــدانُ بالعــــمدِ

لا عزَّ نصرُ امرىءٍأضـــــحى لهُ فـــرسٌ    عَلى تَميمٍ يُريــــدُ النَّصْـــــر مِنْ أحَدِ

إذَا دعَــــــا بشـــــــعارِ الأزدِ نفَّــــــرهُـــمْ    كَمَا يُنفَّــــرُ صَــــــــوْتُ اللَّيْثِ بالنَّقَدِ

لوْ حَـــــانَ ورْدُ ثُـــــمَّ قِيــــــــــلَ لَـــــــهَا    حوضُ الرَّسولِ عليهِ الأزدُ ، لمْ تردِ

أوْ أنــــزلَ الله وحيـــــــــــاً أنْ يعذّبَــــــها    إنْ لمْ تعــــدْ لقتــــــال الأزدِ ، لمْ تعدِ

وذاكَ أنَّ تميــــــماً غــــادرتْ ســـــــــلمَاً    لِأزْدِ كُلَّ كَعَـــــابِ وَعْثــــــةِ اللِّبَــــــدِ

مِثلِ المَــهاةِ إذا ابْتُــــزَّتْ مَجاسِـــــــــدُهَا    بغير مهــــــرٍ أصــــــابوهَا ولاَ صعدِ

خلَّـــــت محارمِـــــها للأزدِ ضـــــــاحيةً ،    ولمْ تعـــــرِّجْ على مـــــالٍ ولا ولـــــدِ

لاَ نأمنــــنَّ تميميّـــــــاً على جســـــــــــدٍ    قدْ ماتَ مالمْ ترازيل أعظـمُ الجســــــدِ

لا يحســــبُ القيـــنُ أنَّ العابَ يغســــــلهُ    عَنْ قَوْمِــــهِ مَعْجُــــهُ بالزُّورِ والفَـــــنَدِ

والقيْـــــنُ إنْ يَلْــــقَ منْ أيَّامِـــهِ عَنَتَـــــاً    يســـــقطْ بهِ الأمرُ في مســـتحكمِ العقدِ

كبَعْضِ مَا كَانَ ، مِن أيَّـــــامِ أوَّلِـــــــــنا    لاَقَى بَنُو السِّــــــــيدِ مِنَّا ليْلةَ السَّـــــــندِ

ودَارمٌ قــدْ قَذَفْـــــــنا مِنْـــــــهُمُ مَــــــائَةً    في جَاحِمِ النَّــــــارِ إذْ يَنْزُونَ في الخُدَدِ

يَنْزونَ بالمُشْــــــــتوَى مِنْها ، ويُوقِــدُها    عَمْـــــروٌ ، لوْلا شُــــــحُومُ القوْمِ لمْ تَقِدِ

فاســــألْ زرارةَ والمــــأمومَ مَا فعلـــتْ    قتلى أوارةَ منْ زغــــــــوانَ والكَـــــدَدِ

إذْ يرســــــمانِ خلالَ الجَيشِ محكمــــةً    أرْباقُ أسْــــــرهِما في مُحْكَمِ القِـــــــدَدِ

أبَيْــــتُ ضَـــــبَّةَ تَهْجُوني لأهْجُـــــوهَا؟    أفٍ لضَـــــبَّةَ منْ مولىً ومنْ عـــــضُدِ!

يا ضَـبَّ ، إنْ تَكْفُري أيَّــــامَ نِعْمَـــــتِنا    فقدْ كفــــــرت أيـــــادي أنعُـــــم تــــلدِ

يومـــــاً أوارةَ مــنْ أيّـــــــامِ نعمــــتِنا ،    ويومُ ســــلُمى يدٌ ، يا ضَـــبَّ ، بعدَ يدِ

وكــلُّ لـــؤمٍ يبيـــدُ الدَّهــــرُ أثلتَـــــــهُ ،    ولؤمُ ضَـــــبَّةَ لمْ ينقـــــصْ ولمْ يــــــبدِ

لوْ كانَ يخفى على الرَّحمــنِ خافيــــةٌ    مِنْ خَلْقِـــــهِ خَفِيَتْ عَنْــــهُ بَنو أسَـــــــدِ

لا يَنْفَعُ الأسَــــدِيَّ الدَّهْـــرَ مَطْمَعُــــهُ    في نفســـــهِ ، ولهُ فضــــــلٌ على أحـدِ

قــومٌ أقـامَ بــدارِ الذُّلِّ أوَّلــــهُمْ كـــما    أقامـــــتْ عليــــــهِ جذمـــــةُ الـــــــوتدِ

أبْدَتْ فَضَائِحَهَا للأزْدِ ، واعْتَــــذَرَتْ    بعدَ الفضـــــيحةِ بالبهــــــتانِ والفـــــندِ

لكلِّ حيّ على الجعراءِ ، قدْ علـــموا ،    فضْـــــلٌ ، وليْسَ لكُمْ فضْــلٌ عَلى أحَـدِ

واسْألْ قَفَيْرَةَ بالمَرُّوتِ : هَلْ شَـهدَتْ    شــــوط الحطيئةِ بينَ الكسْـــر والنَّضـدِ؟

أوْ كَانَ في غالِبٍ شِـــعْرٌ فَيُشْـــــبهَهُ    شِــــعْرُ ابْنِهِ ، فَيَنَالَ الشِّــعْرَ مَنْ صَـدَدِ؟

جاءَتْ بهِ نطفةً مِنْ شـرٍّ ماءٍ صرىً ،    ســـــيقتْ إلى شــــرِّ وادٍ شـــقَّ في بـلدِ

فيمَ تقولُ تميــــــمٌ ؟ يا ابنَ قينـــــهمُ ،    وقدْ صَـــــدَقَتُ ، ومَا قُلْـــتُ عَنْ فَــــنَدِ

ومنْ يرُمْ طيِّــناً يماً ، إذَا زخــــرتْ    أرْفَادُها ، يَتَوَعَّـــــرُ وهوَ في الجَـــــدَدِ

قحْطانُ جِيبَتْ لِكَهْلاَنِ المُلُوكِ ، كَما    جيبَ القبائـــلُ منْ كهــــــــلانَ عنْ أدَدِ

قومٌ لهمُ بعدَ شــرقِ الأرضِ مغربُها    إذَا تَبَاسَــــــقَ أهْلُ الأرْضِ في كَــــــبَدِ

ومنْ يلـــبِّ يوافـــــوهُ ببطــــنِ منىً ،    فيْضَ الحَصَى ، مِنْ فِجاجِ الأيْمَنَ البُعُدِ

ففي تمِيم تُســـــامِيهِمْ ؟ ومَا خُلِقُـــوا    حتّى مضتْ قســـــمةُ الأحسـابِ والعددِ

لولا قريشٌ وحقٌّ في الكتـــــابِ لها    وأنَّ طاعتــــهُمُ تهــــدي إلى الرَّشـــــــدِ

دنَّا تميمـــــاً ، كما كانتْ أوائلُــــــنَا    دانَتْ أوائِلـــــهُمْ في سَــــــــالِفَ الأبَــــدِ

*****

عدي بن الرقاع العاملي

عدي بن زيد بن مالك بن عدي بن زيد بن مالك بن عدي بن الرقاع من عاملة ،(؟ - 95 ) للهجرة ( ؟ - 714 ) للميلاد ، شاعر من دمشق ، يكنى أبا داود . كان معاصراً لجرير ، مهاجياً له ، مقدماً عند بني أمية ، مدّاحاً لهم ، خاصة للوليد بن عبدالملك . لقب بشاعر أهل الشام ، مات في دمشق .

مختارات من شعره :

أتَعْـــرفُ الدارَ أمْ لا تعرفُ الطَّـــــلَلاَ    أجلْ فهيــــجتِ الأحــزان والوجــــلا

وقد أرَانِي بــــها في عِيشــــــةٍ عَجَبٍ    والدهــــر بينا له حـــال إذِ انْفَتَــــــلا

ألهو بواضـــــحة الخــــدين طيبــــــةٍ    بعد المنامِ إذا ما سِــــــرُّهَا ابتَــــــذَلاَ

ليسَـــــتْ تـــزالُ نفسُ صــــــــاحِبها    ظمْأى فلو رابت من قلبـــه الغَلَــــــلاَ

كشـــــارب الخمر لا تُشْـــــفَى لَذَاذَتُهُ    ولو يطــــالع حتى يكثـــرَ العلـــــــلا

حتى تصــــرم لذاتِ الشــــــبابِ وما    من الحياةِ بذَا الدَّهْرِ الذي نَسَـــــــــلاَ

وَرَاعَهُــــنَّ بوَجْهــــِي بَعْدَ جدَّتِـــــــهِ    شَيْبٌ تَفَشَّغَ في الصَّدْغَيْنِ فَاشْـــــتَعَلاَ

وســـــــار غربُ شـــــبابِي بعدَ جدتهِ    كأنّما كانَ ضـــــيفاً حفَّ فَارتَحَــــــلاَ

فكم تــــــرى من قــــويٍّ فكَّ قوَّتَــــهُ    طولُ الزمانِ وســــــيفاً صارماً نحلاَ

إنّ ابنَ آدمَ يرجُـــــو ما رواءَ غـــــدٍ    ودونَ ذِلكَ غِيْــــلٌ يَعْتَقِي الأمَــــــــلاَ

لو كانَ يعتــــقُ حيــــــاً من منيتــــهِ    تَحَرُّزٌ وحِــــذَارٌ أحــــرَزَ الوَعِــــــلاَ

الأعْصَمَ الصَّدَعَ الوَحْشِيَّ في شَغَفٍ    دُونَ السَّــــــماءِ نِيافٌ يَفْرَعُ الجَبَــــلاَ

يَبيْتُ يَحفِـــرُ وَجُهَ الأرْض مُجْتَنِـحاً    إذَا اطمــــأنَّ قليـــــــلاً قام فَانتقــــــلا

أو طائراً من عتاق الطير مســـكنهُ    مصاعبُ الأرض والأشرافِ قدْ عقلاً

يكاد يقطع صــــعداً غير مكتـــرثٍ    إلى الســــــماءِ ولولا بعدها فعـــــــلا

وليــــس ينزل إلاّ فوق شــــــــاهقةٍ    جَنْحَ الظَّــــــلاَمِ ولولا الليـــــلُ مانَزَلاَ

فَذَاكَ مِنْ أحذرِ الأشــــياءِ لو وألتْ    نفسٌ من المـــــوتِ والآفاتِ أنْ يَئِـــلاَ

فصــــرَّمَ الــــهَمَّ إذ وَلَّى بناحيَـــــةٍ    عَيْرَانَةٍ لا تَشَـــــكَّى الأصْــــرَ والعَمَلاَ

من اللـواتي إذَا اســــــتقبلنَ مهمهةً    نجينَ منْ هولـــــها الركبــــــانَ والقَفَلاَ

من فرَّهَا يَرَهَا مِنْ جَانِبٍ سَـــــدَساً    وجانبٍ نابــــــها لمْ يـــــعدُ أنْ بــــــزلاَ

حرفٌ تشـــــذَرَ عنْ ريانَ منغمسٍ    مســـــتحقبٍ رزأتهُ رحمــــــها الجــملاَ

أوكتْ عليه مضـــيقاً من عواهنها    كَمَا تَضَـــــمَّنَ كشـــــــحُ الحُرَّةِ الحَـــبَلاَ

كأنهـــــا وهي تحتَ الرحلِ لاهيةٌ    إذَا المطـــــيَّ على أنقائِــــــهِ ذَمَـــــــــلاَ

جُونيَّةٌ من قطا الصَّوَّانِ مَســكنُها    جفــــــاجفٌ تنبــــتُ القفـــــــعاءَ والبقلاَ

بَاضَتْ بحَزْم سُـــبَيْع أوْ بمَرْفَضِهِ    ذي الشــــــيحِ حيث تلاقى التلعُ فَانسحلاَ

تروي لأزغبَ صــــــيفيٍّ مهلكةٍ    إذَا تَكَمَّــــــشَ أولاد القطــــــــا خَــــــذَلا

تنوش من صــوة الأنهار يطعمه    من التهـــــاويل والزبـــــــاد ما أكــــــلا

تَضُــــمُّهُ لجَنَاحَيْــــهَا وجُؤجُؤُهَا    ضـــــمَّ الفَتَاةِ الصَّــــــبيَّ المُغْيلَ الصَغِلا

تَسْـــتَوْردُ السِّرَّ أحياناً إذَا ظمِئَتْ    والضَّـــحْلَ أســــــفل من جرزاته الغللاَ

تحســــرت عقة عنه فَأنســـــلها    واجتـــــاب أخرى جديــــداً بعدما ابتقلا

مُوَلَّعٌ بســــــوادٍ في أســــــــافِلِهِ    منه احْتَـــــذَى وبلوْنِ مِثلِـــــهِ اكْتَــــحَلاَ

*****

عروة بن أذينة

عروة بن يحيى بن مالك بن الحارث الليثي ( ؟ - 130 ) للهجرة ( ؟ - 747 ) للميلاد، من أهل المدينة ، من الفقهاء والمحدثين ، ولكنه اشتهر بالشعر . وأكثر شعره في الغزل .

مختارات من شعره :

سرى همّي وهمُّ المرءِ يسري    وغاب النّجــــم إلاّ قيــــد فــــتر

أراقبُ في المجــــرَّة كلَّ نجمٍ    تَعَرَّضَ أو على المجراة يجري

لـــــــهمِّ ما أزالُ له قرينـــــاً    كأنَّ القلب أبطــــن حرَّ جــــمر

على بَكْرِ أخِي فارقت بكــراً    وأي العيـــشِ يصـــــلح بعد بكر

*****

أرقـــــتُ فلا أنـــــامُ ولا أنيـــــمُ    وجاءَ بحُــــزْنِيَ الليــلُ البهيـــمُ

وأصــــبحَ عامرٌ قد هــــدَّ ركني    وفارَقَني بـــه اللَّطِــفُ الحَمِيــمُ

فكان ثمــــــالنا تــــأوي إليــــــه    أراملـــــنا وعائلـــــنا اليتيـــــمُ

ومدره خصـــــمنا في كلِّ أمـــرٍ    له تجذو على الرّكبِ الخصومُ

وَقَيِّمَـــــنا على الجُـــــلَّى بجــــدٍّ    إذَا ما الكــربُ أفظعَ من يقـومُ

أتى الرُّكبان بالأخــبارِ تهــــوي    بها وبـــهم حراجيـــجٌ هجـــومُ

فقالُـــــوا قد تركْنـــاهُ سَــــــقيماً    فما صـدقوا ولا صحَّ الســــقيمُ

فَعَـــــزَّ عليَّ القــــــوْمَ آبُــــــوا    وأنت بواســـــطِ جدثٌ مقيـــــمُ

جزاك الله خيراً حيثُ أمســــت    من البُلدانِ أعظُمُــــكَ الرَّميــمُ

فَنَعْمَ الشَّـــيءُ كنتَ وليسَ شيءٌ    من الدُّنيا وما فيــــــها يـــــدومُ

تضعضع جلُّ قومكَ واستكانوا    لفقـــد إنّه لحــــــدثٌ عظيــــــمُ

قَضَى نَخْباً فبانَ وكانَ حصــنْاً    يعــــوذ به المدفَّــــعُ والغريـــمُ

يَريشُ الأقربيــــنَ ويطبِّيــــهُمْ    ولا يُبْــــري كما يَبْــــري الدُومُ

*****

عروة بن حزام

عروة بن حزام بن مهاجر الضني ، من بني عذرة ( ؟ - 30 ) للهجرة ( ؟ - 650 ) للميلاد ، شاعر أحب ابنة عم له اسمها ( عفراء ) نشأ معها في بيت واحد ، لأن أباه خلفه صغيراً ، فكفله عمه . ولما كبر خطبها عروة ، فطلبت أمها مهراً لا قدرة له عليه، فرحل إلى عم له في اليمن ، وعاد فإذا هي قد تزوجت بآخر ، من أهل البلقاء ( بالشام ) فلحق بها ، فأكرمه زوجها ، وأقام أياماً وودعها وانصرف ، فبرحه الشوق حباً ، فمات قبل بلوغ حيّه ودفن في وادي القرى قرب المدينة .

مختارات من شعره :

وإنِّي لتعـــــروني لذكــــــراكِ رعـــــــدة    لها بين جسمي والعظـامِ دبيبُ

ومــــا هــــــوَ إلاّ أن أراهـــــا فجــــــاءةً    فَأبْهَــــتُ حتى مَا أكَـــادُ أجِيبُ

وأصرفُ عن رأيي الّذي كنتُ أرتــــــئي    وأنْســـى الّذي حُدِّثتُ ثمَّ تَغِيبُ

وَيُظــــــــهرُ عُــــــــذْرَهَا وَيُعينــــــــــها    عَليَّ فَمَا لي في الفُــؤادِ نَصِيبُ

وقدْ علمــتْ نفســـــي مكــانَ شـــــــفائها    قريباً وهل ما لا يُنَـــال قريبُ

حَلفْــــتُ برَكْــــبِ الرّاكعيــــــن لِرَبِّــــهِمْ    خشوعاً وفوقَ الرّاكعينَ رقيبُ

لئنْ كانَ بردُ الماءِ عطشـــــانَ صـــــادياً    إليَّ حبيبـــــاً ، إنّــــــها لحبيبُ

وَقُلْــــتُ لِعَـــــرَّافِ اليَمَامَــــةِ داونِــــــي    فَإنَّـــــكَ إنْ أبْـــــرَأتَنِي لطبيبُ

فما بي من ســـــقمٍ ولا طيــــــفٍ جنّــــةٍ    ولكنَّ عَمِّي الحِمْيَــــريَّ كَذَوبُ

عشــــيّةَ لا عفـــــراءُ دانٍ ضــــــرارها    فَتُرْجَى ولا عفــراءُ مِنْكَ قريبُ

فلســـــتُ برائي الشّـــــمس إلا ذكرتــها    وآل إليَّ مــنْ هـــــواكِ نصيبُ

ولا تُذكَــــرُ الأهْــــــــواءُ إلاّ ذكرتُــــها    ولا البُخْلُ إلاّ قُلْتُ سوف تُثِيبُ

وآخر عهــــــدي منْ عفيــــــراءَ أنّـــها    تُدِيـــــر بَنَانــــاً كُلَّهُـنَّ خَضيبُ

عشــــــيّةَ لا أقضي لنفــــسي حاجـــــةً    ولم أدر إنْ نوديتُ كيفَ أجيبُ

عشــــــيّةَ لا خلفي مكرٌّ ولا الهــــــوى    أمَامي ولا يَهْوى هَوايَ غَريبُ

فواللهِ لا أنســـــــاكِ ما هبّتِ الصّــــــبا    وما عقبتها في الرّيـــاح جنوبُ

فَوَا كَبــــداً أنْسَــــــتْ رُفَاتـــــاً كَأنَّــــمَا    يُلذِّعُــــــهَا بالمَوْقِــــدَاتِ طبيبُ

بنَا من جَوى الأحْزَانِ فِي الصّدْر لَوْعَةٌ    تكادُ لــها نفس الشّـــفيق تذوبُ

ولكنّــــــما أبْقَى حُشَـــــــاشَةَ مُقْــــــولٍ    على مابهِ عُـودٌ هنــــاك صليبُ

وما عَجَبي مَـــوْتُ المُحبِّيـنَ في الهوى    ولكنْ بقاءُ العاشـــــــقينَ عجيبُ

عمر بن أبي ربيعة

عمر بن عبدالله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي ، أبو الخطاب ( 23 – 93 ) للهجرة ( 643 – 711 ) للميلاد ، ولم يكن في قريش أشعر منه . ولد في الليلة التي توفي بها عمر بن الخطاب ، فسمي عمر . وكان يفد على عبدالملك بن مروان فيكرمه ويقربه ، كان يتغزل بالنساء ويشبب بهن ويتعرض لهن ، وهن كثيرات وأشهرهن تدعى هند ، نفاه الخليفة عمر بن عبدالعزيز إلى دهلك ، جزيرة المنفى لدى خلفاء بني أمية ، وقيل أنه غزا في البحر فاحترقت السفينة به وبمن معه ، ومات غرقاً .

مختارات من شعره :

ســــلام عليها ما أحبت ســـلامنا    فإن كرهته فالسلام على الأخرى

*****

ليت هنداً أنجزتنا ما تَعدْ    وشَـــــفَتْ أنفســـــنا مما تَجِدْ

واســـــتبدتْ مرةً واحدةً ،    إنما العـاجز من لا يســـــتبدْ

زَعَموها سَألت جاراتِها    وَتَعَــرَّت ذاتَ يَـــــومِ تَبتَرد

أكَما يَنعَتُني تُبصِــرنَني    عَمـــرَكُنَّ اللهَ أم لا يَقتَصــــد

فَتَضـاحَكنَ وَقد قُلنَ لها    حَسَــنٌ في كُلِّ عَينٍ مَن تَوَد

حَسَــدٌ حُمِّلنَهُ مِن أجلِها    وَقديماً كانَ في الناسِ الحَسَد

*****

قومي تصدي له ليبصرنا    ثم اغمزيه يا أخت في خفر

قالت لها قد غمزتـه فأبى    ثم اسبطرت تشتد في أثري

قالت لها أختها تعاتبــــها    لتفســــدن الطواف في عمر

*****

بينما يذكرنني أبصــــــرنني    دون قيد الميل يعدو بي الأغر

قالت الكبرى : "أتعرفن الفتى"    قالت الوسـطى : " نعم هذا عمر"

قالت الصغرى وقد تيمتـــها :    " قد عرفنــــاه وهل يخفى القمر"

*****

وَلقـــــد أذكُــــرُ إذ قُلـــــت لها    وَدُموعي فوقَ خَدّي تَطَّرد

قُلْتُ مَن أنتِ فَقَــــــالت أنا مَن    شَـــــفَّهُ الوَجدُ وَأبلاهُ الكَمَد

نَحنُ أهلُ الخَيفِ مِن أهلِ مِنىً    ما لِمَقتــــولٍ قَتَلناهُ قــــــوَد

قُلْتُ أهـــلاً أنتُـــــمُ بُغيَتُـــــــنا    فَتَسَــــــمَّينَ فَقَالــت أنا هِند

*****

حَدَّثوني أنَّـها لي نَفَثت    عُقـــداً يا حَبَّــــــذَا تِلكَ العُقد

كُلَّما قُلتُ مَتى ميعادُنا    ضَحِكَت هِندٌ وَقَالتَ بَعدَ غَد

*****

أمِـــن آلِ نُعــــــمٍ أنتَ غــــــادٍ فَمُبكِـــــــــرُ    غَداة غَـــــدٍ أم رائِـــــــحٌ فَمُهَـــــجِّرُ

لِحاجَـــــــةِ نَفـــــسٍ لَـــم فــي جَوابِــــــــها    فَتُبلِـــــغَ عُـــــذراً وَالمَقـــــــالةَ تُعذِرُ

تَهيــــمُ إلى نُعــــمٍ فَــــلا الشَــــــملُ جامِــعٌ    وَلا الحَبلُ مَوصولٌ وَلا القلبُ مُقصِرُ

وَلا قَـــــــــربُ نُعـــــــمٍ إن دَنَـــــــــت وَلا    نَأيُــــــها يُســــــلي وَلا أنتَ تَصــــبرُ

وَليلـــةَ ذي دَورانَ جَشَّــــمتِني السُــــــرى    وَقد يَجشَـــــمُ الهَولَ المُحِبُّ المُــغَرِّرُ

فَبـــتُّ رَقيبــــــاً لِلرفـــــــاق عَلى شَــــــفا    أحاذِرُ مِنـــــهُم مَن يَطــــوفُ وَأنظرُ

إليــــهم مَتى يَســــــتَمكِنُ النَـــــومُ مِنــــهُمُ    وَلى مَجلِـــــسٌ لولا اللُبانَـــــةَ أوعَرُ

وَباتَت قَلوصـــــي بالعَـــــراءِ وَرَحلُــــــها    لِطارق ليــــــلٍ أو لِمَن جاءَ مُعـــورُ

وَبتُّ أنــــاجي النَفـــــسَ أيــــنَ خِبــــاؤُها    وَكَيفَ لِما آتي مِنَ الأمـــر مَصـــدَرُ

فَــدَلَّ عَليـــــها القلـــــبُ رَيّـــــا عَرَفتُـــها    لها وَهَـــوى النَفــسِ الَّذي كادَ يَظهَرُ

فَلمّا فَقَـــدتُ الصَــــــوتَ مِنــــهُم وَأطفِئَت    مَصــابيحُ شُــبَّت في العِشــاءِ وَأنوُرُ

وَغابَ قَمَيــــرٌ كُنـــــتُ أرجـــــو غُيوبَـــهُ    وَرَوَّحَ رُعيـــــانُ وَنَــــــوَّمَ سُـــــمَّرُ

وَخُفِّضَ عَنّي النَومُ أقبَلتُ مِشــــيَة الحُبابِ    وَرُكــــني خَشـــــــيَةَ الحَـــــيِّ أزوَرُ

فَحَيَّيـــــتُ إذ فَاجَأتُــــــــها فَتَوَلَّهَــــــــــت    وَكادَت بمَخفــــوضِ التَحِيَّـــةِ تَجهَرُ

وَقالت وَعَضَّـــــت بالبَنـــــانِ فَضَـــحتَني    وَأنتَ اِمرُؤٌ مَيســـــورُ أمركَ أعسَرُ

أرَيتَكَ إذ هُنّــــــا عَليـــــكَ ألـــــم تَخَـــف    وُقيتَ وَحَولي مِن عَدُوِّكَ حَــــــضَّرُ

فــوَ اللهِ مـــا أدري أتَعجــــــيلُ حاجَـــــةٍ    سَــرَت بكَ أم قد نامَ مَن كُنتَ تَحذَرُ

فقُلتُ لــها بَل قَادَني الشَـــوقُ والهَــــوى    إليكِ وَما عَيـــــنٌ مِنَ الناسِ تَنـــظُرُ

فَقَالت وَقد لانَـــــت وَأفــــرَخَ رَوعُـــــها    كَلاكَ بحِفـــــظٍ رَبُّــــــكَ المُتَكَــــبِّرُ

فَأنـتَ أبــا الخَطــــابِ غيــــرُ مُــــــدافع    عَليَّ أميــــــرٌ ما مَكُثـــــتُ مُؤَمَّـــرُ

فَبتُّ قريـــرَ العَيـــن أعطيـــتُ حاجَــتي    أقبِّــــــلُ فاهـــــا في الخَـــلاءِ فَأُكثِرُ

فيا لكَ مِن ليــــــلٍ تَقَاصَــــــرَ طولُـــــهُ    وَما كانَ ليلى قبـــــلَ ذَلِكَ يَقصُـــــرُ

وَيا لكَ مِن مَلهىً هُنــــــاكَ وَمَجلِــــــس    لَـــــنا لــم يُكَــــــدِّرهُ عَلينا مُكَـــــدِّرُ

يَمُجُّ ذَكِيَّ المِســــــــكِ مِنــــها مُفَلَّــــــجٌ    رَقيقُ الحَواشـي ذو غُروبٍ مُؤَشَّـــرُ

تَــــراهُ إذا تَفتَـــــــرُّ عَنـــــــهُ كَأنَّـــــــهُ    حَصى بَـــرَدٍ أو أقحُــــــوانٌ مُنَـــوِّرُ

وَتَرنــــــو بعينَيــــــها إليَّ كَما رَنـــــــا    إلى رَبــرَبٍ وَســــــط الخَميلةِ جُؤذَرُ

فَلـــــــمّا تَقَــــضّى الليـــــــلُ إلّا أقلَّــــهُ    وَكَادَت تَــــــوالي نَجمِـــــهِ تَتَغَــــوَّرُ

أشـــــــارَت بأنَّ الحَيَّ قد حانَ مِنـــــهُمُ    هُبــــوبٌ وَلكِن مَوعِـــــدٌ مِنكَ عَزوَرُ

فَــــما راعَني إلّا مُنـــــــادٍ تَرحَّلـــــــوا    وَقد لاحَ مَعروفٌ مِنَ الصُبحِ أشـــقرُ

فلــــمّا رَأت مَن قــد تَنَبَّـــــهَ مِنـــــــهُمُ    وَأيقاظـــهُم قالت أشِــــــر كَيفَ تَأمُرُ

فَقُلـــتُ أباديـــــــهم فإمّــــا أفوتُـــــــهُم    وَإمّـــا يَنالُ السَــــــــيفُ ثأراً فَيَـــثأرُ

فَقَالت أتَحقيــــــقاً لِما قـــالَ كاشِـــــــحٌ    عَلينا وَتَصـــــــديقاً لِما كانَ يُـــــــؤثرُ

فَإن كانَ ما لا بُـــدَّ مِنـــــهُ فَغَيــــــــرُهُ    مِنَ الأمــــــرِ أدنى لِلخَــفاءِ وَأســـــتَرُ

أقَــصُّ عَلى أخـــتَيَّ بـــدءَ حَديثِـــــــنا    وَما لِيَ مِن أن تَعلـــــــما مُتأخَّـــــــرُ

لعَلَّـــــهُما أن تَطلُبـــــا لكَ مَخــــــرَجاً    وَأن تَرحُبا صَـــدراً بما كُنتُ أحصُرُ

فَقَامَت كَئيباً ليـــسَ في وَجهـــــــها دَمٌ    مِنَ الحُـــزنِ تُذري عَبــــرَةَ تَتَحَـــدَّرُ

فَقَامَت إليـــــــها حُـرَّتانِ عَليــــــــهِما    كِســــــاءانِ مِن خَزٍّ دِمَقسٌ وَأخضَــرُ

فَقَالت لِأختَيـــــــها أعيـــــنا عَلى فتىً    أتى زائِـــــراً وَالأمـــــرُ لِلأمر يُقــدَرُ

فَأقبَلـــــتَا فَاشــــــــارتَا ثُمَّ قَالــــــتا    أقِلّي عَليكِ اللّـــــومِ فَالخَطــبُ أيسَـــرُ

فَقَالت لها الصُغرى سَأعطيهِ مِطرَفي    وَدَرعي وَهَذا البُـــردُ إن كانَ يَحـــذرُ

يَقـــومُ فَيَمشـــــي بَينَـــــنَا مُتَنَكِّـــــراً    فَلا سِــــــرُّنا يَفشــــــو وَلا هُوَ يَظهَرُ

فَكانَ مِجنّي دونَ من كُنـــتُ أتَّقــــي    ثلاثُ شُـــــخوصٍ كاعِبانِ وَمُعصِـــرُ

فَلمّا أجَزنا ســــــــاحَة الحَيِّ قُلنَ لي    ألم تَتَّـــــقِ الأعـــــداءَ وَالليــــلُ مُقمِرُ

وَقُلنَ أهَذا دَأبُــــكَ الدَهــرَ ســـــادِراً    أما تَســـــتَحي أو تَرعَـــــوي أو تُفَكِّرُ

إذَا جئت فَاِمنَح طَرفَ عَينَيكَ غَيرَنا    لِكَي يَحسِــــــبوا أنَّ الهَوى حَيثُ تَنظُرُ

*****

الفرَزدَق

همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدرامي ، أبو فراس ( 38 – 110هـ ) ( 658 – 728 ) للميلاد ، شاعر من الأشراف ، من أهل البصرة ، أحد شعراء المثلث الأموي الفرزدق وجرير والأخطل . وله أخبار كثيرة معهما ، في الهجاء والتنافس أمام الخلفاء والولاة كالحجاج وغيره . عرف بمديحه لقريش وخاصة الهاشميين وآل البيت ، لقب بالفرزدق لجهامة وجهه وغلظه . وتوفي في بادية البصرة ، وقد قارب عمره المئة عام .

مختارات من شعره :

فمن يأمن الحجاج والطير تتقي    عقوبته إلا ضعيف العزائم

لقدْ ضَرَبَ الحَجّاجُ ضَرْبَةً حازمٍ    كَبا جُندُ إبْليسٍ لها وتَضَعضَعُـوا

أضَاءَ لها مَا بَينَ شَرقٍ وَمَغْربٍ ،    بنُورِ مُضِيءٍ ، وَالأسِنّةَ شُــــرَّعُ

وَخَـرّتْ شَــــياطينُ البلادِ كَأنّها ،    مَخافَة أخْرَى ، في الأزمّةِ خُضّعُ

فَلمُ يَدَع الحَجّـاجُ من ذي عَداوَةٍ    مِنَ الناسِ إلاّ يَسْــــتَكِين وَيَضرَعُ

إذَا حارَبَ الحَجّــــاجُ أيَّ مُنَافِقٍ ،    عَلاهُ بسَــــــيْفٍ كُلّمَا هُـــزّ يَقْطــعُ

*****

هَذَا الّذي تَعرفُ البَطــــحاءُ وَطأتَـــهُ ،    وَالبَيْــــتُ يعْــــرفَهُ وَالحِــــلُّ وَالحَـــرَمُ

هَذَا ابنُ خَيـــــر عِبــــادِ الله كُلّـــــهُم ،    هذا التّقيّ النّقيّ الطّــــــاهِرُ العَــــــــــلمُ

هَذَا ابنُ فَاطِمَـــة ، إنْ كُنْتَ جاهِلـــهُ ،    بجَــــدّهِ أنْبِيَــــــاءُ الله قــــدْ خُتِمُـــــــوا

وَليْسَ قَوْلُكَ : مَن هذا ؟ بضَـــــائره ،    العُــــرْبُ تَعرفُ من أنكَـــــرْتَ وَالعَجمُ

كِلْتَا يَدَيْــــهِ غِيَــــاثٌ عَمَّ نَفعُــــــهُمَا ،    تُسْـــــتَوْكَفانِ ، وَلا يَعرُوهُـــــما عَــــدَمُ

سَــــــهْلُ الخَلِيقَةِ ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ ،    يَزينُهُ اثنانِ : حُســـــنُ الخَلق وَالشّــــيمُ

حَمّالُ أثقالِ أقـــوَامٍ ، إذا افتُدِحُــــوا ،    حُلوُ الشّــــــمائلِ ، تَحلُو عندَهُ نَعَــــــــمُ

ما قال : لا، قطُّ ، إلاّ في تَشَـــــــهُّدِهِ ،    لوْلا التّشَـــــــــهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَــــــــــمُ

عَمَّ البَريّةَ بالإحســــــانِ ، فَانْقَشَعَتْ    عَنْها الغياهِبُ والإمْــــــــلاقُ والعَــــــدََمُ

إذا رَأتْــــهُ قُريـــــشٌ قَـال قَائِلُــــــهَا :    إلى مَكَــــــارِمِ هذا يَنْتَــــــهِي الكَـــــــرَمُ

يُغْضِي حَياءٌ ، وَيُغضَى من مَهابَتِـه ،    فــــــمَا يُكَلَّــــــمُ إلاّ حِيـــــنَ يَبْتَسِـــــــــمُ

بكَفّــهِ خَيْــــــزُرَانٌ ريحُــهُ عَبـــــقٌ ،    من كَفّ أرْوَعَ ، في عِرْنِينِــــهِ شـــــــمَمُ

يَكادُ يُمْسِــــــكُهُ عِرْفَانَ رَاحَتِـــــــهِ ،    رُكْـــنُ الحَطِيــــــمِ إذَا ما جَاءَ يَســـــــتَلِمُ

الله شَــــــرّفَهُ قِدْمــــاً ، وَعَظّمَـــــهُ ،    جَـــــرَى بذاكَ لهُ في لَوْحِـــــهِ القَــــــــلَمُ

أيَّ الخَلائِقِ لَيْسَـــــتْ في رقابـــهِمُ ،    لأوّليّـــــــةِ هَــــذَا ، أوْ لـــــهُ نِــــــــــــعمُ

مَن يَشـــــكُر الله يَشـــــكُرْ أوّليّة ذا ،    فَالدِّينُ مِن بَيـــــتِ هذا نَالـــــهُ الأمَـــــــمُ

يُنمى إلى ذَرْوَةِ الدّين التي قصُرَتْ    عَنــــها الأكـــــفُّ ، وعن إدراكِــــها القدَمُ

مَنْ جَدُّهُ دان فَضْـــلُ الأنْبِياءِ لَــــهُ ،    وَفَضْــــــلُ أمّتِــــــهِ دانَتْ لـــهُ الأمَــــــــمُ

مُشْـــــتَقَةَ مِنْ رَسُــــــولِ الله نَبْعَتُهُ ،    طابَتْ مَغارسُــــــهُ والخِـــــيمُ وَالشّـــــــيَمُ

يَنْشَـقّ ثَوْبُ الدّجَى عن نور غرّتِهِ    كالشــــمس تَنجابُ عن إشــــــرَاقِها الظُّلمُ

مِن مَعشَـــرِ حُبُّهُمْ دِينٌ ، وَبُغْضُهُمُ    كُفْــــرٌ ، وَقُرْبُــــــهُمُ مَنجىً وَمُعتَـــــــصَمُ

مُقــــــدَّمٌ بعــد ذِكْر الله ذِكْـــــرُهُمُ ،    في كلّ بَــــــدْءٍ ، وَمَختــــــومٌ به الكَـــــــلِمُ

إنْ عُــدّ أهْلُ التُّقَى كانــــوا أئِمّتَهمْ ،    أوْ قيل : "من خيرُ أهل الأرْض؟" قيل: هم

لا يَســـــتَطيعُ جَوَادٌ بَعـــدَ جُودِهِمُ ،    وَلا يُدانِيـــــــهمُ قـــــــوْمٌ ، وَإنْ كَرُمُــــوا

هُمُ الغُيُــــوثُ ، إذا أزْمَـــةَ أزَمَتْ ،    وَالأســــدُ أســــدُ الشّرَى ، وَالبأسُ محتدمُ

لا يُنقِصُ العُســرُ بَسطاً من أكُفَهِمُ ،    سِــــــــيّانِ ذلك : إن أثـــــرَوْا وَإنْ عَدِمُوا

يُســـتدْفَعُ الشـــــرُّ وَالبَلْوَى بحُبّهمُ ،    وَيُسْــــــتَرَبّ بهِ الإحْسَـــــــانُ وَالنِّعَـــــــمُ

*****

قطري بن الفجاءة

قطري بن الفجاءة ، جعونة بن مازن بن يزيد الكناني المازني التميمي أبو نعامة (؟ - 78 ) للهجرة ( ؟ - 697 ) للميلاد ، شاعر الخوارج وفارسهم الشجاع ، وخطيبهم وسيدهم المطاع ، ومن أبطال الأزارقة . وهو من أهل قطر ، واستفحل أمره في زمن مصعب بن الزبير ، حين ولي العراق عن أخيه عبدالله بن الزبير الذي نودي له بأمير المؤمنين في مكة المكرمة . وبقي قطري ثلاث عشرة سنة ، يقاتل ويسلَّم عليه بالخلافة وإمارة المؤمنين في قطر ، والحجاج يسير إليه جيشاً إثر جيش من العراق ، وهو يردهم ويظهر عليهم . قيل عنه إنه كان طامة كبرى ، وصاعقة من صواعق الدنيا في الشجاعة والقوة ، أكثر شعره في الحماسة .

مختارات من شعره :

أقولُ لها وَقد طارَت شــــــعاعاً    مِنَ الأبطالِ وَيحَـكِ لَن تُراعي

فَإنَّكِ لو سَــــــألتِ بَقاءَ يَــــــومٍ    عَلى الأجَلِ الَّذي لكِ لم تُطاعي

فَصَبراً في مَجالِ المَوتِ صَبراً    فَما نَيلُ الخُلـــــودِ بِمُســــتَطاعِ

وَلا ثــوبُ البََقاءِ بثـــوبِ عـــزٍّ    فيُطوى عَن أخي الخَنع اليراعُ

سَــــــبيلُ المَوتِ غايَةَ كُلِّ حَيٍّ    فَداعِيَـهُ لِأهــــلِ الأرضِ داعي

وَمَن لا يُعتَبَــط يَســــأم وَيَهرَم    وَتُســــــلِمهُ المَنونُ إلى انقَطاعِ

وَما لِلمَـــرءِ خَيــــــرٌ في حَياةٍ    إذا ما عُــدَّ مِن سَــــــقطِ المَتاعِ

*****

قيس لبنى

قيس بن ذريح بن سنة بن حذافة الكناني ( ؟ - 68 ) للهجرة ( ؟ - 687 ) للميلاد ، شاعر عاشق ، اشتهر بحب لبنى بنت الحباب الكعبية ، وتزوجها وطلقها وندم ، عاد إلى عشقه لها ، وهو من شعراء العصر الأموي ، ومن سكان المدينة . كان أخا رضيعاً للحسين بن علي بن أبي طالب ، وقد رضع من أم قيس ، وأخباره مع لبنى كثيرة جداً .

مختارات من شعره :

لقـــدْ عَذَّبْتَـــني يــا حُــبَّ لُبْــــــنَى    فَقَــــعْ إمّا بمَـــــوْتٍ أوْ حَيَــــاةِ

فإنَّ المـــــــوتَ أرَوَحُ مِنْ حيـــــاة    تَدُومُ على التَّبَاعُدِ والشَّــــــتَاتِ

وَقالَ الأقرَبُونَ : تَعَــــــزَّ عَنْـــــها    فَقُلْتُ لَهُمْ : إذَنْ حَانَتْ وَفَــــاتي

تَعَلَّقَ رُوحِي رُوحَها قَبْلَ خَلقِـــــنا    ومن بعدما كُنَّا نَطافاً وفي المهدِ

فَزَادَ كما زدْنا فَأصْبَــــحَ نامــــــياً    فَليْسَ وإنْ مُتْنَا بمُنْفَصِــــمِ العَهْدِ

وَلكِنَّــــــهُ بـــاقٍ على كُــلِّ حادثٍ    وَزَائِـــرُنَا في ظُلْمَةِ القبْر واللَّحْدِ

يكادُ حبابُ الماءِ يخدش جلــــدها    إذَا اغتسلت بالماءِ منْ رقَةِ الجلدِ

وإنِّي أشــــــتاقُ إلى ريح جيبــها    كما اشتاقَ إدريسٌ إلى جنَّةِ الخُلْدِ

وَلوْ لبسَتْ ثوْباً مِنَ الوَرْدِ خالصاً    لخدَّشَ منــــها جلدها ورقُ الوردِ

يُثقلــــها لُبــــس الحرير للينــــها    وتشــــــكُو إلى جاراتها ثقلَ العِقدِ

وأرْحَــــمُ خَدَّيْها إذ مَا لحَظْتُــــهَا    حذاراً للحظي أنْ يؤثّـــرَ في الخدِّ

ألا يا غراب البين لونكَ شــاحِبٌ    وأنتَ بلوْعــــاتِ الفـــــراق جديرُ

فإنْ يكُ حقَّا مَا تقولُ فأصْـــبَحتْ    همومُــكَ شَــــــتَّى بثُّهُـــنَّ كَثيــــرُ

*****

إلى اللهِ أشــــــكو فقدَ لُبنَى كَمَا شَكَا    إلى اللهِ فَقْــدَ الوَالـــدَينِ يَتيــــــــمُ

يَتيمُ جَفَاهُ الأقرَبُــــــونَ فَجِسْــــــمُهُ    نَحِيلٌ وَعَهْـدُ الوَالِــدَيْنِ قَديـــــــمُ

بَكَتْ دَارُهُمْ مِنْ نَأيــــهِمْ فَتَهَلَّلــــتْ    أدُمُعِي فَأيَّ الجَازعَيْنِ ألُـــــــومُ

أمُستَعْبرٌ يَبكي مِنَ الشَّوقِ والهوَى    أم آخَرَ يَبْكِي شَـــــجْوَهُ وَيَهيـــــمُ

تَهَيَّضَني مِنْ حُــبَّ لُبنى علائــــقٌ    وأصْـــنَافُ حُبٍّ هَوْلُهُـنّ عَظِيــمُ

وَمَنْ يَتَعَلَّـــــقْ حُبّ لُبْنَى فُـــــؤَادُهُ    يَمُتْ أوْ يَعِشْ ما عَاشَ وهو كليمُ

فإني وإن أجمَعــــتُ عَنـــكِ تَجَلُّداً    عَلى العَهـــــدِ فيـــــما بَيْنَنَا لمُقيمُ

وإنَّ زَمانَنَا شــتَّتَ الشَّـــــمْلَ بَيْنَنَا    وَبَيْنَـــــكُمُ فيــــه العِدَى لمَشُــــومُ

أفي الحَقِّ هذا أنَّ قَلبَــــــكِ فَـارغٌ    صَــحيحٌ وَقلبي في هَوَاكِ سَـــقيمُ

*****

قيس بن الملوح \ مَجنون ليلى

قيس بن الملوح بن مزاحم العامري ، من أهل نجد ( ؟ - 68 ) للهجرة ، ( ؟ - 687) للميلاد ، أشهر العشاق وشعراء الغزل العذري ، أحب ابنة عمه ليلى بنت سعد العامرية ، ولما حجبها أبوها ، هام على وجهه ، وزوجها أبوها من غيره ، ولم يكن مجنوناً وإنما هو لقب غلب عليه ، ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش ، فيرى حيناً في الشام وحيناً في نجد وحيناً في الحجاز ، إلى أن وجد ملقى بين أحجار وهو ميت فحمل إلى أهله .

مختارات من شعره :

وقالوا لو تشاء سلوت عنها    فقلـــتُ لـــهمْ فإنِّي لا أشَـــــاءُ

وكيف وحبُّها عَلِــــقٌ بقلْبي    كـــما عَلِقَــتْ بأرْشِـــــيّةٍ دِلاءُ

لها حب تنشـــــأ في فؤادي    فليس له - وإنْ زُجِرَ – انتِهاءُ

وعاذلـــة تقطعني ملامــــاً    وفي زجر العــــواذل لي بلاءُ

*****

أليْسَ اللَّيْـــلُ يَجْمَعُنِي وليْلى    كَفَـــاكَ بذَاكَ فِيهِ لَنَا تَدَاني

ترى وضح النهار كما أراه    ويعلوها النهار كما علاني

***** أيَا هَجَرْ ليْلى قدْ بَلغْــتَ بيَ المَـــــدَى    وَزدْتَ عَلى مالمْ يَكُــنْ بَلغَ الهَجْــــــرُ

عَجِبْتُ لِسْعَي الدَّهْر بَيْنِي وَبَيْنَـــــــهَا    فَلـــــمَّا سكن مَا بَيْنَنَا سَـــــكَنَ الدَّهْـــــرُ

فَيَا حُبَّـــــها زدْنِي جَوىً كُلَّ ليْلـــــــةٍ    ويا ســــلوة الأيام موعـدك الحشــــــرُ

تكاد يـدي تنـــــدى إذا ما لمســــــتها    وينبت في أطرافــها الورق النضــــرُ

وَوَجْـــــــهٍ لهُ دِيبَاجَـــــةٌ قُرشِــــــــيَّةٌ    به تكشف البلوى ويســـــتنزل القطـرُ

ويهتز من تحت الثيـــاب قوامــــــها    كما اهتزَّ غصنُ البان والفننُ النَّضْـــرُ

فيا حبَّذا الأحـــــياءُ ما دمتِ فيـــــهم    ويا حبَّذا الأموات إن ضــــمك القبــرُ

وإني لتعروني لذكـــــراك نفضـــــة    كما انْتَفَــضَ الْعُصْـــفوُرُ بلَّلهُ الْقطْـــــرُ

عسى إن حججنا واعتمرنا وحرمت    زيــــارةُ لَيْلَى أنْ يَكُونَ لنَا الأجْـــــــرُ

فــما هــو إلا أن أراهـــــا فجـــــــأة    فَأبْهَــــتُ لاَ عُـــرْفٌ لــدَيَّ وَلاَ نكْـــرُ

فلو أن ما بي بالحصـــا فلق الحصا    وبالصخرة الصماء لانصدع الصخرُ

ولو أن ما بي بالوحــــش لما رعت    وَلاَ سَــــــاغَهَا المَاءُ النَّمِيرُ وَلا الزَّهْرُ

ولو أن ما بي بالبحــــار لما جــرى    بأمْوَاجــــــهَا بَحْــــــرٌ إذَا زَخَر الْبَحْرُ

*****

تَعَلَّقتُ ليْلى وهْيَ غِرٌّ صَـــــغِيرةٌَ    لم يَبْدُ لِلأتــرابِ من ثدْيها حَجْمُ

صَغِيرَيْن نَرْعَى البَهْمَ يا ليْتَ أنَّنَا    إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

*****

أحِبُّك حبّــــاً لو تحبِّيــن مثلـــه    أصابك منْ وَجْدٍ عليَّ جنونُ

وَصِرت بقلبٍ عاشَ أمّا نَهارُهُ    فَحُــــزنٌ وَأمّا لَيلُـــــهُ فَأنينُ

*****

بربك هل ضممت إليك ليلى    قبيل الصبح أو قبلت فاها

وهل رفت عليك قرون ليلى    رفيف الأقحوانة في نداها

*****

لقد عاهدتني – يا قلب – أني    إذا ما تبت عن "ليلى" تتوب

فها أنــــا تائب عن حب ليلى    فما لك كلما ذكـــــرت تذوب ؟

*****

كأن القلب ليلة قيل يغدي    بليلى العامرية أو يـراحُ

قطاة عزها شـرك فباتت    تنازعه وقد علق الجناحُ

*****

كثير عزة

كثير بن عبدالرحمن بن الأسود بن مليح من خزاعة ( 40 – 105 ) للهجرة ( 660 – 723 ) للميلاد ، وأمه جمعة بنت الأشيم الخزاعية . شاعر من العشاق المشهورين، من أهل المدينة ، ولد في آخر خلافة يزيد بن عبدالملك ، وتوفي والده وهو صغير السن ، وكان منذ صغره سليط اللسان ، وكفله عمه بعد موت أبيه ، وألزمه رعي قطيع له من الإبل ، حتى يحميه من طيشه وملازمته سفهاء المدينة . واشتهر بحبه لعزة ، فعرف بها وعرفت به ، وهي : عزة بنت حُميل بن حفص من بني حاجب بن غفار ، كنانية النسب ، كناها كثير في شعره بأم عمرو ، ويسميها تارة الضميريّة ، وابنة الضمري نسبة إلى بني ضمرة . ويقال أن الخليفة طلب رؤية عزة، ولما رآها استكثر شعره فيها فقال كثير : ليتك تراها بعيني يا أمير المؤمنين . وسافر إلى مصر حيث دار عزة بعد زواجها وفيها صديقه عبدالعزيز بن مروان الذي وجد عنده المكانة ويسر العيش . وعاش في مصر أكثر حياته ، وتوفي في الحجاز ، وفي نفس اليوم توفي عكرمة مولى ابن عباس ، وقيل : مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس .

مختارات من شعره :

لعزَّةَ هاجَ الشُّــــــوق فَالـــدّمعُ ســــافــــحُ    مَغــــانٍ وَرَسْــــــمٌ قدْ تَقَادَمَ ماصِــــــحُ

بذي المَرْخ والمَسْرُوحِ غيّــــرَ رَســـــمَها    ضَــــروبُ النَّدَى قدْ أعْتَقَتْهَا البَــــوَارحُ

لِعَيْنَيْـــــكَ مِنها يَوْم حَــــــزْمِ مَبَــــــــــرَّةٍ    شَـــــريجَانِ مِنْ دَمْع : نَزيعٌ وَسَـــــافِحُ

أتـــيٌّ وَمَفْعُــــــــومٌ حَثيـــــثٌ كـــــأنّـــــهُ    غروبُ السّواني مِنْ دَمْعِ : نَزيعٌ وَسَافِحُ

إذا ما هـــــرقنَ المــــــاءَ ثــم اســــــتقينَهُ    سَـــــــقَاهُنَّ العنابِ دارُها فَالأباطــــــحُ

ليــــاليَ لا أسْـــــــمَاءُ قــــالٍ مــــــــودّع    ولا مُـــــرْهِنٌ يـــــوماً لك البذلَ جارحُ

صَــــديقٌ إذَا لاَقَيْتَــــهُ عَـــنْ جَنــــابـــــةٍ    ألــــدُّ إذا نَاشَــــــدْتَهُ العَهْــــــدَ بائِـــــحُ

وإذْ يبرئُ القرحى المِــــراضَ حديثُــــها    وَتَسْــــــمُو بأسْــــمَاءَ القُلُوبُ الصَّحَائِحُ

فَأقســـــــمُ لا أنسى ولو حــــالَ دونَــــها    مَعَ الصَّرْمِ عَرْضُ السّبْســـبِ المُتَنَازحُ

أمنّي صـــــرمتِ الحبــــلَ لمّــــا رأيتني    طريــدَ حروبٍ طرَّحتــــهُ الطَّـــــوارحُ

فأسْــــــحَقَ بُــــرادُهُ وَمَــــحَّ قميصــــــه    فأثوابــــهُ ليســـــــتْ لهــنَّ مضـــارحُ

فأعرضــــتِ إنَّ الغدرَ منكــنَّ شــــــيمةٌ    وفجعَ الأميـــن بغتــــةً وهو ناصــــحُ

فلا تَجْبَهيــــهِ وَيْــــبَ غيـــــركِ إنَّــــــهُ    فتىً عنِ دنيّــــاتِ الخــــلائق نـــازحُ

هُوَ العَسَـــلُ الصَّافِي مِــــرَاراً وتــــارةً    هو السُّــــمُّ تســـــتدمي عليهِ الذَّرارحُ

لعلَّــــكِ يومـــــاً أن تَرَيْــــــهِ بِغِبْطـــــةٍ    تودّيــــنَ لو يأتيـــــكُمُ وهوَ صـــــافحُ

يروقُ العيــــــونَ الناظـــــراتِ كأنَّــــهُ    هِرْقليُّ وَزْنٍ أحْمَـــــرُ التِّبـــــرِ رَاجِحُ

وآخـــرُ عهــــدِ منــــكِ يا عــــزُّ أنّــــهُ    بذِي الرِّمــــثِ قولٌ قُلْتِهِ وَهُوَ صَـــالحُُ

مًلاحُـــكِ بالبـــردِ اليماني وقـــد بــــدا    من الصَّرمِ أشـــــراطٌ لهُ وهو رائــحُ

ولم أدر أنَّ الوصــــلَ منــكِ خلابـــــةٌ    كَجَاري سَـــرَابٍ رَقَرَقتْهُ الصَّحاصِحُ

أغـــــرَّكِ مِنَّــــــا أنَّ دَلَّـــكِ عندنــــــا    وإســـــجادَ عينيكِ الصَّـــيودينِ رابحُ

وأنْ قدْ أصَــــبْتِ القلْـبَ منّي بغُلَّـــــةٍ    وصـــــبٍّ لهُ في أســــوَدِ القلبِ قادحُ

وَلـوْ أنَّ حبّي أمَّ ذِي الــــوَدْعِ كُلَّــــــهُ    لأهْلِكِ مــالٌ لمْ تَسَـــــــعْهُ المَســــارحُ

يَهيمُ إلى أسْــــمَاءَ شَـــــوقاً وَقـــدْ أتَى    لهُ دونَ أســـــماءَ الشُّـــــغولُ السَّوانحُ

وأقصَرَ عن غَرْبِ الشَّـــــبَابِ لِداتُـــهُ    بعاقبـــــةٍ وابيضَّ منـــــهُ المســــــائح

ولكنّـــــهُ مِــنْ عَــــــزَّةَ مُضْمِــــــــرٌ    حبــــــاءً بـــهِ بطنتــــــهُ الجــــــوانحُ

تُصـــرِّدُنا أســـــماءُ ، دامَ جمالُــــها    وَيَمْنَحُـــــها منّي المـــــودَّةَ مــــــــانِحُ

خليليَّ! هل أبصـــرتُما يـــومَ غيقــةٍ    لعـــــزَّةَ أظــــــعاناً لــــهنَّ تــــــــمايُحُ

ظعائِنُ كالسَّـــلوى التي لا يُحـــزنها    أو المـــنّ ، إذْ فَاحَـــــتْ بهنَّ الفَـــوَائِحُ

كأنَّ قَنَـــا المـرّانِ تَحْـــتَ خُــدُورهِا    ظباءُ الملا نِيطتْ عليــــها الوَشَــــــائِحُ

تَحَمَّلُ في نَجْـــرِ الظَّهيـــرَةِ بَعْـــدَما    توقَدَ من صحنِ السُّــــــرير الصَّــرادحُ

عَلى كــــلّ عَيْهَــــامٍ يَبُــــلُّ جَدِيلـــهُ    يُجـــــــيلُ بذِفْــــرَاهُ ، وباللّيتِ قـــــامِحُ

خَلِيليَّ رُوحَـا وانْظُـــــرا ذَا لُبانَــــةٍ    بهِ باطـــــنٌ منْ حُــبّ عَـــزَّةَ فَــــــادِحُ

ســــبتني بعيني ظبيـــةٍ يســــتنيمُها

إلى أرُكٍ بالجزع من أرضِ بيشـــةٍ    عَليهــــنَّ صـــــيّفْنَ الحَمَـــــام النَّــوائِحُ

كأنَّ القماري الهواتفَ بالضُّـــــحى    إذا أظهـرتْ قينـاتُ شــــــربٍ صوادحُ

وذي أشـــــرٍ عـذبِ الرُّضابِ كأنَّهُ    إذا غارَ أرادفُ الثريّــــــا الســـــــوابحُ

مُجاجةُ نحلٍ في أباريــــقَ صُفِّقَـتْ    بصفقِ الغــــوادي شعشــــعته المجادحُ

ويُروى بريّــــاها الضَّجيعُ المُكافحُ

وَغِرٍّ يُغـــــادي ظلْمَهُ ببَنَانِــــها مع    الفَجْــــرِ من نَعـــــمانَ أخْضَـــــرُ مَائِحُ

قضى كلَّ ذِي دَيْــــنٍ وعــزَّةُ خُلّــةٌ    لــــهُ لم تُنلـــــهُ فـــهوَ عطشــــانُ قامحُ

وإني لأكْـــمي النَّـــاسَ ما تَعِدينَـني    من البخـــلِ أنْ يثـــري بذلك كاشـــــحُ

وأرضى بغير البذل منـــها لعلَّـــها    تُفارقَــــنا أسْـــــــماءُ والودُّ صَـــــــالِحُ

وأصبحتُ وَدَّعْتُ الصِّبا غيرَ أنَّني    لعــــزَّةَ مُصــــــــفٍ بالمناسبِ مــــادحُ

أبائنــــةٌ يا عزُّ غـــــدواً نواكـــــمُ    ســــــــقتكِ الغـــــوادي خلفةً والروائحُ

من الشُمِّ مِشرَافٌ يُنِيفُ بقُرْطـــها    أسِــــــــيلٌ إذَا ما قَلّدَ الحَلْيَ وَاضِــــــحُ

*****

وَلقدْ لقيتَ على الدُّرَيْجَةِ ليْلـــــةً    كانتْ عليكَ أيامنــــاً وســــعودا

لا تغدُرنَّ بوصلِ عزَّة بعــــدما    أخذتْ عليكَ مواثقـــاً وعهــودا

إنَّ المُحـــــبَّ إذا أحَبَّ حَبيبَـــهُ    صدقَ الصَّفاءَ وأنجزَ الموعودا

الله يَعلــــــمُ لوْ أرَدْتُ زيَـــــادَةً    في حبِّ عزَّةَ ما وجدتُ مزيـدا

رُهبانُ مديَنَ والذينَ عهدتُــــهُمْ    يبكونَ مِنْ حذرِ العذابِ قعــودا

لو يسمعونَ كما سمعتُ كلامَها    خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعـــاً وسُـــــجودا

والميْتُ يُنشَرُ أنْ تَمَسَّ عِظامَـهُ    مَسّـــــاً وَيَخْلُدُ أنْ يَــرَاكِ خُلودا

*****

ليلى الأخيلية

ليلى بنت عبدالله بن الرحال بن شداد بن كعب الأخيلية من بني عامر بن صعصعة ، وقيل بنت الأخيل بن ذي الرحالة بن عقيل ( ؟ - 80 ) للهجرة ( ؟ - 700 ) للميلاد ، واسم جدها كعب بن حذيفة بن شداد ، وسميت ( الأخيلية ) لقولها أو قول جدها :

نحن الأخايل ما يزال غلامنا    حتى يدب على العصا مذكورا

شاعرة فصيحة ذكية جميلة ، اشتهرت بحبها لتوبة بن الحمير . قال لها عبدالملك بن مروان : ما رأى منك توبة حتى عشقك ؟ فقالت : ما رأى الناس منك حتى جعلوك خليفة! وفدت على الحجاج مرات فكان يكرمها ويقربها . وكان بينها وبين النابغة الجعدي مهاجاة . وسألت الحجاج وهو في الكوفة أن يكتب لها إلى عامله بالري ، فكتب ورحلت فلما كانت في ( ساوة ) ماتت ودفنت هناك .

مختارات من شعرها :

لعُمْركَ ما الهجْرانُ أنْ تَشْحَطَ النَّوى    ولكنَّما الهجْرانُ ما غيّبَ القبرُ

*****

أحجــاج إن الله أعطــــاك غايــــة    يُقصّــــر عَنْها مَن أرَادَ مَدَاهَا

أحجاج لا يفلل سلاحك إنَّما المنايا    بكـــــف الله حيــث تــــــراهَا

إذا هَبَط الحَجَّاجُ أرْضاً مَريضَـــةً    تَتبعَ أقصَى دائـــها فشـــــفاهَا

شَفَاها مِن الدّاءِ العُضالِ الّذي بها    غلام إذا هز القنـــاة ســـــقاهَا

سَـــــقَاها دمَاءَ المارقينَ وعَلّـــها    إذا جمحت يوماً وخيف أذَاهَا

إذا ســـــمع الحجاج رز كتيبــــة    أعد لها قبل النـــزول قــراهَا

أعد لها مصــــقولة فارســـــــية    بأيدي رجالٍ يحلبُـون صراهَا

فما ولد الأبكــــار والعـون مثله    بنجـدٍ ولا أرضٍ يجف ثراهَا

أحجاج لا تعط العصـــاة مناهم    ولا اللُّهُ يُعطي لِلْعُصَـاةِ مُنَاهَا

ولا كل حـــلاف تقلـــد بيعــــة    فأعظمَ عهـدَ اللهَ ثمَّ شـــــراهَا

حجــــاج أنت الـــذي مافــوقه أحـد إلا الخليفة والمســتغفر الصمــد

حجاج أنت شهاب الحرب إن نفحت   وأنت للناس نور في الدجى يقد

*****

أبَعْدَ عُثمانَ تَرْجُو الخَيْرَ أمَّتُـــهُ    كان آمن من يمشي على ساقِ

خَليفَةُ اللهِ أعْطَاهُم وخَوَّلَــــــهُم    ما كانَ من ذهَب جَــمَّ وَأورَاقِ

فلا تَكْذِب بوَعْدِ اللهِ وارْضَ به    قد قدر الله ما كل امـــرئ لاقِ

*****

وذي حاجةٍ قلنا له لا تبح بــها    فليس إليها ما حييت سـبيلُ

لنا صَاحِبٌ لا يَنْبَغِي أنْ نَخْونَهُ    وأنتَ لأخرى فارغ وحليلُ

تخالك تهـوى غيرها فأنـــــها    لهَا مِنْ تَظنّيــها عَليْكَ دَليل

*****

محمد بن بشير الخارجي

محمد بن بشير بن عبدالله بن عقيل بن أسعد بن حبيب بن سنان ( 50 – 130 ) للهجرة ( 670 – 747 ) للميلاد ، والخارجي نسبة إلى خارجة عدوان ، وعدوان لقب لعمرو بن قيس . شاعر أموي عاش في المدينة المنورة في مكان يسمى الروحاء، وكان منقطعاً إلى أبي عبيدة بن زمعة القرشي ولم يتصل الشاعر بالخلفاء وإنما اكتفى ببعض المتنفذين الذين كانوا مؤونته ولم يمدح في شعره إلا زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، ورثى سليمان بن الحصين وكان له خليله وقد جزع عليه عند موته جزعاً شديداً .

مختارات من شعره :

أراني إذا غالبتُ بالصـبر حبّها    أبى الصبرُ ما ألقى بسعدى فأُغلبُ

وقد علمت عند التعـــــاتبِ أنّنا    إذا ظلمتنا أو ظلمـــــنا ســــــنعتبُ

وإني وإن لم أجن ذنباً سأبتغي    رضاها وأعفو ذنبــــها حين تـذنِبُ

وإني إذا أذنبت فيـــــها يزدني    بها عجبــاً من كان فيـــــــها يؤنّبُ

*****

أعيني جــــوداً بالدمـــوعِ واســــــعدا    بني رحـــمٍ ما كان زيـــــدٌ يهيــــــنا

ولا زيــــدَ إلا أنْ يجـــــودَ بعبــــــرةٍ    على القبر شـــاكي نكبةٍ يســـــتكينها

وما كنت تلقى وجــه زيــــدٍ ببلـــــدةٍ    من الأرضِ إلا وجـــهُ زيدٍ يزينـــها

لعمــرُ أبي الناعي لعمت مصــــــيبةٌ    على الناسِ واختصت قصيّاً رصينها

وأنى لنا أمثــــــالُ زيـــــدٍ وجــــــده    مبلغُ آيــــــاتِ الهــــدى وأمينـــــــها

وكان حليفيــهِ الســـــــماحةُ والنــدى    فقدْ فارقَ الدنـــيا نداهــــا ولينـــــــها

غفد تْغدوةً ترمي لؤيُّ بن غــــــالبٍ    بجعدِ الثرى فوق امرىءٍ ما يشـينها

أغـــــرُّ بطحتـــــيُّ مــنْ فراقــــــــهِ    عكاظُ فبطحاءُ الصـــفا فحجونــــــها

فقل للتي يعلو على الناس صوتـــها    ألا لا أعــــانَ اللهُ مــنْ لا يعنيــــــها

وأرملــةٍ تبكي وقــدْ شقَّ جيبــــــها    عليه فآبتْ وهي شـــــعتٌ قرونـــــها

ولو فقهتْ ما يفقــهُ الناس أصبحتْ    خواشـــــعَ أعلامُ الفـــلاة وعينــــــها

نعاهُ الـــــناعي فظلــــــنا كأنــــــنا    نرى الأرض فيها آية حان حينـــــها

وزالـتْ بنا أقــــدام وتقلبـــــــتْ    ظهورُ روابيــــــها بنا وبطونــــــــها

وآب أولــــو الألباب منا كأنـــــما    يرونَ شــــــمالاً فارقتــــها يمينــــها

سقى الله سقيماً رحمة تربَ حفرةٍ    مقيماٍ على زيـــــدٍ ثراهــــا وطينـــها

المقنع الكندي

هو محمد بن ظفر بن عمير بن أبي شمر بن الأسود بن عبد الله الكندي، أحد شعراء العصر الأموي ينتسب إلى قبيلة كندة وهي من أعرق القبائل اليمنية وأشهرها والتي عرفت بسيادتها، ولد بوادي دوعن في حضر موت. يرجع المؤرخون لقب المقنع الذي عرف به لأن القناع كان من صفات الرؤساء وكان للمقنع الكندي مكانته ومنزلته الرفيعة داخل عشيرته كما قال الجاحظ، وقال التبريزي في تفسيره للقبه أن المقنع هو اللابس لسلاحه، وكل من غطى رأسه فهو مقنع، كما قيل إنه كان شديد الجمال يستر وجهه مخافة العين . عرف الكندي بنسبه لقيبلة عريقة فكان جده عمير سيد كندة، وورث ابنه ظفر الرئاسة عنه، وقدعرف الشاعر بالإنفاق وحب العطاء فانفق ما تركه له والده حتى أصبح مديوناً، وجاءت إحدى قصائده "الدالية" معبرة عن حاله بعد استدانته من أبناء عمه، وتعد هذه القصيدة من أطول القصائد التي كتبها، واشهرها، وفي هذه القصيدة قام بالرد على أقاربه بعدما عاتبوه على كثرة إنفاقه والاستدانة منهم، فهو الكريم الذي لا يرد سائلا، فدافع عن نفسه في هذه القصيدة .

مختارات من شعره:

يُعــاتِــبُــني فـــي الـديـنِ قَـومي وَإِنَــمــا    دُيــــونــيَ فــي أَشــياءَ تُكسِــبُـهُم حَـــمدا

أَلَـــم يَــرَ قَــومي كَيـــفَ أوسِــــر مَـــرَّة    وَأُعــسِــــرُ حَتّى تَبـلُغَ العُــسـرَةُ الجَــهدا

فَــمــا زادَنــي الإِقـتـارُ مِــنــهُم تَــقَـــرُّبـــاً    وَلا زادَنـي فَــضــلُ الـغِــنى مِنهُــم بُعدا

أَسُـــــدُّ بِـــهِ مــا قَـــد أَخَـــلّـوا وَضَـيَّعـــوا    ثُــغـورَ حُـــقـــوقٍ ما أَطـاقـوا لَهـا سَــدّا

وَفــي جَــفنَــةٍ مــا يُــغلَـق البــابُ دونـــها    مــُكلَــــّلــةٍ لَــحــمــاً مُــدَفِّــــقــةٍ ثَــــردا

وَفــي فـــَرَسٍ نَــهــدٍ عَــتــيــقٍ جَـعَــلــتُهُ    حِــجـــابـــاً لِــبَـيــتي ثُـمَّ أَخــدَمتُــه عَبدا

وَإِن الَّذي بـَــيــنــي وَبــَيـــن بـَنــي أَبـــي    وَبــَيـــنَ بَــنــي عَـمّي لَمُـخـتَــلِفُ جِــدّا

أَراهُــم إِلــى نَصــري بــِطــاءً وَإِن هـــُم    دَعَــونــي إِلــى نَصــرٍ أَتــيـــتُهُم شَـــدّا

فَإِن أكُـلوا لَحمــي وَفــَرتُ لحــومــَهُـــم    وَإِن هدمــوا مَجـدي بنيــتُ لَهـُم مَجــدا

وَإِن ضَيَّــعوا غيــبي حَفـظتُ غيــوبَهــُم    وَإِن هُم هَـــوَوا غَييِّ هَوَيتُ لَهُم رُشــدا

وَلَيســوا إِلى نَصــري سِــراعاً وَإِن هُـمُ    دَعــوني إِلى نَــصــيــرٍ أَتَــيــتُــهُم شَـــدّا

وَإِن زَجَــروا طَيــراً بِنَـحــسٍ تَـمــرُّ بي    زَجَــرتُ لَـهُـم طَـيــراً تـَمـُرُّ بِهِـم سَــعـدا

وَإِن هَــبـطــوا غــوراً لِأَمـرٍ يَــســـؤنــي    طَـلَــعــتُ لَـهــُم مــا يَسُــــــرُّهُــمُ نَـجــدا

فَإِن قــَدحــــوا لــي نـــارَ زنـدٍ يَشــيــنُني    قَـــدَحــتُ لَــهُــم فــي نــار مكرُمـةٍ زَنـدا

وَإِن بادَهـــونـي بِــالــعَـــداوَةِ لــَم أَكــــُن    أَبــادهُــم إِلّا بِــمــــا يَـنــعـــَت الرُشـــــدا

وَإِن قَــطَــعــوا مِــنّــي الأَواصِــر ضَـلَّةً    وَصَــلــتُ لَهــُم مــنّي المَــحَــبَّـة وَالــوُدّا

وَلا أَحــمــِلُ الحِـــقــــدَ القَــديـــمَ عَلَيــهِم    وَلَــيــسَ رئيـــس الـقـَومِ مَن يَحمِلُ الحِقـدا

فَــذلِـكَ دَأبــي فـــي الحَــــيــاةِ وَدَأبُــهُـــم    سَـجـيـسَ اللَـيـالـي أَو يُزيرونـَني الـلَـحدا

ألســت احســن مــن يـمشي عــلى قـــدم    يـا أحســن الـنـاس يــوم الــدجـن أردانـا

لَهُــم جُـــلُّ مـــالـي إِن تـَتـابَـعَ لــي غَـنّى    وَإِن قَــلَّ مــالــي لَـــم أُكَــلِّــفــهُـم رِفــدا

وَإِنّـي لَـعَـبــدُ الضَــــيــفِ مــا دامَ ثـاويــاً    وَمـا شــيـمـَةٌ لـي غَـيــرُها تُشــبهُ العَـبدا

عَـــلى أَنَّ قَــومي مـا تـَرى عَيـن نــاظِـرٍ    كَشَــيـبـِهِم شَــــيـبـاً وَلا مُــردهــم مُــرداً

بِــفَــضـلٍ وَأَحـــلام وجــــود وَسُـــــؤدُد    وَقــَومـي رَبـيـــع في الـزَمـانِ إِذا شَـــدّا

*****

مروان بن أبي حفصة

مروان بن سلمان بن يحيى بن أبي حفصة ، كنيته أبو الهيندام أو أبو السمط ( 105 – 182 ) للهجرة ( 723 – 798 ) للميلاد ، ولقبه ذو الكمر . كان جدّه أبو حفصة مولى لمروان بن الحكم وأعتقه يوم الدار ، ولد باليمامة من أسرة عريقة في قول الشعر ، وأدرك العصرين الأموي والعباسي ، وقد وفد على المهدي فمدحه ثم الهادي من بعده ثم إلى مديح هارون الرشيد . وعلى كثرة ما أصابه من خلفاء بني العباسي من عطاءات ، فقد كان بخيلاً بخلاً شديداً ، ضربت به الأمثال ورويت عنه الحكايات. كما دافع بشعره عن العباسيين ودعا إليهم واحتج على خصومهم وعارضهم . وقد دفع حيانه ثمناً لذلك ، إذ اغتاله بعض الشيعة ببغداد .

مختارات من شعره :

يا أكْرَمَ النَّاس مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَم    بَعْدَ الخَلِيفةِ يا ضـــرْغَامَةَ العَرَبِ

أفنيــــتَ ما لكَ تعطيــــهِ وتنهبــــهُ    يا آفةَ الفضةِ البيضــــاءِ والذهبِ

إن السَّــــنَانَ وحَدَّ السَّـيْفِ لوْ نَطَقَا    لأخبرا عنكَ في الهيجاءِ بالعجبِ

*****

إلى المصطفى المهديّ خاضتْ ركابِنا    دُجَى اللَّيْلِ يَخْبطْنَ السَّريح المخَدَّمَا

يَكُــــونَ لها نُـــــورُ الإمَـــــامِ مُحَمَّــدٍ    دَلِيلاً بهِ تَسْـــــري إذا اللَّيْلُ أظْلَــمَا

إذا هنَّ ألقيـــــنَ الرحـــــالَ ببابـــــــهِ    حَططْنَ بهِ ثِقـــلاً وأدْرَكْنَ مَغْنَــــمَا

إلى طاهر الأخْلاَق ما نالَ مِنْ رضـاً    ولاَ غصـــب مَالاً حراماً ولاَ دمَـــا

*****

إنَّ بالشــــامِ بالموقرِ عــزا    ومُلـــوكاً مُباركينَ شُـــــهُودَا

سَــادةً من بَني يَزيدَ كراماً    سبقوا الناسَ مكرماتٍ وجودا

هانَ يا ناقتي عليَّ فسيري    أنْ تمُـــوتي إذا لقِيتُ الوَليــدَا

*****

النابغة الشيباني

عبدالله بن المخارق بن سليم بن حضيرة بن قيس ، من بني شيبان ( ؟ - 125 ) للهجرة ( ؟ - 743 ) للميلاد ، شاعر من العصر الأموي . كان يفد من البادية إلى الشام فيمدح الخلفاء من بني أمية ، عبدالملك بن مروان وأولاده من بعده ، وله في الوليد مدائح كثيرة ، ومات في أيام الوليد بن يزيد .

مختارات من شعره :

إنَّ الوليـدَ أميـــــرَ المؤمنيـــن لـــــهُ    حقٌّ من الله تفضـــــيلٌ وتشــــــريفُ

خليفةٌ لم يزل يجـــري على مَهَـــــلٍ    أغـــر بــــه البيـــــض الغطاريــــفُ

لا يخمدُ الحربَ إلاّ ريثَ يوقُــــــدها    في كل فــجٍ لــخيــــل مســـــــانيفُ

يحوي ســــبياً فيعطيها ويقســــــمها    ومِنْ عطيّتِهِ الجُـــردُ السَّــــــراعيفُ

أخرى طريدة منــه وابــــل بــــــرد    وعســــكرٌ لم تَقَدْهُ العُزّلُ الجُـــــوفُ

ما زال مســلمة الميمون يحضــرها    وركنها بثقال الصــــخر مقـــــذوف

وقد أحاطت بها أبطال ذي لجـــــبٍ    كما أحاط برأس النخلـــــةِ الليـــــفُ

حتى علوا سورها من كل ناحيـــــةٍ    وحان من كان فيـــها فهو ملهــــوفُ

فأهلُها بيت مقتــــــولٍ ومُسْــــــتلبٍ    ومنــــهُمُ موثقٌ في القـــدِّ مكتـــــوفُ

يا أيــــها الأجدع الباكي لمهلكــــهم    هل بأسُ ربِّكَ عن من رامَ مصــروفُ؟

تدعو النصارى لنا بالنصر ضاحيةً    واللهُ يعلــــمُ ما تخفي الشَّــــــراسيفُ

قلعت بيعتهم عن جوف مســـــجدنا    فصخرها عن جديد الأرض منسوفُ

كانت إذا قام أهل الدين فابتهلـــــوا    باتت تجاوبنا فيــــــها الأســــــــاقيفُ

أصواتُ عُجْمِ إذا قاموا بقُرْبتِـــــهمْ    كما توصت في الصبح الخطاطـــيفُ

فاليوم فيه صــــــلاة الحق ظاهـرةٌ    وصــــادقٌ من كتابِ الله مَعْـــــروفُ

فيهِ الزَبَرْجدُ والياقـــــوتُ مُؤْتلـــقٌ    والكلس والذهب العقيان مرصـــوفُ

ترى تهاويلــــهُ من نحـو قبْلتــــــنا    يلوحُ فيـــهِ من الألــــوان تفــــــويفُ

يكادُ يُعشي بصيرَ القومِ زبْرجُــــهُ    حتى كأن ســـــواد العين مطــــروفُ

وفِضّةٌ تُعجِبُ الرائين بَهْجتُـــــــها    كريمــها فوق أعــــلاهن معطــــوفُ

وقبةٌ لا تكــــادُ الطيـرُ تبلغُـــــــها    أعْلى محاربيها بالسّـــــاج مَسْـــقوفُ

لها مصابيحُ فيها الزيتُ من ذَهَبٍ    يُضيءُ من نـــورها لُبنانُ والسِّـــيفُ

فكــــلُّ إقبالِــــــهِ والله زيّنَـــــــــهُ    مبطنٌ برخام الشـــــــام محفــــــوفُ

في سُّرَّةِ الأرض مشــدودٌ جوانبُهُ    وقد أحاط به الأنــــــهار والـــــريفُ

فيهِ المثاني وآيــــــاتٌ مفصَّـــــلة    فيهن من ربــــنا وعـــدٌ وتخـــــويفُ

تمَّتْ قصــيدةُ حَقٍّ غير ذي كَذِبٍ    في حوكـــها من كلام الشـــعر تأليفُ

قوّمتُ منــــها فلا زيـــغٌ ولا أوَدٌ    كما أقـــام قـــــنا الخـــــطي تثقــــيفُ

*****

وضاح اليمن

عبدالرحمن وقيل عبدالله بن إسماعيل بن عبد كلال من آل خوذان الحميري ، ( ؟ - 90 ) للهجرة ( ؟ - 708 ) للميلاد ، شاعر رقيق الغزل عجيب النسيب ، كان جميل الطلعة ولهذا السبب يتقنع في المواسم ، له أخبار مع عشيقة له اسمها روضة ، من أهل اليمن . قدم مكة المكرمة حاجاً في خلافة الوليد بن عبدالملك ، فرأى أم البنين بنت عبدالعزيز بن مروان ، زوجة الوليد ، فتغزل بها فقتله الوليد .

مختارات من شعره :

يا رَوضُ جيرانُــكُمُ البــــاكِرُ    فالقلْبُ لا لاهٍ ولا صـــــابرُ

قالتْ: ألا، لا تَلِجَــــنْ دَارَنــا    إنَّ أبـــانا رجـــــلٌ غائــــرُ

قلتُ: فإنِّــي طالــــبٌ غِــــرَّةً    منهُ وَسَــــيْفِي صارمٌ باتِـرُ

قالتْ: فإنَّ القصرَ مِنْ دُونِــنا    قُلْتُ: فإنّي فوقــــهُ ظاهِـــرُ

قالتْ: فإنَّ البَحْرَ مِنْ دُونِـــنا    قُلْتُ: فإنِّي ســــابحٌ مـــاهِرُ

قالتْ: فَحَوْلي إخُوةٌ ســــبْعَةٌ    قُلْتُ: فإنِّي غالِـــبٌ قاهِــــرُ

قالتْ: فليثٌ رابضٌ بينَـــــنَا    قُلْتُ: فإنِّي أسَــــــدٌ عاقِـــرُ

قالتْ: فإنَّ اللَّه مِنْ فَوقِـــــنَا    قُلْتُ: فَرَبِّي راحِــمٌ غافِـــرُ

قالتْ: لقدْ أعييتَنَــــا حجـــةً    فَأتِ إذا ما هجعَ الســــامرُ

فاسقط علينا كسقوطِ الندى    ليلـةَ لا نــــاهِ ولا زاجِــــرُ

*****

بنتُ الخليفةِ والخليفةُ جـــدها    أختُ الخليفةِ والخليفةُ بعلــــها

فَرحَتْ قوابلُها بها وتباشَرتْ    وكذَاكَ كانوا في المسرَّةِ أهْلُها

*****

دَعاكَ مِنْ شَوْقِكَ الدَّواعي    وأنتَ وضاحُ ذو اتباعِ

دعتـــكَ مَيالــــةٌ لعــــوبٌ    أسِـــيلةُ الخَـــدِّ باللِّماعِ

دلالكِ الحلــو والمشـــهى    وليْسَ سَرِّيكِ بالمُضّاعِ

لا أمنعُ النفسَ عن هواها    وكلُّ شيءٍ إلى انقطاعِ

*****

يا أيها القلب بعضَ ما تجدُ    قدْ يعشــــقُ المرءُ ثم يتئدُ

قدْ يكتمُ المـــرءُ حُبَّـه حِقباً    وهوَ عميـــدٌ وقلبــــهُ كمدُ

ماذا تريدين منْ فتىً غزلٍ    قدْ شَفَّهُ السُّقْمُ فِيكِ والسّهدُ

يهــــددوني كيما أخافـــهمُ    هَيْهاتَ أنَّى يُهَدَّدُ الأســــدُ

*****

يَزيدُ بنُ مُعاويةَ

يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي ، ( 25 – 64 ) للهجرة ( 645 – 683 ) للميلاد ، ثاني خلفاء الدولة الأموية في الشام ، ولد بالماطرون ، ونشأ في دمشق .

ولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة 60هـ ، وأبى البيعة له عبدالله بن الزبير في مكة المكرمة ، والإمام الحسين بن علي في كربلاء سنة 61هـ ، كما أن أهل المدينة خلعوا طاعته سنة 63هـ فأرسل إليهم مسلم بن عقبة المري وأمره بإخضاعهم . وفي زمنه تم فتح المغرب الأقصى على يد عقبة بن نافع كما فتح مسلم بن زياد بخارى وخوارزم . ويقال إن يزيد أول من خدم الكعبة وكساها الديباج الخسرواني . وتوفي بجوارين من أرض حمص . وكان يحب اللهو ، وينسب له شعر رقيق ، كما ينسب له نهر يزيد وهو أحد فروع نهر بردى السبعة التي تتغلغل في دمشق كلها .

مختارات من شعره :

خــذوا بــــدمي ذات الوشــــــاح فإنني    رأيتُ بعيــــــني في أناملـــــــها دمي

أغار عليـــها من أبيـــــــها وأمـــــــها    ومن خطوة المسواك إن دار في الفمِ

أغار على أعطافــــــــها من ثيابـــــها    إذا ألبســــــــتها فوق جســــــــم منعـمِ

وأحســـــــد أقـــداحاً تقبـــــلُ ثغـــرها    إذا أوضعتها موضع المزجِ في الفـــمِ

خذوا بــــدمي منـــــها فإني قتيلـــــها    فلا مقصــــــدي ألا تقـــولوا تنعـــمي

ولا تقتلــــوها إن ظفرتــــم بقتلــــــها    ولكن ســــــــلوها كيف حل لها دمي

وقولوا لها يا منيـــــــة النفـــــس إنني    قتيل الهوى والعشــق لو كنتِ تعلمي

ولا تحســـــبوا أني قتلت بصـــــــارمِ    ولكن رمتــــني من ربـاها بأســـــهمِ

لها حكم لقــمان وصــــورة يوســــف    ونغمــــــة داود وعفــــــة مريـــــــمِ

ولي حزن يعقوب ووحشــــــة يونـس    وآلام أيــــــــوب وحســــــــــرة آدمِ

ولو قبل مبكــــــاها بكيت صـــــــبابة    لكنت شـــــــفيت النفـــس قبل التندمِ

ولكن بكت قبلي فهيــــج لي البكـــــاء    بكاها فكان الفضــــــــل للمتقــــــدمِ

بكيت على من زين الحســــن وجهها    وليــــس لها مثل بعـــرب وأعجم

مدنيــــة الألحاظ مكيــــــة الحشــــى    هلاليـــــة العينيـــــن طائيـــــــة الفمِ

وممشوطة بالمسك قد فاح نشـــــرها    بثغـــــــر كأن الدر فيـــــــه منظـــمِ

أشارت بطرف العين خيفة أهلــــــها    إشــــــــــارة محـــــــزونٍ ولم تتكلمِ

فأيقنت أن الطرف قد قال مرحــــــبا    وأهــــلاً وســـــــهلاً بالحبيب المتيمِ

فوالله لولا الله والخـــــوف والرجــــا    لعانقتـــــــها بين الحطيــــمِ وزمزمِ

وقبلتها تســــــــعاً وتســـــــــعين قبلةً    براقــةً بالكــــفِ والخــــدِ والفـــــمِ

ووســــــدتها زندي وقبلت ثغرهـــــا    وكانت حـــلالاً لي ولو كنت محرمِ

ولما تلاقيــــنا وجـــــدت بنانــــــــها    مخضــــبه تحكي عصـــــارة عندمِ

فقلتِ خضبت الكف بعدي ، هكـــــذا    يكون جزاء المســــــــتهامِ المتيـــمِ

فقالت وأبدت في الحشى حر الجوى    مقالـــــة من في القــــــول لم يتبرمِ

وعيشــــك ما هذا خضـــــاباً عرفتهُ    فلا تكُ بالبهـــــتانِ والزورِ متهـمي

ولكنني لــــما رأيتـــــــك نائــــــــياً    وقد كنت كفي وزندي ومعصـــمي

بكيت دماً يوم النوى ، فمســــــحتهُ    بكفي فأحمـــــرت بناني من دمـــي

ملاحظة :القصيدة أعلاه تنسب أيضاً لابنه خالد بن يزيد

إذا بَرَزَتْ ليلى مِنَ الخِدْرِ أبْرَزَتْ    لنَا مَبْسَـــــماً عَذْباً وَجيداً مُطوَّقَا

كَأنَّ غُــــلاماً كَاتِـــــباً ذَا بَرَاعَــةٍ    تَعَمَّدَ نُونَي حَاجِبَيْــــهَا فَعَـــــرَّقَا

وَأحقـــافُ رَمْلٍ جَاذَبَتْـــهَا وَهَزَّةٌ    عَرَتْهَا كَمَا هَزَّ الصَّبَا غُصْنِ النَّقَا

أتَتْ تَتَـــهَادَى كَالقَضِــيِبِ فَقَبَّلتْ    يَدي غلطاً مِنْــهَا فَقَبَّلْتُ مَفْــــرقَا

وَبَاتَتْ يَدي طوقاً لهَا وابْتَسَـامُهَا    يُرينِي شــعَاعاً آخِرَ اللَّيلِ مُشْرقَا

فلمْ أرَ بَدْراً طالِعاً قبْلَ وَجْهـــهَا    وَلاَ مَيِّــتاً قبْلِي مِنَ البَيْنِ أشْــــفَقَا

*****

نالت على يدها ما لم تنلـــه يـــــــدي    نقشــــا على معصم أوهت به جلدي

كأنه طــرق نـــــمل في أناملــــــــها    أو روضة رصعتها الســـحب بالبردِ

وقوس حاجبــــــها من كل ناحيـــــة    ونبــل مقلتـــــها ترمي به كبـــــدي

مدت مواشـــطها في كفها شــــــركا    تصيد قلبي به من داخل الجســــــدِ

أنيسة لو رأتها الشـــــمس ما طلعت    من بعد رؤيتـــها يوماً على أحــــدِ

ســــــألتها الوصل قالت : لا تغزبـنا    من رام مــنا وصـــالا مات بالكمدِ

فكم قتيل لــــنا بالحـــــب مات جوى    من الغــــــرام ولم يبدئ ولم يعــــدِ

فقلت : اســــــتغفر الرحمن من زلل    إن المحب قليل الصــــبر والجلــــدِ

قد خلفتـــني طريـــــحاً وهي قائلـــة    تأملــوا كيف فعل الظبي بالأســـــدِ

قالت لطيف خيـال زارني ومضى :    بالله صـــــفه ولا تنقص ولا تــــزدِ

فقال : خلفــــته لو مــــات من ظـمأ    وقلت ، قف عن ورود الماء ، لم يردِ!

قالت : صدق الوفا في الحب شـيمته،    يا برد ذاك الذي قالت على كبـــدي

واسـترجعت ســــألت عني فقيل لها :    ما فيه من رمـــق ، دقـــت يـــــداً بيدِ

وأمطرت لؤلؤاً من نرجس وســقت    ورداً وعضـــت على العناب بالبردِ

وأنشـــدت بلســــــان الحــــال قائلة    من غير كره ولا مطل ولا مــــــددِ :

والله ما حـــزنت أخـــت لفقــــد أخ    حزني عليــــــه ولا أم على ولــــــدِ

إن يحسدوني على موتي فوا أسفي    حتى على الموت لا أخلو من الحسدِ