عــصــام بــشــيـر الــعــوف

مــؤلــف و كــاتـب ســيــاسـي و إســلامــي



  

عصر الانحطاط

(656- 1258 )هـ (1212-1798)م



مقدمة

يطلق المؤرخون على فترة حكم المماليك والعثمانين ، اسم عصور الانحطاط ، وتبدأ باستلاء المغول على بغداد 656هـ \ 1258م ، والقضاء على الخلافة العباسية فيها ، وتنتهي بدخول نابليون بونابرت إلى مصر عام 1212هـ \ 8179م

المماليك

أما المماليك فهم ورثة الأيوبيين، الذين انهارت دولتهم ، ولم يكن إلا عبيدهم ومماليكهم يأخذون المشعل الإسلامي ، ويحملونه بكل أمانة واقتدار ، ويحكمون قبضتهم على بلاد الشام ووادي النيل ، ثم تصدوا للغزو المغولي أو التتار.

المغول هم الذين انطلقوا من أواسط الهند ، مع جينكيز خان على رأس جيش قوي ، عنوانه البطش والجبروت ، وقتل الأبرياء والآمنين ، والاعتداء على الأعراض والأموال ، وتدمير المدن والقرى بكل همجية ووحشية ، ودون أي رادع من خلق أو دين ، فتساقطت أمامهم الممالك والدول، وتوارث قيادة الحملات المغولية أبناؤه وأحفاده من بعده، حتى سقطت بغداد على يد هولاكو ، فدمرها وانهارت معها الخلافة العباسية . وتابع المغول زحفهم الرهيب ، بقيادة تيمورلنك ، وتساقطت الممالك الأيوبية الواحدة تلو الأخرى في بلاد الشام، ثم انطلق المغول يريدون مصر ، غير أن المماليك من مصر وبلاد الشام ، قد تجمعوا في فلسطين، وتصدوا للجيش المغولي الذي سقط عند أقدامهم ، وتوقف الزحف المغولي بعد معركة كبيرة ، تعد من أكبر المواقع التي شهدها التاريخ الإسلامي هي معركة عين جالوت.

كما أن المماليك ، قد فرضوا سيطرتهم على مياه البحر الأبيض المتوسط ، بانتشار سفن قراصنتهم ، على جميع الموانئ الأوربية ، وخاصة السفن البرتغالية ، سادة البحار آنذاك، كما قارعوا الأرمادا الأسطول الإسباني الذي لايقهر، وتحكم المماليك بالطريق البحري التجاري ، الذي يصل الهند وجنوب شرق آسيا مع الموانئ الأوربية عبر البحر الأحمر ، وأحكموا قبضتهم على منافذ التجارة العالمية. وأصبحت مياه البحر الأبيض المتوسط مياها اقليمية للمماليك ، لفترة طويلة من الزمن.

اكتشاف رأس الرجاءالصالح

ابن ماجد وفاسكو دي جاما

والجدير بالذكر ، أن البحارة البرتغاليين قد اكتشفوا طريقا تجاريا آخر، هربا من المماليك، وسماه المؤرخون الغربيون اكتشافا جغرافيا ، لم يسبقهم إليه أحد ، فقد تولى فاسكو دي جاما قيادة الحملة العسكرية البحرية البرتغالية ، ولما وصل إلى ميناء مسقط في عمان ، حمل معه العالم الجغرافي المسلم ابن ماجد ، ومعه دراساته وخرائطه . وسارت الحملة بمحاذاة الشاطئ الأفريقي على المحيط الأطلسي ، ومرت على جميع الموانئ ، حتى وصلت إلى رأس الرجاء الصالح ، في أسفل القارة الأفريقية ، ثم تابع الطريق مع ابن ماجد ، حتى وصل إلى شواطئ شبه القارة الهندية ، وفق الخرائط التي وضعها ابن ماجد ، الذي كان يعترض ويتألم ، بما قامت به الحملة من معارك ، وسفك دماء ، وتجارة بالعبيد ، وكثير من المساوئ تجاه أهالي البلاد ، التي اقتحموا موانئها عنوة بل حربا. لم يكن اكتشافا جغرافيا ، بل كان اعتداءا عسكريا تجاريا فاجرا ، على موانئ وأراض مأهولة بالسكان ، لهم حضارتهم وتاريخهم .



العثمانيون

مع تمهيد عن الدول التي عاصرت تكوينهم في هضبة الأناضول

السلاجقة

أما العثمانيون فهم قبيلة هاجرت من أواسط آسيا ، وجاورت السلطنة السلجوقية ، التابعة للخلافة العباسبة، شمال سورية ، المتاخمة للثغور مع الامبراطورية الرومانية .

وكان السلاجقة على حروب متواصلة مع الروم ، ويلحقون بهم الهزائم العسكرية في غزواتهم ، التي لاتتوقف ، وقد قامت قبيلة العثمانيين بمساعدة السلاجقة في معركة كبيرة مع الروم ، وكان للعثمانيين الفضل الكبير في تحقيق النصر. وكانت هذه المساعدة محل تقدير السلطان السلجوقي المسلم ، فأقطعهم أرضا واسعة للبقاء فيها ، وكانت هذه الأرض ، قاعدة تأسست عليها الامبراطورية العثمانية وانطلقت وتوسعت.

والجدير بالذكر، أن الهزائم الي ألحقها السلاجقة بالروم ، قد أدت إلى اغتنام الروم الضعف الذي حل بالدولة السلجوقية ، ودب في مفاصلها ، بالإضافة إلى اختلاف قادتها فيما بعد ، إلى توجيه حملة كبيرة ، تبعتها حملات أخرى قضت على الدولة السلجوقية ، ثم تابعت الزحف ، ولم تكن هنالك أي دولة إسلامية قوية تقف بوجههم ، واحتلت الساحل السوري حتى وصلت إلى القدس الشريف ، وسميت هذه الحروب بالحروب الصليبية .

توسعت الدولة العثمانية حتى احتلت جميع أجزاء هضبة الأناضول ، واستمرت بالتوسع . وقد قام السلطان محمد الثاني الفاتح بفتح القسطنطينية محققا بذلك أمنية إسلامية منذ عهد النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد وصل الفتح الإسلامي إلى أسوار تلك المدينة عدة مرات ولم يتمكن المسلمون من فتحها لعلو أسوارها وحصونها المنيعة، وقد استشهد على أسوارها العديد من الصحابة الكرام ، ومنهم الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري ، الذي نزل النبي ، صلى الله عليه وسلم في داره ، ساعة وصوله المدينة المنورة ، وأقام عنده، بأمر من الله عز وجل .

روما الشرقية وروما الغربية

وإذا كان فتح القسطنطينية حدثا كبيرا في التاريخ الإسلامي ، فهو حدث مهم جدا في التاريخ المسيحي الغربي ، فهذه المدينة كانت تدعى روما الشرقية وتمثل الكنيسة الشرقية أو الطائفة أو المذهب الأرثوذكسي المسيحي ، وفي المقابل هنالك روما الغربية ، وهي الآن روما العاصمة الإيطالية ، وتمثل الكنيسة الغربية أو المذهب أو الطائفة الكاثوليكية المسيحية ، وقد كانت الكنيستان متنافستين واشتد التنافس والعداء بينهما مع ظهورالطائفة الثالثة البروتستانتية ، وفرقت بينهم حروب دينية طاحنة مزقت أوربا وفتكت بالمسيحيين لفترة طويلة تجاوزت المئة عام.

العصور التاريخية الأوربية

والجدير بالذكر أن المؤرخين الغربيين ، يقسمون العصور التاريخية كالتالي : العصور القديمة وتبدأ عام 473 قبل الميلاد مع تأسيس مدينة روما الغربية ، ويشمل العصر الروماني الذي استمر حتى بداية العصور الوسطى المظلمة والتي تيدأ عام 1453 للميلاد مع سقوط القسطنطينة أو فتح المسلمين لها ، وتنتهي مع بداية العصر الحديث مع الثورة الفرنسية عام 1789 للميلاد .

وغدا الأرثوذكس والمسلمون شركاء في الوطن ، يستظلون سماءه ويدافعون عن أرضه، ويحاربون الغزاة والمستعمرين الأوربيين وغيرهم ، من خندق واحد. وتابع العثمانييون الفتح الإسلامي ، الذي بدأ به أبو بكر الصديق رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفته الأول ، وتايع الخلفاء مسيرة الفتح من بعده ، الأمويون والعباسيون ، وها هم سلاطين العثمانيين يواصلون الطريق حثيثا ، بكل أمانة وإيمان. اتجهوا إلى أوربا وبلغ الفتح ذروته ، مع مراد الرابع وسليمان القانوني الذي وصلت جيوشه إلى مدينة فينا ،عاصمة الامبراطورية النمساوية ، وحاصرتها مدة ستة أشهر حصارا محكما ، حتى قال المؤرخون الغربيون : كادت الكلاب والقطط تموت جوعا في فينا فكيف بأهلها. كانت أياما عصيبة فظيعة لايفتأ الأوربيون يذكرونها ، ولا تغيب عن أذهانهم ، وكيف تنسى حوافر خيول الإنكشارية (الجيش الذي لا يقهر) ، ذوي الطرابيش الحمر وهي تضرب الأرض حول أسوار فينا . غير أن الإنكشارية عادت أدراجها تاركة فينا تلملم جراحها.

وتوقف الفتح الإسلامي في أوربة ، ليتجه مع سليم الأول ناحية العالم الإسلامي، واجتاز جبال طوروس ، وخاض مع المماليك معركة كبيرة في مرج دابق شمال حلب ، انتصر فيها ، وتابع زحفه نحو كافة المدن السورية سلما ، حتى دخل دمشق حيث جاءته الوفود ، من جميع المناطق في بلاد الشام والجزيرة العربية ، تعلن ترحيبها به وتقدم فروض الطاعة ، ثم جاء أمير مكة المكرمة وسلمه مفتاح الكعبة . ثم انطلق سليم على رأس جيشه الانكشاري ، يريد مصر فدخلها بعد معركة صغيرة ، في الريدانية قرب القاهرة ، وكذلك جاءته الوفود من مناطق وادي النيل مصر والسودان ، وخضع العالم الإسلامي للسلطنة العثمانية ، حكما فعليا في بعض المناطق ، وسيادة اسمية في مناطق أخرى، وذلك بعد فتح سلمي استمر أقل من سنتين مابين عامي 1516 و 1517 .

أما الشمال الأفريقي ، فليبيا كانت تحت حكم فرسان المائدة المستديرة ، وقد طردتهم الانكشارية بمعركة صغيرة ، أما تونس فقد أرسلت الهدايا ، وتقدم الباي وهو لقب الحاكم ، بفروض الطاعة للدولة العثمانية ، وأرسلت الجزائر إعلان خضوع الداي للعثمانيين . أما جيروس وأخوه عروج وهما رأس القراصنة الجزائريين الذين يملكون زمام الحركة الملاحية في البحر المتوسط قد وفدا على العثمانيين ، وبقيت المغرب بعيدة عن سيطرة السلطنة العثمانية . وأصبح البحر المتوسط بحيرة عثمانية عهودا طويلة من الزمن .

والجدير بالقول إن الدولة العثمانية قد بلغ عمرها ثمانمئة عام ، وتفردت بحكم العالم ثلاثمئة عام ، وبقيت رجلا مريضا ضعيفا ، يصعب القضاء عليه من الدول الكبرى، لفترة طويلة تزيد على المئتي عام .



سلاطين الدولة العثمانية ، هم :

- ما قبل التأسيس

سليمان شاه • أرطغرل غازي • دندار بك • گوندوغو باي • سنگر تگين • گوندوز باي (الشقيق الأكبر لعثمان الغازي) • سڤجي باي (الشقيق الأكبر لعثمان الغازي)

النهوض 1299–1453 -

عثمان الأول • اورخان غازي • مراد الأول • بايزيد الأول • محمد الأول

سلاطين الدولة العثمانية حسب العصر

• مراد الثاني • محمد الثاني

النمو 1453–1683 -

بايزيد الثاني • سليم الأول • سليمان الأول • سليم الثاني • مراد الثالث • محمد الثالث • أحمد الأول • مصطفى الأول • عثمان الثاني • مراد الرابع • إبراهيم الأول • محمد الرابع

الركود 1683–1827 -

سليمان الثاني • أحمد الثاني • مصطفى الثاني • أحمد الثالث • محمود الأول • عثمان الثالث • مصطفى الثالث • عبد الحميد الأول • سليم الثالث • مصطفى الرابع • محمود الثاني

التراجع 1828–1908 -

عبد المجيد الأول • عبد العزيز الأول • مراد الخامس • عبد الحميد الثاني

التفكك 1908–1923 -

محمد الخامس • محمد السادس • عبد المجيد الثاني



الأدب في عصر الانحطاط

ولم يهتم المماليك والعثمانيون باللغة والأدب لأنهم لم يفهموها كالخلفاء الأمويين والعباسيين العرب ، غير أن بلاد الشام والرافدين ومصر في عهدهم أصبحت مركزا للعلماء والأدباء الذين لجأوا إليها من الشرق فرارا من ظلم التتار او من الغرب بعد أن دب الضعف في جسم الخلافة الأموية الإسلامية في الأندلس وأدى إلى سقوط غرناطة سنة 897هـ \1492م وقد حظي العلماء والأدباء بالتشجيع والترحيب.

اتصف الأدب في هذه الفترة بالانحطاط والتراجع ولم يعد له دوره الفاعل في الحياة الثقافية والاجتماعية والحضارية.

الشعر

كان الشعرأكثرالأنواع الأدبية تراجعا إذ ماتت فيه الروح الشعرية واصبح أقرب إلى النظم والسطحية ولا يرضيه الاكتفاء باستحسان الممدوح دون عطاء كما قال أحدهم :

كلما قلت قال أحسنت قولا    وبأحسنت لا يباع الدقيق

وكانوا يهتمون بالألغاز والأحاجي أوجعل البيت يقرأ من اليمين ومن اليسار دون أن يختلف معناه مثل:

مودته تدوم لكل يوم    وهل لكل مودته تدوم

ثم ظهر شعراء لجأوا إلى نظم المدائح في النبي صلى الله عليه وسلم وفي مدح آل البيت.

ومن أسباب تأخر الشعر ، اقتراب الشعراء والأدباء من الشعب بالقدر الذي ابتعدوا فيه عن بلاط الحكام الذين لايعرفون اللغة العربية وأدبها يالإضافة إلى انشغال السلاطين وولاتهم بأمور الحكم والسياسة آنذاك.

النثر

لا يجوز أن ننكر على أبرز كتاب هذا العصر، ولا سيما المؤرخين في نثرهم الرشيق ، وذلك في الحقبة الأولى من هذا العصر، إلا أنه ظهرت طائفة جعلت من الكتابة وسيلة للزخرف، ومعرضا للأساليب الإنشائيه ، فشاعت إطالة الجمل وحشوها بالمحسنات اللفظية ، أما في ظل الحكم العثماني ، فقد تدنى النثر إلى درجة كبيرة ، وأصبح الكتاب يعجزون عن الإتيان برسالة يسيرة . ومن أبرز الأسباب التي ادت اإلى ضعف الأدب النثري ، في العصر المملوكي والعثماني ، أن المماليك والعثمانيين لم يكن لهم ميل إلى الأدب ، أو حس لغوي لايسمح بتذوق الجمال فيه.

ويضاف إلى ذلك ، أن الأدب فقد جمهوره ، وتحول إلى الأدب الشعبي ، في مثل قصص سيف بن ذي يزن ، وأبي زيد الهلالي ، والزير سالم .

هل هو عصر انحطاط حقا ؟

ويقال إن هذا العصر على مدته الطويلة ، كان أضعف عصور الأدب العربي ، وتسلط فيه الخمول على العقول ، والتقليد على الابتكار ، والصناعة على الطبيعة ، والابتذال على الأساليب الرفيعة ، فقد اكتسبت هذه الأحكام الظالمة ، بالتواتر تصديقاعند المتلقين من المتخصصين وغير المتخصصين، وأصبح ترديدنا لمنطوق (عصر التخلف والانحطاط) مقبولا وبديهيا ، ونقصد به تلك الفترة الطويلة ، في تاريخنا الثقافي ، التي امتدت منذ سقوط العباسيين 656هـ ، وحتى بدايات العصر الحديث·

كما أن بعض مؤرخي الأدب ، في عصر الانحطاط ، قد ربطوا تقسيمات العصور الأدبية ، بالعصور السياسية ، وهو تقسيم غير مقنع ، لأن تطور أو تأخر الأنواع الأدبية ، يختلف عن التغيرات في العصور السياسية ، وكان من الطبيعي لديهم ، أن يرتبط الضعف السياسي ، وتفرق الدويلات الإسلامية ، على مستوى الأنواع الأدبية آنذاك، وأصبح الحكم من خلال الثوابت التاريخية ، قيمة مطلقة رددها الناس باسترخاء، ثم جاء بعض النقاد ، فوصفوا شعر وشعراء تلك الفترة بالتخلف ، مقارنة بمستوى الإبداع الشعري للعصرالعباسي ، مما زاد القناعة بتخلف وانحطاط ذلك العصر·

وبدأ الباحثون السطحيون في ترديد الأحكام المتسارعة ليحصدوا نتائج غير صحيحة، على سبيل المثال: روي عن أبي الفتح البستي ـ في القرن الرابع الهجري ـ أنه شغف بالمحسنات البديعية وهي الطريقة الأنيقة في الكتابة، ولم ينكروا على العصر العباسي ذلك، لأن اللغة يومئذ كانت تستسيغ المحسنات البديعية ، ثم جاء النقاد إلى شعراء عصور المماليك والعثمانيين فأنكروا عليهم المحسنات، وعدوا استخدامه من مظاهر الصنعة والتكلف والضعف.

والغريب في الأمر ، أننا نحكم على تلك الفترة بالتخلف والانحطاط ، وأكثر نتاجها الأدبي والشعري ، مازال حتى الآن مخطوطاً ، بالإضافة إلى ذلك ، انقطاع أسباب الاتصال ، بمبدعي ذلك العصر، بسبب الحرائق التي أصابت المكتبات ، بفعل الحروب التي وقعت في عصر الانحطاط . فهل نقدرحجم الحكم الجائر ، على شعراء وأدباء تلك الفترة ، الذين أسقطت عليهم سمة التخلف الإبداعي والانحطاط .

عصر الموسوعات

ويصل ظلم الوصف بالانحطاط ، لتلك الفترة إلى مداه ، عندما تعلم أن تلك الفترة هي فترة التأليف الموسوعي ، في مجال التفسير واللغة والرحلات وعلم الاجتماع··· في حين أن مؤلفات تلك الفترة ، هي من أهم مصادرنا العلمية ، في عصرنا الحاضر في تلك المجالات، ومن هذه المؤلفات :

معجم لسان العرب لابن منظور - القاموس المحيط للفيروزأبادي

كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاشرهم من ذوي السلطان الأكبر - لابن خلدون (808هـ) . ويعتبر علماء الاجتماع مقدمة ابن خلدون ، قبلة لبحوثهم ودراساتهم، كما يعتبره العلماء الغربيون والشرقيون ، مؤسس علم التاريخ الحديث ·

ـ (صبح الأعشى في صناعة الإنشا) للقلقشندي (821هـ) ، ويؤرخ فيه للأسلوب في المعاهدات والمصطلحات والمواثيق··· وعني في نهايته ، بالبريد والمراسلات في الجاهلية والإسلام ، وله ، معجم نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب وبطونها، حوى أسماء القبائل ، ورتبها هجائياً·

ـ السيوطي (849هـ) ، وهو من أبرز علماء تلك الفترة ، وقيل إنه تلقى العلم على أكثر من خمسين شيخاً ، واتسمت مؤلفاته بالموسوعية والتنوع ، حيث كتب عن طبقات اللغويين والنحويين ، وكتب في الفقه، ويعد أول من عني بجمع شعر النساء··· ثم توج نشاطه بتفسير الجلالين···

الألفية لابن مالك - وفيات الأعيان لابن خلكان - الخطط للمقريزي - في أدب الرحلات ، لابن بطوطة وابن جبير - كتب كثيرة في الفقه لابن تيمية

إذن فمصادرنا في النحو واللغة والأدب والتفسير وعلم الاجتماع والحضارة وأدب الرحلات والتاريخ ، كلها من الموسوعات المؤلفة في تلك الفترة ، فبأي حق نصفها بالتخلف ، ونحكم عليها بالانحطاط ·

ولما تعرضت البلاد الإسلامية لغزو التتاروالصليبيين ، كانت التعبئة الدينية وراء الانتصارات الكبيرة ، وكذلك المؤلفات ، وظهور العلماء الذين كتبوا الموسوعات القيمة، ومن ثم فالتقليل من شأن تلك الفترة ، ووصفها بالتخلف ، فيه ظلم كبير.·

وبعد فهل سنردد مع الآخرين ، الأحكام الظالمة التي تصف ذلك العصر ، بأنه عصر انحطاط وتخلف ، على الرغم مما خلفه من موسوعات علمية ، وظواهر شعرية ، تستحق التأمل والدراسة والإشادة ؟



فقهاء عصر الانحطاط

ابن تيمية

أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله ، تقي الدين أبو العباس ، الملقب بشيخ الإسلام ولد في 661هـ هو أحد علماء المسلمين . ولد في حران وهي بلدة تقع حالياً في تركيا في جزيرة ابن عمرو بين دجلة والفرات . وحين استولى المغول على بلاد حران وجاروا على أهلها ، انتقل مع والده وأهله إلى دمشق سنة 667هـ فنشأ فيها وتلقى على أبيه وعلماء عصره العلوم المعروفة في تلك الأيام . كانت جدته لوالده تسمى تيمية وعرف بها . قرأ الحديث والتفسير واللغة وشرع في التأليف من ذلك الحين . بَعُدَ صيته في تفسير القرآن انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل وكان من مذهبه التوفيق بين المعقول والمنقول . يقال أيضاً شخصاً مؤثراً في نمو حركة الإسلام السياسي . حضّ على جهاد المغول وحرّض الأمراء على قتالهم ، وكان له دور بارز في انتصار المسلمين في معركة شقحب . وهو من أصول كردية ومن أهم الشخصيات الكردية التي كان لها دور في التاريخ الإسلامي . كما أنه يجدر الذكر بأن ابن تيمية كان حنبلي المذهب ، سلفي النزعة . كثر مناظروه ومنافسوه وانتقدوا عليه أموراً خالفهم فيها ، منها أن زيارة الأنبياء من الشركيات ، ونهيه عن شد الرحال لزيارة القبور والتوسل بأصحابها . فنازعهم ونازعوه وأبلغوا أمره إلى حكام السلطنة في مصر فطُلِبَ إلى مصر وعُقِدَ مجلس لمناظرته ومحاكمته حضره القضاة وأكابر رجال الدولة فحكموا عليه وحبسوه في قلعة الجبل سنة ونصفا مع أخويه وعاد إلى دمشق ثم أعيد إلى مصر وحبس في برج الإسكندرية ثمانية أشهر وأخرج بعدها واجتمع بالسلطان في مجلس حافل بالقضاة والأعيان والأمراء وتقررت براءته وأقام في القاهرة مدة ثم عاد إلى دمشق وعاد فقهاء دمشق إلى مناظرته في ما يخالفهم فيه وتقرر حبسه في قلعة دمشق ثم أفرج عنه بأمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون واستمر في التدريس والتأليف إلى أن توفي في سجن قلعة دمشق عن 67عاماً في 26 ذي القعدة سنة 728هـ ، صنف كثيراً كم الكتب منها ما كان أثناء إعتقاله . له تصانيف كثيرة منها : ( فتاوى ابن تيمية ) و ( الجمع بين العقل والنقل ) و ( الفرقان بين أولياء الله والشيطان ) . أشهر تلامذته : شمس الدين ابن قيم الجوزية .

ابن حجر العسقلاني

هو أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن حجر بن أحمد الكناني العسقلاني الأصل ، ثم المصري ، الشافعي ، قاضي القضاة شيخ الإسلام ، شهاب الدين ، أبو الفضل بن نور الدين ، بن قطب الدين ، بن ناصر الدين ، بن جلال الدين . قال السخاوي : شهد له القدماء بالحفظ والثقة والأمانة والمعرفة التامة والذهن الوقاد والذكاء المفرط وسعة العلم في فنون شتى ، وشهد له شيخه العراقي بأنه أعلم أصحابه بالحديث . وقال السيوطي : فريد زمانه ، وحامل لواء السنة في أوانه ، ذهبي هذا العصر ونضاره ، وجوهره الذي ثبت به على كثير من الأعصار فخاره ، إمام هذا الفن للمتقدين ، ومقدم عساكر المحدثين ، وعمدة الوجود في التوهية والتصحيح ، وأعظم الشهود والحكام في بابي التعديل والتجريح . شهد له بالإنفراد خصوصاً في شرح البخاري كل مسلم ، وقضى له كل حاكم بأنه المعلم . له الحفظ الواسع الذي إذا وصفته فحدث عن البحر ابن حجر ولا حرج . والنقد الذي ضاهى به ابن معين فلا يمشي عليه بهرج هرج ، والتصانيف التي ما شبهتها إلا بالكنوز والمطالب . وقال أبو المحاسن الحسيني : الإمام العلامة الحافظ فريد الوقت مفخرة الزمان بقية الحفاظ علم الأئمة الأعلام عمدة المحققين خاتمة الحفاظ المبرزين والقضاة المشهورين . وقال عبدالحي العكبري : انتهى إليه معرفة الرجال واستحضارهم ومعرفة العالي والنازل وعلل الأحاديث وغير ذلك وصار هو المعول عليه في هذا الشأن في سائر الأقطار وقدوة الأمة وعلامة العلماء وحجة الأعلام ومحي السنة . توفي في ذي الحجة ، سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة .

ابن دقيق العيد

محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري القوصي ، أبو الفتح تقي الدين ، ابن دقيق العيد ، ولد يوم السبت 15 شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة ، في البحر الأحمر عند ساحل ينبع ، حيث كان والده مجد الدين القشيري القوصي متوجهاً إلى الحج . كان للعلوم جامعاً وفي معرفة علل الحديث وحسن الإستنباط للأحكام والمعاني من السنة والكتاب ، مبرزاً في العلوم النقلية والعقلية ، نشأ في صمت وانشغل بالعلم . حفظ القرآن ، وسمع الحديث وأخذ مذهبي مالك والشافعي ، ولازم سلطان العلماء الشيخ عز الدين بن عبدالسلام حتى وفاته ، تتلمذ عليه خلق كثير ، على رأسهم قاضي القضاة شمس الدين ابن جميل التونسي ، وقاضي القضاة شمس الدين بن حيدرة ، والعلامة أثير الدين أبو حيان الغرناطي ، وعلاء الدين القونوي ، وشمس الدين بن عدلان ، وفتح الدين اليعمري ، شرف الدين الإخميمي وغيرهم الكثير . درّس بالمدرسة الفاضلية ، والمدرسة المجاورة لضريح الشافعي ، والمدرسة الكاملية، والصالحية ، ودرس بدار الحديث بقوص ووصل إلى مرتبة قاضي قضاة المسلمين في العصر المملوكي . له الكثير من المؤلفات منها : الإلمام الجامع أحاديث الأحكام ، في عشرين مجلداً - شرح كتاب التبريزي في الفقه – شرح مقدمة المطرزي في اصول الفقه – وديوان شعر . توفي يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة 702هـ ، ودفن السبت بسفح المقطم شرق القاهرة .

ابن الديبع

هو ابن محمد عبدالرحمن بن علي الديبع الشيباني العبدري وجيه الدين الشافعي العالم الفاضل ملحق الأواخر بالأوائل . والديبع لقب لجده الأعلى على بن يوسف ومعناه بلغة النوبة الأبيض . ولد في عصر يوم الخميس رابع المحرم سنة ست وستين وثمانمائة بزبيد ونشأ بها فحفظ القرآن وتلاه بالسبع إفراداً وجمعاً على خاله العلامة فرضي زبيد أبي النجا ، وصحب محدث أهل اليمن زين الدين أبي العباس أحمد بن أحمد بن عبداللطيف الشرجي ، فأخذ عليه علم الحديث ، قال العيدروس : الإمام الحافظ الحجة المتقن شيخ الإسلام علامة الأنام الجهبذ الإمام مسند الدنيا أمير المؤمنين في حديث سيد المرسلين خاتمة المحققين شيخ مشايخنا المبرزين ، كان ثقة صالحاً حافظاً للأخبار والآثار متواضعاً انتهت إليه رياسة الرحلة في علم الحديث وقصده الطلبة من نواحي الأرض . وقال السخاوي : هو فاضل يقظ في التحصيل والإستفادة نفع الله به . وقال الشوكاني : قرأ بمكة على السخاوي ثم برع لا سيما في فن الحديث واشتهر ذكره وبعد صيته وصنف التصانيف منها تيسير الوصول إلى جامع الأصول اختصره اختصاراً حسناً وتداوله الطلبة وانتفعوا به . توفي في رجب عام تسعمائة وأربعة وأربعين .

ابن رجب

هو عبدالرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي الحافظ زين الدين ، بن رجب ولد ببغداد سنة ست وثلاثين وسبعمائة ، وسمع بمصر من الميدومي ، وبالقاهرة من ابن الملوك ، وبدمشق من ابن الخباز ، وجمع جمّ. قال ابن حجر : مهر في فنون الحديث أسماء ورجالاً وعللاً وطرقاً وإطلاعاً على معانيه . وقال ابن حجي : أتقن الفن وصار أعرف أهل عصره بالعلل ، وتتبع الطرق . وقال أبو المحاسن الحسيني : الإمام الحافظ الحجة والفقيه العمدة أحد العلماء الزهاد والأئمة العباد مفيد المحدثين واعظ المسلمين . توفي في شهر رجب سنة خمس وتسعين وسبعمائة بدمشق.



ابن سيد الناس

محمد بن محمد بن محمد اليعمري ، فتح الدين أبو الفتح الإشبيلي ، المعروف بابن سيد الناس ، محدث حافظ مؤرخ فقيه أندلسي الأصل . ولد في القاهرة سنة 671هـ ، ورحل في الطلب إلى الإسكندرية والشام والحجاز . من شيوخه : والده – ابن دقيق العيد – بهاء الدين بن النحاس – البوصيري . ومن تلاميذ أبو الفرج الغزي و صلاح الدين الصفدي . من أشهر مؤلفاته : عيون الأثر في المغازي والسير – نور العيون ، مختصر السابق – النفخ الشذي في شرح جامع الترمذي – تحصيل الإصابة في تفضيل الصحابة . توفي في مصر سنة 734هـ .

ابن عبدالهادي

هو محمد بن أحمد بن عبدالهادي بن عبدالحميد بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الأصل ثم الصالحي الدمشقي الحافظ شمس الدين أبو عبدالله الحنبلي . قرأ القرآن العظيم بالروايات وسمع ما لا يحصى من المرويات . قال الذهبي : والله ما اجتمعت به قط إلا واستفدت منه . وقال ابن ناصر الدين الدمشقي : الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد ذو الفنون عمدة المحدثين متقن المحررين . وقال ابن كثير : الشيخ الإمام ، العالم العلامة ، الناقد البارع في فنون العلوم ، حصل من العلوم ما لم يبلغه الشيوخ الكبار .... كان حافظاً جيداً لأسماء الرجال ، وطرق الحديث ، عارفاً بالجرح والتعديل ، بصيراً بعلل الحديث ، وله فوق السبعين مؤلفاً من أهمها : الأحكام الكبرى ، الإعلام في ذكر مشايخ الأئمة والأعلام ، العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ، العلل في الحديث ، العمدة في الحفاظ ، فضائل الحسن البصري ، قواعد أصول الفقه ، المحرر في أحاديث الأحكام . توفي أربع وأربعين وسبعمائة .



ابن العراقي

هو أحمد بن عبدالرحيم بن الحسين بن عبدالرحمن ، ولي الدين العراقي الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو زرعة ، ولد في ذي الحجة سنة 762هـ اعتنى به والده الحافظ زين الدين عبدالرحيم وأسمعه الكثير ، ورحل به إلى دمشق ، وأحضره على جماعة من أصحاب الفخر بن البخاري ، ثم عاد به إلى القاهرة ، ولما كبر رحل ثانياً إلى دمشق بعد موت الطبقة التي كان أدركها أولاً ، قال ابن تغري بردي : كان إماماً فقيهاً ، عالماً حافظاً ، محدثاً أصولياً ، محققاً ، واسع الفضل ، غزير العلم ، كثير الإشتغال . وقال : نشأ وبرع في علم الحديث ، ثم غلب عليه الفقه فبرع فيه أيضاً ، وافتى ودرس سنين . توفي في شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة .

ابن عراق الكناني

هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن عبدالرحمن ، الشيخ الإمام الرباني شمس الدين الكناني الدمشقي الشافعي ، له " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة ، في الحديث ، أتم تأليفه بمصر سنة 954هـ ، وأهداه إلى السلطان سليمان العثماني . أبوه من أولاد أمراء الشراكسة ، كان ذكياً ألمعياً ابتدأ حفظ القرآن وهو ابن خمس سنين وأتمه في سنتين ، لازم والده ، وحفظ الكثير من الكتب في فنون شتى ، كان ذا قدم راسخة في الفقه والحديث والقراءات ، ذا مشاركة في العلوم الأخرى ، له شرح على صحيح مسلم ، وله غيرها من المؤلفات الدالة على تبحره في العلوم قال عنه العيدروس : الشيخ العلامة الحبر الفهامة قدوة وقته في المعقول والمنقول ، والمعول عليه في الفروع والأصول شيخ الأنام بطيبة النبوية . توفي سنة تسعمائة وثلاث وستين .

ابن قيم الجوزية

ابن قيم الجوزية ( 1292 – 1349 م ) من أعلام الإصلاح الديني الإسلامي في القرن الثامن الهجري . ولد في دمشق من أبويين كرديين ودرس على يد ابن تيمية الدمشقي الذي هو أيضاً من أبويين كرديين وتأثر به . هو أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي زيد الدين الزُرعي الكردي ثم الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية من عائلة كردية عرفت بالعلم والإلتزام بالدين واشتهر بابن قيم الجوزية وقيم الجوزية هو والده فقد كان قيماً أي ناظراً على المدرسة الجوزية بدمشق مدة من الزمن ، واشتهر بذلك اللقب ذريته وحفدتهم من بعد ذلك ، وقد شاركه بعض أهل العلم بهذه التسمية وتقع هذه المدرسة بالبزورية المسمى قديماً سوق القمح أو سوق البزورية ( أحد أسواق دمشق ) ، وبقي منها الآن بقية ثم صارت محكمة إلى سنة ( 1372هـ / 1952 م ) . ولد في اليوم السابع من شهر صفر لعام 691هـ/2فبراير1292 م . وقيل أنه ولد في أزرع جنوب سوريا وقيل في دمشق . وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى ، وقد امتحن وأوذي مرات ، وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة بالقلعة منفرداً عنه ولم يخرج إلا بعد موت الشيخ . وكان في مدة حبسه منشغلاً بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر ففتح عليه من ذلك خير كثير . عرف بمسألة الطلاق الثلاث بلفظ واحد . وإنكاره شد الرحال إلى قبر الخليل . ومسألة الشفاعة والتوسل بالأنبياء . شيوخه : والده – ابن تيمية – ابن الشيرازي – وغيرهم . ومن تلاميذه : ابن كثير – السبكي – الذهبي – الفيروزبادي صاحب القاموس المحيط . له مؤلفات كثيرة جداً . توفي في ليلة الخميس 13 / 7 / 751هـ ، 1349 م وفي وقت أذان العشاء وبه كمل من العمر ستون سنة . وصلى عليه في الجامع الأموي بدمشق ثم بجامع جراح وأزدحم الناس للصلاة عليه .

ابن كثير

هو الإمام الحافظ ، المحدث ، المؤرخ ، عماد الدين ، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن درع القرشي الدمشقي الشافعي . ولد بقرية "مِجْدَل" من أعمال بصرى ، وهي قرية أمه ، من أفذاذ العلماء في عصره ، أثنى عليه معاصروه ومن بعدهم الثناء الجم : قال الذهبي : "وسمعت مع الفقيه المفتي المحدِّث، ذي الفضائل ، عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي الشافعي..، له عناية بالرجال والمتون والفقه ، خرَّج وناظر وصنف وفسر وتقدم ". وقال تلميذه الحافظ أبو المحاسن الحسيني : صاهر شيخنا أبا الحجاج المزي فأكثر ، وأفتى ودرس وناظر ، وبرع في الفقه والتفسير والنحو وأمعن النظر في الرجال والعلل . وقال ابن حبيب : إمام روى التسبيح والتهليل ، وزعيم أرباب التأويل ، سمع وجمع وصنف ، وأطرب الأسماع بالفتوى وشنف ، وحدث وأفاد ، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد ، واشتهر بالضبط والتحرير ، وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ ، والحديث والتفسير . وقال العيني : كان قدوة العلماء والحفاظ ، وعمدة أهل المعاني والألفاظ ، وسمع وجمع وصنف ، ودرس ، وحدث ، وألف ، وكان له إطلاع عظيم في الحديث والتفسير والتاريخ ، واشتهر بالضبط والتحرير ، وانتهى إليه رياسة علم التاريخ والحديث والتفسير وله مصنفات عديدة مفيدة . وقال تلميذه ابن حجي : أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث ، وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها ، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك ، وكان يستحضر شيئاً كثيراً من الفقه والتاريخ ، قليل النسيان ، وكان فقيهاً جيد الفهم ، ويشارك في العربية مشاركة جيدة ، ونظم الشعر ، وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه . وقال الداودي : أقبل على حفظ المتون ، ومعرفة الأسانيد والعلل والرجال والتاريخ حتى برع في ذلك وهو شاب. توفي بدمشق سنة أربع وسبعين وسبعمائة

ابن مفلح

هو الإمام العالم العلامة شمس الدين أبو عبدالله محمد بن مفلح المقدسي ثم الصالحي الحنبلي . سمع من عيسى المطعم وجماعة واشتغل في الفقه وبرع فيه إلى الغاية قال الذهبي : كان ذا حظٍ من زهد ، وتعفف ، وصيانة ، وورع ثخين ، ودين متين . حدث عن عيسى المطعم وغيره . وقال ابن كثير : كان بارعاً فاضلاً متقناً في علوم كثيرة ولاسيما في الفروع وله على كتاب المقنع شرح في نحو ثلاثين مجلدة وعلق على المنتقى للمجد ابن تيمية وقال ابن سند : كان ذا حظ من زهد وتعفف وصيانة مشكور السيرة في الأحكام وقد درس في أماكن ذكره الذهبي في معجمه توفي في رجب سنة ثلاث وستين وسبعمائة .

ابن الملقن

هو عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبدالله ، سراج الدين أبو حفص ، الأنصاري، الأندلسي الأصل . الوادي آشي ثم التكروري ، المصري ، الشافعي المعروف بـ ( ابن الملقن ) . قال عنه ابن حجر : وهؤلاء الثلاثة العراقي والبلقيني وابن الملقن كانوا أعجوبة هذا العصر على رأس القرن : الأول في معرفة الحديث وفنونه والثاني في التوسع في معرفة مذهب الشافعي والثالث في كثرة التصانيف . وقال الحافظ العلائي : الشيخ الفقيه الإمام العالم المحدث الحافظ المتقن سراج الدين شرف الفقهاء والمحدثين فخر الفضلاء . وقال عنه ابن فهد : الإمام العلامة الحافظ ، شيخ الإسلام وعلم الأئمة الأعلام ، عمدة المحدثين ، وقدوة المصنفين . وقال الشوكاني : إنه من الأئمة في جميع العلوم ، وقد اشتهر صيته وطار ذكره وسارت مؤلفاته في الدنيا . وقال أيضاً : وقد رزق الإكثار من التصنيف وانتفع الناس بغالب ذلك . وقال السيوطي : الإمام الفقيه الحافظ ذو التصانيف الكثيرة...أحد شيوخ الشافعية وأئمة الحديث . توفي أربع وثمانمائة .

ابن ناصر الدين الدمشقي   

هو محمد بن أبي بكر بن عبدالله بن محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن علي القيسي الدمشقي الشافعي الإمام العلامة الأوحد الحجة الحافظ مؤرخ الديار الشامية وحافظها شمس الدين أبو عبدالله ولد في العشر الأول من المحرم سنة سبع وسبعين وسبعمائة بدمشق طلب الحديث بنفسه فسمع وقرأ على جماعة المقريزي: طلب الحديث ، فصار حافظ بلاد الشام من غير منازع ، وصنف عدة مصنفات ، ولم يخلف في الشام بعده مثله . توفي في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة .

ابن همات الدمشقي

هو العلامة المحدث المسند الأوحد شمس الدين أبي عبدالله محمد بن حسن المعروف بابن همات زاده – بهاء مكسورة وميم مشددة بعدما ألف كما ضبطه به الحافظ الزبيدي – التركماني الأصل ، الشامي مولداً ، الإسطنبولي الموطن . ولد سنة 1091هـ ورحل إلى مكة وأخذ بها عن عبدالله بن سالم البصري والتاج القلعي والشمس البديري وغيرهم ، واشتهر برواية الحديث ، وله تخريج أحاديث البيضاوي سماه " تحفة الراوي في تخريج أحاديث البيضاوي "، وهو من أمتع كتبه ، كانت توجد منه نسخة خطية في مكتبة تلميذه شيخ الإسلام ولي الدين بالآستانة ونسخة ثانية في خزانة أسعد أفندي نقيب الأشراف بالآستانة ، وله أيضاً كتابه " التنكيت والإفادة في تخريج أحاديث خاتمة سفر السعادة "، وهو كتاب مهم انتقد فيه خاتمة " سفر السعادة " للفيروزآبادي ، موجود بدمشق ، وله شرح حافل على نخبة " ابن حجر "، منه نسخة في المكتبة السلطانية بمصر . كانت وفاته سنة خمس وسبعين ومائة وألف.

أبو بكر بن عمار

أبو بكر بن عمار عالم وواعظ ديني من مدينة حمص في سوريا ، من مواليد 653 للهجرة له تعاليق ومؤلفات في الأصول والفقه وغيرها وله ميل إلى التصوف وأعمال القلوب وكان يكثر ذكر العالم ابن تيمية ، أعماله ومؤلفاته مرجع للباحثين في علوم الدين .

أبو القاسم بن عبد الله بن الشاط

أبو القاسم الأنصاري السبتي المغربي المالكي ، ولد بمدينة سبتة شمال المغرب سنة 643هـ ، في فترة شهدت إضطرابات ساسية كبيرة في المغرب الإسلامي ، بدأت بضعف الدولة الموحدية مروراً بسقوط قواعد الأندلس ، وفي هذه الفترة خرجت سبتة من سيطرة الموحدين إلى سيطرة الحفصيين سلاطين تونس درس على طائفة من أعلام سبتة ، من مؤلفاته : غنية الرائض في علم الفرائض . توفي بسبتة سنة 723هـ .

أحمد السرهندي

ولد أحمد السرهندي الفاروقي سنة 971هـ في بلدة سرهند في الهند . ونشأ في جحر والده فأخذ منه مبادىء كتب العرب وحفظ القرآن الكريم في صغره واستظهر عدة من المتون في أنواع العلوم . ثم رحل إلى سيالكوت وقرأ هناك على كمال الدين الكشميري وهو أستاذ عبدالحكيم السيالكوتي بعض كتب المعقولات . وأخذ الحديث عن يعقوب الكشميري الصرفي و أيضاً أخذ الحديث في الحرمين الشريفين من كبار المحدثين مثل ابن حجر المكي وعبدالرحمن بن فهد المكي وحصل إجازة كتب الحديث والتفسير وبعض كتب الأصول . ولم يبلغ من العمر سبعة عشرة سنة إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم الدراسية وتحقيقها وتدقيقها . استفاد في أثناء تحصيله الطريقة القادرية والجشتية من والده فأجازه في هاتين الطريقتين . وكتب بعض الرسائل مثل الرسالة التهليلية ورسالة رد الروافض ورسالة إثبات النبوة . وخرج لأداء فريضة الحج ولزم الطريقة النقشبندية . وتهافت عليه العلماء والفضلاء والأمراء من جميع الديار وكان يحرض أصحابه التمسك بالشريعة وإحياء السنة النبوية والعمل بما فيها واجتناب البدعات المخالفة . وكان يحث على ذلك الأمراء والحكام حتى استنارت أقطار الهند وما يليها بنور السنة النبوية . وقد أنكر نظرية وحدة الوجود التي كانت منشرة منذ أربعمائة سنة أي من عهد محيي الدين ابن عربي وتبعه بذلك علماء كثيرون . أشهر مؤلفاته : المكتوبات الربانية ثلاثة مجلدات .

أحمد الكوراني

هو أحمد بن إسماعيل بن عثمان الكوراني شهاب الدين الشافعي ثم الحنفي ( 813هـ / 1410م – 893هـ/1488م ) . مفسر كردي الأصل من أهل شهرزور . تعلم بمصر ورحل إلى بلاد الترك فعهد إليه السلطان مراد بن عثمان بتعليم ولي عهده محمد الفاتح. تولى القضاء في عهد محمد الفاتح . له عدة كتب منها : غاية الأماني في تفسير السبع المثاني – شرح الكافية لابن الحاجب . توفي بالقسطنطينية وصلى عليه السلطان بايزيد .

جلال الدين البلقيني

هو عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح بن عبد الخالق بن عبد الحق ، جلال الدين ، أبو الفضل البلقيني الكناني المصري ، ولد في القاهرة سنة 762هـ وقيل 763هـ ،ونشأ في رحاب والده شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني . أكب على طلب العلم من صغره ، وتفقه بوالده ، ويذكر أنه لم يكن له تقدم اشتغال في العربية فلما حج شرب من ماء زمزم لفهمها ، فمهر فيها في مدة يسيرة .له العديد من الكتب منها مواقع العلوم في مواقع النجوم ، وهو من الكتب الرائدة في جمع علوم القرآن . وقد ولي البلقيني القضاء لستة من السلاطين . توفي في دمشق 11 شوال 824هـ ، و حمله السلطان إلى مصر، وصلي عليه بالجامع الحاكمي ، ودفن إلى جوار أبيه .

جلال الدين السيوطي

هو عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد سابق الدين بن الخضيري الأسيوطي المشهور بإسم جلال الدين السيوطي ، ( القاهرة 849هـ1445م/ القاهرة 911هـ 1505م ) ، من كبار علماء المسلمين ، رحل أبوه من أسيوط لدراسة العلم وتوفي ولابنه من العمر ست سنوات ، فنشأ الطفل يتيماً ، واتجه إلى حفظ القرآن الكريم ، فأتم حفظه وهو دون الثامنة ، ثم حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة مثل العمدة، ومنهاج الفقه والأصول ، وألفية ابن مالك ، فاتسعت مداركه وزادت معارفه . وكان السيوطي محل العناية والرعاية من عدد من العلماء من رفاق أبيه ، وتولى بعضهم أمر الوصاية عليه ، ومنهم الكمال بن الهمام الحنفي أحد كبار فقهاء عصره ، وتأثر به الفتى تأثراً كبيراً خاصة في إبتعاده عن السلاطين وأرباب الدولة . وقام برحلات علمية عديدة شملت بلاد الحجاز والشام واليمن والهند والمغرب الإسلامي . ثم درّس الحديث بالمدرسة الشيخونية . ثم تجرد للعبادة والتأليف عندما بلغ سن الأربعين . مؤلفاته : ألف جلال الدين السيوطي عدد كبير من الكتب والرسائل إذ يذكر ابن إياس في " تاريخ مصر " أن مصنفات السيوطي بلغت ست مائة مصنف . وقد الف في طيف واسع من المواضيع تشمل التفسير والفقه والحديث والأصول والنحو والبلاغة والتاريخ والتصوف والأدب وغيرها . ومن هذه المصنفات : الإتقان في علوم القرآن – شرح سنن ابن ماجه – ألفية السيوطي – معجم مؤلفات السيوطي ، وأسماه تارة : فهرست مؤلفاتي ، وغيرها . سقطت الخلافة العباسية في بغداد عام 656هـ ، الموافق عام 1258م في أيدي المغول كما بدأ زوال دولة الإسلام بالأندلس بعد سقوط غرناطة عام 897هـ ، الموافق عام 1492م واكبها صعود ثقافي وعلمي للمسلمين حيث ظهر عصر الموسوعات الضخمة في العلوم والفنون والآداب ، في عصره كثر فيه العلماء الأعلام الذين نبغوا في علوم الدين على تعدد ميادينها ، جلس للإفتاء عام 871هـ - 1466م ، وأملى الحديث في العام التالي ، وكان واسع العلم غزير المعرفة، يقول عن نفسه : " رُزقت التبحر في سبعة علوم : التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع " ، بالإضافة إلى أصول الفقه والجدل ، والقراءات التي تعلمها بنفسه ، والطب ، عاصر السيوطي ( 13 ) سلطاناً مملوكياً ، وكانت علاقته بهم متحفظة ، وقد أتهم السيوطي بسرقة بعض مؤلفاته ، واغتصاب الكتب القديمة التي لا عهد للناس بها ونسبتها إلى نفسه . توفي الإمام السيوطي في منزله بروضة المقياس على النيل في القاهرة في 19 جمادى الأولى 911هـ ، الموافق 20 أكتوبر 1505م ، ودفن بجواره والده في أسيوط وله ضريح ومسجد كبير بأسيوط .

جلال الدين المحلي

جلال الدين المحلي ( 791هـ - 864 هـ ) هو العلامة المحقق جلال الدين محمد بن أحمد المحلي الشافعي والمحلي نسبة إلى مدينة المحلة الكبرى الذي ولد بها في سنة 791هـ ، وتوفي سنة 864هـ وقبره قبالة باب النصر بالقاهرة فعمره 73 سنة وقال عنه العلامة الصاوي : "كان على غاية من العلم والعمل والزهد والورع والحلم حتى كان من أخلاقه أنه يقضي حوائج بيته بنفسه مع كونه كان عنده الخدم والعبيد ". أهم أعماله ومؤلفاته تفسير القرآن الكريم من أول سورة الكهف حتى آخر القرآن العظيم مع تفسير سورة الفاتحة في النهاية . وقد اعتمد على التفسير على إعراب مايحتاج والتنبيه على القراءات المختلفة المشهورة على وجه لطيف وتعبير وجيز مع ترك التطويل . وجاء تلميذه جلال الدين السيوطي بعد وفاة شيخنا بست سنوات فتمم هذا التفسير على أسلوب ومنهاج معلمه جلال الدين المحلي من البقرة حتى آخر سورة الإسراء وبذلك سمى تفسيرهما " تفسير الجلالين " وذاعت تسميته بهما واشتهرت على أوسع نطاق وصار من أتى بعدهما في تفسير القرآن يهتدي بأسلوبهما ويسترشد بعملهما فكانا رائدين عظيمين لكثير من أهل العصر .

الذهبي

هو مؤرخ الإسلام ، الإمام الثقة المتقن ، الناقد البارع ، شمس الدين الذهبي أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبدالله الذهبي . من أسرة تركمانية الأصل ، تنتهي بالولاء إلى بني تميم ، تركماني فارقي الأصل ، دمشقي المولد والوفاة . قال تاج الدين السبكي : أما أستاذنا أبو عبدالله فبحر لا نظير له ، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة ، إمام الوجود حفظاً ، وذهب العصر معنى ولفظاً ، وشيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال في كل سبيل ، كأنما جمعت له الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها . وقال صلاح الدين الصفدي : حافظ لا يجارى ، ولافظ لا يُبارى ، أتقن الحديث ورجاله ونظر علله وأحواله ، وعرَّف تراجم الناس ، وأزال الإبهام في تواريخهم والإلباس ، ذهن يتوقد ذكاؤه ويصح إلى الذهب نسبه وانتماؤه .. لم أجد عنده جمود المحدثين ، ولا كَوْدَنة النّقَلة ، بل هو فقيه النظر ، له دُربة بأقوال الناس ومذاهب الأئمة من السلف وأرباب المقالات . وقال الحافظ الحسيني: الإمام العلامة ، شيخ المحدثين ، قدوة الحفاظ والقراء محدث الشام ومؤرخه ومفيده ، جرح وعدل ، وفرع وأصل ، وصحح وعلل ، واستدرك وأفاد . وقال ابن ناصر الدين الدمشقي : الشيخ الإمام ، الحافظ الهمام ، مفيد الشام ، ومؤرخ الإسلام ، ناقد المحدثين وإمام المعدلين والمجرحين ... وكان آية في نقد الرجال ، عمدة في الجرح والتعديل ، عالماً بالتفريع والتأصيل ، إماماً في القراءات ، فقيهاً في النظريات. وقال ابن حجر : مهر في فن الحديث ، وجمع فيه المجاميع المفيدة الكثيرة ، حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفاً ورغب الناس في تواليفه ، ورحلوا إليه بسببها . وقال الحافظ السيوطي : والذي أقوله : إن المحدثين عيال الآن في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة : المزي والذهبي والعراقي وابن حجر. توفي سنة سبعمائة وثمانية وأربعين .

الزرقاني

هو الإمام العلامة الشيخ أبو عبدالله محمد بن عبدالباقي بن يوسف بن أحمد بن علوان الزرقاني المالكي خاتمة المحدثين مع كمال المشاركة وفصاحة العبارة في باقي العلوم، ولد بمصر سنة خمس وخمسين وألف وأخذ عن النور الشبراملسي وعن حافظ العصر البابلي وعن والده ، له المؤلفات النافعة كشرح الموطأ وشرح المواهب، واختصر المقاصد الحسنة للسخاوي . توفي سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف .

الزركشي

أبو عبدالله ، بدر الدين ، محمد بن بهادر بن عبدالله الزركشي المصري فقيه ومحدث وله مشاركة في علوم كثيرة ، ولد في القاهرة سنة 745هـ ، وتوفي بها سنة 794هـ . من أبرز شيوخه سراج الدين البلقيني وجمال الدين الإسنوي وابن قدامة المقدسي وأبو الفداء ابن كثير وشهاب الدين الأذرعي . تتلمذ عليه الكثير ، وعلى رأسهم : شمس الدين البرمادي المتوفى 830هـ ، نجم الدين بن حجي الدمشقي المتوفى 831هـ، مؤلفاته عديدة منها : البحر المحيط ، في أصول الفقه – سلاسل الذهب في أصول الفقه.

الزيلعي

هو الشيخ الإمام أبو محمد عبدالله بن يوسف بن محمد الزيلعي الحنفي جمال الدين الزيلعي – نسبة إلى – "زيلع" – بلدة على ساحل الحبشة ، قاله السيوطي في "اللباب". اشتغل كثيراً وأخذ عن أصحاب النجيب وعن القاضي علاء الدين التركماني وعن جماعة ولازم مطالعة كتب الحديث إلى أن خرج أحاديث الهداية وأحاديث الكشاف . قال تقي الدين بن فهد : تفقه ، وبرع ، وأدام النظر والإشتغال ، وطلب الحديث ، واعتنى به ، فانتقى ، وخرَّج ، وألف ، وجمع . وقال تقي الدين أبو بكر التميمي : اشتغل وسمع من أصحاب النجيب ، وأخذ عن الفخر الزيلعي – شارح الكنز – وعن القاضي علاء الدين التركماني ، وغيرهما ، ولازم مطالعة كتب الحديث ، إلى أن خرَّج أحاديث الهداية ، وأحاديث الكشاف ، فاستوعب ذلك استيعاباً بالغاً . قال ابن حجر : ذكر لي – شيخنا العراقي – أنه كان يرافقه في مطالعة الكتب الحديثية ، لتخريج الكتب التي كانا قد اعتنيا بتخريجها ، فالعراقي لتخريج أحاديث الإحياء ، والأحاديث التي يشير إليها الترمذي في الأبواب ، والزيلعي لتخريج أحاديث الهداية ، والكشاف . فكان كل منهما يعين الآخر ، ومن كتاب الزيلعي في تخريج أحاديث الهداية استمد " الزركشي " في كثير مما كتبه من تخريج أحاديث الرافعي . توفي في المحرم سنة اثنتين وستين وسبعمائة .

السبكي ( الابن )

هو الفقيه الأصولي المحدث عبدالوهاب بن علي بن عبدالكافي السبكي الشافعي ، أبو نصر ، تاج الدين ابن تقي الدين . نسبته إلى قرية ( سبك ) من أعمال المنوفية بمصر. والده هو تقي الدين السبكي الفقيه الأصولي . كان ذا بلاغة وطلاقة جيد البديهة طلق اللسان حسن النظم والنثر ودرس في غالب مدارس دمشق وناب عن أبيه في الحكم . قال ابن كثير : جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله وحصل له من المناصب والرياسة ما لم يجر على قاض قبله وحصل له من المناصب والرياسة ما لم يحصل لأحد قبله وانتهت إليه الرياسة بالشام وأبان في أيام محنته عن شجاعة وقوة مناظرة حتى أفحم خصومه مع كثرتهم ولما عاد على وظائقه صفح عن القائمين عليه وكان كريماً مهاباً . توفي سنة إحدى وسبعين وسبعمائة .



السخاوي

هو محمد بن عبدالرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد ، الشيخ الإمام ، العالم العلامة المسند ، الحافظ المتقن شمس أبو الخير السخاوي الأصل القاهري المولد، الشافعي المذهب ، نزيل الحرمين الشريفين . ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة بالقاهرة ، وحفظ القرآن العظيم ، وصلى به في شهر رمضان بزاوية الشيخ شمس الدين العدوي المالكي ، وحفظ عمدة الأحكام ، والتنبيه ، والمنهاج، وألفية ابن مالك ، والنخبة لشيخه شيخ الإسلام أبي الفضل بن حجر العسقلاني ، وقرأ على شيخه كثيراً ، وسمع عليه ولازمه أشد الملازمة . قال العيدروس في النور السافر : برع في الفقه والعربية والقراءة وغيرها وشارك في الفرائض والحساب والميقات وأصول الفقه والتفسير وغيرها ، وأذن له غير واحد بالإفتاء والتدريس والإملاء وسمع الكثير من الحديث على شيخه إمام الأئمة الشهاب بن حجر وأقبل عليه بكليته إقبالاً يزيد على الوصف حتى حمل عنه علماً جماً . وأختص به كثيراً ، وقال النجم الغزي : العالم العلامة المسند ، الحافظ المتقن . وقال التقي بن فهد : زين الحفاظ وعمدة الأئمة الأيقاظ شمس الدنيا والدين ممن اعتنى بخدمة حديث سيد المرسلين اشتهر بذلك في العالمين على طريقة أهل الدين والتقوى فبلغ فيه الغاية القصوى ، له اليد الطولى في المعرفة بأسماء الرجال وأحوال الرواة والجرح والتعديل وإليه يشار في ذلك ولقد قال بعض العلماء لم يأت بعد الحافظ الذهبي مثله . وقال الشوكاني : هو من الأئمة الأكابر . توفي في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعمائة .

السفاريني الحنبلي

هو محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني أبو العون شمس الدين ، وسفاري قرية من قرى نابلس ، واشتغل بالعلم قليلاً ، وارتحل إلى دمشق ، ومكث بها قدر خمس سنوات ، وقرأ على مشايخ كُثر ، وحصّل وجمّع وأجاد وأفاد وأخذ الإجازات من مشايخه ، وحجّ فطلب العلم على علماء مكّة وطيبة ، وأخذ من إجازاتهم ، ثمّ رجع إلى قريته سفارين ، واشتهر بالفضل والذكاء ، ودرّس وأفتى وأجاد وألف تأليف عديدة. وله كتب منه لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية في شرح قصيدة أبي داود الحائية ، وكذلك كتابه : لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية . قال الكتاني : ويظهر أنه لا يبعد عدّ المترجم في حُفاظ القرن الثاني عشر ، لأنه ممّن جمع وصنف ، وحرّر وخرّج ، وأخذ عنه .

السمهودي

هو علي بن عبدالله بن أحمد بن أبي الحسن علي بن عيسى بن محمد بن عيسى نور الدين أبو الحسن بن الجمال الحسني السمهودي القاهري الشافعي نزيل الحرمين والماضي أبوه وجده ويعرف بالشريف السمهودي . ولد في صفر سنة أربع وأربعين وثمانمائة بسمهود ونشأ بها فحفظ القرآن والمنهاج . قال السخاوي : وبالجملة فهو إنسان فاضل متفنن متميز في الفقه والأصلين مديم العمل والجمع والتأليف متوجه للعبادة وللمباحثة والمناظرة قوي الجلادة على ذلك طلق العبارة فيه مغرم به مع قوة نفس وتكلف خصوصاً في مناقشات لشيخنا في الحديث ونحوه ، قال ابن الغزي : الإمام العلامة محدث المدينة ومؤرخها توفي سنة إحدى عشرة وتسعمائة .

الشوكاني

هو الإمام أبو علي بدر الدين محمد بن علي بن محمد بن عبدالله بن الحسن بن محمد بن صلاح بن إبراهيم بن محمد العفيف بن محمد بن رزق ، الشوكاني ثم الصنعاني ، فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن ، ومن أهل صنعاء ، ولد – رحمه الله تعالى – يوم الإثنين الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة 1173هجرية في بلدة " هجرة شوكان"، من بلاد خولان باليمن . نشأ بصنعاء اليمن ، فحفظ القرآن الكريم وجوّده ، ثم حفظ كتاب " الأزهار " للإمام " المهدي " في فقه الزيدية ، ومختصر الفرائض للعُصيفيري والملحة للحريري ، والكافية والشافية لابن الحاجب ، وغير ذلك من كتب التاريخ ، والأدب وقد تأثر الإمام الشوكاني بشخصيّات كثيرة من العمالقة الذين كانوا قبله وأشهرهم : العلامة محمد بن إبراهيم الوزير – الإمام علي بن حزم الأندلسي – شيخ الإسلام ابن تيمية . وتلاميذه كثيرون ، منهم : إبراهيم بن عبدالله الحوثي – العلامة محمد بن محمد الديلمي – محمد بن حسن الشجني الذماري . تولى القضاء أكثر من أربعين عاماً . كان " الشوكاني " باراً بشيوخه وتلاميذه ، فتح أمامهم أبواب العمل في الدولة ، ودافع عنهم ، وتشفع لهم عند الأئمة في كل أمر وقعوا فيه . يرى " الشوكاني " أن طرق المتكلمين لا توصل إلى يقين ، من مظاهر ذلك : ما وقع في المعتزلة من مبدأ نفي الصفات ، بناء على مبدئهم في التنزيه ، وما غلا الأشعرية من الوقوع في التجسيم ، بناء على ما ذهبوا إليه من التأويل ، والمبالغة في الإثبات . يقول الشوكاني : وإن كنت تشك في هذا ، فراجع كتب الكلام، وانظر المسائل التي قد صارت عند أهله من المراكز ، كمسألة التحسين والتقبيح ، وخلق الأفعل ، وتكليف مالايطاق ، ومسألة خلق القرآن . لذلك : كان المسلك القويم في الإلهيات ، والإيمان بما جاء فيها ، هو مسلك السلف الصالح ، من الصحابة والتابعين ، من حمل صفات الباري على ظاهرها، وفهم الآيات والأحاديث على ما يوحيه المعنى اللغوي العام ، وعدم الخوض في تأويلها ، والإيمان بها على ذلك ، دون تكلف ولا تعسف ، ولا تشبيه ولا تعطيل ، وإثبات ما أثبته الله – تعالى – لنفسه من صفاته ، على وجه لا يعلمه إلا هو " ليْسَ كَمِثلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السّمِيعُ الْبَصِيرُ ". وقد تفقه الشوكاني في أول حياته على مذهب الإمام زيد بن علي بن الحسين وبرع فيه ، وفاق أهل زمانه ، حتى خلع ربقة التقليد ، وتحلى بمنصب الإجتهاد ، فألف كتابه :" السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار " فلم يقيد نفسه بمذهب الزيدية ، بل صحح من الزيدية ، واختار لنفسه مذهباً لا يتقيد فيه برأي معين من آراء العلماء السابقين ، بل على حسب ما يؤديه إليه اجتهاده ، وهذا ما يلحظه القارىء لكتابه "نيل الاوطار" حيث كل واحد منهم ، ثم يختم ذلك ببيان رأيه الخاص ، مختاراً ما هو راجح فيما يقول . ولم يكن ظاهرياً بل من المتعاطفين مع أهل الظاهر فكان كثير النقل لمذهب أهل الظاهر ، وكان كثير التنديد بمعارضي أهل الظاهر . وبعد ذلك انتمى إلى الشافعي وله الكثير من المؤلفات ، توفي 1250م .

صلاح الدين العلائي

هو الحافظ صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كَيْكَلْدي بن عبدالله العلائي الدمشقي ثم المقدسي الشافعي فالعلائي : نسبة إلى العلاية ، وهي بلدة بالروم ، كانت الموطن الأول لأسرته قبل هجرتها إلى دمشق . قال الذهبي : كان إماماً في الفقه ، والنحو ، والأصول ، متفنناً في علوم الحديث ومعرفة الرجال ، علامة في معرفة المتون والأسانيد ، فمصنفاته تنبىء عن إمامته في كل فن . وقال : يستحضر الرجال والعلل وتقدم في هذا الشأن مع صحة الذهن وسرعة الفهم . وقال ابن قاضي شهبة : جد واجتهد حتى فاق أهل عصره في الحفظ والإتقان . وقال الحسيني : كان إماماً في الفقه والنحو والأصول ، مفنناً في علوم الحديث ، ومعرفة الرجال ، علامة في معرفة المتون والأسانيد ، بقية الحفاظ ، ومصنفاته تنبىء عن إمامته في كل فن ، درس وأفتى وناظر ، ولم يخلف بعده مثله . وقال السبكي : كان حافظاً ، ثبتاً ، ثقة ، عارفاً بأسماء الرجال والعلل والمتون ، فقيهاً ، متكلماً ، أديباً ، شاعراً ، ناظماً ، ناثراً، متقناً ، أشعرياً ، صحيح العقيدة سنياً . لم يخلف بعده في الحديث مثله – إلى أن قال : أما الحديث فلم يكن في عصره من يدانيه فيه ، وأما بقية علومه من فقه ونحو وتفسير وكلام فكان في كل واحد منها حسن المشاركة . توفي سنة إحدى وستين وسبعمائة .

الصنعاني

هو محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد بن علي بن حفظ الدين بن شرف الدين بن صلاح بن الحسن بن المهدي الحسني الكحلاني ثم الصنعاني المعروف بالأمير ، الإمام الكبير المجتهد المطلق صاحب التصانيف ، ولد في جمادى الآخرة سنة 1099م بكحلان ثم انتقل مع والده إلى مدينة صنعاء سنة 1107م وأخذ عن علمائها ورحل إلى مكة وقرأ الحديث على أكابر علمائها وعلماء المدينة وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران وتفرد برئاسة العلم في صنعاء وتظهر بالإجتهاد وعمل بالأدلة ونفر عن التقليد وزيف مالا دليل عليه من الآراء الفقهية له مصنفات جليلة حافلة منها سبل الإسلام ومنها العدة جعلها حاشية على شرح العمدة لابن دقيق العيد ومنها شرح الجامع الصغير للأسيوطي ، وبالجملة فهو من الأئمة المجددين لمعالم الدين . توفي في شعبان، سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف .

عبدالرحمن الأخضري

عبدالرحمن بن محمد الصغير بن محمد ابن عامر الأخضري البنطيوسي البسكري الجزائري المالكي 920 – 983هـ / 1512 – 1575م تعلم على يد أبي يحيى بن عقبة في قفصة وقطن تونس وأبي عبدالله القلجاني وولده عمر وقاسم العقباني وكان لا يفتي إلا بمذهب مالك وأما في خاصة نفسه فلا يعمل إلا بما يراه ، وتقدم في الفقه والأصلين والعربية والمنطق وغيرها وشارك في الفضائل وتصدر للتدريس والإفتاء وانتفع به الفضلاء وكان متين الديانة زاهداً ورعاً مهاباً مع حسن العشرة والملاطفة والتقنع باليسير لا يخاف في الله لومة لائم وأعرض عن الفتيا حين إختلاف الكلمة . دفن بمسقط رأسه بنطيوس قرب بسكة إحدى ولايات الجزائر من ناحية الجنوب الشرقي . ومقامه ومسجده قائم بهاوقد دفن بجوار أمه حدة وبقية عائلته .

عبدالرحمن الثعالبي الجزائري

أبو زيد عبدالرحمن بن محد ينتهي نسبه إلى جعفر بن أبي طالب . كان مفسراً مهتماً بالقراءات وقراءة نافع خاصة ، من مؤلفاته : الدر الفائق ، والأنوار المضيئة بين الحقيقة والشريعة .



العجلوني

هو إسماعيل بن محمد بن عبدالهادي بن عبدالغني الشهير بالجراحي الشافعي العجلوني المولد الدمشقي المنشا والوفاة الشيخ الإمام العالم الهمام الحجة الرحلة العمدة الورع العلامة ، له كتاب كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس ، وشرح صحيح البخاري ، وغيرها ، قال المرادي : كان عالماً بارعاً صالحاً مفيداً محدثاً مبجلاً قدوة سنداً خاشعاً له يد في العلوم لا سيما الحديث والعربية وغير ذلك مما يطول شرحه ولا يسع في هذه الطروس وصفه له القدم الراسخ في العلوم واليد الطولى في دقائق المنطوق والمفهوم كما قيل . وقال البرهان العمادي : من الفضلاء المتمكنين ذو يد طولى في القراءات والفقه ومشاركة حسنة في الحديث والأصول والنحو وغير ذلك . توفي سنة اثنتين وستين ومائة وألف.

العراقي

هو عبدالرحيم بن الحسين بن عبدالرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم المهرانيّ المولد العراقي الأصل الكرديّ الشيخ زين الدين العراقي حافظ العصر ، ولد في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين ، وحفظ التنبيه في الفقه ، واشتغل بالفقه والقراءات ، ولازم المشايخ في الرواية ، قال ابن حجر : صنف تخريج أحاديث الإحياء ونظم علوم الحديث لابن الصلاح ألفيّة وشرحها وعمل عليه نكتاً ، وصنّف أشياء أخر كباراً وصغاراً ، وصار المنظور إليه في هذا الفن من زمن الشيخ جمال الدين الآسنوي وهلمّ جرّا ، ولم نر في هذا الفن أتقن منه ، وعليه تخرّج غالب أهل عصره وقال ابن تغري بدري : وصفه أيضاً أئمة العصر بالحفظ والتحقيق ، كالعز بن جماعة ، وجمال الدين الآسنوي ، وغيرهما . وقال السيوطي : تقدم في فن الحديث بحيث كان شيوخ عصره يبالغون في الثناء عليه بالمعرفة . كالسبكي والعلائي والعز بن جماعة والعماد بن كثير وغيرهم ونقل عنه الشيخ جمال الدين الآسنوي في المهمات ووصفه بحافظ العصر . وقال أبو المحاسن الحسيني : الإمام الأوحد العلامة الحجة الحبر الناقد عمدة الأنام حافظ الإسلام فريد دهره ووحيد عصره من فاق بالحفظ والإتقان في زمانه وشهد له بالتفرد في فنه أئمة عصره وأوانه . وقال ابن ناصر الدين : شيخ المحدثين علم الناقدين عمدة المخرجين . توفي في شعبان سنة ست وثمانمائة بالقاهرة .

العيني

هو أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين العينتابي الحنفي ، بدر الدين العيني . ولد في شهر رمضان في السادس والعشرين منه ، سنة اثنتين وستين وسبعمائة ، في درب كيحن بعين تاب ، حفظ القرآن منذ الصغر ، درس الفقه في المدرسة المحمودية ، له مؤلفات كثيرة ،منها : البناية في شرح الهداية ، وفرائد القلائد، ورمز الحقائق شرح كنز الدقائق ، وتحفة الملوك في المواعظ والرقائق ، ومباني الأخبار في شرح معاني الآثار ، ومغاني الأخيار في رجال معاني الآثار . قال السخاوي : كان إماماً عالماً علامة عارفاً بالصرف والعربية وغيرها حافظاً للتاريخ والغة كثير الاستعمال لها مشاركاً في الفنون ذا نظم ونثر مقامه أجل منهما لا يمل من المطالعة والكتابة ، ذكره ابن خطيب الناصرية في تاريخه فقال : وهو إمام عالم فاضل مشارك في علوم وعنده حشمة ومروءة وعصبية وديانة . قال أبو المحاسن الحسيني : كان بارعاً في عدة علوم مفتياً كثير الإطلاع واسع الباع في المعقول والمنقول لا يستنقصه إلا مغترض قل أن يذكر علم إلا وله فيه مشاركة جيدة ومصنفاته كثيرة الفوائد . توفي في ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة .

غالي مختار فال البصادي

غالي ولد مختار فال هو عالم وشاعر موريتاني ألف الكثير من الكتب في مختلف المجالات مثل السيرة النبوية وغيرها . ولد في شنقيط واجتهد في تحصيل العلوم من عقائد وفقه وأصول وتفسير وقراءة ونحو وصرف وبلاغة وتاريخ وسيرة ، وكان مهاباً عند أهل عصره يجلونه ويوقرونه . من مؤلفاته – وسيلة الخليل إلى بعوث صاحب الإكليل – العدة والذخر ، في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم – نظم ملحمة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين وذكر نسبهن والأب الذي تجتمع فيه كل واحدة منهن مع النبي صلى الله عليه وسلم – هذا بالإضافة إلى ديوان شعر . توفي 1240هـ.

الفيروزآبادي

هو محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن إدريس بن فضل الله ، الشيرازي ، الفيروزآبادي ، القاضي مجد الدين أبو الطاهر . إمام عصره في اللغة ، كان يرفع نسبه إلى الشيخ أبي إسحاق صاحب التنبيه ، ويقول : إن جده فضل الله ولد الشيخ أبي إسحاق ، ولا يبالي بما يشاع بين الناس أن الشيخ لم يتزوج فضلاً عن أن يعقب . ولد في سنة تسع وعشرين بكارزين من أعمال شيراز ، وتفقه ببلاده، وطلب الحديث ، وسمع من الشيوخ ، ومهر في اللغة ، وهو شاب ، صنف القاموس المحيط في اللغة لا مزيد عليه في حسن الإختصار وميز فيه زياداته على الصحاح بحيث لو أفردت لكانت قدر الصحاح ، قال الحافظ برهان الدين : كان في اللغة بحر علم لا يكدره الدلاء ، وألف فيها تواليف حسنة ، وكان سريع الحفظ ، قال المقريزي: إمام الناس في علم اللغة ، وكانت له عناية بالحديث والفقه . وقال ابن حجر : كان سريع الحفظ . وقال الخزرجي : كان شيخ عصره في الحديث والنحو واللغة والتاريخ والفقه ومشاركاً فيما سوى ذلك مشاركة جيدة . ذكره التقي الفاسي فقال : وكانت له بالحديث عناية غير قوية وكذا بالفقه وله تحصيل في فنون من العلم سيما اللغة فله فيها اليد الطولى . توفي بزبيد في شوال سنة سبعة عشر وثمانمائة .



القطب الحلبي

هو عبدالكريم بن عبدالنور بن منير بن عبدالكريم بن علي بن عبدالحق بن عبدالصمد بن عبدالنور الحلبي ثم المصري الحافظ قطب الدين أبو علي استكثر من الشيوخ جداً وكتب العالي والنازل فلعل شيوخه يبلغون الألف وخرج لنفسه التساعيات والمتباينات والبلدانيات وكان أخيراً متواضعاً أخذ عنه المحدثون تقي الدين ابن رافع وابن أيبك الدمياطي ، وعمر ابن العجمي وعلاء الدين مغلطاي ، وابن السروجي ، وعدد كبير. قال ابن كثير : أحد مشاهير المحدثين بها يعني بمصر ، والقائمين بحفظ الحديث وروايته وتدوينه وشرحه والكلام عليه . وقال عنه السيوطي : الإمام العالم المقرئ الحافظ المحدث مفيد الديار المصرية أحد من جرد العناية بالرواية . توفي في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة .

محمد جارالله الصعدي

هو محمد بن أحمد بن جارالله مشحم الصعدي ثم الصنعاني . له شيوخ منهم السيد العلامة أحمد بن عبدالرحمن الشامي وأجاز له جماعة من أهل الحرمين كالشيخ محمد حبوه السندي وكان له إطلاع على عدة علوم مع بلاغة فائقة وعبارة رائقة وله مؤلفات مجموعة في مجلدة وفيها رسائل نفسية وكان خطيباً للإمام المنصور بالله الحسين بن القاسم ثم ولاه القضاء بمحلات من المدائن اليمنية وفيه كرم مفرط وله شعر متوسط وبالجملة فهو من محاسن القضاة ، من مؤلفاته النوافح العطرة في الأحاديث المشتهرة. توفي سنة إحدى وثمانين ومائة وألف .

محمد بن سعد البغدادي

أبو عبدالله محمد بن سعد بن منيع البغدادي وكان يطلق عليه كاتب الواقدي حيث تتلمذ على يديه . ولد في 784م وتوفي في 845م ، عاش مصدر ثقة لكثير من العلماء والكتاب في العصور التي تلته .

محمد طاهر الفتني

هو العالم الفاضل العلامة المحدث النبيه رئيس محدثي الهند محمد طاهر بن علي الصديقي الفتني نسباً وموطناً والبهرة أي التاجر ، ولد في بلدة نهرواله سنة 914هـ تتلمذ أولاً على أفاضل عصره وفضلاء دهره ، زار الحرمين والتقى بكثير من العلماء وعاد ، فانقطع للعلم . كان يقوم على طائفتي الرافضة والمهدوية ويناظرهم ويريد إرجاعهم إلى الحق وقهرهم في مجالسهم وأظهر فضائحهم وقال بكفرهم فسعوا عليه واحتالوا حتى قتلوه ، ومن مؤلفاته تذكرة الموضوعات ، قال العيدروس : كان على قدم من الصلاح والورع والتبحر في العلم ، وكانت ولادته سنة ثلاث عشر وتسعمائة، وحفظ القرآن وهو لم يبلغ الحنث ، وجد في طلب العلم ومكث كذلك نحو خمس عشر سنة ، وبرع في فنون عديدة وفاق الأقران حتى لم يعلم أن أحداً من علماء كجرات بلغ مبلغه في فن الحديث . قتل في شوال سنة ست وثمانين وتسعمائة.

محمد بن طولون الصالحي

هو شمس الدين أبو عبدالله محمد بن علي بن محمد الشهير بابن طولون الدمشقي الصالحي الحنفي الإمام العلامة المسند المؤرخ ولد بصالحية دمشق ، سنة ثمانين وثمانمائة ت ي والجمال ابن المبرد والشيخ أبو الفتح المزي وابن النعيمي في آخرين وتفقه بعمه الجمال ابن طولون وغيره وأخذ عن السيوطي إجازة مكاتبة في جماعة من المصريين وآخرين من أهل الحجاز وكان ماهراً في النحو علامة في الفقه مشهوراً بالحديث وولي تدريس الحنفية بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر وإمامة السليمية بالصالحية وقصده الطلبة في النحو ورغب الناس في السماع منه وكانت أوقاته معمورة بالتدريس والإفادة والتأليف . توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة . قريباً وسمع وقرأ على جماعة منهم القاضي ناصر الدين بن زريق والسراج بن الصيرف

محمد بن محمد الغزي

هو محمد بن محمد الشيخ الإمام نجم الدين أبو المكارم وأبو السعود بن بدر الدين رضي الدين الغزي العامري الدمشقي الشافعي ، اعتبره البعض خاتمة حفاظ الشام ، وآخر مؤرخيها الثقات ، زادت مؤلفاته عن الخمسين ، قال عنه الشيخ منصور السطوحي المحلي : تحقق عندي علمه وحفظه . توفي في جمادى الآخرة سنة ألف وإحدى وستين .

مرتضى الزبيدي

هو مرتضى الزبيدي بن محمد بن محمد بن محمد بن عبدالرزاق بن عبدالغفار بن تاج الدين بن حسين بن جمال الدين بن إبراهيم الحسيني . وهو علامة بالحديث واللغة العربية والأنساب ومن كبار المصنفين في عصره ، ولد عام 1145م ، الموافق عام 1732م، في بلجرام وهي بلدة بالهند ونشأ في زبيد باليمن ، ورحل إلى الحجاز ، وأقام بمصر . وتوفي بالطاعون في مصر ، عام 1205هـ ، خلف حوالي (107) عملاً أدبياً، بين رسالة وكتاب . أهمها وأضخمها شرحه على القاموس المسمى بتاج العروس، قال عنه الجبرتي : علم الأعلام والساحر اللاعب بالأفهام الذي جاب في اللغة والحديث كل فج وخاض من العلم كل فج المذلل له سبل الكلام الشاهد له الورق والأقلام ذو المعرفة والمعروف وهو العلم الموصوف العمدة الفهامة والرحلة النسابة الفقيه المحدث اللغوي النحوي الأصولي الناظم الناثر . توفي في جمادى الثانية ، سنة خمس ومائتين وألف .

مرعي الكرمي

هو الإمام العالم الحجة الفهامة مرعي بن يوسف بن أبي بكر الكرمي نسبة لطول كرم قرية بقرب نابلس ثم المقدسي أحد أكابر علماء الحنابلة بمصر ، صاحب المؤلفات الكثيرة الحافلة منها : غاية المنتهى ، ودليل الطالب . قال المحبي : كان إماماً محدثاً فقيهاً ذا إطلاع واسع على نقول الفقه ودقائق الحديث ومعرفة تامة بالعلوم المتدوالة ، كان منهكماً على العلوم إنهماكاً كلياً فقطع زمانه بالإفتاء والتدريس والتحقيق والتصنيف فسارت بتأليفه الركبان ومع كثرة أضداده وأعدائه ما أمكن أن يطعن فيها أحد ولا أن ينظر بعين الإزدراء إليها . وقال ابن الغزي : شيخ مشايخ الإسلام أوحد العلماء المحققين الأعلام واحد عصره وأوانه ووحيد دهره وزمانه صاحب التآليف العديدة والفوائد الفريدة والتحريرات المفيدة فهو العلامة بالتحقيق والفهامة عند التدقيق والتنميق وقال محمد جميل الشطي : شيخ الإسلام أوحد العلماء الأعلام فريد عصره وزمانه ووحيد دهره وأوانه صاحب التآليف العديدة والتحريرات المفيدة العلامة بالتحقيق والفهامة بالتدقيق شرفت به البلاد المقدسة ... كان فرداً من أفراد العالم علماً وفضلاً وإطلاعاً توفي في ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وألف .

المزي

هو الشيخ الإمام الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف ابن الزكي عبدالرحمن بن يوسف بن علي بن عبدالملك بن علي بن أبي الزهر الكلبي القضاعي المزي . قال الذهبي : العلامة الحافظ البارع أستاذ الجماعة جمال الدين أبو الحجاج ، محدث الإسلام وعني بهذا الشأن أتم عناية ، وقرأ العربية ، وأفاد ، وأكثر من اللغة والتصريف . وصنف وأفاد .. وكتب الكثير ورواه ، وقال أيضاً : وأما معرفة الرجال، فهو حامل لوائها ، والقائم بأعبائها ، لم تر العيون مثله .. وأوضح مشكلات ومعضلات ما سبق إليها في علم الحديث ورجاله .. وكان ثقة حجة ، كثير العلم ، وكان يطالع وينقل الطباق إذا حدث وهو في ذلك لا يكاد يخفى عليه شيء مما يقرأ ، بل يرد في المتن والإسناد رداً مفيداً يتعجب منه فضلاء الجماعة . وقال الصفدي : الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ الفريد الرحلة ، إمام المحدثين .. خاتمة الحفاظ ، ناقد الأسانيد والألفاظ . وقال : كان شيخنا الحجة جمال الدين أبو الحجاج شيخ الزمان، وحافظ العصر ، وناقد الأوان . وقال التاج عبدالوهاب السبكي مع مخالفة المزي له في العقائد : شيخنا وأستاذنا وقدوتنا الشيخ جمال الدين أبو الحجاج المزي ، حافظ زماننا ، حامل راية السنة والجماعة والقائم بأعباء هذه الصناعة ، والمتدرع جلباب الطاعة ، إمام الحفاظ ، كلمة لا يجحدونها ، وشهادة على أنفسهم يؤدونها ، ورتبة لو نشر أكابر الأعداء ، لكانوا يؤدونها ، واحد عصره بالإجماع ، وشيخ زمانه الذي تصغي لما يقول الأسماع . توفي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة .

المقري التلمساني – المغرب

ولد أحمد بن محمد بن أحمد المقري القرشي المكي بأبي العباس والملقب بشهاب الدين سنة 986 بمدينة تلمسان وأصل أسرته من قرية مقرة ( بفتح الميم وتشديد القاف المفتوحة ) التي تقع في ولاية المسيلة ، ونشأ بمدينة تلمسان ( تيلمسان ) وطلب العلم فيها وكانت من أهم شيوخه التلمسانين عمه الشيخ سعيد المقري . وهو واحد من أعلام القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين ، سطعت أنوار فضيلته العلمية في تلمسان وفاس ببلاد مراكش ، وذاعت في مصر والحجاز وبلاد الشام بالمشرق العربي إبان حكم العثمانيين الأتراك . وقد شهد له معاصروه بالإمامة والفضل ، في الفقه وأصوله، وفي الحديث وعلوم القرآن ، وفي علوم العربية ، وتدل آثاره الحسان على علم وفهم ، ورواية ودراية ، وإتقان وإحسان ، ويعتبر" كتاب الرحلة إلى المغرب والمشرق " من الآثار المفقودة لأبي العباس المقري لولا الهدية التي قدمتها حفيدة المستشرق الفرنسي جورج ديلفان سنة 1993م للمكتبة الوطنية بالجزائر العاصمة ، والمتمثلة في مجموعة من المخطوطات من بينها رحلة المقري هذه .



ملا علي قاري

هو الشيخ ملا علي قاري بن سلطان بن محمد الهروي الحنفي ولد بهراة ورحل إلى مكة واستقر بها وأخذ عن جماعة من المحققين كابن حجر الهيثمي وله مصنفات منها شرح المشكاة قال العصامي في وصفه : الجامع للعلوم النقلية والمتضلع من السنة النبوية والعارف بمشاهيرالأعلام وأولى الحفظ والأفهام ، ثم قال لكنه امتحن بالإعتراض على الأئمة ، ويقول الشوكاني : هذا دليل على علو منزلته فإن المجتهد شأنه أن يبين ما يخالف الأدلة الصحيحة ويعترضه سواء كان قائله عظيماً أو حقيراً تلك شكاة ظاهر عنك عارها ، توفي سنة أربع عشرة وألف .

الهيتمي المكي

هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري ، والهيتمي نسبة إلى محلة أبي الهيثم من إقليم الغربية بمصر ، والسعدي نسبة إلى سعد بإقليم الشرقية من إقليم مصر أيضاً ، كان قد حفظ القرآن العظيم في صغره . برع في علوم كثيرة من التفسير والحديث وعلم الكلام وأصول الفقه وفروعه والفرائض والحساب والنحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق والتصوف . ومن محفوظاته في الفقه : المنهاج للنووي ومقروءاته كثيرة لا يمكن تعدادها . وأما إجازات المشايخ له فكثيرة جداً ، قال عنه العيدروس : الإمام شيخ الإسلام خاتمة أهل الفتيا والتدريس ، كان بحراً في علم الفقه وتحقيقه لا تكدره الدلاء وإمام الحرمين توفي في رجب ، سنة تسعمائة وأربعة وسبعين .

الهيثمي

هو علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر بن صالح نور الدين الهيثمي الشافعي الحافظ ولد في رجب سنة 735 خمس وثلاثين وسبعمائة بالقاهرة ونشأ بها فقرأ القرآن ثم صحب الزين العراقي ولم يفارقه سفراً وحضرا حتى مات ورافقه في جميع مسموعاته ، صاحب كتب الزوائد المعروفة . قال ابن حجر : صار كثير الإستحضار للمتون جداً لكثرة الممارسة وكان هيناً ليناً خيراً ديناً محباً في أهل الخير لا يسأم ولا يضجر من خدمة الشيخ وكتابة الحديث وكان سليم الفطرة كثير الخير . وقال التقي الفاسي : كان كثير الحفظ للمتون والآثار صالحاً خيراً ، وقال الأقفهسي : كان إماماً عالماً حافظاً زاهداً متواضعاً متودداً إلى الناس ذا عبادة وتقشف وورع . قال الشوكاني : كان عجباً في الدين والتقوى والزهد والإقبال على العلم والعبادة وخدمة الدين وعدم مخالطة الناس في شيء من الأمور والمحبة للحديث وأهله . توفي في رمضان سنة سبع وثمانمائة .

يوسف بن عبد الهادي

هو يوسف بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن يوسف بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن فتح بن حذيفة بن محمد بن يعقوب بن القاسم بن إبراهيم بن اسماعيل بن يحيى بن محمد بن سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي . يعرف بابن المبرد ، أو المحاسن جمال الدين ، أخذ الحديث عن خلائق من أصحاب ابن حجر ، وابن العراقي وابن البالسي ، والجمال بن الحرستاني ، والصلاح بن أبي عمر ، وابن ناصر الدين وغيرهم ، وكان الغالب عليه علم الحديث والفقه ، وشارك في النحو والتصريف والتصوف والتفيسر ، وله مؤلفات كثيرة وغالبها أجزاء قال نجم الدين الغزي في الكواكب السائرة : الإمام العلامة المصنف المحدث . وقال ابن العماد في الشذرات : كان إماماً علامة يغلب عليه علم الحديث والفقه ويشارك في النحو والتعريف والتصوف والتفسير . توفي في المحرم سنة تسع وتسعمائة .



يوسف محمد مسعود السرمري

وهو يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن إبراهيم العبادي ، السرمري ، ثم الدمشقي الحنبلي ، وكنيته أبو المظفر ، ولقبه جمال الدين ولد سنة 696هـ ، في مدينة سر من رأى ، وهي سامراء حالياً من مدن العراق ، وهو المحدث ولغوي وفقيه وذو فنون عدة ، أخذ إجازاته العلمية وسماعه من علماء بغداد ، ومنهم الصفي عبدالمؤمن بن عبدالحق ، وأبي الثناء محمود بن علي الدقوقي ، وغيرهما ، ثم رحل إلى بلاد الشام ، وسمع من ابن عبدالدائم في دمشق ، وتفقه على سراج الدين الحسين بن يوسف التبريزي ، وآخرين . برع في اللغة العربية ، والفرائض ، ونظم وحدث وأفاد وكان ينهج منهج ابن تيمية . وله مؤلفات كثيرة تجاوزت المائة كتاب ورسالة . وتوفي في دمشق في 21 جمادى الأولى سنة 776هـ ، ودفن في مقبرة الصوفية .



شعراء عصر الانحطاط

ابن معتوق الموسوي

شهاب الدين بن معتوق الموسوي الحويزي ( 1025 – 1087 ) للهجرة ( 1616 – 1676 ) للميلاد ، من أهل البصرة ، شاعر وكان له ابن اسمه معتوق جمع أكثر شعره ( في ديوان شهاب الدين ) ، فلج في أواخر حياته .

مختارات من شعره :

نظرَ البـــــــدرُ وجهــــهُ فتــــــــلاها    فَسَــــــــلُوْهُ عَنْ أخْتِهَا هَلْ حَكَاهَا

وَتَراءَتْ لِلْبَـــــــدْرِ يَــــــــوْماً فَأبْقَتْ    خجلاً فوقَ وجهـــــهِ وجنــــــتاها

وتجلّـــــــتْ على النّجـــــــومِ فولّتْ    واســـــــــــتقلّتْ بصدرها فرقداها

وَأضَــــــــــافَتْ قَرُونَــــــــها لِلَّيالي    فَأطالتْ على المشــــــــوقِ دجاها

فتنتْ في جمالها الشّـــــــــهبُ حتّى    شَــــــــارَكَتْنَا وَنَازَعَتْ فِي هَواهَا

علقتْ شـــــــــمسنا بها فلـــــــــهذا    عَيْنُــــــهَا فِي الرَّوَاح تُجْري دِمَاهَا

لمْ تَحُلْ مِنْ فِرَاقَــــــهَا كُلَّ يَـــــــوْمٍ    فهيَ صفراءُ خشـــــــيةَ منْ نواها

قدْ بَرَى حُبُّـــــــهَا الأهِلَّةَ وَجــــــداً    فَأطالتْ على الضّــــــلوعِ انحناها

ذَاتُ حُسنٍ لوْ تُحْسِـــنُ النُّطْقَ يَوْماً    سبعةُ الشّـــــهبِ أقسمتْ بضحاها

ومحيّـــــــــا لو أنّـــــــهُ قابلتــــــهُ    آيةُ اللّيــــــلِ بالنّـــــــــهارِ محاها

كَمْ لهَا بالْجَمَالِ آيَــــاتِ سِــــــــحْرٍ    قدْ أضـــــلّتْ عقولنا عنْ هــــداها



مَا اشْــــــتُقَّ بَياضُ مِسْكِهَا الْكَافُور    مِسْــــــــــــــكَ الشَّــــــــــــــــعَر

إلا كســــــــرَ الضّحى بتركِ النّور    زَنْــــــــــــــجَ السَّــــــــــــــــحَر

خردٌ كحلتْ جفونــــها بالغســــــق    وافترَّ شـــــــــنيبها لنـــا عنْ فلق

قدْ ضمَّ لثامها شـــــــعاعَ الشّــــفق

وَاسْتُوْدِعَ فَجْرُ نَحْرهَا الْبلُّــــــوري    شــــــــــــــــهبَ الـــــــــــدّرر

وَانْبَثَّ ظلاَمُ فَرْعِهَا الدَّيجُــــــوري    فَــــــــــــــــــوْقَ الْقـــــــــــمَر

الْخَمْرُ مُلقَّبٌ بفْيـــهَا يرُضَـــــــابْ    والطّلعُ بدا بثغــرها وهوَ حبابْ

والدّرُّ بنطقها مسمّى بخطابْ

بكرٌ بزغتْ ببيتــــــها المعمــــور    شــــــــــــــمسُ الخــــــــــــفر

وَانْقضَّ حَوْلَ سَــــحْفِهَا الْمَزْرُور    شـــــــــــــــهبُ السّـــــــــــمر

مَا الرُّمْحُ ببَالِـــغِ مَدَى قامَتِــــــهَا    والصّــــــــارمُ معتزّ إلى مقلتها

والسّــــهمُ روى النّفوذَ عنْ لفتتها    وَالدَّهْرُ مُقَيَّــــــــدٌ لدَيْهِ بقُيُـــــودْ

وَالْبَحْرُ إلى خِضَمِّهِ الْمَسْـــــجُور    عِيْــــــــــــــــن الْبَقَــــــــــــــر

أنْ تَصْرَعْ فِي خِبَا الْعُيُون الْحُور    أســــــــــــــــدَ البشـــــــــــــر

منْ مبســمها العذبِ إنْ بانَ بريقٌ    يَا شَامَتَهَا أحْرُمَي فَوَادِيَكِ عَقِيقْ

منْ رشفِ رضابها ومنْ لثمِ عتيقْ

*****

ابن نباتة المصري

محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الجذامي الفارقي المصري أبو بكر جمال الدين ( 686 – 768 ) للهجرة ( 1287 – 1366 ) للميلاد ، شاعر وكاتب ، أصله من ميافارقين ، ومولده ووفاته في القاهرة . وهو من ذرية الخطيب عبدالرحيم بن محمد بن نباتة . سكن الشام سنة وولي نظارة القمامة بالقدس أيام زيارة النصارى لها فكان يتوجه فيباشر ذلك ويعود . ورجع إلى القاهرة فكان بها صاحب سر السلطان الناصر حسن . له كتاب ( سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ) . و( سجع المطوق ) وغيرها .

مختارات من شعره :

وعدت بطيف خيالـــــــها هيـــــفاءُ    إن كان يمكن مقلتي إغــــــــفاء

يا من يوفر طيفـها ســـــــهري لقد    أمنَ في دياركِ في الدّجى الرقباء

يا من يطيل أخو الهوى لقوامــــها    شكواه وهي الصعدة الســـمراء

أفديك شــمسَ ضحىً دموعي نثرةٌ    لما تغيـــبُ وعاذلي عــــــــوّاء

وعزيـــــزةٍ هيَ للنواظــــــر جنةٌ    تجلى ولكن للقلوبِ شـــــــــقاء

خضبت بأحمرَ كالنضار معاصماً    كالماءِ فيها رونقٌ وصــــــــفاء

*****

ثغر عليه من الملاحة ســــــــكر    يحلو الحديثُ عليه وهو مكرر

عرف الذي قد رام عنه تصـبري    أني قتيلٌ في هــــواه مصــــبر

ويحق لي فيه التغزل باهـــــــراً    وثنا تقي الدين عنـــــدي أبـــهر

ذو العلم والفضل الذين هُما هُما    شــــهبٌ بأفاق الســـــيادة تزهر

نظروا فكان أحق بالنظــر الذي    كتقية وأمينـــــه لم ينظـــــــروا

ولئن شـــــــكوت لماله ولجاهه    حصري فإن ثناهما لا يحصـــر

طير الثنــــــاء محلــقٌ في أفقه    أبدَ الزمـــــان وأنني لمقصـــــر

ابن الوردي

(680 أو 691 هـ - 749 هـ )

الشيخ الفقيه النحوي القاضي المؤرخ زين الدين أبي حفص عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس المعري البكري ( نسبة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ) من شعراء القرن الثامن الهجري . ولد في المعرة غرب مدينة حلب بالشام (سوريا) زمن المماليك . كان من علماء اللغة العربية والنحو والفقه والأدب والتاريخ كما دل على ذلك تلك المصنفات المتنوعة له ، اشتهر بالزهد والورع وحسن الخلق وطيب المعشر ، فكانت له مهابة في قلوب معاصريه .تولى القضاء في منبج وشيزر وحلب ، ثم ما لبث أن ترك ذلك كله وعزل نفسه لمنام رآه . كتب أبياتاً في ذم القضاء وأهله ، ثم اشتغل بالتعليم والتأليف حتى شاع ذكره وطار صيته في البلدان ، توفي بالطاعون .من مصنفاته :البهجة الوردية : وهو ديوان في الفقه الشافعي. وتحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة : اختصر فيها ألفية ابن مالك. والتوضيح : شرح فيه ألفية ابن مالك. وصفوة الرحيق في وصف الحريق. وخريدة العجائب وفريدة الغرائب. والمسائل الذهبية .وضوء الدرة : شرح فيه ألفية ابن معطي. وأرجوزة غزلية . ومنطق الطير . وتتمة المختصر في أخبار البشر , وأرجوزة في تفسير الأحلام والمنامات . وهوصاحب الميمية المشهورة من أجمل وأفصح شعر الحكمة والنصح.

مختارات من شعره :

إعـتـزلْ ذِكـــرَ الأغـانــي والـغَــزَلْ وقُـلِ الفَـصْـلَ وجـانـبْ مَــنْ هَــزَلْ

ودَعِ الـــذِّكـــرَ لأيــــــامِ الــصِّــبــا فــلأيـــامِ الـصِّــبــا نَــجـــمٌ أفَـــــلْ

إنْ أهــنـــا عــيــشــةٍ قـضـيـتُـهــا ذهــبــتْ لـذَّاتُـهــا والإثْــــمُ حَـــــلّ

واتـــرُكِ الـغــادَةَ لا تـحـفـلْ بــهــا تُـمْـسِ فـــي عِـــزٍّ رفـيــعٍ وتُـجَــلّ

وافتكـرْ فـي منتهـى حُـسـنِ الــذي أنــتَ تـهــواهُ تـجــدْ أمـــراً جَـلَــلْ

واهـجُـرِ الخـمـرةَ إنْ كـنــتَ فـتــىً كيفَ يسعـى فـي جُنـونٍ مَـنْ عَقَـلْ

واتَّـــــقِ اللهَ فــتــقــوى الله مــــــا جـاورتْ قـلـبَ امــريءٍ إلا وَصَــلْ

لـيـسَ مــنْ يـقـطـعُ طُـرقــاً بَـطــلاً إنــمــا مــــنْ يـتَّـقــي الله الـبَـطَــلْ

صــدِّقِ الـشَّـرعَ ولا تـركــنْ إلـــى رجــلٍ يـرصـد فــي الـلـيـل زُحـــلْ

حــارتِ الأفـكـارُ فــي حكـمـةِ مَــنْ قـــد هـدانــا سبْـلـنـا عـــزَّ وجَــــلْ

كُتـبَ الـمـوت عـلـى الخَـلـقِ فـكـمْ فَـلَّ مــن جـيـشٍ وأفـنـى مــن دُوَلْ

أيـــنَ نُــمــرودُ وكـنـعــانُ ومــــنْ مَــلَــكَ الأرضَ وولَّـــــى وعَـــــزَلْ

أيــن عــادٌ أيـــن فـرعــونُ ومـــن رفــعَ الأهــرامَ مــن يسـمـعْ يَـخَـلْ

أيـنَ مـن ســادوا وشــادوا وبَـنَـوا هَـلَــكَ الـكــلُّ ولـــم تُـغــنِ الـقُـلَـلْ

أيـنَ أربـابُ الحِـجَـى أهــلُ النُّـهـى أيــنَ أهـــلُ الـعـلـمِ والـقــومُ الأوَلْ

سـيُــعــيــدُ الله كـــــــلاً مــنـــهـــمُ وسيَـجـزي فـاعـلاً مــا قـــد فَـعَــلْ

إيْ بُنيَّ اسمعْ وصايا جَمعتْ حِكماً خُــصَّــتْ بــهـــا خــيـــرُ الـمِــلــلْ

أطـلــب الـعِـلـمَ ولا تـكـسَـلْ فــمــا أبـعـدَ الخـيـرَ عـلـى أهــلِ الـكَـسَـلْ

واحتـفـلْ للـفـقـهِ فـــي الـدِّيــن ولا تشـتـغـلْ عــنــهُ بــمــالٍ وخَــــوَلْ

واهـجــرِ الـنَّــومَ وحـصِّـلـهُ فـمــنْ يعـرفِ المطلـوبَ يحـقـرْ مــا بَــذَلْ

لا تــقــلْ قــــد ذهــبـــتْ أربــابُـــهُ كـلُّ مـن سـارَ علـى الـدَّربِ وصـلْ

فـي ازديــادِ العـلـمِ إرغــامُ الـعِـدى وجـمــالُ الـعـلـمِ إصـــلاحُ الـعـمـلْ

جَـمِّــلِ المَـنـطِـقَ بالـنَّـحـو فــمــنْ يُـحـرَمِ الإعــرابَ بالنُّـطـقِ اختـبـلْ

انــظُــمِ الـشِّـعــرَ ولازمْ مـذهــبــي فـي اطَّـراحِ الـرَّفـد لا تـبـغِ النَّـحَـلْ

فهـوَ عـنـوانٌ عـلـى الفـضـلِ ومــا أحـســنَ الـشـعـرَ إذا لـــم يُـبـتــذلْ

مـاتَ أهـلُ الفضـلِ لـم يبـقَ سـوى مقـرف أو مـن علـى الأصـلِ اتَّكـلْ

أنـــــا لا أخــتـــارُ تـقـبـيــلَ يــــــدٍ قَطْعُـهـا أجـمـلُ مــن تـلــكَ الـقُـبـلْ

إن جَزتني عن مديحي صـرتُ فـي رقِّــهــا أو لا فيكـفـيـنـي الـخَـجَــلْ

أعــذبُ الألـفـاظِ قَـولـي لـــكَ خُـــذْ وأمَــــرُّ الـلـفــظِ نُـطـقــي بِـلَــعَــلّْ

مُلـكُ كسـرى عـنـهُ تُغـنـي كِـسـرةٌ وعــنِ البـحـرِ اجـتــزاءٌ بـالـوَشـلْ

اعـتـبـر (نـحــن قسـمـنـا بيـنـهـم) تـلـقـهُ حــقــاً (وبـالـحــق نــــزلْ(

ليس ما يحـوي الفتـى مـن عزمـه لا ولا مــا فـــاتَ يـومــاً بالـكـسـلْ

اطـــرحِ الـدنـيـا فــمــنْ عـاداتـهــا تخفِـضُ العالـيْ وتُعلـي مَـنْ سَفَـلْ

عيـشـةُ الـرَّاغـبِ فــي تحصيـلِـهـا عـيـشـةُ الـجـاهـلِ فـيـهـا أو أقـــلْ

كَــمْ جَـهـولٍ بـــاتَ فـيـهـا مُـكـثـراً وعلـيـمٍ بـــاتَ مـنـهـا فـــي عِـلَــلْ

كــمْ شـجـاعٍ لــم يـنـلْ فيهاالمُـنـى وجـبــانٍ نــــالَ غــايــاتِ الأمــــلْ

فـاتــركِ الحـيـلـة فـيـهــا واتَّــكِــلْ إنـمـا الحيـلـةُ فــي تـــركِ الـحِـيَـلْ

أيُّ كــفٍّ لــمْ تـنـلْ مـنـهـا الـمُـنـى فـرمــاهــا اللهُ مـــنـــهُ بـالـشَّــلَــلْ

لا تقـلْ أصلـي وفَصلـي أبـداً إنـمـا أصـــلُ الـفَـتـى مـــا قـــد حَــصَــلْ

قــدْ يـسـودُ الـمــرءُ مـــن دونِ أبٍ وبِحسـنِ السَّبْـكِ قـدْ يُنقَـى الـدَّغّـلْ

إنـمـا الــوردُ مــنَ الـشَّــوكِ ومـــا يَنـبُـتُ النَّـرجـسُ إلا مـــن بَـصَــلْ

غــيــرَ أنــــي أحــمــدُ اللهَ عــلـــى نـسـبـي إذ بـأبــي بــكــرِ اتَّــصــلْ

قـيـمـةُ الإنــســانِ مــــا يُـحـسـنُـهُ أكـثــرَ الإنــســانُ مــنــهُ أمْ أقَــــلْ

أُكـتــمِ الأمــريــنِ فــقــراً وغــنــى واكسَب الفَلْسَ وحاسب ومن بَطَلْ

وادَّرع جــــداً وكـــــداً واجـتــنــبْ صُحبـةَ الحمـقـى وأربــاب الخَـلَـلْ

بــيــنَ تـبــذيــرٍ وبُــخـــلٍ رُتــبـــةٌ وكِــــــلا هـــذيـــنِ إنْ زادَ قَـــتَـــلْ

لا تخُضْ فـي حـق سـادات مَضَـوا إنــهــم لـيـســوا بــأهــلِ لـلــزَّلَــلْ

وتغـاضـى عــن أمـــورٍ إنـــه لـــم يــفُــزْ بـالـحـمـدِ إلا مــــن غَــفَــلْ

ليـسَ يخلـو المـرءُ مِـنْ ضـدٍّ ولَـو حــاولَ العُـزلـةَ فــي راسِ الجـبَـلْ

مِــلْ عــن النَـمَّـامِ وازجُـــرُهُ فـمــا بــلّــغَ الـمـكــروهَ إلا مــــن نَــقَــلْ

دارِ جـــارَ الـسُّــوءِ بالـصَّـبـرِ وإنْ لـمْ تجـدْ صبـراً فمـا أحـلـى النُّـقَـلْ

جـانِـبِ السُّلـطـانَ واحــذرْ بطـشَـهُ لا تُـعـانِــدْ مَــــنْ إذا قــــالَ فَــعَــلْ

لا تَــلِ الحـكــامَ إنْ هُـــمْ سـألــوا رغـبـة فـيـكَ وخـالـفْ مَــنْ عَـــذَلْ

إنَّ نـصـفَ الـنـاسِ أعـــداءٌ لـمــنْ ولـــيَ الأحـكــامَ هــــذا إن عَــــدَلْ

فـهــو كالمـحـبـوسِ عـــن لـذَّاتــهِ وكِــلا كفّـيـه فـــي الـحـشـر تُـغَــلْ

إنَّ للنقـصِ والاستثقـالِ فـي لفظـةِ الـقــاضــي لَــوَعــظــا أو مَـــثَـــلْ

لا تُــــوازى لــــذةُ الـحُـكــمِ بــمــا ذاقَهُ الشخصُ إذا الشخـصُ انعـزلْ

فـالـولايــاتُ وإن طــابــتْ لــمـــنْ ذاقَـهـا فـالـسُّـمُّ فـــي ذاكَ الـعَـسَـلْ

نَـصَـبُ المنـصِـبِ أوهـــى جَـلَــدي وعـنـائـي مـــن مُـــداراةِ الـسَّـفــلْ

قَـصِّـرِ الآمــالَ فـــي الـدنـيـا تـفُــزْ فـدلـيـلُ الـعـقـلِ تـقـصـيـرُ الأمــــلْ

إن مـــنْ يطـلـبـهُ الـمــوتُ عــلــى غِــــرَّةٍ مــنــه جــديــرٌ بـالــوَجَــلْ

غِــبْ وزُرْ غِـبَّـاَ تــزِدْ حُـبَّـاً فـمــنْ أكـثــرَ الــتَّــردادَ أقــصــاهُ الـمَـلَــلْ

لا يـضــرُّ الـفـضـلَ إقــــلالٌ كــمــا لا يضـرُّ الشـمـسَ إطـبـاقُ الطَّـفَـلْ

خُـذْ بنصـلِ السَّيـفِ واتـركْ غِـمـدهُ واعتبـرْ فضـلَ الفتـى دونَ الحُـلُـلْ

حُـبّــكَ الأوطـــانَ عـجــزٌ ظــاهــرٌ فاغـتـربْ تـلـقَ عــن الأهــلِ بَــدَلْ

فـبـمُـكـثِ الــمــاءِ يـبـقــى آســنــاً وسَـرى الـبـدرِ بــهِ الـبـدرُ اكتـمـلْ

أيُّــهــا الـعـائــبُ قــولــي عـبــثــاً إن طـيــبَ الـــوردِ مـــؤذٍ للـجُـعـلْ

عَــدِّ عــن أسـهُـمِ قـولـي واستـتِـرْ لا يُصيـبـنَّـكَ سـهــمٌ مــــن ثُــعَــلْ

لا يـغـرَّنَّــكَ لــيـــنٌ مـــــن فــتـــىً إنَّ لـلـحــيَّــاتِ لــيــنــاً يُــعــتـــزلْ

أنــا مـثــلُ الـمــاءِ سـهــلٌ سـائــغٌ ومــتـــى أُســـخِـــنَ آذى وقَـــتَـــلْ

أنـــا كالـخـيـزور صـعــبٌ كـسُّــرهُ وهـو لـدنٌ كيـفَ مـا شئـتَ انفـتَـلْ

غيـرَ أنّــي فــي زمــانٍ مَــنْ يـكـنْ فيـه ذا مــالٍ هــو المـولَـى الأجــلّ

واجـــبٌ عـنــد الـــورى إكــرامُــهُ وقـلـيـلُ الــمــالِ فـيـهــمْ يُـسـتـقـلْ

كــلُّ أهـــلِ الـعـصـرِ غـمــرٌ وأنـــا منـهـمُ، فـاتـرك تفاصـيـلَ الـجُـمَـل

وصــــــلاةُ اللهِ ربـــــــي كُــلّــمـــا طَـلَــعَ الـشـمــسُ نــهــاراً وأفــــلْ

لـلـذي حــازَ العُـلـى مـــن هـاشــمٍ أحـمـدَ المخـتـارِ مــن ســـادَ الأوَلْ

وعــلـــى آلٍ وصــحـــبٍ ســــــادةٍ لـيــسَ فـيـهـمْ عــاجــزٌ إلا بَــطَــلْ



الأخرس

عبدالغفار بن عبدالواحد بن وهب ( 1225 – 1290 ) للهجرة ( 1810 – 1873 ) للميلاد ، شاعر ذاع صيته ، وتناقل الناس شعره ، ولقب بالأخرس لحبسة كانت في لسانه . ولد في الموصل ، ونشأ في بغداد ، وتوفي في البصرة .

مختارات من شعره :

عادَ المتَّيــــــــم في غرامــــــكِ داؤهُ    أهُوَ الســـــــــــليمُ تَعودُهُ آناؤهُ

فتأججـــت زفراتـــــــه وتاهَّبـــــــتْ    جمراتهُ وتوقدت رمضــــــاؤهُ

حســــــبُ المتَّيم وجدهُ وغـــــــرامه    وكفاه ما فعلت به برحـــــــاؤهُ

بالله أيّتـــــــها الحمـــــــائم غـــرّدي    ولطالما أشجى المشـوقَ غناؤهُ

نوحي تجاوبـــــــك الجــــــوانح أنةً    وتظلّ تنــــدب خاطري ورقاؤهُ

هيهات ما صدق الغرام على امرىء    حتى تذوب من الجوى أحشاؤهُ

إن كان يبكي الصــــبّ لا من لوعة    أخذت بمهجتــــه فــــــممَّ بكاؤهُ

بترقرق العبــــــــــرات وهي مذلة    ســـرٌّ يضرّ بحاله إفشـــــــاؤهُ

لا تذهبــــــنّ بك المذاهــــــب غرة    آرام ذيــــــــاك الحمى وظباؤهُ

وبمهجتي من لحــظ أحـــــور فاتنٍ    مرض يعزّ على الطبيب شفاؤهُ

هل يهتــــدي هذا الطبيب لعلـــــتي    إن الغـــــــرامَ كثيــــرة أدواؤهُ

*****

برُحِكِ يا سُـــــــليمى ما لِقلبي    لهُ في كلِّ آونَةٍ خُفُــــــــوقُ

ولا سيما إذا هبَّت شــــــــمالٌ    به أو أوْمَضت منه البروقُ

أمِنْكِ الوَجْدُ قَيَّـــــدني بقيْـــــدٍ    فَرُحْتُ ودمـع أجفاني طليقُ

نهضتُ بعبءِ حبّك يا سليمى    وإنْ حَمَّلْتِني ما لا أطيـــــقُ

ويملكني هواكِ وكلُّ حــــــرٍّ    لمن يهواه يا سَــــلمى رقيقُ

*****

البرعي

عبدالرحيم بن أحمد بن علي البرعي اليماني ( ؟ - 803 ) للهجرة ( ؟ - 1400 ) للميلاد ، نسبة إلى بُرع وهو جبل بتهامة ، شاعر ، متصوف من سكان ( النيابتين ) في اليمن . أفتى ودرس وأكثر شعره في المدائح النبوية .

مختارات من شعره :

تجلتْ لوحدانيــــةِ الحقِّ أنــــــوارُ    فدلتْ على أنَّ الجحـــــودَ هوَ العارُ

وأغرتْ لبداعي الحقِّ كلَّ موحـــدٍ    لمقعدِ صــــدقِ حبذا الجارُ والـــدارُ

وأبــــــدتْ معانيَ ذاتهِ بصــــــفاتهِ    فلمْ يحتملْ عقــــلَ المحبينَ إنكـــــارُ

تراءى لهمْ في الغيبِ جلَّ جلالــــهُ    عياناً فلمْ يدركهُ ســـــــمعٌ وأبصـــارُ

معانٍ عقلنَ العقلَ والعقلُ ذاهـــــلٌ    وإقبالــــهُ في برزخ البحثِ إدبــــارُ

إذا همَّ وهمُ الفكــــــر إدراكَ ذاتــهِ    تعـــــارضَ أوهامٌ عليهِ وأفكـــــــارُ

وكيفَ يحيط الكيـــــفُ إدراك حدهِ    وليـــــسَ لهُ في الكيفِ حدٍّ ومقــدارُ

وأينَ يحلُّ الأيـــــن منهُ ولمْ يكـــنْ    معَ اللهِ غيـــــرَ اللهِ عينٌ وآثـــــــارُ

ولا شـــيءَ معلومٌ ولاَ الكونُ كائنٌ    ولاَ الرزقُ مقسومٌ ولاَ الخلقُ إفطارُ

ولا الشــمسُ بالنور المنير مضيئةٌ    ولا القمرُ الساري ولاَ النجمُ ســــيارُ

فأنشـأ بالكرسيِّ والعرش ملكهُ    فمنْ نـــورهِ حجبٌ عليهِ وأســــــتارُ

فســبحانَ منْ تعنو الوجوهُ لوجههِ    ويلقــــاهُ رهــــنَ الذلِّ منْ هوَ جبـارُ

ومنْ كلِّ شيءٍ خاضعٌ تحتَ قهرهِ    تصـــــرفهُ في الطوع والقهر أقدارُ

عظيمٌ يهونُ الأعظمــــــونَ لعزهِ    شــــديدُ القوى كافٍ لذي القهر قهارُ

*****

البوصيري

شرف الدين أبو عبدالله البوصيري، محمد بن سعيد بن حماد بن عبدالله الصنهاجي البوصيري، نسبته إلى بوصير من أعمال بني سويف بمصر وأمّه منها ( 608 – 696 ) للهجرة ( 1212 – 1296 ) للميلاد ، وأصله من المغرب من قلعة حماد من قبيل يُعرفون ببني حبنون . ومولده في بهشيم من أعمال البهنساوية ، ووفاته بالإسكندرية ، وأشهر قصائده : البردة مطلعها: ( أمن تذكّر جيران بذي سلم ) ، شرحها وعارضها الكثيرون ، والهمزية ومطلعها : ( كيف ترقى رقيك الأنبياء ) ، وعارض ( بانت سعاد ) لكعب بن زهير ، بقصيدة مطلعها ( إلى متى أنت باللذات مشغول ) .

مختارات من شعره :

أريحُ الصـــــــبا هبتْ على زهر الربا    فأصـــــبح منـــــها كل قطرٍ مطيبا

أم الرَّاحُ أهْدَتْ للرِّيـــــاحِ خُمـــــارَها    فأشـــكرَ مســــراها الوجودَ وطيبا

ألمْ تَرَني هِــــــزَّ التَّصــــابي مَعاطِفي    وراجَعَني ما راقَ مِنْ رَوْنَق الصِّبا

فمن مخبري ماذا السرور الذي سرى    فلا بد حتـــــــماً أن يكــــون له نبا

فقالــــــوا: أعاد الله للنّاس فَخْـــــرَهُمْ    وليــــــاً إلى كل القلــــــوب محببا

فقلت: أفَخْرُ الدينِ عثـــــمانُ؟ قال لي:    بَلى!؟ فَلْ له أهْلاً وَسَـــهلاً ومَرْحبا

وقال الــــــــوَرى لله دَرُّكَ قَادِمـــــــاً    سُــــــقينا به من رحمة الله صـــيبَّا

ونادى منــــــــادٍ بينــــــــهم بقدومــه    فَرَهَّبَ منـــــــهم ســـامعين ورَغَّبا

فَأوســــــعهم فضــــــــلاً فآمن خائفاً    وأنصـــفَ مظلوماً وأخصبَ مجدبا

*****

حيدر بن سليمان الحلي

حيدر بن سليمان بن داود الحلي الحسيني ( 1246 – 1304 ) للهجرة ( 1831 – 1886 ) للميلاد ، كاتب وشاعر من أهل البيت في العراق ، مولده ووفاته في الحلة ، ودفن في النجف . مات أبوه وهو طفل فنشأ في حجر عمه مهدي بن داود . ترفع عن المدح والإستجداء ، وعرف بالسخاء . له ديوان شعر أسماه ( الدر اليتيم ) ، وأشهر شعره حولياته في رثاء الحسين . وله كتب منها : ( كتاب العقد المفصل في قبيلة المجد المؤثل ) جزآن ، و( الأشجان في مراثي خير إنسان ) ، و( دمية القصر في شعراء العصر ) .

مختارات من شعره :

بنور وجهكَ لا بالشـــــــمس والقــــــمر    أضاء أفقُ ســـــماء المجد والخطر

وفي البريّــة من معروفك انتشــــــــرتْ    رواية الشـــــاهدين السمع والبصر

تحدثـــــــوا عنــــــــكَ حتى أن كل فـــمٍ    به عبيرُ شذاً من نشـــــــرك العطر

فذكرُك المسك بين الناس يسحق باللسـان    والفـــــم لا بالقهــــــر والحجــــــر

وخلقُك الروضـــــــة الغنّـــــاء ترهم في    نطاف بشــــــرك لا في ريق المطر

وكفُّـــــك البحــــــر ما غاض الرجاء به    إلا وأبـــــرز منه أنفــــــــسَ الدرر

ودارُ عزك تغــــــــدو الوفــــــــد ناعمةً    فيها بأرغد عيـــــشٍ ناعمٍ نضــــــر

بها الضــــــــيوفُ تحيى منك أكــرم مَن    يعطى الرغائب من بدوٍ ومن حضر

حيث الجنـــــان على بعدٍ تضئُ بـــــــها    للطـــارقين ضــــــياءَ الأنجم الزهر

لقد غداً الأفقُ العلــــــويُّ يحســــــــدها    على مواقدها في ســـــــالف العُصر

وودَّ لو أنّـــــــها كانـــــت به بــــــــدلاً    من الكواكب حتى الشـــمس والقمر

فالشهب والبدر يطفي الصبحُ ضوءَهما    والشمسُ في الليل لم تشــرق ولم تنر

لكنَّ دارك لم تبــــــــرحْ مواقــــــــدُها    مضيئةً تصل الإصباحَ بالســـــــــحر

ما زلتَ ترفع فيــــــها للقِرى كـــــرماً    ناراً شـــــــكا الأفقُ منها لافحَ الشرر

صَفِيِّ الدينِ الحِلِّي

عبدالعزيز بن سرايا بن علي بن أبي القاسم ، السنبسي الطائي ( 675 – 750 ) للهجرة ( 1276 – 1349 ) للميلاد ، شاعر ولد ونشأ في الحلة ، بين الكوفة وبغداد، واشتغل بالتجارة فكان يرحل إلى الشام ومصر وماردين وغيرها في تجارته ويعود إلى العراق . انقطع مدة إلى أصحاب ماردين فتقرب من ملوك الدولة الأرتقية ومدحهم وأجزلوا له عطاياهم . ورحل إلى القاهرة، فمدح السلطان الملك الناصر وتوفي في بغداد . له كتب منها ( العاطل الحالي ) وهو رسالة في الزجل والموالي ، و(الأغلاطي) ، معجم للأغلاط اللغوية ، و( درر النحور ) ، وهي قصائده المعروفة بالأرتقيات ، و( صفوة الشعراء وخلاصة البلغاء ) ، و( الخدمة الجليلة ) وهي رسالة في وصف الصيد بالبندق .

مختارات من شعره :

أبتِ الوصــــــــالَ مَخافَةَ الرّقباءِ،    وأتَتكَ تحتَ مَدارع الظلّـــــــــماءِ

أصفَتكَ مِن بَعدِ الصّــــدودِ مَودّةً،    وكذا الــــدواءُ يكونُ بَعدَ الــــداءِ

أحيَتْ بزَورَتِهَا النّفوسَ، وطالمَا    ضَنّتْ بها، فَقَضَتْ على الأحياءِ

أتتْ بليلٍ، والنجـــــومُ كأنّـــــها    دُرَرٌ بباطِــــــنِ خَيمَةً زَرقَــــــاءِ

أمســـتْ تعاطيني المدامَ، وبيننا    عَتبٌ غَنِيتُ بهِ عن الصّــــــــهباءِ

أبكي، وأشـكو ما لقيتُ، فَتَلتَهي    عن درّ ألفاظي بــــــــدرّ بــــــكاءِ

*****

يا ربّ! ذنـــــبي عظيـــــــمُ،    وأنتَ عَنِّي حَليـــمُ

بل غرني منــــــكَ وعــــــدٌ،    لهُ الأنامُ تَـــــرُومُ

إذ قلتَ في الذكرِ للمصطفى،    وأنتَ كَريـــــــــمُ

نَبِّــــىءْ عِبَــــــــادِي أنّــــي    أنا الغَفُورُ الرّحيمُ

*****

حَوَتْ ضِدّينِ، إذ ضَرَبَتْ وغَنّتْ،    فقد ساءتْ وسرّتْ من رآها

غناءٌ تســـــــتحقّ عليهِ ضـــرباً،    وضرباً تســـــتحقّ به غناها

*****

عبثَ النســـــــــيمُ بقـــــــدهِ فتــــــأودا،    وســـــــرَى الحيـــــاءُ بخدّهِ فتوردا

رشـــــــــأُ تفردَ فيهِ قلبي بالهـــــــوَى،    ضــــــــلمّا غَدا بجَمـــــــالِهِ مُتَفَرّدَا

قَمَرٌ هَدَى أهلَ الضّــــــلالِ بوَجهِــــهِ،    وأضَلّ بالفَــــرعِ الأثيثِ من اهتَدَى

كحَلَ العيــونَ بضـــــــوءِ نُور جَبينِهِ،    عندَ الســـــــفورِ، فلا عدمتُ الإثمدَا

مغرىً بإخلافِ المواعدِ في الهـــوَى،    يا ليتَـــــهُ جَعَلَ القَطيعَــــــةَ مَوعِدا

سَــــــلبَتْ مَحاسِـــــــنُهُ العُقُولَ بناظِرٍ    يُصدي القُلوبُ ومَنظرٍ يَجلو الصّدَا

يا صاحيَ الأعطافِ من سُكرِ الطّلى،    ما بالُ طَرفِكَ لا يَزالُ مُعَربِـــــــدَا

وحســــــــــامُ لحظكَ كامنٌ في غمدهِ،    ما بالهُ قــــدّ الضـــــــرائبَ مغمدَا

قاســـــــوكَ بالغُصنِ الرّطيبِ جَهالةً،    تاللهِ قــــد ظَلَمَ المُشـــــــبِّهُ واعتَدَى

حســـنُ الغُصون إذا اكتستْ أوراقُها،    ونَرَاكَ أحسَــــــــنَ ما تكونُ مُجَرَّدَا

أشـــــــجتكَ بالتغـــريبِ في تغريدِها،    فظننــــــتَ معبدَ كان بعضَ عبيدِها

وشـــــــدَتْ فأيقظتِ الرّقودَ بشَدودها،    وأعارتِ الأيقــــــــاظ طيبَ رقودِها

خودٌ شـــــــدتْ بلســـــــــانِها وبنانِها    حتى تشــــــــابهَ ضربُها ونشـــيدها

فكأنّ نغمةَ عودها في صــــــــــوتِها،    وكأنّ رقةَ صــــــوتِها في عــــودِها

فظنتْ لأبعادِ الشـــــــدودِ، فناســـبتْ    بالعدل بينَ قريبـــــها وبعيـــــــــدِها

كَمُلتْ صــــــنائعُ وضــــــعِها فكأنّما    وَرثتْ أصــــــــولَ العِلمِ عن داودِها

تســــــــبي العقولَ فصاحةً وصباحةً،   فَتَحارُ بينَ طريفِـــــــها وتَليــــــــدِها

من لهجـــةٍ مكســـــــــوبَةٍ، أو بهجَةٍ    منســـــوبةٍ، تحلو لعينِ حســـــــودِها

إنّي لأحســــــــــدُ عُودَها إن عانَقَتْ    عطفيهِ، أو ضــــــمتهُ بينَ نهـــــودِها

وأغــــارُ من لثمِ الكــــؤوسِ لثغرها،   وأذوبُ من لمس الحُليّ لجيـــــــــدِها

*****

إحدى الغواني إلى الزوراءِ    جاءتكَ تمشي على استحياءِ

*****

جميلـــــةٌ من بنــــاتِ الفكرِ    مكنونةٌ في حِجاب الصـــدر

حيَّتك تبــــــدي جميلَ العذر    فحيّ منـــــــها ألوفَ الخدر

يا ســــاكناً مثلها أحشـــائي

سيَّرتُها في ســـــماءِ الحمدِ    زهرةَ مــــدحِ لبدرِ الســـعدِ

لمن أياديــــــه جلّت عندي    قد خفَفــــــت في ثقيل الرفدِ

عن كاهلي منّةَ الأنواءِ

معشــــــوقةً أقبلت للوصل    لســـــــــانُها ناطقٌ بالفصلِ

تغنيــــك عن غيرها بالنقل    غناءَ كفّيــــــــك لي بالمحلِ

حتى عن الديمـــةِ الوطفاءِ

كم رقَّ ديباجُ نظمي وشـيا    وراقَ صوغي القوافى حُليا

كجوهرِ زان نحر العلـــيا    ذاك الذي لم تلد في الدنــــيا

نظيرَه من بني حواءِ

ذو طلعةٍ وهي أمُّ البشـــر    من شــــــامَها قال بنتُ البدرِ

وراحةٍ وهي أختُ البحـر    كم قلَّــــــدت للورى من نحرِ

بجوهر الرفدِ والنعــــماءِ

ســـــماؤها لم تزل مُنهلّة    بها ريـــــاضُ المُنى مخضلَّه

وغيرُها ليس يشـفي غلّة    عن النـــــــدى لن تزل معتلَّه

بالبخل لا فارقت من داءِ

*****

محمد بن عبدالمنعم

محمد بن عبدالمنعم بن محمد بن يوسف بن أحمد الأنصاري ، أبو عبدالله ، شهاب الدين بن الخيمي ( 602 – 685هـ ) ( 1205 – 1286م ) ، شاعر أديب ، يماني الأصل ، مولده ووفاته بالقاهرة . كان مقدماً على شعراء عصره ، وشعره في الذروة، وكان مشاركاً في كثير من العلوم .

مختارات من شعره :

لما علمـــــت بما ألقى من الوصــــب    بعثت لي عوذة عافــــت من الكرب

فضضتها فازدهانا الروض مبتســـــماً    وأنشــــــــدت فهنانا مجلس الطرب

ألفاظها والمعـــــاني في لطافتــــــــها    والنظم كالماء والصـــهباء والحبب

قد أعجزت بفنــــون من فصـــــاحتها    لولا التأخر كانت حجــــــة العرب

لما فهمت معانيها اســـــتناء بها ذهني    وعدن لذهـــــني محنــــــــة الأدب

فإن أجد في إمتثالي ما أمرت بــــــها    فذاك من غرس فضل منك مكتسـب

كاتبتني وأداء الحــــــق يعجــــــزني    فلا أزال لكم قنــــاً مدى الحقــــــب

لقد شــــــرفت بودي والولاء لـــــكم    ونسبة الود عندي أشـــــرف النسب

كم جئتـــــــكم ثم تثنيني مهابتـــــــكم    فانثنى وفنون الشـــــــوق تلعب بي

لا زلت يا جامع الآداب تلبس أثواب    المحاســـن كلاً غير ذي نصــــــب

تجلى عليــك فتســــــتحلي غرائبـها    أفكار ذي الفضل في أثوابها القشب

الهبل

حسن بن علي بن جابر الهبل اليمني ( 1048 – 1079 ) للهجرة (1638 – 1668) للميلاد ، أصله من قرية بني هبل هجرة من هجر خولان . شاعر زيدي عنيف ، يسمى أمير شعراء اليمن . من أهل صنعاء ولد ومات بها .

مختارات من شعره :

هي الدنيـــــــا وأنت بــــــها خبير    فكم هذا التجافي والغرور

تدلي أهلها بحبــــــــال غــــــــدر    فكل في حبائلها أســــــــير

إلى كـــم أنت مرتكــــن إليـــــها    تذل لك المنازل والقصور

وتضحك ملء فيك ولست تدري    بما يأتي به اليوم العســـير

وتصبح لاهيـــاً في خفض عيش    تحف بك الأماني والسرور

وعمرك كل يوم في انتقـــــاص    تسير به الليالي والشـــهور

وأنت على شــــفا النيران إن لم    يغثك بعفوه الرب الغفـــور

تنبه ويــك من ســــــنة التجافي    ولا تغفل فقد جاء النـــــذير

وشــــــــمر للترحل باجتـــــهاد    فقد أزف الترحل والمســير

وخذ حصـــــناً من التقوى ليوم    يقل به المدافع والنصـــــير

ولا تغتــــر بالدنيـــــــا وحـاذر    فقد أودى بها بشـــــر كثير

*****

وغيداء لا تنفــــكّ تملي عيونـــــها    على الناس من أســــــحار بابل ما تملي

تناءيت عنها وهي تدعــو إلى اللقا    وأعرضتُ عنها وهي تدعو إلى الوصل

وكلفتُ نفسي عن هواها تســــــلياً،    وكم قد ســــــلا بالمجد عن مثلها مثـــلي

فما خدعتني رقــــةٌ من كلامــــها    ولا دلّ قلبي نحــــــوها ملـــــقُ الــــــدلّ

ومن بالعلى والمجد أصبح مغرماً    يصدّ لعمري عن ســــــــعادٍ وعن جمــل

أبى الله أن أمســـي وأصبح هادماً    لما شــــــــادَ أبائي الأكارمُ من قبـــــــلي

وما زلتُ أبدي للزمان تجــــــــلداً    كأني عــــــما نابني عنه، في شـــــــــغل

أقضــــي زماني بالأمـــــاني تعلةً،    فما ســـــــمري إلا عســــــــاني أو علي

قرين هموم ليس أرجو لحلــــــها    ســـــــوى الله ربي مالكِ العقـــــدِ والحلّ

*****

ووجنة أوقدت نــــار الغـــرام فمن    ســـــمته لم ينج منها غير محترق

تبدو لنا من دم العشـــــاق في حلل    كما بدا الســيف محمراً من العلق

وقامة مثل غصـــــــن البان ناعمة    بدت فهيجــت الورقاء في الورق

هيفاء مهما جرى ماء الشـباب بها    فالماء في هرب والغصن في قلق

تغدو الغصون لديها وهي مطرقة    والطير تسجع من تيه ومن شــبق