عــصــام بــشــيـر الــعــوف

مــؤلــف و كــاتـب ســيــاسـي و إســلامــي



  

العصر العباسي



( 132 – 665 ) هـ ( 750 – 1258 ) م



مع آخر الخلفاء الأمويين ، مروان بن محمد ، بلغ الضعف مداه في أركان الدولة الأموية ، واغتنم أبو العباس السفاح هذه الفرصة، وكان قد بثّ دعاته في أنحاء البلاد ، وكان دموياً وذكياً وقوي الشخصية ، ومع أقوى مؤيديه أبي مسلم الخرساني وأكثر من خمسة عشر ألف فارس فارسي ، اجتاح المدن فتساقطت الواحدة تلو الأخرى ، حتى وقعت معركة الزاب التي أعلنت قيام الدولة العباسية . وعلا شأن الفرس في الدولة وتولوا أعلى المناصب . وقد قسم المؤرخون تاريخ الدولة العباسية إلى أربعة عصور هي :



العصر العباسي الأول : عصر القوة والزهو ، وعرف سبعة خلفاء أشهرهم المنصور والرشيد والمأمون ، قامت فيه ثورات شيعية ، وأحداث سياسية ، وفتوحات إسلامية على الأراضي البزنطية . كما شهد صراعاً عنصرياً ، وتفاعلاً اجتماعياً وحضارياً وفكرياً ، وتطورت فيه الحياة الاجتماعية والخلقية ، تجلت في العادات والتقاليد والعمران والمأكل والمشرب والملابس والأزياء والأثاث والغناء واللهو والترف وكثرة العبيد والجواري والغلمان وانتشار الخلاعة والمجون والزندقة إلى جانب الزهد والتدين والتعلق بالمساجد والأئمة والعلماء . وقد ظهر فقدان التوازن الاجتماعي ، مما جعل هذا العصر عصر المتناقضات . وعلى الصعيد الفكري ، عرف تفاعلاً لغوياً وتمازجاً ثقافياً ، وازدهرت حركة الترجمة . وعني الخلفاء والوزراء بالعلوم والآداب ، وأنشأ المأمون مكتبة دار الحكمة ، فحملت علوم الفرس والرومان والهند إلى بغداد وأرض الخلافة ، أما الحياة الأدبية فقد ازدهرت شعراً ونثراً ، ومن شعراء هذه الفترة أبو تمام وأبو العتاهية وبشار بن برد وأبو نواس . ومن الكتاب الجاحظ وابن المقفع وابن سلام الجمحي ، ومن الرواة أبو عبيدة والأصمعي ، ومن اللغويين الخليل بن أحمد وسيبويه والكسائي كما ازدهرت الدروس الإسلامية في المساجد حيث ظهرت المذاهب الإسلامية وتكونت ، وهذا أعظم ميزات هذا العصر.



العصر العباسي الثاني : غلب عليه نفوذ الأتراك الذين استقدمهم المعتصم ، ليقلل بهم نفوذ الفرس ، وأصبحوا يتصرفون بأمور الدولة ، كما اشتد تنافس أبناء الخلفاء للوصول إلى سدة الخلافة ، ونتيجة لذلك طمع الولاة بالاستقلال ، وتشكيل دويلات داخل الدولة العباسية : كالأدارسة في المغرب ، والطولونيين في مصر ، والبويهيين في فارس . أما على الصعيد الاجتماعي فقد استمر تمازج الشعوب والثقافات والحضارات ، ونشأت فئة جديدة في المجتمع من التجار والصناعيين والحرفيين وأصحاب المهن الحرة ، كما اختلت المقاييس في الأخلاق والقيم لكن الحياة العقلية قد شهدت تطوراً وازدهاراً كبيراً ، عرفها العصر الأول وآتت ثمارها في هذا العصر، سواء في العلوم الرياضية والفلكية والكيماوية والطبية ، كما في الفلسفة والفقه وعلم الكلام والحديث والأدب ، وأصبحت بغداد عاصمة فكرية عالمية ، تغزو غرب آسيا وشرق أوروبا . ومن أبرز أدبائه البحتري وابن الرومي في الشعر ، والجاحظ في النثر .



العصر العباسي الثالث : غلب عليه النفوذ البويهي ، وشهد تدهوراً سياسياً واجتماعياً، وقيام دويلات تتطاحن فيما بينهما منها الدولة البويهية وعاصمتها شيراز في فارس / إيران ، والدولة الحمدانية التي امتدت من الموصل إلى شمال سوريا وعاصمتها حلب. والإخشيدية في مصر وعاصمتها الفسطاط ، ثم الفاطمية في مصر وعاصمتها القاهرة. ومن أبرز شعرائه المتنبي وأبو فراس الحمداني والشريف الرضي وأبو العلاء المعري ومهيار الديلمي ، ومن الكتاب ابن العميد وأبو الفرج الأصفهاني والقاضي الجرجاني وابن رشيق ، ومن الفلاسفة ابن سينا وإخوان الصفا.



العصر العباسي الرابع: لم يبق للخليفة من نفوذ إلا السيطرة الاسمية على بغداد وما حولها ، وخضع الخلفاء لنفوذ السلاجقة ، وبدأت فيه الحروب الصليبية وقامت دولة الأيوبيين في مصر وسوريا ، وانتصر صلاح الدين على الصليبيين وحرر القدس ، ثم ظهرت دولة المماليك في مصر والشام ، وهاجم المغول أو التتار بلاد المسلمين وسقطت بعض الدويلات الإسلامية تحت حكمها ، ثم سقطت بغداد بأيدي المغول ، وسقطت معها الخلافة العباسية ، ثم تصدت دولة المماليك وأوقفت زحف المغول ، في معركة عين جالوت في فلسطين بقيادة القائد المملوكي قطز .



الخلفاء العباسيون :



1- أبو العباس عبدالله السفاح .



2- أبو جعفر عبدالله المنصور .



3- أبو عبدالله محمد المهدي .



4- أبو محمد موسى الهادي .



5- أبو جعفر هارون الرشيد .



6- أبو عبدالله محمد الأمين .



7- أبو العباس عبدالله المأمون .



8- أبو إسحاق محمد المعتصم بالله .



9- أبو جعفر هارون الواثق بالله .



10- أبو الفضل جعفر المتوكل على الله .



11- أبو جعفر محمد المنتصر بالله .



12- أبو العباس أحمد المستعين بالله .



13- أبو عبدالله محمد المعتز بالله .



14- أبو إسحاق محمد المهتدي بالله .



15- أبو العباس أحمد المعتمد على الله .



16- أبو العباس أحمد المعتضد بالله .



17- أبو أحمد علي المكتفي بالله .



18- أبو الفضل جعفر المقتدر بالله .



19- أبو منصور محمد القاهر بالله .



20- أبو العباس محمد الراضي بالله .



21- أبو إسحاق إبراهيم المتقي بالله .



22- أبو القاسم عبدالله المستكفي بالله .



23- أبو القاسم الفضل المطيع لله .



24- أبو بكر عبدالكريم الطائع بالله .



25- أبو العباس أحمد القادر بالله .



26- أبو جعفر عبدالله القائم بأمر الله .



27- أبو القاسم عبدالله المقتضي بأمر الله .



28- أبو العباس أحمد المستظهر بالله .



29- أبو المنصور الفضل المسترشد بالله .



30- أبو جعفر منصور الراشد بالله .



31- أبو عبدالله محمد المقتفي بأمر الله .



32- أبو المظفر يوسف المستنجد بالله .



33- أبو محمد الحسن المستضىء بأمر الله .



34- أبو العباس أحمد الناصر لدين الله .



35- أبو النصر محمد الظاهر بأمر الله .



36- أبو جعفر منصور المستنصر بالله .



37- أبو أحمد عبدالله المستعصم بالله .



المجتمع العباسي



تميز المجتمع العباسي بالغنى والترف ، وبتعدد الأجناس ، والديانات المتعايشة بسلام مع الأكثرية المسلمة الساحقة ، ويتجلى الترف بإشادة القصور من المرمر ، وتأثيثها بالرياش الفاخرة . وإستخدام الأواني الذهبية والفضية ، وكثرة الجواري والغلمان والنخاسين المتاجرين بهما ، وتعدد الحانات ، وسماع القيان . وأما أهل الديانات الأخرى ، فهم اليهود والصابئة والمانويون والنصارى المتعددو النزعات ، أما الأجناس فيتمثلون بالفرس والهنود والسريان وغيرهم ، كما ظهرت نزعات سياسية واجتماعية وعنصرية أعنفها الشعوبية.



الشعوبية نزعة فارسية الأصل تعادي العرب وقد أخذت من القول : إن جميع الشعوب سواء لا فرق بين شعب وشعب ، وأتباعها قسمان الأول : أهل التسوية أي المساواة مع العرب وحجتهم قول الله تعالى : “ إنما المؤمنون إخوة “ ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى . والثاني : المتطرفون الذين عانوا الذل من بعض العرب . وظهرت الشعوبية على أصعدة مختلفة :



سياسياً حيث اتهم بها أبو مسلم الخراساني وقتله المنصور ، واتهم بها البرامكة وقضى الرشيد عليهم ، وبسببها بالغ بعض الفرس بتأييد المأمون ضد الأمين .



واجتماعياً تقوم على ذم الحياة العربية ، وانتقاد أساليبهم في عادات المأكل والملبس والعمران والتنظيم الاجتماعي .



ودينياً غلب على الشعوبية اسم الزندقة ، والغاية الدعوة لبعض العقائد كالمجوسية والمزدكية والمانوية ومحاربة العقيدة الإسلامية لأنها هي التي أعزت العرب .



أما أدبياً فالشعوبية تنكر على العرب رقي أدبهم وجماله وبلاغته سواء في الشعر أم النثر وخاصة الخطابة ، وتزدري العديد من مواضيعه كالوقوف على الأطلال ووصف الشوق والحنين إلى الحياة البدوية ، وفي المقابل تدعو الشعوبية إلى التجديد، لا حباً بالتجديد وحسب ، بل محاربة القديم العربي لأنه عربي ، والجدير بالقول إن الداعين إلى التجديد قد أطلق عليهم أيضا المولدون . وأشهر من يمثل هذه النزعة من الشعراء بشار بن برد وأبو نواس . وقد استحسن بعض النقاد العديد من مواضع التجديد عند الكثير من المولدين، وعلى رأسهم من القدماء ابن رشيق القيرواني في كتابه (العمدة في صناعة الشعر ونقده ) .



الحالة الاقتصادية والعمرانية



عرف العرب أنظمة متحضرة في أمور عديدة ، كأمور الري ، وجمع الخراج وإنشاء طرق المواصلات ، كما شقوا الأقنية والمجاري ، وقاموا باستصلاح الأراضي ، واستخراج المعادن وتصنيعها ، وصناعة النسيج وزخرفتها بخيوط الذهب والفضة ، وكذلك صناعة الزجاج والعطور والطيوب ، وقد أدى ذلك إلى ازدهار التجارة ونقل البضائع إلى أجزاء بعيدة من أرض الخلافة ، ورافق هذا النمو نشاط عمراني ، في هندسة تخطيط المدن وتشييد القصور والميادين والمساجد والحمامات .



الحالة الفكرية



أقيمت دور المؤسسات العلمية ، كدار الحكمة في بغداد على يد المأمون ، والأزهر الذي بناه المعزلدين الله الفاطمي في القاهرة ، والمدارس النظامية على يد نظام الملك السلجوقي ، كما انتشرت حلقات العلم في المساجد ، وأنشئت المدارس والكتاتيب ، وازدهرت صناعة الورق للكتابة وانتشرت دكاكين الوراقين ، وفي موضوع الأدب ونقده ، هنالك الصراع بين القديم والجديد ، وبين أنصار المعنى وأنصار المبنى القائلين بأن المبنى تكمن فيه قيمة الأدب في جمال التعبير وروعة الأداء وأن المعاني متعارف عليها بين الناس ، كما تعددت تيارات الثقافة ، وهي :

ثقافة عربية إسلامية تعتمد على القرآن الكريم والحديث الشريف وما يتصل بهما من تشريع وقضاء وعلوم لغة ، كما اعتمدت على الشعر في العصور الجاهلي وصدر الإسلام والأموي .

ثقافة يونانية تعتمد على الفلسفة والعلوم والعقل والمنطق .



ثقافة هندية فارسية متنوعة منتشرة في العراق .



أما موضوع الأخلاق والقضايا الدينية والفلسفية فاتجاهاتها كثيرة ، منها :



السلفيون وهم يتخذون السلف الصالح مثالاً لهم ، ويتبعون أوامر الدين ، ويتجنبون نواهيه ولا يخوضون مع الخائضين .



الجبرية ويرون أن الإنسان مجبر لا مخير في أفعاله .



أما القدرية فيرون أن الإنسان حر مختار مسؤول عن أعماله .



والمعتزلة هم الذين يدعون بأنهم يأخذون بأحكام العقل ، ويعتقدون بأن الإنسان مخير في أفعاله ، وأن القرآن الكريم مخلوق ، وأن هنالك منزلة بين المنزلتين ، وهي الفاسق بين المؤمن والكافر . ويأخذون بأحكام العقل أولا ، ثم النص الإلهي والنبوي ثانيا ، غير أن أحدا لم يحكم بكفرهم لأنهم يعتمدون النص ولايخالفونه ويسلمون به في جوهر العقيدة والعبادات والأخلاق الإسلامية . وبسبب علمائهم ظهرت فتنة خلق القرآن ، هل هو قديم مع الله ويجب اتباع كل ماجاء فيه ، أم مخلوق من مخلوقاته قابل للتعديل والجدال والعياذ بالله ، وقد استمرت هذه الفتنة في زمن أربعة خلفاء فقد أيد المأمون والمعتصم أفكار المعتزلة حيث سجن وقتل بسببها الكثير من علماء المسلمين ومنهم الإمام أحمد بن حنبل ، صاحب المذهب الحنبلي رضي الله تعالى عنه. أما الخليفة الواثق فقد رحم بعض العلماء وأطلق الإمام أحمد وطلب منه الاختباء, أما المتوكل فقد أوقف الجدل وأنهى اضطهاد العلماء التعسفي .



الأشعرية وهم من وقفوا ضد أفكار المعتزلة ، ودعوا إلى التمسك بالدين ، وأن الهداية للشرع لا للعقل ، لأن للعقل حدودا تنتهي عندها مداركه .



الزندقة وهي التشكيك في الأديان والإيمان وأصلها يعود إلى المجوسية .



إخوان الصفا جماعة سرية دينية سياسية فلسفية ، تنتمي إلى الإسماعيلية الباطنية ، عاشوا في البصرة في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ، ويتزعمها خمسة تآلفوا وتصافوا واتفقوا على القداسة والطهارة ، ووضعوا مذهباً زعموا أنه يؤدي إلى الفوز برضوان الله ، ولذلك سموا بإخوان الصفاء وخلان الوفاء ، جمعوا معارف عصرهم العلمية والفلسفية والدينية في رسائل تزيد على الخمسين صفحة ، على أربعة أقسام هي الرياضيات والطبيعيات والعقليات والإلهيات ، لتكون أشبه بدائرة معارف ، مذهبهم يأخذ من كل علم ، أي تلفيقي ، اعتقدوا أن الشريعة دنست بالجهالات ، واختلطت بالضلالات ، ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة ، وإذا انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة المحمدية ، فقد حصل الكمال برأيهم .



التصوف أي لبس الصوف دليلاً على الزهد والتقشف ، ويقوم أولاً على ما اقتدى فيه المسلمون الأوائل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، من زهد ونسك وتقوى ، لكن النبي وأصحابه لم يلبسوا الصوف بهذا المعنى . واختلط التصوف بمفاهيم دينية وفلسفية ، وتحول إلى علم ببواطن الأمور ، وأصبح رياضة ومجاهدة للنفس للوصول إلى نقائها، ثم لمعرفة الحقائق عن طريق الكشف والمشاهدة أو ربما الظن ، ولابد للمتصوف عندهم أن يتبع شيخاً أو طريقة يدله بها على طريق نقائه ، بتلقينه ذكر الله وكيفيته ، وينتقل من مرتبة إلى مرتبة أعلى منها ، حتى يصبح عندهم أهلاً للتجلي ومعرفة بواطن الأمور أو كما يسمونها الحقائق . وأصبح التصوف فلسفة روحية ، لها قواعدها في السلوك والأخلاق حسب رأيهم ، ومناهجها في تذوق الحقائق ، ولاسيما متصلاً بمعرفة الذات الإلهية ، وهي المنبع الفياض لكل ما يتجلى في الكون، من الحق والخير والجمال . ويرون أن علم الشريعة قسمان : علم الظاهر أي علم الفقهاء في الأحكام العامة والمعاملات والعبادات ، ووسيلته الإدراك ، وعلم الباطن وتختص به الصوفية ويشمل بواطن القلوب ومجاهدة النفس ، ووسيلته التذوق ، ونشأ صراع بين الصوفيين والفقهاء. كما تعرض كبار الصوفية للأذى كالحلاج والسهروردي المقتول وابن عربي لافتقارهم للمنطق البديهي الذي يفهمه عامة الناس . لا ريب أن الصوفية صعب فهمها ، لغموض ألفاظها، وتعقيد عباراتها ، ويلجأ المتصوفون إلى الرمز والمجاز ، وأصبحت لهم لغة مستقلة ، لا يفهمها حتى الخاصة . أما الطرق الصوفية فهي كثيرة، وحسب أسماء أصحابها ، منها : القادرية ، النقشبندية ، الجشتية ، السهروردية ، المجددية ، الشاذلية، البدوية ، السنوسية ، المولوية ، الإدريسية ، التيجانية ، البكداشية ، الحبشية . أشهر الصوفيين : حارث المحاسبي ، الغزالي ، عبدالقادر الجيلاني ، حسن البصري ، أحمد السرهندي ، ابن عربي ، مهر علي شاه، علي هجويري ، جوهر شاهي . أشهر كتب التصوف : إحياء علوم الدين ، الرسالة القيشيرية ، مكتوبات الربانية ، الفتوحات المكية ، كشف المحجوب ، دين الله . مصطلحات التصوف : المحبة ، المعرفة ، فناء، بقاء ، سالك ، الشيخ ، الطريقة ، تجلي ، وحدة الوجود .



الشيعة والطوائف الباطنية



الشيعة هم من شايع الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، بعد استشهاد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه . وتحول هذا التأييد السياسي إلى مذهب ديني. وأصبح الإمام علي بعد وفاته ، معصوماً عن الخطأ ، وأنه ولي الله ، شأنه في ذلك شأن النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه أحق بالخلافة بعد النبي مباشرة، ولم تقف الشيعة عند هذا الحد ، بل تعدت العصمة إلى أبناء وأحفاد الإمام علي . غير أن العصمة وكذلك الخلافة بعد النبي ، قد فقدت أهميتها في العصر الحديث سياسيا، لأنهما مسألتان تخصان الإمام علي وعصره ، أما العصمة فقد أعطت الشيعة تغيير أحكام العقيدة والفقه والادعاء أن الإمام المعصوم قد غير وبدل، وهذا يرفضه أهل السنة بشكل قطعي. كما أن المذهب الشيعي الآن محصور في كتب محددة ، وليس لأحد أن يزيد عليها أو أن ينقص إلا إذا ادعى الشيعة بأن الأئمة والمرشدون المعاصرون لديهم من نسل الإمام علي او من غير نسله لهم العصمة أيضا .



والشيعة ثلاثة أقسام هي :



1- الشيعة الإمامية : وعدد الأئمة المعصومين المتبعين إثنا عشر إماماً ، هم : علي بن ابي طالب – الحسن بن علي – الحسين بن علي– زين العابدين علي بن الحسين- محمد بن علي ( الباقر ) – جعفر بن محمد ( الصادق ) – موسى بن جعفر- علي بن موسى – محمد بن علي – علي بن محمد – الحسن بن علي – محمد بن الحسن .



وتتبع الشيعة الإمامية مذهب الإمام جعفر الصادق ، وتنتشر في إيران وبعض المناطق في العراق ولبنان وسورية .



2- الشيعة الزيدية : وتدين بمذهب الإمام زيد بن زين العابدين علي بن الحسين ، وتنتشر في اليمن ، كما أنها لا تشتد ضد مذاهب السنة بل وتتوافق معها أكثر مما تتقارب مع بقية الشيعة .

والجدير بالذكر أن الإمام جعفر الصادق ، إمام المذهب الجعفري الشيعي ، كان استاذاً ومعلماً لكل من الإمامين أبي حنيفة ومالك رضي الله عنهم جميعاً .



وكذلك الإمام زيد بن علي كان معلماً للإمام أبي حنيفة ، وقد اختبأ الإمام زيد في بيت تلميذه أبي حنيفة حين كان بعض ولاة بني أمية يلاحقونه .



3- الشيعة الباطنية : وهم الفرق الباطنية ، التي تحصر العلوم الدينية في أيدي أئمتها ومشايخها ،بل سرا لا تطاله العامة بأي حال من الأحوال كما أن الدين لا ينحدر لنقاش الجاهلين وصغار السن ، حفاظاً على قدسية الشرع الحنيف ، وفاتهم أنهم بذلك منعوا عن الناس مراجعة أحكام دينهم كما يلغي عقولهم والتفكير بالخالق والاهتمام بمصالحهم الدنيوية المادية ، كما أن مفهوماً آخر قد انتشر بين الناس ، هو أن الباطنية تعني النفاق ، أي يظهر الشيعي الباطني من العقيدة غير مايبطن ، وهذا غير صحيح ، لأنه لا يعلم حقيقة عقيدته ، إلا ما هو مسموح له أن يعرف . ومن الفرق الباطنية الدروز ، والعلويون ، وفرق الإسماعيلية وغيرهم .



أثر الحياة العامة في اللغة والأدب



الصراع الأدبي أحد أبرز الآثار ، فالدعوة إلى التجديد ، واستيحاء الطبيعة ، والصدق في بث المشاعر ، قابلتها حركة معاكسة من المحافظين على القديم ، التي يؤيدها الخلفاء والوزراء والعامة من الناس ، وقد ظل المديح في المرتبة الأولى عند أكثر الشعراء ، وقلما يتفرغ الشاعر لنفسه ، ليتغنى بعواطفه وميوله ، ويكون بذلك بعيداً عن عطاء الخلفاء والأغنياء ، ومنهم من هو غني عنهم ، كابن المعتز وأبي فراس الحمداني ، ومنهم من واجه ضائقة مالية شديدة كابن الرومي .



وتبعاً لذلك ساد الشعر والنثر في تلك الفترة – القرن الرابع الهجري – الصنعة والتكلف ، حيث حفلا بالمحسنات البديعية .



كما تميز العصر باللهو ، وقد اصطبغ الأدب بهذه الصبغة ، فكثر فيه ذكر المجون والغزل والخمريات ووصف القيان ومجالس الطرب والغناء ، الذي نجده في شعر بشار وابن الرومي وأبي نواس .

أما التعقل والتدين ، فنجدهما من خلال الزهد في شعر أبي العتاهية ، كما نجد التعقل والجد والطموح والمنطق والفلسفة ، عند أبي تمام والبحتري وأبي فراس والمتنبي وأبي العلاء المعري . كما يلحق بشعر الزهد شعر الصوفية وموضوعها العزة الإلهية، وشوق المتصوف إلى الاتصال بها ، والفناء فيها للوصول إلى الحقيقة وإلى السعادة ، وأشهر شعراء التصوف ابن الفارض وابن عربي . كما عني الشعراء بوصف الطبيعة كما عند البحتري وابن الرومي ، والشعر القصصي كما عند جميل وعمر بن أبي ربيعة وأبي نواس .

وتشعبت أيضاً فنون الأدب في النثر ، فظهرت الكتابة العلمية في العلوم الطبيعية والرياضيات وعلوم النجوم ، كما ظهرت المقامات عند الحريري وبديع الزمان الهمذاني وهي قصة خفيفة تحفل بالزخارف والصور البيانية ، كالاستعارة والمجاز والسجع والجناس والتورية والطباق ، والقصص الدينية كما عند الكسائي والثعلبي في قصص الأنبياء ، وقصة يوسف الصديق وأهل الكهف وقصة الإسراء والمعراج والقصص التي تتناول سير الخلفاء والقواد والأمراء والأقصوصة القصيرة التي نراها في كتابات الجاحظ وابن المقفع التي تتميز بالكثير من الخصائص المعروفة من مقومات الفن القصصي في العصر الحديث ، وهناك أيضاً القصص الشعبي البطولي والخيالي الخرافي كما في سيرة عنترة وألف ليلة وليلة .

كما تطورت الرسائل فبعد أن كانت تمتاز باستخدام المحسنات اللفظية كالسجع كما تستعمل أساليب الشعر وتضمينه بكثرة ، أصبحت الرسائل طويلة يتناول أصحابها السياسة والأخلاق والعلم والاجتماع كرسالة الصحابة لابن المقفع ورسالة القيان ورسالة التربيع والتدوير للجاحظ ورسالة الغفران ورسالة الملائكة للمعري ، وكذلك رسالة أيها الولد لأبي حامد الغزالي في الدراسات الدينية .



أما اللغة العربية فقد قدر لها الانتشار الواسع حتى صارت لغة الأمم التي أظلتها الحضارة الإسلامية ، كما تأثرت بلغات هذه الأمم فاقتبست الكثير من الألفاظ الأجنبية أو المعربة وخاصة من الفارسية واليونانية مثل : هندسة ، فلسفة ، إقليم ، أسطول ، أقيانوس ، قرميد ، أستاذ ، قماش ، بستان . كما انتشر اللحن أي الخطأ حتى احتاج الناس لكتب النحو واللغة التي ظهرت بكثرة وهذا يدل على ازدهار الحياة الثقافية التي نعم بها أبناء ذلك العصر ، سواء في كثرة المدارس والعلوم ، وخاصة المذاهب الأربعة . ويجب التنويه ، بأن العلوم في العصور العباسية كانت على نوعين ، عربية إسلامية كعلوم الشريعة والفقه والتفسير والحديث والقراءات والكلام والنحو والصرف والبيان والبلاغة والأدب والتاريخ ، وعلوم أجنبية الأصل كالمنطق والرياضيات والطب والكيمياء والفلك وعلم النبات والحيوان وما شابه ذلك .



ويجب القول بأن الحياة العباسية الزاخرة ساعدت على رقي الأدب والعلوم ، في ظل الدين الإسلامي الحنيف وحضارته السمحة ، كما كانت معطياتها الإنسانية غنية وشاملة ، حيث ظهر فيها شعراء خالدون كالمتنبي ، وكتاب موسوعيون كالجاحظ وابن المقفع وأبي حيان والغزالي والمعري وغيرهم ، ممن تركوا في الأدب العربي روائع خالدة مثل : كليلة ودمنة ، وكتاب البخلاء ، والمنقذ من الضلال ، ورسالة الغفران ، والإمتاع والمؤانسة، وألف ليلة وليلة وغيرها .



بحور الشعر



اكتشفها ووضع تفعيلاتها الخليل بن أحمد ، ونظم أبياتها التالية صفي الدين الحلي .



1- البحر الطويل :

طويلٌ له دون البحور فضائل   فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن


طويلٌ له دون البحور فضائل   فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن



2- البحر المديد :



لمديد الشعر عندي صفاتُ   فاعلاتن فاعلن فاعلاتن

3- البحر البسيط :

إن البسيط لديه يُبسط الأمل  مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن

4 - البحر الوافر :                

بحور الشعر وافرها جميل   مفاعلتن مفاعلتن فعولن

5- البحر الكامل :

كَمُلَ الجمال من البحور الكامل   متفاعلن متفاعلن متفاعلن

6- البحر الهزج :

على الأهزاج تسهيل   مفاعيلن مفاعيلن

7- البحر الرجز :

في أبحر الأرجاز بحرٌ يُسْهلُ   مستفعلن مستفعلن مستفعلن

8- البحر الرمل :

رمل الأبحر تَرويه الثقات   فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن

9- البحر السريع :

بحرٌ سريعٌ مالهُ ساحلُ   مستفعلن مستفعلن فاعلن

10- البحر المنسرح :

منسرحٌ فيه يُضرب المثلُ   مستفعلن مفعولاتُ مفتعلن

11- البحر الخفيف :

يا خفيفاً خفت به الحركات  فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن

12- البحر المضارع :

تعدّ المضارعات  مفاعيلُ فاعلاتن

13- البحر المقتضب :

اقتضب كما سألوا  فاعلاتُ مفتعل

14- البحر المجتث :

إن جثّت الحركات   مستفعلن فاعلاتن

15- البحر المتقارب :

عن المتقارب قال الخليل   فعولن فعولن فعولن فعولن

16- البحر المتدارك أو المحدث :

حركات المحدث تنتقل  فعلن فعلن فعلن فعلن

المذاهب الإسلامية

ظهرت المذاهب الإسلامية وتكونت مع بداية العصر العباسي ، وهي أهم ميزاته على الإطلاق ، وقد بدأت قصة ظهور المذاهب الإسلامية منذ فجر الدعوة ، فقد كان رسول الله عليه وسلم يغرس تعاليم الدين الجديد وأحكامه في التربة الطرية من أصحابه رضي الله عنهم ، ممن هم على عتبة الشباب من أمثال عبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمر وأبي هريرة وغيرهم ، كما أرسل عدداً من الصحابة معلمين ومدرسين إلى الأصقاع التي دخلت أو ستدخل حظيرة الدين الجديد ، ومن هؤلاء مصعب بن عمير ، الذي أرسله إلى يثرب قبل الهجرة ، ليدعو أهلها إلى الإسلام ، وليشرح لهم ويعلمهم مبادئ الدين الجديد ، كما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن لنفس الغرض ، وقد نجحا فيما قاما فيه .

وقد اتبع خلفاؤه رضي الله عنهم ، خطاه الشريفة في إرسال المعلمين ، فقد أرسل عمر بن الخطاب عبدالله بن مسعود إلى العراق ، وأبا الدرداء إلى بلاد الشام وغيرهم، كما استبقى في المدينة المنورة عبدالله بن عمر ، وزيد بن ثابت الأنصاري إلى جانب أم المؤمنين عائشة ، فقد كانت حلقتها من أوسع حلقات الدروس ، وأغزرها طلاباً .

ولم تكن مهمة أحدهم تعليم الناس القراءة والكتابة ، ولكن تعليمهم الإسلام ،كأن يتحدث الصحابي المعلم عن الصلاة مثلاً ، فيذكر فروضها وواجباتها وسننها وشروطها وأركانها ، ويجيب على أسئلة تلاميذه ، وفي الدرس التالي يستذكر ماقد شرح .

وكان حضور الدروس منتظماً ومستمراً كالدراسة الأكاديمية المعاصرة ، ويبقى التلميذ مستمراً في الحضور لعدة سنوات من أربع إلى ثمان سنوات ، وإذا غاب أرسل أستاذه أحد رفاقه ليسأل عنه وعن أسباب غيابه .

وكان الصحابي المعلم يختار أحد تلاميذه القدامى ، ليصبح أستاذاً لحلقة بقرب حلقته في المسجد ، وكانت الحلقات تتعدد وتكثر بطلاب العلوم الإسلامية . كما تعددت في مساجد عديدة ، عبر السنوات .

وكان الصحابي يلقي إليهم ما تعلمه من الرسول مباشرة ومن كبار الصحابة دون زيادة أو نقصان . وإن حدث برأيه قال هذا رأيي الذي أراه . ولم يكن الاستشهاد بالقرآن الكريم أوالأحاديث الشريفة ضرورياً ، إذا يكفي الصحابي أن يقول : كنا نفعل كذا وكذا، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثم توارث أئمة الحلقات الفقهية من الصحابة والتابعين والفقهاء ، العلوم الإسلامية بأسلوب موثق . وقد انتهت علوم هذه الحلقات إلى أئمة المذاهب ، وهي كثيرة يصل عددها إلى السبعين مذهباً ، أشهرها أربعة ، لم تندثر بل بقيت علومها متوارثة حتى اليوم ، وهي مذهب الإمام أبي حنيفة ، ومذهب الإمام مالك بن أنس ، ومذهب الإمام الشافعي ، ومذهب الإمام أحمد بن حنبل .

ومن أسباب بقاء هذه المذاهب ، لأن تلاميذها لم يكتفوا بالسماع ، بل كانوا يكتبون مايسمعون ، كما أن هذه المذاهب اشتملت على كل شيء في العلوم الإسلامية ، ولما كانت أكبر عنايتهم بالفقه سموا بالفقهاء .

وقد استفادت المذاهب من بعضها البعض أثناء التدوين فالإمام أسد بن الفرات صاحب الإمام مالك وتلميذه ، لم يكتب كتاب " المدونة " عمدة المذهب المالكي ، التي أملاها الإمام مالك إلا بعد لقائه بالإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه. وكذلك الإمام محمد بن الحسن ، بدوره لم يكتب " الكتب الستة " الموجودة الآن ضمن كتاب " المبسوط " عمدة المذهب الحنفي للإمام السرخسي ، إلا بعد لقائه مع الأئمة أسد بن الفرات والشافعي . كما كتب الإمام الشافعي كتابه " الأم " بعدما أخذ عن مالك ، وتدارس مع ابن الحسن الفقه والتشريع . ويجب القول إن الدراسة المقارنة لم تكن معروفة قبل أئمة المسلمين رضي الله عنهم .

ولم يكن هدف هؤلاء الأئمة التنافس على التلاميذ بل التعاون للوصول إلى حقيقة مايريده الله ورسوله ومن ثم الامتثال والطاعة .

ولقد سبقت هذه المذاهب جميع الدراسات الإسلامية في الظهور ، حتى ليمكن القول بأن ما من دراسة إسلامية ظهرت ، إلا وكانت معتمدة بشكل كبير على أحد هذه المذاهب أو عليها مجتمعة . ولا نستثني من ذلك كتب تفسير القرآن الكريم ، أو جوامع الحديث الشريف وصحيحها ، أو أمهات كتب النحو واللغة والبلاغة .

فقد كان أئمة الحديث يدرسون الحديث ويتحققون من صحته بدراسة السند أي الرجال الذين تناقلوه ، منذ النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصوله إلى إمام الحديث ، فإذا وجدوا ضعفاً أو شبهة في رجل منهم رفضوا الحديث ، وكذلك يتحققون من دراسة المتن ، وهذا يعني موضوع الحديث وفكرته ، ويعودون في ذلك إلى ما جاء في المذاهب ، فإذا وجدوا فيها ما يلائم المعنى فيما جاء في الحديث يقبلونه ويعتبرونه صحيحاً .

أما عند مفسري القرآن الكريم ، فإنهم لا يقبلون تفسير آية من الآيات ، إذا كان لا يتلاءم مع ما هو واضح في الدين في المذاهب ، فهي موثوقة كل الثقة لا يرقى إليها الشك .

وجدير بالذكر أن المذاهب أصبحت منتشرة بين الناس ، حتى اختلطت عندهم مع العادات والتقاليد ، ويظنون حكماً من أحكامها أحياناً مجرد عادة ، ويكون في الحقيقة من صلب العقيدة وأحكامها .

ويخطئ الكثير من الناس حين يقرؤون في كتب الحديث أو التفسير ، ثم يصححون ما جاء في المذاهب ، وقلما يوجد بينهما اختلاف ، وهذا خطأ جسيم ، لأن المذاهب هي الأصل الموثوق به نقلاً عن الله ورسوله والصحابة والتابعين وقد قام الفقهاء وتلاميذهم بتدوينه بأسلوب موثق ، لا خلاف على صحته .

ويجب القول إن الناس يخطئون حين يعتقدون بأن المذهب قد وضعه صاحبه ، لأنه في الحقيقة قام بنقل ما جاء فيه نقلاً أميناً موثوقاً عن التابعين عن الصحابة عن الله ورسوله ، واجتهد في بعض الأمور ، وهي واضحة في مذهبه ، فالمذهب لم يبدأ من صاحبه وإنما انتهى به أما الاجتهاد فينحصر في الأمور المستجدة .

القراءات

سعى قراء الصحابة المبعوثين إلى جميع الأقطار فِى تعليم القرءان وتحفيظه سعياً عظيماً . وقد اكتظت كتب التاريخ بأخبارهم كما فِى “تاريخ دمشق” لأبِى زرعة الدمشقِى و”فضائل القرآن” لإبن الضريس و”تاريخ دمشق” لأبن عساكر وغيرها من الكتب المتداولة . ولم يكن عدد المصاحف فِى البلاد الإسلامية فِى عهد الصحابة يقل عن مائة ألف مصحف . وأشهر قراء الصحابة ابن مسعود وأبِى بن كعب وابن عباس وأبو موسى الأشعرِى وأبو الدرداء وغيرهم رضِى الله عنهم أجمعين . أما عدد القراء فقد بلغ الآلاف حتى قيل إن جميع الصحابة والتابعين وتابعيهم من القراء .

روى البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة “الفرقان” في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أُساوره – أي أثب عليه - في الصلاة، فصبرت حتى سلم، فَلَبَّبْتُه بردائه – أي أمسك بردائه من موضع عنقه – فقلت: من أقرأك هذه السورة ؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت، فانطلقتُ به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأ فيها، فقال: أرسله – أي اتركه – اقرأ يا هشام ، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال: كذلك أنزلت، ثم قال: اقرأ يا عمر ، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال: كذلك أنزلت، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه) .

وقد ظهر علم سمي بعلم “القراءات القرآنية” يدرس المقصود من هذا العلم ، وأقسام تلك القراءات وأنواعها. كما حذر العلماء من تلقي القرآن من غير طريق التلقي والسماع والمشافهة . وقد ألَّفوا في علم القراءات كتبا عدة ، “القراءات” لأبي عبيد – القاسم بن سلاَّم و "التذكرة” لمكي بن أبي طالب ، و“حرز الأماني ووجه التهاني” لـ القاسم بن فيرة ، وهو عبارة عن نظم شعري لكل ما يتعلق بالقرَّاء والقراءات ، و” النشر في القراءات العشر” للإمام الجزري .

القراءات العشر: هي التي وصلت إلينا بطريق صحيح ، متواتر أو مشهور ، منزلة من عند الله تعالى ، وموحى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

1. قراءة نافع المدني ، وأشهر من روى عنه قالون و ورش .

2. قراءة ابن كثير المكي ، وأشهر من روى عنه البَزي و قُنْبل .

3. قراءة أبي عمرو البصري ، وأشهر من روى عنه الدوري و السوسي .

4. قراءة ابن عامر الشامي ، وأشهر من روى عنه هشام و ابن ذكوان .

5. قراءة عاصم الكوفي ، وأشهر من روى عنه شعبة و حفص .

6. قراءة حمزة الكوفي ، وأشهر من روى عنه خَلَف و خلاّد .

7. قراءة الكِسائي الكوفي ، وأشهر من روى عنه أبو الحارث ، و حفص الدوري .

8. قراءة أبي جعفر المدني ، وأشهر من روى عنه ابن وردان و ابن جُمَّاز .

9. قراءة يعقوب البصري ، وأشهر من روى عنه رُوَيس و رَوح .

10. قراءة خَلَف ، وأشهر من روى عنه إسحاق و إدريس .

أما غير هذه القراءات ، فهو شاذ غير متواتر ، لا يجوز اعتقاد قرآنيته ، ولا تصح الصلاة به ، والتعبد بتلاوته ، إلا أنهم قالوا: يجوز تعلُّمها وتعليمها وتدونيها ، وبيان وجهها من جهة اللغة والإعراب . وتوجد أيضا قراءات تروى بأسانيد ملفقة كاذبة وحقها أن لا تعد من القراءات بالمرة . وظهر حديثا إهتمام خاص عند بعض المستشرقِين في الغرب ينشر مؤلفات علماء الإسلام الأقدمين فيما يتعلق بشواذ القراءات متظاهرين بمظهر البحث العلمِى البرئ كذبًا وزورًا وخداعًا .



الفقهاء الأربعة في العصر العباسي



أئمة المسلمين السنة أصحاب المذاهب الأربعة هم :

الإمام أبو حنيفة النعمان ، ( 80هـ / 699 م – 150 هـ / 767 م ) ، ومذهبه الحنفي.

الإمام مالك بن أنس ، ( 93هـ / 796 م ) ، ومذهبه المالكي .

الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، ( 150هـ / 766 م – 204هـ / 820 م ) ، ومذهبه الشافعي .

الإمام أحمد بن حنبل ، ( 164هـ / 780 م – 241هـ / 855 م ) ، ومذهبه الحنبلي .





الفقهاء في العصر العباسي



فقهاء المذاهب



أبو حنيفة النعمان

هو النعمان بن ثابت بن النعمان المولود سنة (80هـ/699م). وأصل أجداده من كابول في أفغانستان فهو أفغاني الأصل غير فارسي، وكان تاجراً مشهوراً بالصدق والأمانة والوفاء،منصرفاً إلى مهنة التجارة مع أبيه، فلما رآه عامر الشعبي الفقيه الكبير ولمح مافيه من مخايل الذكاء ورجاحة العقل أوصاه بمجالسة العلماء والنظر في العلم،فاستجاب لرغبته وانصرف بهمته إلى حلقات الدرس وما اكثرها في الكوفة،فروى الحديث ودرس اللغة والأدب ، وكان من كثرة اهتمامه بأن لا يضيع عنه ما يتلقاه من العلم يقضي الوقت بالطواف على المجالس حاملاً أوراقه وقلمه وحنيفة الحبر ، فاشتهر بها وكني أبو حنيفة ، واتجه إلى دراسة علم الكلام حتى برع فيه براعة عظيمة مكنته من مجادلة أصحاب الفرق المختلفة ومحاجّاتهم في بعض مسائل العقيدة ، ثم انصرف إلى الفقه ولزم دروس الفقه عند حماد بن أبي سليمان .

لقد أدرك أبو حنيفة جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم أنس بن مالك بن النضر ، وعبدالله بن أوفى ، ووائلة بن الأسقع ، وسهل بن سعد ولازم أبو حنيفة شيخهُ حماد بن أبي سليمان وتخرج عليه وواصل دراسته عنده ثماني عشرة عاماً ، ولم يفارق شيخهُ حماداً حتى توفي ومما يدل على حبه له إنه سمى ولده (حماد) إعتزازاً بشيخهِ . ولقد هاجر من الكوفة إلى مكة المكرمة وأقام فيها عدة سنوات ، وأكمل دراسته الفقهية على عطاء بن أبي رباح ، ومجاهد وهما تلميذي الصحابي عبدالله بن عباس . وبلغ عدد العلماء الذين أخذ منهم إجازة العلم واتصل بهم أكثر من سبعين عالماً . وبعد موت شيخهُ حماد بن أبي سليمان آلت رياسة حلقة الفقه إلى أبي حنيفة ، وهو في الأربعين من عمره ، والتفّ حوله تلاميذه ينهلون من علمه وفقهه ، وكانت له طريقة مبتكرة في حل المسائل والقضايا التي كانت تطرح في حلقته، فلم يكن يعمد هو إلى حلها مباشرة ، وإنما يطرحها على تلاميذه ، ليدلي كل منهم برأيه ، ويعضّد ما يقول بدليل ، ثم يعقّب هو على رأيهم ، ويصوّب ما يراه صائباً ، حتى تقتل القضية بحثاً ، ويجتمع أبو حنيفة وتلاميذه على رأي واحد أو أكثر يقرونها جميعاً . وكان أبو حنيفة يحف تلاميذه بالرعاية ، وينفق على بعضهم من ماله، مثل ما فعل مع تلميذه أبي يوسف حين كفّله في العيش لما رأى ضرورات الحياة تصرفه عن طلب العلم ، وأمده بماله حتى يفرغ تماماً للدراسة ، ويقول أبو يوسف المتوفى سنة   ( 182هـ - 797 م ) : " وكان يعولني وعيالي عشرين سنة ، وإذا قلت له : مارأيت أجود منك ، يقول : كيف لو رأيت حماداً – يقصد شيخه – ما رأيت أجمع للخصال المحمودة منه ". وكان مع اشتغاله يعمل بالتجارة ، حيث كان له محل في الكوفة لبيع الخزّ ( الحرير ) ، يقوم عليه شريك له، فأعانه ذلك على الاستمرار في خدمة العلم والتفرغ للفقه . نشأ مذهب أبي حنيفة في الكوفة مهد مدرسة الرأي ، وتكونت أصول المذهب على يديه ، وأجملها في قوله: " إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته ، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا لم أجد فيها أخذت بقول أصحابه من شئت ، وادع قول من شئت، ثم لا أخرج عن منقولهم إلى قول غيرهم ، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم، والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب فلي أن أجتهد كما اجتهدوا ". وهذا القدر من أصول التشريع لا يختلف فيه أبو حنيفة عن غيره من الأئمة ، فهم يتفقون جميعاً على وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة لاستنباط الأحكام منها التي لاتقف عند ظاهر النصوص، بل تغوص إلى المعاني التي تشير إليها ، وتتعمق في مقاصدها وغاياتها . ولا يعني اشتهار أبي حنيفة بالقول بالرأي والاكثار من القياس إنّه يهمل الأخذ بالأحاديث والآثار ، أو أنه قليل البضاعة فيها ، بل كان يشترط في قبول الحديث شروطاً متشددة، مبالغة في التحري والضبط ، والتأكد من صحة نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا التشدد في قبول الحديث هو ماحمله على التوسع في تفسير ماصح عنده منها ، والإكثار من القياس عليها حتى يواجه النوازل والمشكلات المستجدَّة . ولم يقف اجتهاد أبي حنيفة عند المسائل التي تعرض عليه أو التي تحدث فقط ، بل كان يفترض المسائل التي لم تقع ويقلبها على جميع وجوهها ثم يستنبط لها أحكاماً، وهو مايسمى بالفقه التقديري وفرض المسائل ، وهذا النوع من الفقه يقال أن أبا حنيفة هو أول من استحدثه ، وقد أكثر منه لإكثاره استعمال القياس ، روي أنه وضع ستين ألف مسألة من هذا النوع . لم يؤثر عن أبي حنيفة أنه كتب كتاباً في الفقه يجمع آراءه وفتاواه ، وهذا لاينفي أنه كان يملي ذلك على تلاميذه ، ثم يراجعه بعد إتمام كتابته ، ليقر منه مايراه صالحاً أو يحذف مادون ذلك، أو يغير ما يحتاج إلى تغيير، ولكن مذهبه بقي وانتشر ولم يندثر كما اندثرت مذاهب كثيرة لفقهاء سبقوه أو عاصروه ، وذلك بفضل تلاميذه الموهوبين الذين دونوا المذهب وحفظوا كثيراً من آراء إمامهم بأقواله وكان أشهر هؤلاء : أبو يوسف يعقوب بن ابراهيم الأنصاري المتوفي عام (183هـ/799 م) ، ومحمد بن الحسن الشيباني المتوفي في عام (189هـ/805 م) ، وزفر بن الهذيل ، وهم الذين قعدوا القواعد وأصلوا الأصول في المذهب الحنفي . ولقد قضى الإمام أبو حنيفة عمره في التعليم والتدريس ولقد تخرج علي يديه الكثير من الفقهاء والعلماء ، ومنهم ولده حماد ابن أبي حنيفة ، وإبراهيم بن طهمان ، وحمزة بن حبيب الزيات ، وأبو يحيى الحماني، وعيسى بن يونس ، ووكيع ، ويزيد بن زريع ، وأسد بن عمروالبجلي ، وحكام بن يعلى بن سلم الرازي ، وخارجن بن مصعب ، وعبد الحميد ابن أبي داود، وعلي بن مسهر ، ومحمد بن بشر العبدي ، ومصعب بن مقدام ، ويحيى بن يمان ، وأبو عصمة نوح بن أبي مريم ، وأبو عبد الرحمن المقريء ، وأبو نعيم وأبو عاصم ، وغيرهم كثير. وصلت إلينا كتب محمد بن الحسن الشيباني كاملةً ، وكان منها ما أطلق عليه العلماء كتب ظاهر الرواية ، وهي كتب المبسوط والزيادات ، والجامع الكبير والجامع الصغير، والسير الكبير والسير الصغير، وسميت بكتب ظاهر الرواية، لأنها رويت عن الثقات من تلاميذه ، فهي ثابتة عنه إما بالتواتر أو بالشهرة . وقد جمع أبو الفضل المروزي المعروف بالحاكم الشهيد المتوفي سنة ( 344هـ /955م ) كتب ظاهر الرواية بعد حذف المكرر منها في كتاب أطلق عليه " الكافي " ، ثم قام بشرحه شمس الأئمة السرخسي المتوفي سنة ( 483هـ / 1090م ) في كتابه " المبسوط " ، وهو مطبوع في ثلاثين جزءاً ، ويعد من أهم كتب الحنفية الناقلة لأقوال أئمة المذهب ، بما يضمه من أصول المسائل وأدلتها وأوجه القياس فيها . وضع الإمام أبو حنيفة عدة كتب في الفقه الحنفي منها : المخارج في الفقه ، الفقه الأكبر . انتشر مذهب أبي حنيفة في البلاد منذ أن مكّن له أبو يوسف بعد توليه منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية ، وكان المذهب الرسمي لها ، كما كان مذهب السلاجقة والدولة الغزنوية ثم الدولة العثمانية ، وهو الآن شائع في أكثر البقاع الإسلامية ، ويتركز وجوده في مصر والشام والعراق وأفغانستان وباكستان والهند والصين . مد الله في عمر أبي حنيفة ، فقد تهيأ له من التلاميذ النابهين من حملوا مذهبه ومكنوا له ، وحسبه أن يكون من بين تلاميذه أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وزفر، والحسن بن زياد ، وأقر له معاصروه بالسبق والتقدم ، قال عنه النضر بن شميل : " كان الناس نياماً عن الفقه حتى أيقظهم أبو حنيفة بما فتقه وبيّنه " ، وبلغ من سمو منزلته في الفقه أن قال فيه الإمام الشافعي : " الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة ". كما كان ورعاً شديد الخوف والوجل من الله ، وتمتلئ كتب التاريخ والتراجم بما يشهد له بذلك ، ولعل من أبلغ ما قيل عنه ما وصفه به العالم الزاهد فضيل بن عياض بقوله : " كان أبو حنيفة رجلاً فقهياً معروفاً بالفقه ، مشهوراً بالورع ، واسع المال ، معروفاً بالأفضال على كل من يطيف به ، صبوراً على تعليم العلم بالليل والنهار ، كثير الصمت ، قليل الكلام حتى يرد مسألة في حلال أو حرام ، فكان يحسن أن يدل على الحق ، هارباً من مال السلطان ". وتوفي أبو حنيفة في بغداد بعد أن ملأ الدنيا علماً وشغل الناس في ( 11 من جمادى الأولى 150هـ/14 من يونيو 767م ) ويقع قبره في مدينة بغداد بمنطقة الأعظمية في مقبرة الخيزران على الجانب الشرقي من نهر دجلة.

مذهب الإمام أبي حنيفة

ويعتبر مذهب الأحناف من المذاهب التي كان لها فضل كبير على الفقه الإسلامي، من خلال تحرير مسائله، وترتيبها في أبواب ، حيث يعد الإمام أبو حنيفة أول من دون علم الشريعة ورتبه أبوابًا، ثم تابعه مالك بن أنس في ترتيب الموطأ، ولم يسبق أبا حنيفة في ذلك أحد، لأن الصحابة والتابعين لم يضعوا في علم الشريعة أبوابًا مبوبة، ولا كتبًا مرتبة، وإنما كانوا يعتمدون على قوة حفظهم، فلما رأى أبو حنيفة العلم منتشرًا، خاف عليه من خلف السوء أن يضيعوه، فدونه وجعله أبوابا مبوبة، وكتبًا مرتبة، فبدأ بالطهارة ثم بالصلاة، ثم بسائر العبادات، ثم المعاملات، ثم ختم الكتاب بالمواريث " ، وهو الأمر الذي اعتمده الفقهاء من بعده. وكان أبو حنيفة أول من صنف في الحديث النبوي الشريف مرتباً على أبواب الفقه. وجُمع حديث أبي حنيفة في سبعة عشر مسنداً.

بدأ مذهب أبي حنيفة عام 120هـ يوم أن جلس الإمام أبو حنيفة للإفتاء والتدريس بعد وفاة شيخه حمّاد بن أبي سليمان، وإن كانت جذور المذهب تمتد إلى ما قبل ذلك، وينتهي بوفاة آخر الأربعة الكبار من تلاميذه وهو الحسن بن زياد اللؤلؤي 204هـ.

والكتب الأولى التي وضعها الإمام محمد بن الحسن جمعت كلام الإمام وكلام أصحابه أيضًا، وسميت (ظاهر الرواية، وهي ستة كتب المبسوط والأصل، و الجامع الصغير والجامع الكبير والسير الصغير والسير الكبير، والزيادات وسُمِّيت بظاهر الرواية لأنها رويت عن محمد برواية الثقات فهي متواترة أو مشهورة عنه، وقد جمع الحاكم الشهيد كتب ظاهرة الرواية في كتاب واحد سماه (الكافي)، وقام بشرحه السرخسي في كتابه (المبسوط)، وهو من الكتب المعتمدة عند الحنفية كما ألف الإمام محمد كتباً أخرى مثل الجرجانيات، والكيسانيات والهارونيات والنوادر، الرقيات، والحجة على أهل المدينة ، وألف الحسن بن زياد اللؤلؤي كتاب المجرد منزلة كتب الصاحبين في المذهب والكتب التي كتبت في هذا الدور، وفي مقدمتها كتب الإمام محمد رحمه الله، هي أساس مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وهي التي اشتغل بها علماء الحنفية في الدور التالي بياناً وشرحاً، وعليها عولوا، ومن معينها استقوا. وتنقسم كتب الأحناف إلى ثلاثة مراتب هي : المختصرات ثم الشروح ثم الفتاوى والواقعات وجاءت بعدها كتب أخرى- المسانيد المنسوبة للإمام أبي حنيفة والعديد من أصحابه وتلاميذه .

أ - المختصرات:

1- مختصر الطحاوي

2- الكافي للحاكم الشهيد وقد اختصر فيه الكتب الستة

3- تحفة الفقهاء للسمرقندي

4- مختصر القدوري وهو الذي يطلق عليه لفظ الكتاب في المذهب

5- بداية المبتدي للميرغناني وقد جمع فيه مختصر القدوري مع الجامع الصغير

6- المختار لأبي الفضل عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي

7- كنز الدقائق للنسفي

8- وقاية الرواية لصدر الشريعة

ب - الشروح :

1- المبسوط للإمام السرخسي شرح فيه مختصر الطحاوي

2- بدائع الصنائع لعلاء الدين الكاساني شرح فيه تحفة الفقهاء للسمرقندي

3- الهداية للميرغناني وهي شرح لكتابه بداية المبتدي

4- الاختيار لتعليل المختار للموصلي شرح فيه كتابه المختار

ج - الفتاوى والواقعات:

1- فتاوى شمس الأئمة الحلواني

2- الفتاوى الكبرى للصدر الشهيد

3- الفتاوى النسفية

4- فتاوى قاضيخان

وهذه الكتب أصبحت هي المعتمدة فالمختصرات أعلاها ثم الشروح ثم الفتاوى ، ثم كتب أخرى كالمسانيد المنسوبة للإمام أبي حنيفة وتلاميذه ومنها : - اللباب في الجمع بين السنة والكتاب للمنجبي - نصب الراية للزيلعي - ملتقى الأبحر للحلبي - تنوير الأبصار للتمرتاشي - نور الإيضاح للشرنبلالي .

ونورد فيما يلي العديد من المؤلفات في المذهب الحنفي من أهمها :

1- الفقه الكبير

2- مسند الحديث

3- كتاب العالم والمتعلم

4- ظاهر الرواية الستة

5- الجامع الكبير

6- الجامع الصغير

7- السير الكبير

8- السير الصغير

9- المبسوط لشمس الدين السرخسي.

10- الأصل

11- الزيادات

12- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني.

13- الهداية للمرغيناني.

14- حاشية ابن عابدين، "رد المحتار على الدر المختار.

15- عقود الجواهر المنيفة في أدلة مذهب أبو حنيفة.

16- الاختيار في تعليل المختار للموصلي.

17- اللباب في شرح الكتاب للقدوري.

18- فتح القدير لابن الهمام.

19- مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر.

20- النوادر للإمام محمد

21- الجرجانيات

22- الهاردنيات

23- الكيسانيات

24- الرقيات

25- الكافي للحاكم الشهيد المروزي

26- مختصر الهداية للمرغياني وشروحه

27- فتح القدير للكمال بن الهمام

28- رد المحتار المعروف بحاشية ابن عابدين

29- مجلة الأحكام.

30- "الفرائد البهية في القواعد والفوائد

31- تحفة الفقهاء لعلاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي

32- مختصر القدوري لأبي الحسين أحمد بن محمد القدوري

33- الوقاية لبرهان الشريعة لمحمود بن أحمد

34- المختار لأبي الفضل مجد الدين عبدالله بن محمود الموصلي

35- مجمع البحرين لمظفر الدين أحمد بن علي المعروف بابن الساعاتي

36- كنز الدقائق لأبي البركات حافظ الدين عبدالله بن أحمد بن محمود النسفي

37- البحر الرائق للشيخ زين الدين بن ابراهيم بن محمد الشهير بابن نجيم

مالك بن أنس

الإمام مالك ( 93هـ/715م – 179هـ/796م ) إمام دار الهجرة وأحد أئمة المذاهب الأربعة المشهورين ، ومن بين أهم أئمة الحديث النبوي الشريف . هو أبو عبدالله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن حارث . وأمه هي العالية وقيل الغالية بنت الشريك الأزدية . ومالك جد الإمام من كبار التابعين وروى عن عمر وطلحة وعائشة وأبي هريرة وحسان بن ثابت وكان من أفاضل الناس وأحد الأربعة الذين حملوا نعش عثمان بن عفان . ولد الإمام مالك في ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين من الهجرة /712م بذي المروة وكان أخوه النضر يبيع البز فكان مالك معه بزازاً ثم طلب العلم وكان ينزل أولاً بالعقيق ثم نزل المدينة المنورة . لقد نشأ مالك في بيت اشتغل بعلم الحديث . وكان أكثرهم عناية عمه نافع المكنى بأبي سهيل ، وكان أخوه النضر مشتغلاً بالعلم ملازماً للعلماء حتى أن مالك كان يكنى بأخي النضر لشهرة أخيه . بدأ الإمام مالك يطلب العلم صغيراً تحت تأثير البيئة التي نشأ فيها وتبعاً لتوجيه أمه له ، حفظ القرآن ثم اتجه لحفظ الحديث وكان لابد من كل طالب علم من ملازمة عالم من بين العلماء وقد جالس مالك ناشئاً صغيراً ثم انقطع لابن هرمز سبع سنين لم يخلطه بغيره ثم اتجه مالك إلى نافع مولى ابن عمر فجالسه وأخذ عنه علماً كثيراً وقد اشتهر أن أصح الأحاديث : "مالك عن نافع عن ابن عمر". كما أخذ مالك عن ابن شهاب الزهري . يقول الإمام مالك : حينما بلغت التعليم جاءت عمتي وقالت : اذهب فاكتب (تريد الحديث) وانطلق يلتمس العلم وحرص على جمعه وتفرغ له ولازم العديد من كبار العلماء ، لعل أشدهم أثراً في تكوين عقليته العلمية التي عرف بها هو أبو بكر بن عبدالله بن يزيد المعروف بابن هرمز المتوفى سنة 148هـ ، فقد روي عن مالك أنه قال : كنت آتي ابن هرمز من بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل . كذلك يعد أكثر وأشهر الفقهاء والمحدثين الذين لازموا نافع مولى ابن عمر وروايته يقضي معه اليوم كله من الصباح إلى المساء سبع سنوات أو ثماني ، وكان ابن هرمز يجله ويخصه بما لا يخص به غيره لكثرة ملازمته له ولما ربط بينهما من حب وتآلف ووداد . أخذ الإمام مالك عن الإمام ابن شهاب الزهري وهو أول من دون الحديث ومن أشهر شيوخ المدينة المنورة وقد روى عنه الإمام مالك في موطئه 132 حديثاً بعضها مرسل. كما أخذ عن الإمام جعفر الصادق من آل البيت وأخرج له في موطئه 9 أحاديث منها 5 متصلة مسندة أصلها حديث جابر في الحج والأربعة منقطعة . كذلك روى عن هشام بن عروة بن الزبير ، محمد بن المنكدر ، يحيى سعيد القطان الأنصاري ، سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وربيعة بن عبدالرحمن المعروف بربيعة الرأي وعبدالله بن المبارك وغيرهم ، من أقرانه الأوزاعي والثوري والليث وخلق . وروى عنه عبدالرحمن بن مهدي والقنعي والشافعي . وقد بلغ عدد شيوخه على ما قيل 300 من التابعين و600 من أتباع التابعين . لما أصبح له باع جلس للفتيا بعد أن استشار كبار العلماء في المسجد النبوي الذي كان يعج بالتابعين وتابعي التابعين من أمثال الزهري وابن شهاب وربيعة الرأي، وقد قيل جلس للفتيا وهو ابن سبع عشرة سنة . يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال : " ليضربن الناس أكباد الإبل في طلب العلم ، فلا يجدون عالماً أعلم من عالم المدينة " وقال غير واحد بأنه مالك بن أنس . وكان يتحرى تحرياً عظيماً في الفتوى فكان يسأل في العدد الكثير من المسائل ولا يجيب إلا في القليل . وكثيراً ما كان يتبع فتواه بالآية الكريمة إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين ( الجاثية 31 ) . وكان لا يحدث إلا عن ثقة وكان إذا شك في الحديث طرحه . ولا يحدث إلا على طهارة ولا يحدث أو يكتب حديثاً واقفاً وكان لا يفضل على المدينة بقعة سواها . شهد له أهل العلم بالإمامة وأثنوا عليه ، منهم ابن هرمز " أدعية عالم الناس "، ابن شهاب " أنت من أوعية العلم " قيل لأبي الأسود : الأسود من للرأي بعد ربيعة بالمدينة ؟ قال : الغلام الأصبحي ( مالك) . سفيان بن عيينة : " ما نحن عند مالك ؟ إنما نحن نتبع آثار مالك ". وقال :" ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد مالك ". وقال :" مالك سيد أهل المدينة ". وقال :" مالك سيد المسلمين". الشافعي :" إذا جاء الخبر فمالك النجم ". وقال :"مالك بن أنس معلمي   ( أستاذي ) وما أحد امنُ علي من مالك ، وعنه أخذنا العلم وإنما أنا غلام من غلمان مالك "، وقال : مالك وسفيان قرينان ومالك النجم الثاقب الذي لا يلحق . الأوزاعي : رأيت رجلاً عالماً ( يقصد مالكاً ). أبو يوسف :" مارأيت أعلم من ثلاث مالك وابن أبي ليلى وأبي حنيفة". الليث : علم مالك تقي ، علم مالك تقي ، مالك امان لمن أخذ عنه من الأنام". ابن المبارك :" لو قيل لي اختر للأمة إماماً ، لأخترت مالكاً. ابن المهدي : "مالك أفقه من الحكم وحماد" وقال : أئمة الحديث الذين يقتدى بهم أربعة سفيان بالكوفة، ومالك بالحجاز ، والأوزاعي بالشام ، وحماد بن يزيد بالبصرة ". وقال : مابقي على وجه الأرض أأمن على حديث رسول الله من مالك ". يحيى بن سعيد : "مالك أمير المؤمنين في الحديث ". وقال : "مالك هو أعلى أصحاب الزهري ، وأوثقهم وأثبت الناس في كل شيء "، وقال :" مالك نجم الحديث المتوقف عن الضعفاء، الناقل عن أولاد المهاجرين والأنصار ". النسائي : أمناء الله على وحيه هم شعبة ، ومالك ، ويحيى بن سعيد القطان ، ما أحد عندي أفضل بعد التابعين من مالك ولا أجل منه ولا أحد أمن على الحديث منه ". أحمد بن حنبل :"مالك أحسن حديثاً عن الزهري من ابن عيينة ، ومالك أثبت الناس في الزهري ". وقد كان تلاميذه من شتى بقاع الأرض لا يعدون ولا يحصون والذي ساعده على ذلك أنه كان مقيماً بالمدينة المنورة وكان الحجاج يذهبون لزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فيجلسون نحوه يتعلمون منه العلم ، فمنهم من كان يطول به المقام عند الإمام مالك ومنهم من كان يقصر به المقام . والذي جعل أيضاً تلاميذ الإمام مالك كثيرين أن الإمام مالكاً كان معمراً فلقد أطال الله في عمره حيث عاش تسعين عاماً. وأحصى الذهبي ما يزيد عن ألف وأربعمائة تلميذ ، منهم : عبدالرحمن بن القاسم وعبدالله بن وهب وأشهب بن عبدالعزيز القيسي وأسد بن الفرات وعبدالملك بن عبدالعزيز الماجشون . اهم مؤلفاته وأجل آثاره كتابه الشهير الموطأ الذي كتبه بيده واشتغل في تأليفه ما يقرب من 40 سنة . وهو الكتاب الذي طبقت شهرته الآفاق واعترف الأئمة له بالسبق على كل كتب الحديث في عهده وبعد عهده إلى عهد الإمام البخاري . قال الإمام الشافعي : ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك ، وفي رواية أكثر صواباً وفي رواية أنفع . وهذا القول قبل ظهور صحيح البخاري . قال البخاري :" أصح الأسانيد كلها : مالك عن نافع عن ابن عمر "، وكثيراً ما ورد هذا الإسناد في الموطأ . قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي : الموطأ هو الأصل واللباب وكتاب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب ، وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمذي . ويعتبر شرح الزرقاني أهم شرح له . من مؤلفات الإمام مالك أيضاً : الرد على القدرية ورسالة في القدر وكتاب النجوم والحساب مدار الزمن ورسالة في الأقضية في 10 أجزاء وتفسير غريب القرآن وغيرها . ورويت عن الإمام مالك المدونة وهي مجموعة رسائل فقهية تبلغ نحو 36 ألف مسألة وهي مطبوعة في ثلاثين جزءا وهي عمدة المذهب المالكي . قال أبو قدامة : مالك أحفظ أهل زمانه . وقال الشافعي إذا ذكر العلماء فمالك النجم . وبعد حياة عريضة حافلة توفي ( رحمه الله ) في ربيع الأول سنة 179هـ/795م عن عمر يناهز ثلاثة وثمانين سنة ، حيث صلى عليه أمير المدينة عبدالله بن محمد بن إبراهيم العباسي وشيع جنازته واشترك في حمل نعشه ودفن في البقيع .

مذهب الإمام مالك

هوأحد المذاهب الإسلامية الأربعة، والذي يتبنى الآراء الفقهية للإمام مالك بن أنس. تأسس المذهب المالكي على يد مالك بن أنس، وذلك في أوائل القرن الثاني الهجري، وتطورت معالمه على يد تلاميذه من بعده. تبنت دولة المرابطين في المغرب الأقصى مذهب مالك ونشروا الكتب التي تحوي آراءه، توسع المذهب ورسخت قواعده، قال ابن حزم: (مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان، الحنفي في المشرق، والمالكي بالأندلس.) وتعتبر جامعة القرويين بفاس أقدم جامعة في العالم تعتمد المذهب المالكي ، وجامع الزيتونة بتونس من أهم مراكز المالكية في العالم.

أصول المذهب المالكي :

نحا الإمام مالك منحى فقهاء أهل المدينة في الأصول التي بنى عليها اجتهاده، واتخذت بعده أساسا لمذهبه. والأدلة التي اعتمدها علماء المدينة في عمومها هي نفس الأدلة التي اعتمدها غيرهم من أهل السنة والجماعة؛ هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وإنما اختلفوا عن غيرهم من أهل الرأي في مدى الاعتماد على الحديث، وشروط قبوله والعمل به، ثم اللجوء إلى القياس ومتى يكون حجة. وتميز المذهب المالكي بالاعتماد على عمل أهل المدينة.

منهج مالك في الاستنباط الفقهي

ولقد صنع فقهاء المذهب المالكي في فقه مالك ما صنعه فقهاء المذهب الحنفي، فجاؤوا إلى الفروع وتتبعوها، واستخرجوا منها ما يصح أن يكون أصولا قام عليها الاستنباط في مذهب مالك، ودونوا تلك الأصول التي استنبطوها على أنها أصول مالك ولعل أدق إحصاء لأصول المذهب المالكي هو ما ذكره "القرافي" في كتابه "شرح تنقيح الفصول" حيث ذكر أن أصول المذهب هي القرآن والسنة والإجماع وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والعرف والعادات وسد الذرائع والاستصحاب والاستحسان

عمل أهل المدينة: من الأصول التي انفرد بها مالك واعتبرها من مصادر فقه الأحكام والفتاوى. كما أنه خالف مالك في مسائل عدة أقوال أهل المدينة

كان للإمام مالك منهج اجتهادي متميز يختلف عن منهج الفقهاء الآخرين، وهو وإن كان يمثل مدرسة الحديث في المدينة ويقود تيارها، فقد كان يأخذ بالرأي ويعتمد عليه، وأحيانا توسع في الرأي أكثر ما توسع فيه فقهاء الرأي في العراق، كاستعماله الرأي والقياس فيما اتضح معناه من الحدود والكفارات مما لم يقل به علماء المذهب الحنفي.

الاستحسان: لقد اشتهر على ألسنة فقهاء المذهب المالكي قولهم: "ترك القياس والأخذ بما هو أرفق بالناس" إشارة إلى أصل الاستحسان؛ لأن الاستحسان في المذهب المالكي كان لدفع الحرج الناشئ عن اطراد القياس، أي أن معنى الاستحسان طلب الأحسن للإتباع.

المصالح المرسلة: من أصول مذهب مالك المصالح المرسلة، ومن شرطها ألا تعارض نصًا.

سد الذرائع: هذا أصل من الأصول التي أكثر مالك الاعتماد عليه في اجتهاده الفقهي، ومعناه المنع من الذرائع، أي المسألة التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل ممنوع.

العرف والعادة: إن العرف أصل من أصول الاستنباط عند مالك، وقد بنيت عليه أحكام كثيرة؛ لأنه في كثير من الأحيان يتفق مع المصلحة، والمصلحة أصل بلا نزاع في المذهب المالكي.

الاستصحاب: كان مالك يأخذ بالاستصحاب كحجة، ومؤدى هذا الأصل هو بقاء الحال على ما كان حتى يقوم دليل يغيّره.

إن أخص ما امتاز فقه مالك هو رعاية المصلحة واعتبارها، لهذا فهي عمدة فقه الرأي عنده اتخذها أصلا للاستنباط مستقلا.

أبرز علماء المذهب

مالك بن أنس (93 ـ 179 هـ)

عبد الرحمن بن القاسم العتقي (132 ـ 191 هـ).

عبد الله بن وهب المصري (125 ـ 197 هـ).

أشهب بن عبد العزيز بن داود المصري (145 ـ 204 هـ).

عبد الله بن عبد الحكم المصري (155 ـ 214 هـ).

اصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع (151 ـ 225 هـ).

أسد بن الفرات (142 هـ -213 هـ).

سحنون بن سعيد القيرواني , صاحب المدونة الكبرى أهم مصادر الفقه المالكي (160 ـ 240 هـ).

أهم تلاميذ الإمام مالك الذين تفقهوا عليه

الحجازيون :

- أبو حازم سلمة بن دينار (ت 185هـ)،

- أبو محمد عبد العزيز بن محمد الدراوردي (ت 186هـ)،

- ابن نافع، عبد الله بن نانع الصائغ (ت 186هـ)،

- المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي (ت 188هـ)،

- القزاز، معن بن عيسى (ت 198هـ)،

- الأعمش، عبد الحميد بن أبي أويس (ت 202هـ)،

- أبن سلمة، محمد بن سلمة بن هشام (ت 206هـ)،

- الأصغر ابن نافع، عبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير (ت 216هـ)،

- أبو مصعب مطرف بن عبد الله بن مطرف المدني (ت 220هـ)،

- القعنبي، عبد الله بن سلمة (ت 221هـ)،

- أبو مصعب راوي الموطأ : أحمد بن القاسم ( ت 242هـ)، وغيرهم .

‏العراقيون :

- سليمان بن بلال القاضي (ت 176هـ)،

- ابن المبارك، شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك (ت 181هـ)،

- ابن مهدى، عبد الرحمن بن مهدى (ت 198هـ)،

- الوليد بن مسلم راوي الموطأ (ت 199هـ)،

- يحيى بن يحيى النيسابوري (ت 226هـ)، (وهو غير راوي المرطأ يحيى بن يحيى الأندلسي صاحب الرواية المشهورة ) .

‏المصريون :

- ابن القاسم عبد الرحمن بن القاسم العتقي، أثبت الناس في مالك، لازمه عشرين سنة، (ت 191هـ)،

- ابن وهب عبد الله بن وهب القرشي أثبت الناس في مالك صحبه عشرين سنة أيضا (ت 197هـ)،

- أشهب بن عبد العزيز بن داود (ت 204هـ)،

- ابن عبد الحكم، عبد الله بن عبد الحكم بن أعين (ت 214هـ).

‏الأفريقيون :

- شقران بن علي القيرواني (ت 186 هـ)،

- ابن فروخ، عبد الله بن فروخ القيرواني (ت 176 هـ)،

- ابن زياد، على بن زياد التونسي (ت 183هـ)،

- البهلول بن راشد القيرواني (ت 183 هـ)،

- ابن غانم الرعيني، عبد الله بن عمر بن غانم القيرواني (ت 172 هـ)،

- أسد بن الفرات (ت 213هـ).

الأندلسيون :

- شبطون زياد بن عبد الرحمن القرطبي (ت 193هـ)،

- الغازي بن قيس القرطبي (ت 195هـ)،

- يحى بن يحى القرطبي راوي الموطأ، وروايته أشهر الروايات، (234هـ)،

- عيسى بن دينار القرطبي ( ت 212هـ)،

وبهذين الأخيرين انتشر المذهب في الأندلس .

‏وصار لمذهب الإمام من العلماء، في هذه الأمصار يقومون بحفطه وخدمته، فكان منهم من يجتهد في المذهب بالتخريج والترجيح، وحفظ الروايات، ومنهم المفتي الحافظ لأقوال المذهب.

‏وكان من العلماء المالكيين في مصر أمثال . الحارث بن مسكين، وابن رشيق، وابن شاس .

‏وكان في العراق أمثال : القاضي إسماعيل، وابن خويز منداد، وابن اللبان، والقاضي أبى بكر الأبهري، والقاضي أبي الحسن بن القصار، والقاضي عبد الوهاب أبن نصر.

‏وكان في الأندلس : عبد الملك بن حبيب، وتلميذه العتبي، وغيرهما .

وكان في القيروان : سحنون بن سعيد .

‏وقد قام هؤلاء وأمثالهم بنشر المذهب، ونصرته، وتدوينه، وجمعه من موطأ الإمام، ومما أملاه على أصحابه، ومن تخريج العلماء على أصول الإمام التي تتسع لحوادث الأزمان المتجددة .

مصر - خليل بن إسحاق الجندي(776 هـ).

العراق - أبو بكر الباقلاني.

الأندلس - عبد الواحد بن عاشر(990 هـ - 1040 هـ).

الأندلس- القرطبي (صاحب التفسير توفي سنة 671 هـ)

المغرب - القاضي عياض.

الأندلس - الشاطبي

الأندلس - أبو بكر بن العربي.

الأندلس - أبو الوليد الباجي.

تونس - المازري. (453-536 هـ)

الأندلس - ابن رشد الجد(450 - 520 هـ).

الجزائر - محمد بن مرزوق الجد(710 - 781 هـ).

الجزائر - محمد بن مرزوق الحفيد(766 - 842 هـ).

المغرب -ابن الحاج.

عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون.

الأندلس -ابن عبد البر.

العراق - عبد الوهّاب بن نصر المالكي.

العراق - ابن عسكر البغدادي(644 - 732 هـ).

الجزائر - عبد الرحمن الثعالبي(786 - 875 هـ).

الجزائر - محمد بن يوسف السنوسي(ت 895 هـ).

الجزائر - محمد بن عبد الكريم المغيلي(ت 909 هـ).

الجزائر - أحمد بن محمد المقري(986 -1041 هـ).

مصر - أحمد الدردير(1127-1201).

تونس - ابن عرفة(716- 803 هـ).

مصر - إبراهيم اللقاني.

المغرب - أبو الحسن علي بن أحمد الخصاصي.

مصر - سليم البشري (1248 - 1916 هـ)

مصر - محمد عليش

الجزائر - عبد الحميد بن باديس.

الجزائر - البشير الإبراهيمي.

الجزائر - محمد الطاهر آيت علجت.

المغرب -أحمد زروق.

ليبيا -عبد السلام الأسمر.

ليبيا -سالم بن طاهر.

موريتانيا - الشيخ ماء العينين.

تونس - محمد الطاهر بن عاشور.

السعودية - عبد القادر بن علي المشاط المنافي.

السعودية - محمد علوي المالكي.

مصر - أحمد طه ريان (شيخ المالكية الاوحد حالياً)

مصر - حمدى عبدالمنعم شلبى (أحد كبار مشايخ المذهب حالياً)

مصر - أحمد الطيب (شيخ الأزهرال48)

المغرب - طه عبد الرحمان.

موريتانيا - محمد الحسن ولد الددو.

الجزائر - أبو بكرالجزائري.

المغرب - الشيخ سعيد الكملي.

ليبيا -الصادق الغرياني.

أهم مصادر مذهب مالك

‏الكتب المعتمدة في المذهب المالكي، أشهرها :

"المدونة الكبرى" ‏للإمام مالك بن أنس، مؤسس المذهب، برواية سحنون بن سعيد التنوخي عن الإمام عبد الرحمن بن القاسم عنه.

‏وتعدُّ "المدونة" أصل المذهب المالكي وعمدته، تداولها أربعة من المجتهدين : مالك، وابن القاسم، وأسد، وسحنون"،

‏والمشهور أن مالكا لم يدونها، بل هو الذي رواها، وتلقاها عنه تلميذه : عبد الرحمن بن القاسم الذي سمعها منه أسد بن الفرات، فعبْد الرحمن هو أول من عملها ورواها .

"الواضحة" لعبد الملك بن سليمان بن حبيب (ت 238هـ)، وهى من أجل الكتب الفقهية في المذهب.

"المستخرجة العتبية على الموطأ" ويطلق عليها "العتبية" لمحمد العتبي بن أحمد القرطبي (255هـ).

"الموازية" لمحمد بن إبراهيم الإسكندري، ابن المواز (ت 269هـ).

"الرسالة" ويطلق عليها : (باكورة السعد) . لابن أبى زيد القيرواني (ت 386هـ).

"نوادر ابن أبي زيد" جمع فيه ابن أبي زيد بين الأمهات : فجاء كتابا ضخمًا.

"التفريعات" لابن الجلاب .

"الذخيرة" للقرافي .

"المختصر" : "مختصر خليل" في الفقه المالكي للشيخ أبي الضياء خليل بن إسحاق (ت 776هـ).

وقد اختصره من جامع الأمهات لابن الحاجب



ومن أهم الشروح لـ "مختصر خليل":

- "مواهب الجليل لشرح مختصر خليل" ‏لأبي عبد الله محمد المعروف بـ "الحطاب" (ت 953هـ). وهو من أجل وأعظم شروح المختصر

– "شرح الزرقاني على مختصر خليل". وهو من الشروح التي لاقت القبول عند متأخري المالكية.

– "فتح الجليل على مختصر خليل" لأبي عبد الله محمد الخرشي (ت 1101هـ).

– "حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل" .

– "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" للعلامة شمس الدين محمد بن عرفة الدسوقي (ت 1230هـ).

– "الإكليل شرح مختصر خليل" للشيخ محمد الأمير (ت 1232هـ)

- "شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل" للشيخ محمد عليش.

وقد نسب لمالك - أيضا - كتاب يسمى: "كتاب السر"، من رواية ابن القاسم عنه

‏ الشافعي

محمد بن إدريس الشافعيّ ( 150هـ 766م – 204هـ/820م ) . مجدد الإسلام في القرن الثاني الهجري كما نص على ذلك الإمام أحمد بن حنبل وهو أيضاً أحد أئمة أهل السنة وهو صاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي . يُعَدّ الشافعيّ مؤسّس علم أصول الفقه ، وهو أول من وضع كتاباً لأصول الفقه سماه الرسالة . هو أبو عبدالله محمد بن أدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبدالله بن ابن يزيد بن عبد المطلب بن عبدمناف بن قصي بن كلاب القرشي المطلبي الشافعي الحجازي المكّي يلتقي في نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبدمناف بن قصي . ولد في سنة مائة وخمسين وهي السنة التي توفي فيها أبو حنيفة . وُلِدَ بغزّة ، وقيل بعسقلان ، ثم أُخِذَ إلى مكة وهو ابن سنتين . نشأ في حجر أمّه في قلة من العيش ، وضيق حال ، وكان في صباه يجالس العلماء ، ويكتب ما يفيده في العلوم ونحوها ، حتى ملأ منها خبايا ، وقد كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب ، ثم اتجه نحو تعلّم الفقه فقصد مجالسة الزنجي مسلم بن خالد الذي كان مفتي مكة . ثم رحل الشافعي من مكة إلى المدينة قاصداً الأخذ عن أبي عبدالله مالك بن أنس ، ولمّا قدم عليه قرأ عليه الموطأ حفظاً ، فأعجبته قراءاته ولازمه ، وكان للشافعي حين أتى مالكاً ثلاث عشرة سنة ثم نزل باليمن . واشتهر من حسن سيرته ، وحمله الناس على السنة . ثم ترك ذلك وأخذ في الاشتغال بالعلوم ، ورحل إلى العراق وناظر محمد بن الحسن الشيباني ، تلميذ أبي حنيفة وغيره ، ونشر علم الحديث ومذهب أهله ، ونصر السنة وشاع ذكره وفضله وطلب منه عبدالرحمن بن مهدي إمام أهل الحديث في عصره أن يصنّف كتاباً في أصول الفقه فصنّف كتاب الرسالة ، وهو أول كتاب صنف في أصول الفقه، وكان عبدالرحمن ويحيى بن سعيد القطان يعجبان به ، وقيل أنّ القطّان وأحمد بن حنبل كانا يدعوان للشافعيّ في صلاتهما . وصنف في العراق كتابه القديم ويسمى كتاب الحجة ، ويرويه عنه اربعة من جلّ أصحابه ، وهو أحمد بن حنبل ، ابو ثور ، الزعفراني والكرابيسي . ثم خرج إلى مصر سنة تسع وتسعين ومائة وقيل سنة مائتين وحينما خرج من العراق قاصداً مصر قالوا له اتذهب مصر وتتركنا فقال لهم { هناك الممات } وحينما دخل مصر واشتغل في طلب العلم وتدريسه ، فوجىء بكتاب اسمه الكشكول لعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وقرأ فيه العديد من الأحاديث النبوية التي رواها عبدالله ودونها وبناءاً عليه غير الشافعي الكثير من أحكامه الفقهية وفتاواه لما اكتشفه في هذا الكتاب من أحكام قطعت الشك باليقين أو غيرت وجهة أحكامه ، حتى أنه حينما يسأل شخص عن حكم أو فتوى للإمام الشافعي يقال له أهل تسأل عن الشافعي القديم ( أي مذهبه حينما كان في العراق ) أم مذهب الشافعي الحديث ( أي الذي كان بمصر ) ، كما صنّف كتبه الجديدة كلها بمصر ، وسار ذكره في البلدان ، وقصده الناس من الشام والعراق واليمن وسائر النواحي لأخذ العلم عنه وسماع كتبه الجديدة وأخذها عنه . وساد أهل مصر وغيرهم وابتكر كتباً لم يسبق إليها منها أصول الفقه ، ومنها كتاب القسامة ، وكتاب الجزية ، وقتال أهل البغي وغيرها . مصنفاته : كتاب الأم . والرسالة في أصول الفقه . واختلاف الحديث وأحكام القرآن والناسخ والمنسوخ وسبيل النجاة . و111 ديوان شعر . حدث الربيع بن سليمان قال : كان الشافعي يجلس في حلقته إذا صلى الصبح ، فيجيئه أهل القرآن فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه ، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا ، وجاء اهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار ، ثم ينصرف ، رضي الله عنه . وكان يحفظ عشرة آلاف بيت لهذيل إعرابها ومعانيها، وكان من أعرف الناس بالتواريخ ، وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله تعالى . وروي عن مسلم بن خالد أنه قال لمحمد بن إدريس الشافعي وهو ابن ثمان عشرة سنة :"أفت أبا عبدالله فقد آن لك أن تفتي ". وقال الحميدي : كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي فلم نحسن كيف نرد عليهم ، حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا . قال الربيع بن سليمان : كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في صلاة . قال الأصمعي : صححت أشعار الهذليين على شاب من قريش بمكة يقال له محمد بن إدريس . قال أحمد بن حنبل : كان الشافعي من أفصح الناس ، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحاً . وقال : مامس أحد محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة . تلاميذه كثر ، ونذكر منهم الأبرز والأشهر . من تلاميذه في العراق : 1- الإمام أحمد بن حنبل 2- أبو ثور 3- الكرابيسي . من تلاميذه في مصر : 1- الإمام أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي 2- الإمام المزني 3- الربيع المرادي . توفي بمصر سنة أربع ومائتين وهو ابن أربع وخمسين سنة . وقال تلميذه الربيع : توفي الشافعي ليلة الجمعة بعد المغرب وأنا عنده ، ودفن بعد العصر يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين ، وقبره بمصر .

مذهب الإمام الشافعي:

هو اجتهادات الإمام الشافعي في الأصول والفروع التي ضمنها مصنفاته كالأم والرسالة، أو ما أملاها على تلاميذه، وجعلوها في مصنفات مشهورة كمختصر المزني والبويطي. كما يضم مذهب الشافعية الجهود العلمية في الفقه والأصول والقواعد التي قدمها كل من انتسب إلى مذهب الشافعية والتزم بمنهج الشافعي وأصوله وقواعده، ولم يخرج عنها.

أهم مؤلفات الشافعي في المذهب القديم : أولاً: كتاب الحجة: ثانياً: الرسالة العراقية ( القديمة ): أهم مؤلفات الشافعي في المذهب الجديد: أولاً: كتاب الأم - ثانياً: كتاب الرسالة

وأما كتب الشافعية، فمنها:

- مقدمة المجموع للإمام النووي

- كتاب الفوائد المدنية في بيان اختلاف العلماء من الشافعية لمحمد بن سليمان الكردي

- كتاب الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية من المسائل والضوابط والقواعد الكلية لعلوي بن أحمد السقاف

- كتاب معجم في مصطلحات فقه الشافعية لسقاف بن علي الكاف

- المذهب عند الشافعية للدكتور محمد إبراهيم أحمد علي وهو بحث منشور في مجلة جامعة الملك عبد العزيز العدد الثاني

- كتاب المذهب عند الشافعية لمحمد الطيب اليوسف

- المدخل إلى مذهب الإمام الشافعي للدكتور أكرم يوسف القواسمي، وهو من أجمع الكتب وأفضلها وأنفعها في بابها عند الشافعية، وأصلها رسالة دكتوراه من الجامعة الأردنية

- كتاب سلم المتعلم المحتاج إلى أدلة ورموز المنهاج لأحمد ميقري شميلة الأهدل

- كتاب الابتهاج في بيان اصطلاح المنهاج لأحمد بن سميط.

أدوار مذهب الشافعية:

مرت الشافعية بعدة أدوار نذكر منها ور التأسيس ودور الاستقرار

دور التأسيس:

شهد هذا الدور مرحلتين:

المرحلة الأولى: المذهب القديم:

وهو اصطلاح أطلقه علماء الشافعية على مجموعة الآراء الفقهية التي صرح بها الإمام الشافعي في بغداد استنباطاً من حصيلته العلمية التي تلقاها في العراق والحجاز، ويدخل في هذه المرحلة كل ما قاله الإمام الشافعي قبل دخوله مصر كما رجح ذلك ابن حجر الهيتمي وغيره.

المرحلة الثانية: المذهب الجديد:

انتقل الإمام الشافعي إلى مصر في أواخر سنة تسع وتسعين للهجرة، وهناك غير اجتهاداته فظهر ما يسمى بالمذهب الجديد، وكان من الأسباب التي دعته إلى ترك بغداد والتوجه إلى مصر.

طرق التصنيف:

وظهرت طريقتان في التصنيف في فقه الشافعية: طريقة العراقيين، وطريقة الخراسانيين، الخلاف بين الطريقتين إنما هو في طريقة عرض المسائل وأدلتها ثم التخريج عليها وكذا في مستوى الدقة.

طريقة الجمع بين الطريقتين:

أول من جمع بين الطريقتين هو الإمام أبو علي السنجي، والفوراني، وهذا الأخير بين الأصح من الأقوال والوجوه أي الترجيح، ويعتبر من أقدم المبتدئين لهذا الأمر، ثم قام إمام الحرمين بجمع طرق المذهب ووجوه الأصحاب المتقدمين في ضوء قواعد المذهب، وسار تلميذه الغزالي من بعده على نهجه وأكمل ما بدأه وهذبه، وفتح المجال لتهذيب المذهب وتنقيحه، وختم هذا المجال بجهود الإمامين الرافعي والنووي.



ومن المقرر عند متأخري الشافعية أن معتمد المذهب هو ما اتفق عليه الشيخان وهما: الرافعي والنووي رحمهما الله تعالى، فإن اختلفا فالمعتمد ما قاله النووي رحمه الله.وقد حظي الكتاب باهتمام العلماء والفقهاء وطلاب العلم حفظاً، وتصنيفاً، وشرحاً، واختصاراً،وتحشية، وغير ذلك، ووضعت عليه الشروح الكثيرة والحواشي الطويلة، وسيأتي الحديث عنها في موضعها من هذه الدراسة.

دور الاستقرار:

وهي آخر مراحل المذهب، مرحلة استقراره وثباته، فقد تقرر عند المتأخرين من فقهاء الشافعية أن من كان من أهل الترجيح في المذهب والقدرة على التصحيح يختار في فتواه ما يظهر له ترجيحه من كلام الشيخين الرافعي والنووي، وأما من لم يكن من أهل الترجيح في المذهب، فيأخذ بكلام ابن حجر في التحفة ، والرملي في النهاية، إذ هما معتمد المذهب عند المتأخرين.



وختاماً:

يمكن القول بأن مذهب الشافعية عند المتأخرين قد غلب عليه التقليد، دفع بهم إلى الأخذ بأقوال فقهائهم ابن حجر الهيتمي والرملي على وجه الخصوص وعدم الخروج عما كتباه ، وفي غيره من المذاهب سعة،وخاصة في الأمور المستحدثة بسبب غلق باب الاجتهاد وادعاء كفاية أقوال المتقدمين لكل القضايا.

أحمد بن حنبل

الإمام أحمد بن حنبل ( 164هـ/780م – 241هـ/855م ) هو أحد أئمة أهل السنة والجماعة . هو الإمام أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني ولد في بغداد سنة 164هـ في شهر ربيع الأول /780م وتنقل بين الحجاز واليمن ودمشق . سمع من كبار المحدثين ونال قسطاً وافراً من العلم والمعرفة ، حتى قال فيه الإمام الشافعي :" خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه من ابن حنبل ". وعن إبراهيم الحربي ، قال :" رأيت أحمد بن حنبل ، فرأيت كأن الله جمع له علم الأوّلين والآخرين من كل صنف يقول مايشاء ويمسك عمّا يشاء". ولم يكن ابن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا . هو أبوعبدالله، أحمد بن حنبل ، أبو عبدالله ، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبدالله بن حيان بن عبدالله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عُكَابَة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصي بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي ، أحد الأئمة الأعلام . هكذا ساق نسبه ولده عبدالله ، واعتمده أبو بكر الخطيب في تاريخه وغيره . وكان محمد والد أبي عبدالله من أجناد مرو ، مات شاباً له نحو ثلاثين سنة . وربي أحمد يتيماً ، وقيل : إن أمه تحولت من مرو ، وهي حامل به . وقال صالح : قال لي أبي : ولدت سنة أربع وستين ومئة . مذهب ابن حنبل من أكثر المذاهب السنية محافظة على النصوص وابتعاداً عن الرأي . لذا تمسّك بالنص القرآني ثم بالبيّنة ثم بإجماع الصحابة ، ولم يقبل بالقياس إلا في حالات نادرة . أما في منهجه العلمي وميزات فقهه فقد اشتهر الإمام أنه محدّث أكثر من أن يشتهر أنه فقيه مع أنه كان إماماً في كليهما . ومن شدة ورعه ما كان يأخذ من القياس إلا الواضح وعند الضرورة فقط وذلك لأنه كان محدّث عصره وقد جُمِعَ له من الأحاديث ما لم يجتمع لغيره ، فقد كتب مسنده من أصل سبعمائة وخمسين حديثاً ، وكان لا يكتب إلا القرآن والحديث من هنا عُرِفَ فقه الإمام أحمد بأنه الفقه بالمأثور ، فكان لا يفتي في مسألة إلا إن وجد من أفتى بها من قبل ، صحابي أو تابعي أو إمام. وإذا وجد للصحابة قولين أو أكثر ، اختار واحداً من هذه الأقوال وقد لا يترجّح عنده قول صحابي على الآخر فيكون للإمام أحمد في هذه المسألة قولين . وهكذا فقد تميز فقهه أنه في العبادات لا يخرج عن الأثر قيد شعرة ، فليس من المعقول عنده أن يعبد أحد ربه بالقياس أو بالرأي وكان رسول الله عليه وسلم يقول :" صلوا كما رأيتموني أصلي "، ويقول في الحج :" خذوا عني مناسككم". كان الإمام أحمد شديد الورع فيما يتعلق بالعبادات التي يعتبرها حق الله على عباده وهذا الحق لا يجوز مطلقاً أن يتساهل أو يتهاون فيه . أما في المعاملات فيتميز فقهه بالسهولة والمرونة والصلاح لكل بيئة وعصر ، فقد تمسّك الإمام أحمد بنصوص الشرع التي غلب عليها التيسير لا التعسير . مثال ذلك :" الأصل في العقود عنده الإباحة ما لم يعارضها نص"، بينما عند بعض الأئمة الأصل في العقود الحظر ما لم يرد على إباحتها نص . وكان شديد الورع في الفتاوى وكان ينهى تلامذته أن يكتبوا عنه الأحاديث فإذا رأى أحداً يكتب عنه الفتاوى ، نهاه وقال له :  " لعلي أطلع فيما بعد على ما لم أطلع عليه من المعلوم فأغير فتواي فأين أجدك لأخبرك؟ . من شيوخه سفيان بن عيينة والقاضي أبو يوسف ووكيع وعبدالرحمن بن مهدي والشافعي وخلق كثير . وروى عنه من شيوخه عبدالرزاق والشافعي ومن تلاميذه البخاري ومسلم وأبو داود . ومن أقرانه علي بن المديني ويحيى بن معين . رحمهم الله . وترك مؤلفات عديدة منها : كتاب المسند قد تعرض لعدة شروحات ومن أفضلها كتاب الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني – للشيخ أحمد البنا – الناسخ والمنسوخ – وفضائل الصحابة – وتاريخ الإسلام – السنن في الفقه – أصول السُنة – كتاب احكام النساء – كتاب الأشربة – الزهد .

اما محنته فقد اعتقد المأمون برأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن ، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم . وقد رأى أحمد بن حنبل أن رأي المعتزلة يحوّل الله إلى فكرة مجرّدة لا يمكن تعقُلُها فدافع ابن حنبل عن الذات الإلهية ورفض قبول راي المعتزلة ، فيما أكثر العلماء والأئمة أظهروا قبولهم برأي المعتزلة خوفاً من المأمون وولاته عملاً بقوله تعالى : " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " .. وألقي القبض على الإمام ابن حنبل ليؤخذ إلى الخليفة المأمون . وطلب الإمام من الله أن لا يلقاه ، لأنّ المامون توعّد بقتل الإمام أحمد . وفي طريقه إليه ، وصل خبر وفاة المأمون ، فتم ردّ الإمام أحمد إلى بغداد وحُبس ووَلِيَ الخلافة المعتصم ، الذي امتحن الإمام ، وتمّ تعرضه للضرب بين يديه ، وقد ظل الإمام محبوساً طيلة ثمانية وعشرين شهراً . ولما تولى الخلافة الواثق ، وهو أبو جعفر هارون بن المعتصم ، أمر الإمام أن يختفي ، فاختفى إلى أن توفي الواثق . وحين وصل المتوكّل ابن المعتصم والأخ الأصغر للواثق إلى السلطة ، خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد بخلق القرآن ، ونهى عن الجدل في ذلك. وأكرم المتوكل الإمام أحمد ابن حنبل ، وارسل إليه العطايا ، ولكنّ الإمام رفض قبول عطايا الخليفة . توفي الإمام يوم الجمعة 12ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة ، وله من العمر سبع وسبعون سنة . وقد اجتمع الناس يوم جنازته حتى ملأوا الشوارع . وحضر جنازته من الرجال مائة ألف ومن النساء ستين ألفاً ، غير من كان في الطرق وعلى السطوح . وقيل أكثر من ذلك . وقد دفن الإمام أحمد بن حنبل في بغداد ( في جانب الكرخ قرب مدينة تسمى مدينة الكاظمية ) ، قبره بين مقابر المسلمين وغير معروف سوى مكان المقبرة ، وقيل أنه أسلم يوم مماته عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس ، وأنّ جميع الطوائف حزنت .

مذهب الإمام أحمد بن حنبل

ينسب الفقه الحنبلي للإمام أحمد بن محمد بن حنبل أبي عبد الله الذهلي (164هـ - 241هـ) ،وهو أحد المذاهب الأربعة .

نشأ أحمد بن حنبل يتيماً، وقد كانت بغداد في ذلك العصر حاضرة العالم الإسلامي، تزخر بأنواع المعارف والفنون المختلفة، وكانت أسرة أحمد بن حنبل توجهه إلى طلب العلم، وفي سنة 179هـ بدأ ابن حنبل يتَّجه إلى الحديث النبوي، فبدأ يطلبه في بغداد عند شيخه هُشَيم بن بشير الواسطي حتى توفي سنة 183هـ، فظل في بغداد يطلب الحديث حتى سنة 186هـ، ثم بدأ برحلاته في طلب الحديث، فرحل إلى العراق والحجاز وتهامة واليمن، وأخذ عن كثير من العلماء والمحدثين، وعندما بلغ أربعين عاماً في سنة 204هـ جلس للتحديث والإفتاء في بغداد، وكان الناس يجتمعون على درسه حتى يبلغ عددهم قرابة خمسة آلاف.

اشتُهر ابن حنبل بصبره على المحنة التي وقعت به والتي عُرفت باسم "فتنة خلق القرآن"، وهي فتنة وقعت في العصر العباسي ، وفي شهر ربيع الأول سنة 241هـ، مرض أحمد بن حنبل ثم مات، وكان عمره سبعاً وسبعين سنة.

أصول المذهب الحنبلي

أصول متفق عليها: الكتاب · السنة

أصول يؤخذ منها : الإجماع · القياس · الاستصحاب .المصالح المرسلة

أصول مختلف عليها: العرف · الإستحسان

أصول محل نظر: شرائع الأديان الأخرى



أصول المذهب الحنبلي قريبة من أصول المذهب الشافعي حيث يعتمد على :

الكتاب - السنة – الإجماع – فتوى الصحابي – القياس – الاستصحاب - المصالح – الذرائع.

وقد ذكر ابن القيم أن الأصول التي بنى عليها الإمام أحمد فتاويه خمسة وهي:

أولاً: النصوص، فإذا وجد النص أفتى بموجبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه، ولذلك قدم النص على فتاوى الصحابة .

ثانياً: ما أفتى به الصحابة ولا يُعلم مخالف فيه، فإذا وجد لبعضهم فتوى ولم يعرف مخالفاً لها لم يتركها إلى غيرها، ولم يقل إن في ذلك إجماعاً بل يقول من ورعه في التعبير: لا أعلم شيئاً يدفعه.

ثالثاً: إذا اختلف الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف ولم يجزم بقول. قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: قيل لأبي عبد الله: «يكون الرجل في قومه فيُسأل عن الشيء فيه اختلاف»، قال: يفتي بما وافق الكتاب والسنة، وما لم يوافق الكتاب والسنة أمسك عنه.

رابعاً: الأخذ بالحديث المرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه. قال ابن قدامة: مراسيل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة عند الجمهور

خامساً: القياس، فإذا لم يكن عند الإمام أحمد في المسألة نص، ولا قول الصحابة أو واحد منهم، ولا أثر مرسل أو ضعيف، ذهب إلى القياس، فاستعمله للضرورة كما قال ابن القيم، وقد رُوي عن الإمام أحمد أنه قال: «سألت الشافعي عن القياس فقال: إنما يُصار إليه عند الضرورة» وقول أحمد بالقياس واعتباره حجة في الأحكام الشرعية يتمشى مع منهجه السلفي، واتباع الصحابة رضوان الله عليهم على وجه الخصوص، فقد استعملوا القياس

أبرز مؤلفات المذهب

ولم يؤلف الإمام أحمد كتاب في الفقه وإنما أخذ أصحابه مذهبه من أقواله وأفعاله وأجوبته لكنه صنف في الحديث كتابه الكبير المسند.

- منتهى الإرادات للشيخ محمد بن أحمد الفتوحي، والمعروف بابن النجار 972هـ، وشرحه دقائق أولي النهى في شرح المنتهى للشيخ منصور بن يونس البهوتي.

- الإقناع للشيخ موسى الحجاوي.وشرحه كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور البهوتي.

- غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى جمع فيه مؤلفه الشيخ مرعي الكرمي المتوفى سنة 1033هـ بين الإقناع والمنتهى.زشرحه مطالب أولي النهى في شرح المنتهى للشيخ مصطفى الرحيباني.

- المغني لموفق الدين بن قدامة المقدسي يعتني بذكر الخلاف بين المذاهب الأربعة وذكر الاختيارات الفقهية للصحابة والتابعين.

- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف لشيخ علاء الدين علي بن سليمان المرداوي,وهو موسوعة في ذكر الخلاف في المذهب.

- زاد المستقنع للحجاوي وشرحه الروض المربع شرح زاد المستقنع لمنصور بن يونس البهوتي.

- دليل الطالب للشيخ مرعي الكرمي المتوفى سنة 1033هـ وعليه عدة شروح.

- عمدة الطالب للشيخ منصور البهوتي وشرحه هداية الراغب للشيخ عثمان النجدي.

التركي، عبد الله بن عبد المحسن (1990). أصول مذهب الإمام أحمد: دراسة أصولية مقارنة. مؤسسة الرسالة، بيروت.

- ابن حنبل، محمد أبو زهرة

أما أسباب قلة أتباعه فمنها :

أولاً: أنه جاء بعد أن احتلت المذاهب الثلاثة التي سبقته في الأمصار الإسلامية قلوب أكثر العامة ، فكان في أكثر نواحي العراق مذهب أبي حنيفة ، وفي مصر المذهب الشافعي والمالكي ، وفي المغرب والأندلس المذهب المالكي بعد مذهب الأوزاعي إلا أن مذهب الإمام أحمد جذبهم بما استمالهم به من قوة الإقناع وجلاء الوضوح في مرئياته .

ثانياً: أنه لم يكن منه قضاة ، والقضاة إنما ينشرون المذهب الذي يتبعونه ، فأبو يوسف ومِن بعده محمد بن الحسن رحمهما الله نشرا المذهب الحنفي . وسحنون نشر المذهب المالكي

ثالثاً: شدة الحنابلة على أهل البدع والضلالات ، وتمسكهم بسد الذرائع ، وفي هذا الصدد حكى ابن الأثير قصة ما حصل منهم في سنة 323 هـ حينما قويت شوكتهم ، فصاروا يكبسون على دور القُوَّاد والعامَّة فإن وجدوا نبيذاً أراقوه ، وإن وجدوا مغنيَّة ضربوها وكسروا آلة اللهو حتى أثاروا بغداد .

سُئل الإمام أحمد عن الاستواء في قوله تعالى: «الرحمن على العرش استوى» فقال: «استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر»

وعن الأحاديث التي تروى عن النبي إن الله ينزل إلى السماء الدنيا ، قال أبو عبد الله : نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد شيئا منها إذا كانت أسانيد صحاح ، ولا نرد على رسول الله قوله ، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق.

قال أبو بكر الخلال : وقد حدثنا أبو بكر المروذي قال : «سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي وردت في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش ، فصححها أبو عبدالله ، وقال : قد تلقتها العلماء بالقبول. ﴿ليس كمثله شيء﴾ هو في ذاته كما وصف نفسه، وصفاته غير محدودة ولا معلومة، إلا بما وصف به نفسه، قال: سميع بصير، بلا حد ولا تقدير، ولا يبلغ الواصفون صفته ، ونؤمن بالقرآن كله، محكمه ومتشابهه، ولا نزيل صفة من صفاته .

﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ ، ﴿عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ ، فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد، وهو على العرش بلا حد؛ كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ ، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ، وهو: ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ ، ولا نتعدى القرآن والحديث، مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك . قال الإمام ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية: "عقيدة إمام السنة أحمد بن حنبل: هي عقيدة أهل السنة والجماعة .

الأوزاعي

وهو الإمام الفقيه عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي وكنيته لأبيه أبو عمرو على عادة بعض العرب بالرغم أن ابنه اسمه محمد، وهو عالم أهل الشام. ولد بمدينة بعلبك في عام 88هـ/707 م .لقب بالأوزاعي نسبة إلى محلة (الأوزاع) وهي قرية خارج باب الفراديس من قرى دمشق إلا أن أصل نسبه يعود إلى قبيلة سيبان الحضرمية القحطانية . نشأ الأوزاعي بالبقاع يتيماً في حجر أمه التي كانت تنتقل به من بلد إلى بلد وترعرع وسكن العقيبة بدمشق ثم سكن بيروت مرابطاً إلى أن مات فيها وعمره سبع وستون سنة. سمع جماعات من التابعين، كعطاء بن أبي رباح، وقتادة ، ونافع مولى ابن عمر ، ومحمد بن المنكدر ، والزهري . زار الأوزاعي العراق حيث سمع في البصرة من قتادة وسمع في الكوفة من عامر الشعبي ، وانتقل إلى الحجاز حيث سمع في مكة من عطاء بن أبي رباح وسمع في المدينة من ابن شهاب الزهري ومن نافع المدني ، وفي دمشق أخذ عن مكحول الشامي ، واتصل بالإمام مالك بن أنس وسفيان الثوري ، وعبد الله ابن المبارك وغيرهم . كان الأوزاعي إماماً لزمانه، ومحدثاً مشهوراً متصلاً ببعض العلماء الذين رووا عنه وروى عنهم أمثال الإمام مالك في الموطأ ، والثوري، وقتادة، والزهري ، وابن المبارك ، وأبو اسحق الفزاري ، وغيرهم. وكذلك روى عن الأوزاعي أصحاب كتب السنن المعتبرة، ومنهم البخاري في صحيحه ، ومسلم القشيري النيسابوري وأصحاب السنن الأربعة المنوه بهم ، والدار قطني ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، ومحمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة النعمان ، ومحمد ابن جرير الطبري ، وداود الظاهري ، وصاحبه ابن حزم الأندلسي . وفي الفقه هو صاحب مذهب مندثر كمذهب الليث بن سعد في مصر ولا خلاف بين المؤرخين والفقهاء على أن هذا الإمام كان صاحب مذهب فقهي ولم يكن محدثا فحسب كما قال بعضهم إلى أن علمه لم يجمعه تلاميذه في الكتب كما فعل أتباع أبي حنيفة النعمان وغيرهم فحافظوا على مذاهب معلميهم . وأنشأ مذهباً مستقلاً مشهوراً عمل به مدة عند فقهاء أهل الشام والأندلس ثم اندرس ، ولكن مازالت له بعض المسائل الفقهية في أمهات الكتب. وله قصة مشهورة في دفع الظلم وهي أنه أقدم نفر من أهل الذمة - النصارى- في جبل لبنان أيام العباسيين على نكث للعهود وحمل للسلاح وإعلان للفتنة والتمرد ، وكيف قضى على فتنتهم الوالي العباسي صالح بن علي بن عبد الله بن عباس ، وكيف أقر من بقي منهم على دينهم وردهم إلى قراهم ، ثم كيف شرد أهل القرى وأجلاهم عن قراهم رغم عدم اشتراكهم جميعاً في هذه الفتنة . ويذكرون كيف أن إمام أهل الشام ، الأوزاعي ، لم يرض بما حل بهم، ولم يسكت عن هذا الظلم، فما كان منه إلا أن أرسل رسالة إلى الوالي يقول فيها:" ...وقد كان من إجلاء أهل الذمة من أهل جبل لبنان،ممن لم يكن ممالئا لمن خرج على خروجه ممن قتلت بعضهم، ورددت باقيهم إلى قراهم ماقد علمت، فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة حتى يخرجوا من ديارهم وأموالهم؟ وحكم الله تعالى (ألا تزرَ وازرة وزرَ أخرى ) ، وهو أحق ماوقف عنده واقتدى به ..وأحق الوصايا أن تحفظ وترعى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال: "من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه "(أي خصمه) وأصرَ على الوالي أن يبادر برفع هذا الظلم ، وإزالة الحيف عن كاهل هؤلاء المظلومين مبيناً له ضرورة التزام مبادىء الإسلام مهما كانت الظروف . ولقد استجاب الوالي وفعل ماطلبه الأوزاعي . توفي في بلاد الشام في بيروت عام 157هـ/774م .

الليث بن سعد              

الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم ، الإمام الفقيه الحافظ الحجة، شيخ الإسلام في مصر ، ولد في قرية قلقشندة من أعمال محافظة القليوبية بدلتا مصر سنة أربع وتسعين للهجرة . تلقى الليث العلم عن كبار شيوخه في مصر ، مثل يزيد بن أبي حبيب وجعفر بن ربيعة وغيرهما من المصريين ، ومن غير المصريين أمثال نافع المدني ، وعطاء بن أبي رباح وابن شهاب الزهري وسعيد المقبري وابن أبي مليكة وأبو الزيبر المكي وعقيل ويحيى وربيعة الرأي وقال الليث: سمعت بمكة سنة ثلاث عشرة ومائة من الزهري وأنا ابن عشرين سنة ، كان الليث فقيه مصر ومحدثها وبمثابة رئيسها وذا مكانة كبيرة ، بحيث أن والي مصر وقاضيها وناظرها يحرصون على تنفيذ رأيه ومشورته ، وقد أراده المنصور أن ينوب عنه على الإقليم فاستعفى من ذلك. قال الإمام الشافعي : الليث أفقه من مالك ، إلا أن أصحابه لم يقوموا به . قال ابن سعد : كان الليث قد استقل بالفتوى في زمانه. قال ابن وهب : لولا مالك والليث لضل الناس. غير أن أصحابه لم يقوموا بفقهه فاندثر مذهبه ، ولكنهم قاموا بحديثه ، وحدثوا عنه في الآفاق ، فروايته منتشرة في كتب السنة المختلفة ، وهو ثبت ثقة بإجماع أهل الحديث . حدث الليث عن مشايخه ، ومنهم التابعون كيزيد ونافع وعطاء وابن شهاب ، وحدث عنه الكثير كيحيى بن بكير وسعيد بن عفير وعبدالله بن وهب وسعيد بن أبي مريم وعبدالله بن مسلمة وعبدالله بن يوسف وقتيبة وعمرو بن خالد وغيرهم وحدث عن هؤلاء أصحاب الصحاح والسنن. كان الليث يصل مالكاً بمائة دينار في السنة ، فكتب إليه مالك عليّ دين ، فبعث إليه بخمسمائة دينار ، وعن ابن وهب : كتب إليه مالك : إني أريد أن أدخل ابنتي على زوجها بشيء من عصفر ، فبعث إليه بثلاثين حمل عصفراً ، وأعطى الليث ابن لهيعة ألف دينار ، ومنصور بن عمار ألف دينار وجارية بثلاثمئة . روي أن امرأة جاءت إليه وقالت : إن ابني عليل ويشتهي عسلاً ، فأمر غلامه أن يعطيها مرط عسل والمرط مائة وعشرون رطل . وروي عن محمد بن رمح : كان دخل الليث في كل سنة ثمانين ألف دينار . قال ابن بكير وسعيد ابن أبي مريم : توفي الليث للنصف من شعبان سنة خمس وسبعين ومائة يوم الجمعة وصلى عليه موسى بن عيسى . وقال خالد الصدفي : شهدت جنازة الليث فما شهدت جنازة أعظم منها.



الفقهاء في العصر العباسي

إبراهيم الحربي

هو أبو إسحاق ، إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير ، البغدادي ، الحربي ، صاحب التصانيف . قال الدارقطني : كان يقاس بأحمد بن حنبل في زهده وعلمه وورعه ، وقال : إمام بارع في كل علم ، صدوق ، وقال : إمام مصنف عالم بكل شيء . وقال الحسين بن فهم الحافظ : لا ترى عيناك مثل إبراهيم الحربي ، إمام الدنيا. وقال الخطيب : كان إماماً في العلم رأساً في الزهد ، عارفاً بالفقه ، بصيراً بالأحكام ، حافظاً للحديث ، مميزاً لعلله ، قيماً بالأدب ، جماعاً للغة ، صنف غريب الحديث وكتباً كثيرة ، أصله من مرو . وقال الحاكم : وسمعت محمد بن صالح القاضي يقول : لا نعلم بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي ، في الأدب والفقه والحديث والزهد . مات في ذي الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين .



ابن أبي حاتم

هو أبو محمد عبدالرحمن ابن حافظ الكبير محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي . قال أبو يعلى الخليلي : أخذ أبو محمد علم أبيه ، وأبي زرعة ، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال . وقال : كان يقال : أئمة ثلاثة في زمن واحد، ابن أبي داود ، وابن خزيمة ، وابن أبي حاتم . وقال مسلمة بن قاسم الأندلسي الحافظ: كان ثقة جليل القدر عظيم الذكر إماماً من أئمة خراسان . وقال الذهبي كتابه في الجرح والتعديل يقضى له بالرتبة المتقنة في الحفظ ، وكتابه في التفسير عدة مجلدات ، وله مصنف كبير في الرد على الجهمية يدل على إمامته ، وقال في الميزان : الحافظ الثبت ابن الحافظ الثبت .. وكان ممن جمع علم الرواية ومعرفة الفن وله الكتب النافعة ككتاب الجرح والتعديل والتفسير الكبير وكتاب العلل . توفي سنة سبع وعشرين وثلاثمائة .

ابن أبي خيثمة

هو أحمد بن زهير بن حرب بن شداد النسائي الأصل البغدادي أبو بكر ابن أبي خيثمة الحافظ الكبير بن الحافظ ، وله كتاب التاريخ الذي أحسن في تصنيفه وأكثر فوائده . قال الخطيب كان ثقة عالماً متقناً حافظاً بصيراً بأيام الناس وأئمة الأدب أخذ علم الحديث عن أبيه ويحيى بن معين فأكثر عنه وعن أحمد بن حنبل وغيرهم . وقال الدارقطني ثقة مأمون . قال الفرغاني مات في آخر سنة تسع وسبعين ومائتين . وأرخ غيره وفاته في جمادى الأولى .



ابن جرير الطبري

هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير ، الإمام العلم المجتهد ، عالم العصر ، أبو جعفر الطبري ، صاحب التصانيف البديعة ، في فنون عديدة ، من أهل آمل طبرستان. قال ابن خزيمة : ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير. وقال الخطيب : كان أحد الأئمة يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله ، جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره فكان حافظاً لكتاب الله بصيراً بالمعاني فقيهاً في أحكام القرآن عالماً بالسنن وطرقها وصحيحها وسقيمها ناسخها ومنسوخها عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين بصيراً بأيام الناس وأخبارهم له تاريخ الإسلام والتفسير الذي لم يصنف مثله. توفي سنة عشر وثلاثمائة .

ابن الجنيد

هو علي بن الحسين بن الجنيد الرازي ، الحافظ الكبير أبو الحسن ، ويعرف في بلدة بالمالكي لكونه جمع حديث مالك . قال الخليلي : هو حافظ علم مالك . وقال الذهبي : كان بصيراً بالرجال والعلل وكان يحفظ أيضاً أحاديث الزهري . وقال : كان من أئمة هذا الشأن . توفي في سنة إحدى وتسعين ومائتين .

ابن الجوزي

هو الإمام العلامة ، الحافظ المفسر ، شيخ الإسلام ، جمال الدين ، أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيدالله بن عبدالله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبدالله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبدالله ابن الفقيه عبدالرحمن ابن الفقيه القاسم بن محمد ابن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق ، القرشي التيمي البكري البغدادي ، الحنبلي ، الواعظ ، صاحب التصانيف . قال أبو عبدالله ابن البيثي في ( تاريخه ) : شيخنا جمال الدين صاحب التصانيف في فنون العلوم من التفسير والفقه والحديث والتواريخ وغير ذلك. قال الذهبي : ومع تبحر ابن الجوزي في العلوم وكثرة اطلاعه وسعة دائرته لم يكن مبرزاً في علم من العلوم وذلك شأن كل من فرق نفسه في بحور العلوم مع أنه كان مبرزاً في الوعظ والتفسير والتاريخ متوسطاً في المذهب والحديث ، له اطلاع على متون الحديث. وأما الكلام على صحيحه وسقيمه فما له فيه ذوق المحدثين ولا نقد الحفاظ المبرزين . توفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة .

ابن الحاجب

أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الدويني الأسنائي الشهير بابن الحاجب فقيه مالكي وأصولي ونحوي ، ولد في إسنا بصعيد مصر سنة 570هـ ، وتوفي بالإسكنرية سنة 646هـ . له مؤلفات كثيرة . توفي ابن الحاجب في الإسكندرية سنة 646هـ .

ابن حبان

الإمام العلامة ، الحافظ المجود ، شيخ خراسان أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد بن سهيد بن هدبة بن مرة التميمي الدارامي البستي ( 270هـ - 350هـ ) صاحب الكتب المشهورة من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ ومن عقلاء الرجال توفي بسجستان .

ابن خزيمة

هو محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر . الحافظ الحجة الفقيه ، شيخ الإسلام ، إمام الأئمة ، أبو بكر السلمي النيسابوري الشافعي ، صاحب التصانيف. قال الحافظ أبو علي النيسابوري : لم أر أحداً مثل ابن خزيمة . وقال الدارقطني : كان ابن خزيمة إماماً ثبتاً ، معدوم النظير . وقال الذهبي : كان هذا الإمام جهبذاً بصيراً بالرجال . وقال ابن كثير : كان بحراً من بحور العلم طاف البلاد ورحل إلى الآفاق في الحديث وطلب العلم فكتب الكثير وصنف وجمع وكتابه الصحيح من أنفع الكتب وأجلها وهو من المجتهدين في دين الإسلام . توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة .

ابن سعد

هو محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم ، الحافظ العلامة الحجة ، أبو عبدالله البغدادي ، كاتب الواقدي ، وصاحب الطبقات ، وأحد الحفاظ الكبار الثقات . قال الخطيب : ومحمد عندنا من أهل العدالة وحديثه يدل على صدقه فإنه يتحرى في كثير من رواياته . وقال الذهبي : وكان من أوعية العلم ، ومن نظر في " الطبقات "، خضع لعلمه . وقال ابن حجر : أحد الحفاظ الكبار الثقات المتحرين . مات ببغداد في جمادى الآخرة سنة ثلاثين ومائتين .

ابن السكن

هو الإمام الحافظ الحجة أبو علي سعيد ين عثمان بن سعيد بن السكن البغدادي نزيل مصر . قال الذهبي : الإمام الحافظ المجود الكبير ، جمع وصنف ، وجرح وعدل ، وصحح وعلل . توفي سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة .

ابن صاعد

هو يحيى بن محمد بن صاعد بن كاتب ، الإمام الحافظ المجود ، محدث العراق ، أبو محمد الهاشمي البغدادي ، مولى الخليفة أبي جعفر المنصور ، رحال جوال ، عالم بالعلل والرجال . قال الخليلي : أبو محمد بن صاعد ، ثقة إمام يفوق في الحفظ أهل زمانه . وقال الدارقطني : ثقة ثبت حافظ . وقال الحاكم : سمعت أبا علي الحافظ يقول: لم يكن بالعراق في أقران أبي محمد بن صاعد أحد في فهمه ، والفهم عندنا أجل من الحفظ . وقال الخطيب : كان ابن صاعد ذا محل من العلم وله تصانيف في السنن والأحكام وقال الذهبي : له كلام متين في الرجال والعلل يدل على تبحره . مات سنة ثمان عشرة وثلاثمائة .

ابن الصلاح

هو الإمام الحافظ العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان ابن المفتي صلاح الدين عبدالرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي ، صاحب " علوم الحديث ". تفقه على والده بشهرزور، قال عمر بن الحاجب : إمام ورع ، وافر العقل ، حسن السمت ، متبحر في الأصول والفروع ، بالغ في طلب العلم حتى صار يضرب به المثل ، وأجهد نفسه في الطاعة والعبادة . وقال الذهبي : كان ذا جلالة عجيبة ، ووقار وهيبة ، وفصاحة ، وعلم نافع ، وكان متين الديانة ، سلفي الجملة ، صحيح النحلة ، كافاً عن الخوض في مزلات الأقدام ، مؤمناً بالله ، وبما جاء عن الله من أسمائه ونعوته . وقال ابن خلكان : كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال وما يتعلق بعلم الحديث ونقل اللغة . توفي ثلاث وأربعين وستمائة .

ابن طاهر القيسراني

هو محمد بن طاهر بن علي بن أحمد ، أبو الفضل بن القيسراني الشيباني ، المقدسي الأثري ، الظاهري ( 448 – 507 ) . أحد الأئمة الحفاظ ، كان حافظاً متقناً ، سكن همذان . اتهمه البعض وقال الحافظ ابن حجر : له انحراف عن السنة إلى تصوف غير مرضِ ودافع آخرون منهم الإمام الذهبي . مؤلفاته كثيرة جداً في الحديث والفقه والتصوف والتاريخ والذب عن الإمام أبي حنيفة والعديد من الأئمة في الفقه والحديث والمتصوفين .



ابن عدي

هو الإمام الحافظ الناقد الجوال ، أبو أحمد ، عبدالله بن عدي بن عبدالله بن محمد بن المبارك ابن القطان الجرجاني ، صاحب كتاب " الكامل " في الجرح والتعديل .وقال أبو يعلى الخليلي : كان أبو أحمد عديم النظير حفظاً وجلالة . سألت عبدالله بن محمد الحافظ : أيهما أحفظ ؟ ابن عدي أو ابن قانع ، فقال : ابن عدي أحفظ من عبدالباقي ابن قانع . وقال أيضاً : وسمعت أحمد بن أبي مسلم الحافظ يقول : لم أر أحداً مثل أبي أحمد بن عدي . وكيف فوقه في الحفظ . وقال الذهبي : هو مصنف في الكلام على الرجال عارفاً بالعلل . وقال : جرح وعدل وصحح وعلل ، وتقدم في هذه الصناعة على لحن فيه ، يظهر في تأليفه . قال حمزة السهمي : كان حافظاً لم يكن في زمانه أحد مثله ( عديم ) النظير حفظاً وجلالة ، مات سنة خمس وستين وثلاثمائة.

ابن عساكر

هو الإمام الحافظ الكبير ، محدث الشام ، فخر الأئمة ، ثقة الدين أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبدالله بن الحسين الدمشقي الشافعي صاحب التصانيف . وعدد الشيوخ في " معجمه " ألف وثلاثمائة شيخ بالسماع ، وستة وأربعون شيخاً أنشدوه ، وعن مائتين تسعين شيخاً بالإجازة ، الكل في " معجمه " ، وبضع وثمانون امرأة لهن " معجم ". قال السمعاني : أبو القاسم حافظ ثقة متقن دين خير حسن السمت جمع بين معرفة المتن والإسناد وكان كثير العلم غزير الفضل صحيح القراءة متثبتاً رحل وتعب بالغ في طلب العلم وجمع ما لم يجمعه غيره . وقال ابن قاضي شهبة : إمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم . وقال الذهبي : كتب الكثير وصنف وخرج وعني بالكتابة والمطالعة فبالغ إلى الغاية . وقال : الحافظ الكبير أبو القاسم أحد الأعلام في الحديث. صنف التصانيف المفيدة ، ولم يكن في زمانه أحفظ ولا أعرف بالرجال منه. وقال ابن الدمياطي : إمام المحدثين في وقته ، ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والإتقان ، وبه ختم هذا الشأن . وقال ابن كثير : أحد أكابر حفاظ الحديث ومن عنى به سماعاً وجمعاً وتصنيفاً واطلاعاً وحفظاً لأسانيده ومتونه ، وإتقاناً لأساليبه وفنونه . توفي في رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة .

ابن قتيبة

هو أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري وقيل المروزي الكاتب نزيل بغداد صاحب المصنفات البديعة المفيدة المحتوية على علوم جمة نافعة ، اشتغل ببغداد وسمع بها الحديث على إسحاق بن راهويه ، وطبقته ، وأخذ اللغة عن أبي حاتم السجستاني وذويه ، وصنف وجمع وألف المؤلفات الكثيرة قال الخطيب : كان ثقة ديناً فاضلاً ولي قضاء الدينور وكان رأساً في اللغة والأخبار وأيام الناس . وقال السيوطي : من أهل العلم والحفظ ، وحدث بكتب أبيه كلها من حفظه بمصر ، ولم يكن معه كتاب توفي في رجب سنة ست وسبعين ومائتين .

ابن قدامة

هو الشيخ الإمام القدوة العلامة المجتهد شيخ الإسلام موفق الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب " المغني ". قال ابن النجار : كان إمام الحنابلة بجامع دمشق ، وكان ثقة حجة نبيلاً ، غزير الفضل ، نزيهاً ، ورعاً عابداً ، على قانون السلف ، عليه النور والوقار ، ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه . وقال عمر بن الحاجب : هو إمام الأئمة ، ومفتي الأمة ، خصه الله بالفضل الوافر ، فأما الحديث فهو سابق فرسانه ، وأما الفقه فهو فارس ميدانه ، أعرف الناس بالفتيا ، وله المؤلفات الغزيرة ، وما أظن الزمان يسمح بمثله ، وقال ابن تغري بردي : كتب وصنف وبرع في الفقه والحديث، وأفتى ودرس وشاع ذكره وبعد صيته . وقال الذهبي : كان إماماً ، حجة ، مفتياً ، مصنّفاً ، متبحّراً من العلوم ، كبير القدر . توفي سنة عشرين وستمائة .

ابن القطان

هو الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد المجود القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن عبدالملك بن يحيى بن إبراهيم الحميري الكتامي المغربي الفاسي المالكي المعروف بابن القطان . قال الأبار : كان من أبصر الناس بصناعة الحديث ، وأحفظهم لأسماء رجاله ، وأشدهم عناية بالرواية ، وله تصانيف ، درس وحدث . وقال الذهبي : علقت من تأليفه كتاب " الوهم والإيهام " فوائد تدل على قوة ذكائه ، وسيلان ذهنه ، وبصره بالعلل . قال ابن مسدي : كان معروفاً بالحفظ والإتقان ، ومن أئمة هذا الشأن. توفي سنة ثمان وعشرين وستمائة .

ابن ماجه

هو محمد بن يزيد الربعي ، مولاهم ، أبو عبدالله بن ماجه القزويني الحافظ ، صاحب كتاب " السنن " أحد الكتب الستة . قال الخليلي : ثقة كبير متفق عليه محتج به له معرفة بالحديث وحفظ ومصنفات في السنن والتفسير والتاريخ وكان عارفاً بهذا الشأن. وقال الرافعي : إمام من أئمة المسلمين ، كبير متقن مقبول بالاتفاق صنف التفسير ، والتاريخ والسنين ، ويقرن سننه بالصحيحين ، وقال ابن كثير : صاحب كتاب السنن المشهورة ، وهي دالة على عمله وعلمه وتبحره واطلاعه واتباعه للسنة في الأصول والفروع . وقال أحمد بن محمد الأدنروي : كان إماماً في الحديث وقال الذهبي : حافظ قزوين في عصره ، وقال : قد كان ابن ماجه حافظاً ناقداً صادقاً ، واسع العلم ، وإنما من رتبة " سننه " مافي الكتاب من المناكير ، وقليل من الموضوعات . مات في رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين .

ابن المظفر البزاز

هو محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى بن محمد بن عبدالله بن سلمة بن إياس ابو الحسين البزاز الحافظ البغدادي ، رحل إلى الأمصار وبرع في علم الحديث ومعرفة الرجال ، واتفقوا على فضله وصدقه وثقته . عن محمد بن عمر بن إسماعيل القاضي قال : رأيت أبا الحسن الدارقطني يعظم أبا الحسين بن المظفر ويجله ولا يستند بحضرته وعن محمد بن أبي الفوارس قال : كان محمد بن المظفر ثقة أميناً مأموناً حسن الحفظ وانتهى إليه الحديث وحفظه وعلمه وكان قديماً ينتقى على الشيوخ وكان مقدماً عندهم . وقال العتيقي : كان ثقة مأموناً حسن الحفظ . وقال ابن حجر: الحافظ ثقة حجة معروف. توفي في جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثلاث مائة .

ابن منده

محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبدي ، أبو عبدالله الأصبهاني ، صاحب التصانيف ، إمام حافظ ، ولد سنة 310هـ أو 311هـ وتوفي سنة 395هـ ، ممن حفظ الحديث ونقله وتنقل في جمعه وطلب العلم ، روى كثيراً من الأحاديث ويؤخذ عليه روايته لبعض الأحاديث الموضوعة أو المضعفة . مؤلفاته : الإيمان – التوحيد – التاريخ – معرفة الصحابة – الكني .

ابن المنذر

هو الإمام الحافظ العلامة ، شيخ الإسلام ، أبو بكر ، محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري الفقيه ، نزيل مكة ، وصاحب التصانيف كـ " الأشراف في اختلاف العلماء " ، وكتاب : " الإجماع " ، وكتاب : " المبسوط " ، وغير ذلك . قال النووي: له من التحقيق في كتبه ما لا يقاربه فيه أحد ، وهو في نهاية من التمكن من معرفة الحديث ، وله اختيار فلا يتقيد في الاختيار بمذهب بعينه ، بل يدور مع ظهور الدليل. وقال الذهبي : هذا الإمام فهو من حملة الحجة ، جار في مضمار ابن جرير ، وابن سريج ، وتلك الحلبة رحمهم الله . مات بمكة سنة ثماني عشرة وثلاثمائة .

ابن نمير

هو محمد بن عبدالله بن نمير الحافظ الحجة ، شيخ الإسلام ، أحد الأعلام ، أبو عبدالرحمن الهمداني ثم الخارفي – بالخاء المعجمة وبعد الألف راء وبعدها فاء   – مولاهم الكوفي . كان أحمد بن حنبل يعظم محمد بن عبدالله بن نمير تعظيماً عجيباً ، ويقول : أي فتى هو وقال أيضاً : هو درة العراق . وقال العجلي : كوفي ثقة ، يعد من أصحاب الحديث . وقال أحمد بن صالح : ما رأيت بالعراق مثله ومثل أحمد . وقال ابن أبي حاتم : من العلماء الجهابذة النقاد . وعن بن الحسين بن الجنيد قال : كان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان في شيوخ الكوفيين مايقول ابن نمير فيهم. وقال ابن حبان : كان من الحفاظ المتقنين ، وأهل الورع في الدين . مات سنة أربع وثلاثين ومائتين .

أبو أحمد الحاكم

هو الإمام الحافظ العلامة الثبت ، محدث خراسان ، محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي ، الحاكم الكبير ، مؤلف كتاب " الكنى " . ذكره الحاكم ابن البيع ، فقال : هو إمام عصره في هذه الصنعة ، كثير التصنيف ، مقدم في معرفة شروط الصحيح والأسامي والكنى . وقال أيضاً : كان أبو أحمد من الصالحين الثابتين على سنن السلف ، ومن المنصفين فيما نعتقده في أهل البيت والصحابة . قال الذهبي: الحافظ ، أحد أئمة الحديث ، وصاحب التصانيف . مات سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة.

أبو إسحاق الشيرازي

هو أبو إسحاق إبراهيم علي الشيرازي ، شيخ الشافعية الذي يعد من أهم شيوخه ، الإمام الفقيه ، ولد بفيروزآباد في بلاد فارس أو ما يسمى حالياً إيران سنة 393هـ ، والمتوفي ببغداد سنة 476هـ ، تفقه ببلده ، ثم انتقل منها إلى البصرة ، ثم إلى بغداد سنة 415هـ ، ومازال بها حتى انتهت إليه رئاسة مذهب الشافعية في زمانه ، وبنى له نظام الملك المدرسة النظامية ببغداد فدرس بها ، وكان مضرب المثل في الزهد والقناعة . له مجموعة من المؤلفات في أصول الفقه – طبقات الفقهاء .

أبو بكر بن أبي داود

هو عبدالله بن سليمان بن الأشعث السجستاني أبو بكر بن أبي داود الإمام العلامة الحافظ الثقة ، شيخ بغداد ، صاحب التصانيف ، سافر به أبوه وهو صبي . قال الدارقطني : ثقة ، كثير الخطأ في الكلام على الحديث . قال أبو بكر الخطيب : سمعت الحافظ أبا محمد الخلال يقول : كان أبو بكر أحفظ من أبيه أبي داود . وقال أبو داود : ابني أبو عبدالله كذاب . قال الذهبي : لعل قول أبيه فيه – إن صح – أراد الكذب في لهجته ، لا في الحديث ، فإنه حجة فيما ينقله ، أو كان يكذب ويوري في كلامه ،ومن زعم أنه لا يكذب أبداً ، فهو أرعن ، نسأل الله السلامة من عثرة الشباب، ثم إنه شاخ وارعوى ، ولزم الصدق والتقى . مات في ذي الحجة ، سنة عشرة وثلاثمائة .

أبو بكر بن أبي شيبة

هو عبدالله بن محمد بن القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خواستي الإمام العلم، سيد الحفاظ ، وصاحب الكتب الكبار " المسند " و " المصنف " و " التفسير " ، أبو بكر العبسي مولاهم الكوفي . أخو الحافظ عثمان بن أبي شيبة ، قال ابن حنبل : صدوق ، أحب إلي من أخيه . وقال ابن معين : ثقة معروف بالحديث مشهور بالطلب. قال أبو زرعة : ما رأيت أحفظ من أبي بكر . وقال أبو عبيد القاسم : انتهى علم الحديث إلى أربعة : أبو بكر بن أبي شيبة ، وهو أسردهم له . وقال الفلاس : ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة . وقال الخطيب : كان متقناً حافظاً صنف المسند والأحكام والتفسير . توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين .        

أبو بكر الأثرم

هو الإمام الحافظ العلامة ، أبو بكر ، أحمد بن محمد بن هانئ ، الإسكافي الأثرم الطائي ، وقيل : الكلبي ، أحد الأعلام ، ومصنف " السنن "، وتلميذ الإمام أحمد . قال إبراهيم بن أورمة : الأثرم أحفظ من أبي زرعة وأتقن . قال الخلال : كان يعرف الحديث ويحفظه ويعلم الأبواب والمسند . وقال أيضاً : كان معه تيقظ عجيب جداً . وكان يحيى بن معين يقول : الأثرم كان أحد أبويه جنياً ، لتيقظه . وقال النسائي : ثقة مأمون ثبت . قال الحافظ ابن حجر : توفي سنة إحدى وستين ومائتين أو في حدودها.

أبو بكر بن إسحاق الصبغي

هو الإمام العلامة المفتي المحدث ، شيخ الإسلام ، أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد ، النيسابوري الشافعي المعروف بالصبغي ( بكسر الصاد المهملة ، وسكون الياء ، وفي آخرها الغين المعجمة نسبة إلى الصبغ كما في " الأنساب ". قال الحاكم : بقي الإمام أبو بكر يفتي بنيسابور نيفا وخمسين سنة ولم يؤخذ عليه في فتاويه مسألة وهم فيها . وقال السمعاني : أحد العلماء المشهورين بالفضل والعلم الواسع من أهل نيسابور . وقال الذهبي : جمع وصنف ، وبرع في الفقه ، وتميز في علم الحديث . توفي سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة .

أبو بكر الإسماعيلي

هو الإمام الحافظ الحجة الفقيه ، شيخ الإسلام ، أبو بكر ، أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيلي الشافعي ، صاحب " الصحيح " ، وشيخ الشافعية . صنف تصانيف تشهد له بالإمامة في الفقه والحديث عمل " مسند عمر " رضي الله عنه ، و" المستخرج على الصحيح ". قال الحاكم : كان الإسماعيلي واحد عصره ، وشيخ المحدثين والفقهاء ، وأجلهم في الرئاسة والمروءة والسخاء ، ولا خلاف بين العلماء من الفريقين وعقلائهم في أبي بكر . وقال الذهبي : الحافظ الثبت شيخ الإسلام ، وقال أيضاً : إنما كان يرحل إليه لعلمه . وقال أيضاً : ابتهرت بحفظ هذا الإمام وجزمت بأن المتأخرين على إياس من أن يلحقوا المتقدمين في الحفظ والمعرفة . وقال ابن كثير : الحافظ الكبير الرحال الجوال ، سمع الحديث الكثير وحدث وخرج وصنف فأفاد وأجاد ، وأحسن الانتقاد والاعتقاد . مات سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة .

أبو بكر الخلال

هو الإمام العلامة الحافظ الفقيه ، شيخ الحنابلة وعالمهم ، أبو بكر ، أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد البغدادي الخلال . قال الخطيب : جمع الخلال علوم أحمد وتطلبها، وسافر لأجلها ، وكتبها ، وصنفها كتباً ، لم يكن فيمن ينتحل مذهب أحمد أحد أجمع لذلك منه . وقال أبو بكر بن شهريار : كلنا تبع لأبي بكر الخلال ، لم يسبقه إلى جمع علم الإمام أحمد أحد . توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة .



أبو بكر ابن السني

هو الإمام الحافظ الثقة الرحال ، أبو بكر ، أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط الهاشمي الجعفري مولاهم الدينوري ، المشهور بابن السني . قال الذهبي : كان ديناً خيراً صدوقاً ، هو الذي اختصر " سنن " النسائي ، واقتصر على رواية المختصر ، وسماه " المجتنى " سمعناه عالياً من طريقه . وقد توهم كثير من أهل العلم أنه من اختصار النسائي وليس كذلك ، وإنما هو اختيار تلميذه ابن السني . وقال ابن عساكر: حافظ مذكور ومصنف مشهور . مات أبو بكر ابن السني سنة أربع وستين وثلاثمائة .

أبو بكر محمد بن داوود الظاهري

أبو بكر محمد بن داوود بن علي الفقيه الظاهري ( 255 – 297 ) ، ابن الإمام داوود بن علي الظاهري ، كان إماماً في الحديث ، أديباً ، شاعراً فقيهاً ، ولد ببغداد وتوفي فيها ، في العاشر من رمضان ، سنة سبع وتسعين ومائتين . حفظ القرآن وله سبع سنين وذاكر الرجال بالآداب والشعر وله عشر سنين وله من التأليف كتاب الإنذار والإعذار وكتاب التقصي في الفقه وكتاب الوصول إلى معرفة الأصول وكتاب الفرائض وكتاب المناسك وكتاب الزهرة في الآداب والشعر . حدث عنه نفطويه والقاضي أبو عمر محمد بن يوسف .

أبو حاتم الرازي

هو محمد بن إدريس بن المنذر بن داوود بن مهران : الإمام الحافظ ، الناقد ، شيخ المحدثين ، الحنظلي الغطفاني ، من تميم بن حنظلة بن يربوع ، وقيل : عرف بالحنظلي لأنه كان يسكن في درب حنظلة ، بمدينة الري . قال أبو بكر الخلال : إمام في الحديث. وقال الخطيب : كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات مشهوراً بالعلم مذكوراً بالفضل . وقال موسى بن إسحاق الأنصاري القاضي : ما رأيت أحفظ من أبي حاتم . وقال أحمد بن سلمة الحافظ : ما رايت بعد محمد بن يحيى أحفظ للحديث ولا أعلم بمعانيه من أبي حاتم . وقال هبة الله اللالكاني : كان أبو حاتم إماماً حافظاً متثبتاً . وقال ابن كثير: أحد أئمة الحفاظ الأثبات العارفين بعلل الحديث والجرح والتعديل . وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني : إمام في الحفظ وقال المزي : كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات المشهورين بالعلم المذكورين بالفضل . وقال ابن القيم : أن أبا حاتم الرازي يجهل رجالاً وهم ثقات معروفون وهو متشدد في الرجال . مات سنة سبع وسبعين ومائتين .

أبو حامد ابن الشرقي

هو الإمام العلامة الثقة ، حافظ خراسان ، أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن النيسابوري ابن الشرقي ، صاحب " الصحيح "، وتلميذ مسلم . قال ابن خزيمة : حياة أبي حامد تحجز بين الناس وبين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الدارقطني : ثقة مأمون إمام . وقال الخطيب : أبو حامد ثبت حافظ متقن . وقال الخليلي : هو إمام وقته بلا مدافعة . مات سنة خمس وعشرين وثلاثمائة .

أبو حامد الغزالي

هو أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الشافعي الطوسي الملقب بحجة الإسلام ولد بقرية " غزالة " القريبة من طوس من إقليم خراسان عام ( 450هـ - 1058 م ) . عالم وفقيه ومتصوّف إسلامي ، أحد أهم أعلام عصره وأحد أشهر علماء الدين في التاريخ الإسلامي . ونشأ الغزالي في بيت فقير من عائلة فارسية وكان والده رجل زاهد ومتصوف لا يملك غير حرفته ، ولكن كانت لديه رغبة شديدة في تعليم ولديه محمد وأحمد ، وحينما حضرته الوفاة عهد إلى صديق له متصوف برعاية ولديه ، وأعطاه ما لديه من مال يسير ، وأوصاه بتعليمهما وتأديبهما . اجتهد الرجل في تنفيذ وصية الأب على خير وجه حتى نفذ ما تركه لهما أبوهما من المال ، وتعذر عليه القيام برعايتهما والإنفاق عليهما ، فالحقهما بإحدى المدارس التي كانت منتشرة في ذلك الوقت ، والتي كانت تكفل طلاب العلم فيها . درس الغزالي في صباه على عدد من العلماء والأعلام ، منهم الإمام أحمد الرازكاني والإمام أبي نصر الإسماعيلي ، ثم انتقل إلى نيسابور والتحق بالمدرسة النظامية ، حيث تلقى علم أصول الفقه وعلم الكلام على أبي المعالي الجويني . ودخل بغداد مدرساً في سنة أربعمئة و ثمانين ودرس بها وحضره الأئمة الكبار ، وانتقد الفلاسفة ، وقد لقب الغزالي " بحجة الإسلام " ، ثم إنه ترك التدريس والرياسة ولبس الخام الغليظ ، ووجد ضالته في التصوف ، وحج وعاد ثم رحل إلى الشام وأقام ببيت المقدس ودمشق مدة مشتغلاً بتعبده ، فلما صارت الوزارة إلى فخر الملك أحضره وسمع كلامه وألزمه بالخروج إلى نيسابور فخرج ودرس ، ثم عاد إلى وطنه واتخذ في جواره مدرسة ورباطاً للصوفية وبنى داراً حسنة وغرس فيها بستاناً وتشاغل بالقرآن . ومن أهم تلاميذ الإمام الغزالي كان الشيخ الإمام عبدالقادر الجيلاني الذي سار على نهجه وأكمل طريقه حيث أنهما ساهما في إعداد جيل صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس الشريف من الصليبين ومن يتصفح الغنية للشيخ عبدالقادر يكتشف وبسرعة أنها مختصر لإحياء علوم الدين . من أشهر كتب الغزالي : إحياء علوم الدين – المنقذ من الضلال – مقاصد الفلاسفة – تهافت الفلاسفة – فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة – أيها الولد المحب . وتوفي أبو حامد يوم الإثنين 14 جمادى الأخرة 505هـ ، ديسمبر 1111 م ، في مدينة طوس .

أبو الحسن الأشعري

هو العلامة إمام المتكلمين أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبدالله بن موسى بن أمير البصرة بلال بن أبي بردة أبي موسى عبدالله بن قيس بن حضّار الأشعري اليماني البصري . مولده سنة ستين ومائتين ، وقيل سنة سبعين . ويذكر أنه مر في حياته بمرحلة تحول جذرية فبعد أن كان أحد أعلام المعتزلة من المقربين لأبي على الجبائي شيخ المعتزلة ، انفصل عن الفكر المعتزلي واعتنق عقيدة أهل السنة والجماعة التي كان يتصدرها في ذلك الوقت الإمام أحمد بن حنبل . استخدم أبو الحسن الأشعري نفس وسائل المعتزلة المنطقية والعقلية لدعم أهل السنة والحديث وهكذا استطاع أن يواجه المعتزلة بنفس أدواتهم وأساليبهم ، ويؤيد منهج السلف وبخاصة الإمام ابن حنبل في إثبات الصفات جميعها لله من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولاتبديل ولا تمثيل ، كما في كتاب ( الإبانة عن أصول الديانة ) الذي يعتبره بعض السلفية عدولاً من أبي الحسن عن منهجه التأويلي إلى منهج السلف في قبول النصوص دون تأويل ، ولكن هذا العدول فيه خلاف فالأشاعرة يرون أن أبا الحسن كان يأخذ بالمنهجين ويستخدم كل منهج في سياقه الخاص . خلف أبو الحسن وراءه مكتبة كبيرة في الدفاع عن السنة وشرح العقيدة تقدر بثمانية وستين مؤلفاً ، توفي سنة 324هـ ودفن ببغداد ونودي على جنازته: " اليوم مات ناصر السنة ".

أبو حفص عمرو الفلاس

هو عمرو بن علي بن بحر بن كنيز الحافظ الإمام المجود الناقد ، أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي الفلاس ، حفيد المحدث بحر بن كنيز السقاء . قال النسائي : ثقة حافظ ، صاحب حديث . وقال أبو حاتم : كان أرشق من علي بن المديني . وقال أبو زرعة : ذاك من فرسان الحديث لم نر بالبصرة أحفظ منه ومن ابن المديني والشاذكوني . وقال ابن إشكاب الحافظ : ما رأيت مثل أبي حفص الفلاس ، كان يحسن كل شيء . وقال حجاج بن الشاعر : لا يبالي عمرو بن علي أحدث من كتابه، أو من حفظه . مات سنة تسع وأربعين ومائتين.

أبو داود

هو الإمام الثبت سيد الحفاظ سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني صاحب السنن ، أحد الكتب الستة . قال محمد بن إسحاق الصاغاني : لين لأبي داود الحديث كما لين لداود الحديد . وقال الحافظ موسى بن هارون : خلق أبو داود في الدنيا للحديث . وقال الحاكم أبو عبدالله : أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة . وقال أحمد بن محمد بن ياسين الهروي : كان أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه وعلله ، وسنده ، في أعلى درجة النّسك والعفاف والصَّلاح والورع . من فرسان الحديث . وقال الذهبي : كان رأساً في الحديث ، رأساً في الفقه . مات سنة خمس وسبعين ومائتين .

أبو داود الطيالسي

هو سليمان بن داود بن الجارود ، الحافظ الكبير ، صاحب المسند ، أبو داود الفارسي، ثم الأسدي ، ثم الزبيري ، مولى آل الزبير بن العوام ، الحافظ البصري . قال ابن المديني : ما رأيت أحداً أحفظ من أبي داود . وقال الفلاس : ما رأيت أحفظ منه . وقال عبدالرحمن بن مهدي : هو أصدق الناس . وقال العجلي : ثقة كثير الحفظ رحلت إليه فأصبته مات قبل قدومي بيوم . وقال وكيع : مابقي أحد أحفظ لحديث طويل من أبي داود ، فبلغه ذلك فقال : ولا قصير . وقال عمر بن شبة : كتبوا عن أبي داود من حفظه أربعين ألف حديث . قال عبدالرحمن سئل أبي عن أبي داود وأبي أحمد الزبيري أيهما أحفظ فقال أبو داود ، توفي سنة أربع ومائتين .

أبو زرعة الدمشقي

هو الشيخ الإمام ، محدث الشام ، أبو زرعة ، عبدالرحمن بن عمرو بن عبدالله بن صفوان بن عمرو النصري – بنون – الدمشقي ، جمع وصنف ، وذاكر الحفاظ ، وتميز ، وتقدم على أقرانه ، لمعرفته وعلو سنده . ذكر أحمد بن أبي الحواري أبا زرعة الدمشقي . فقال : هو شيخ الشباب . قال عبدالرحمن بن أبي حاتم : كان أبو زرعة الدمشقي رفيق أبي ، وكتبت عنه أنا وأبي ، وكان ثقة صدوقاً . وقال الخليلي : كان من الحفاظ الأثبات . وقال المزي : شيخ الشام في وقته . مات سنة إحدى وثمانين ومائتين .

أبو زرعة الرازي

هو عبيد الله بن عبدالكريم بن يزيد بن فروخ القرشي مولاهم : أبو زرعة الرازي ، أحد الأئمة المشهورين ، والأعلام المذكورين ، والحفاظ المتقنين . قال احمد : ما جاوز الجسر أفقه من إسحاق بن راهويه ولا أحفظ من أبي زرعة . وقال أبو حاتم : إمام ، وقال : ما خلف أبو زرعة بعده مثله ولا أعلم من كان يفهم هذا الشأن مثله وقل من رأيت في زهده . وقال إسحاق بن راهويه : كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل . وقال علي بن الجنيد : ما رأيت أعلم من أبي زرعة . وقال أبو بكر الخلال : إمام في الحديث . وقال الخطيب : كان إماماً ، ربانياً ، حافظاً ، متقناً ، مكثراً، صادقاً ، قدم بغداد غير مرة ، وجالس أحمد بن حنبل وذاكره . وقال الذهبي : كان من أفراد الدهر حفظاً وذكاءً وديناً وإخلاصاً وعلماً وعملاً. مات سنة أربع وستين ومائتين .

أبو سعيد النقاش

هو الإمام الحافظ ، البارع الثبت ، أبو سعيد ، محمد بن علي بن عمرو بن مهدي ، الأصبهاني ، الحنبلي النقاش . قال الذهبي : كان من أئمة الأثر ، رحمه الله ورضي عنه . وقال الصفدي : كان من الثقات المشهورين . مات سنة أربع عشرة وأربعمائة.

أبو العباس العشاب

هو الشيخ الإمام الفقيه الحافظ الناقد الطبيب أبو العباس أحمد بن محمد ابن مفرج الإشبيلي الأموي ، مولاهم ، الحزمي الظاهري النباتي الزهري العشاب . قال أبو عبدالله الأبار : كان بصيراً بالحديث ورجاله ، وله مجلد مفيد فيه استلحاق على "الكامل" بن عدي ، وقال ابن نقطة : كتبت عنه ، وكان ثقة ، حافظاً ، صالحاً. وقال الذهبي : له كتاب " التذكرة في معرفة شيوخه "، وله كتاب " المعلم بما زاد البخاري على مسلم ". وقال السيوطي : كان مالكياً فصار ظاهرياً محدثاً حافظاً بصيراً بالحديث ورجاله ذاكراً للتواريخ والأنساب ثقة . مات سنة سبع وثلاثين وستمائة .

أبو عبيد القاسم بن سلام

هو أبو عبيد القاسم بن سلام بن عبدالله – بتشديد اللام – البغدادي ، أحد الأعلام ، الفقيه الأديب المشهور صاحب التصانيف المشهورة ، والعلوم المذكورة ، برع في علوم كثيرة ، منها التفسير ، والقراءات ، والحديث ، والفقه ، واللغة ، والنحو ، والتاريخ . قال الإمام أحمد : ابو عبيد أستاذ . وقال إسحاق بن راهويه : إنا نحتاج إلى أبي عبيد ، وأبو عبيد لا يحتاج إلينا . وقال أيضاً : إن الله لا يستحيي من الحق : أبو عبيد أعلم مني ، ومن ابن حنبل ، والشافعي . وقال إبراهيم الحربي : كان أبو عبيد كأنه جبل نفخ فيه الروح ، يحسن كل شيء . وقال الدارقطني : ثقة إمام جبل . وكان أبو عبدالله بن طاهر يقول : علماء الناس أربعة ، عبدالله بن عباس في زمانه والشعبي في زمانه والقاسم بن معن في زمانه وأبو عبيد القاسم بن سلام في زمانه . توفي بمكة سنة أربع وعشرين ومائتين .



أبو علي الحسين بن علي الحافظ

هو الإمام العلامة الثبت ، أبو علي ، الحسين بن علي بن يزيد بن داود الحافظ النيسابوري ، أحد النقاد . قال الحاكم : هو واحد عصره في الحفظ ، والإتقان ، والورع ، والمذاكرة ، والتصنيف . وقال : كان أبو علي حافظا لا تطاق مذاكرته ولا يفي بمذاكرته أحد من حفاظنا . وقال أيضاً: لست أقول تعصباً ، لأنه أستاذي – يعني أبا علي – ولكن لم أر مثله قط . قال أبو بكر بن ابي دارم : ما رأيت ابن عقدة يتواضع لأحد من الحفاظ كتواضعه لأبي علي النيسابوري . وقال ابن منده: ما رأيت في اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبي علي . وقال أيضاً : ما رأيت أحفظ منه . وقال أبو عبدالرحمن السلمي : سألت الدارقطني عن أبي علي النيسابوري، فقال : إمام مهذب . مات سنة تسع وأربعين وثلاثمائة .

أبو عوانة

هو الإمام الحافظ الكبير الجوال ، أبو عوانة ، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد النيسابوري الأصل ، الإسفراييني ، صاحب " المسند الصحيح " المخرج على "صحيح مسلم" قال أبو عبدالله الحاكم : أبو عوانة من علماء الحديث وأثباتهم . وقال الذهبي : برع في هذا الشأن ، وبز الأقران ، وقال ياقوت : هو أحد حفاظ الدنيا . وقال ابن أبي الفداء : من أئمة الحديث . توفي سنة ست عشرة وثلاثمائة .

أبو الفتح الأزدي

هو الحافظ البارع ، أبو الفتح ، محمد بن الحسين بن أحمد بن عبدالله بن بريدة الأزدي الموصلي ، صاحب كتاب "الضعفاء" قال أبو بكر الخطيب : كان حافظاً . وقال الخطيب: وسألت محمد بن جعفر بن علان عن أبي الفتح الأزدي فذكره بالحفظ وحسن المعرفة بالحديث وأثنى عليه ، قال أيضاً: كان حافظاً صنف في علوم الحديث وفي الضعفاء وهجاه جماعة بلا مستند . قال الذهبي : وعليه في كتابه في "الضعفاء" مؤاخذات ، فإنه ضعف جماعة بلا دليل . بل قد يكون غيره قد وثقهم . مات سنة أربع وسبعين وثلاثمائة .

أبو الفتح الشهرستاني

هو أحد علماء مذهب الأشاعرة الذين كان لهم بعض المؤلفات المشهورة في التراث الإسلامي. هو أبو الفتح تاج الدين عبدالكريم بن أبي بكر أحمد المشهور بالشهرستاني المنسوب إلى شهرستان وهي بلدة في خراسان الإقليم المعروف في إيران . واختلف الباحثون في سنة ولادته وكذلك سنة وفاته والأرجح أنها سنة 548م . توجه الشهرستاني إلى طلب العلم وهو صغير السن ، وكان أول توجهه لطلب العلم كان نحو العلوم الشرعية القرآن وتفسيره والحديث والفقه ، فكان أول ما تلقاه هو القرآن وتفسيره ، وسمع الحديث وهو في سن الخامسة عشرة من أبي الحسن المديني بنيسابور خارج بلده شهرستان .كانت دروسه ومواعظه بعبارات خفيفة وأسلوب سهل ميسر مما لقي قبولاً واستحساناً لدروسه لدى عامة الناس، وهذا ينبئ عما يتمتع به المؤلف من العلم وحسن الإلقاء وجودته. كان الشهرستاني مقبولاً أيضاً عند السلاطين والولاة والوزراء والوجهاء ، فقد كان مقرباً لدى السلطان سنجر بن ملكشاه ، وكان مقربا من الوزير أبو القاسم محمود بن المظفر المروزي . كما كانت للشهرستاني مكانة كبيرة عند العلماء فقد لقبوه بعدة ألقاب منها : الفقيه – المتكلم – الأصولي – المحدث – المفسر – الرياضي – الفيلسوف – صاحب التصانيف، و قد أطلق عليه الحافظ الذهبي لقب (العلامة) . لم يكن الشهرستاني مجرد عالم بالشريعة ولكنه كان يتقن اللغات ، ومن اللغات التي أتقنها : اللغة العربية واللغة الفارسية . رحل الشهرستاني في طلب العلم وهو في سن الخامسة عشرة إلى بلاد كثيرة منها : مدن خراسان وخوارزم ومكة المكرمة . طلب الشهرستاني العلم على يد كثير من العلماء منهم : - أبو القاسم الأنصاري : أخذ عنه التفسير وعلم الكلام – أبو الحسن المديني:أخذ عنه الحديث – أبو المظفر الخوافي : أخذ عنه الفقه – أبو نصر القشيري: أخذ عنه الفقه والأصول وعلم الكلام . كان الشهرستاني مشهوراً بالبراعة في التأليف وحسن التصنيف ، وقد ألف في فنون العلم المختلفة التفسير والفقه وعلم الكلام والفلسفة وتاريخ الفرق والأديان ، وقد بلغ عدد مؤلفاته مايزيد على عشرين مؤلفاً ، ومن هذه المؤلفات : - الملل والنحل : وهو أشهر كتبه – نهاية الإقدام في علم الكلام : في النهي عن الاشتغال بعلم الكلام والفلسفة – مصارعة الفلاسفة : في الرد على الفلاسفة – مجلس في الخلق والأمر : باللغة الفارسية – بحث في الجوهر الفرد : وهو بحث فلسفي بحت – شبهات أرسطو وبرقلس وابن سينا : كتاب في الرد على الفلاسفة. مذهب الشهرستاني العقائدي هو مذهب الأشاعرة ، وقد صرح بذلك هو بنفسه في بعض كتبه ، وهذا ما يكاد يجمع المترجمون له عليه، بل إن أشهر كتبه   ( الملل والنحل ) يدل دلالة واضحة على ذلك، وشيوخه هم من الأشاعرة ، بل وكتابه (نهاية الإقدام في علم الكلام ) ينصر المذهب الأشعري بأدلته وحججه ويناقش الآراء المخالفة له ويرد عليها . وقع الشهرستاني باعترافه في كتابه (نهاية الإقدام ) في الاضطراب والحيرة نتيجة تعمقه في الفلسفة وعلم الكلام ، حيث أنه أعلن ندمه في الخوض في الإلهيات عن طريق الفلاسفة والمتكلمين . كان الشهرستاني شافعي المذهب ، ويدل على ذلك أن شيوخه كانوا من المتعصبين للمذهب الشافعي ، وقد اعتبره السبكي الابن في كتابه ( طبقات الشافعية الكبرى) من رجال المذهب الشافعي ، وكذلك الأسنوي في كتابه ( طبقات الشافعية ).



أبو الفضل الشهيد

هو الإمام الحافظ ، الناقد المجود ، أبو الفضل ، محمد بن أبي الحسين أحمد بن محمد بن عمار بن محمد بن حازم بن المعلى بن الجارود الجارودي الهروي الشهيد . قال ابن كثير : كان من الثقات الأثبات الحفاظ المتقنين . قال الذهبي : إمام كبير ، عارف بعلل الحديث. وقال أيضاً : وقد خرج الحافظ أبو الفضل " صحيحاً "على رسم "صحيح مسلم " ، ورأيت له جزءاً مفيداً ، فيه بضعة وثلاثون حديثاً من الأحاديث التي بين عللها في "صحيح مسلم " . قتلته القرامطة وأخاه أحمد سنة سبع عشرة وثلاثمائة ، وهو متعلق بيديه جميعاً بحلقتي الباب حتى سقط رأسه على عتبة الكعبة .

أبو محمد الدامغاني

هو القاضي أبو محمد عبيد الله بن محمد بن طلحة بن الحسن الدامغاني ، ولد في دامغان عام 423هـ /1030م ،ونشأ بها ودرس العلم على علمائها ، حتى نبغ وذاع صيته ، وهو ابن أخت قاضي القضاة أبي عبدالله الدامغاني ، ثم قدم بغداد ودرس على علمائها واتم دراسته عليهم ومن العلماء الذين تتلمذ عليهم : أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، وأبو محمد الحسن بن علي الجوهري ، وأبو الفتح عبدالكريم بن محمد المحاملي ، وأبو النصر أحمد بن الحسين السكري . ثم درس لديه جماعة من العلماء ومنهم : عبدالوهاب الأنماطي ، وعمر بن ظفر المغازلي ، وأبو المعمر الأنصاري ، وأبو طاهر السلفي . فولاه خاله القضاء في ربع الكرخ ، وكان موصوفاً بالعدل والقوة. توفي ليلة الإثنين 27صفرعام 502هـ / 1108 م ، ودفن في مقبرة الخيزران ، عند ضريح الإمام أبو حنيفة .

أبو المظفر السمعاني

هو الإمام عبدالرحيم بن عبدالكريم بن محمد بن منصور بن محمد بن عبدالجبار ، الإمام فخر الدين أبو المظفر بن الحافظ أبي سعد بن السمعاني المروزي . اعتنى به أبوه أتم عناية ، ورحل به وسمعه الكثير، وأدرك الإسناد العالي . وخرج له أبوه معجماً في ثمانية عشر جزءا ، وروى الكثير . قال عنه ابن الغزي : الحبر المحدث المسند . وقال الصفدي : رحل الناس إليه ، وحدث عنه الأئمة وانقطع بموته شيء كثير من المرويات . توفي في ذي الحجة سنة أربعة عشرة وستمائة .

أبو المظفر الفرغاني

هو الفقيه أبو المظفر محمد بن أسامة بن زيد بن النعمان الفرغاني ، وأصله من بلاد ماوراء النهر ، ولد عام 414هـ / 1023م ، وتفقه على علماء فرغانة ، حتى برع وبز أقرانه في الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة وبرع في الجدل والخلاف . سمع الحديث ودرس الفقه على علماء أصبهان وبخارى والري ، وقدم بغداد عدة مرات ، وحدث بها ودرس عليه الشيخ محمود بن مسعود الشعيبي الحنفي ، وروى عنه الشيخ أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي . وكان قد قدم بغداد في صحبة الوزير نظام الملك وناظر علماء بغداد . وجرت بينه وبينهم قصص ، وكان بالأجناد أشبه منه بالفقهاء ، وكان جماعاً للمال بخيلاً له في البخل حكايات ، قال عبدالغافر الفارسي : كان من فحول أهل النظر والجدل والبحث . توفي في شهر رمضان وقيل يوم عيد الفطر من عام 486هـ / 1093م ، ودفن في مقبرة خيزران جوار مشهد الإمام أبي حنيفة النعمان في الأعظمية .



أبي المظفر المشطب

هو الفقيه أبو المظفر محمد بن أحمد بن عبدالجبار المعروف بالمشطب ، ولد بسمنان العجم عام 492هـ / 1098م ، وقيل 494هـ / 1100م، ورحل إلى مرو وتفقه بها على الشيخ أبي الفضل الكرماني ، وساح شوارع بلاد خراسان ، ثم قدم مدينة بغداد واستوطنها ، وتولى التدريس في المدرسة الزيركية في بغداد . وروى الحديث عن أبي المعالي جعفر بن حيدر العلوي ، والحسين بن محمد بن فرخان السمناني ، وأبي بكر محمد بن علي حفص الحلواني ، وأبي طاهر محمد بن أبي بكر الشيحي ، وأبي نصر أحمد بن الحسين بن رجيب السمرقندي ، وأحمد بن محمد الشجاعي ، وذكر له ابن النجار شعراً . قال ابن الجوزي البغدادي عنه : كان فقيهاً على مذهب الإمام أبي حنيفة أفتى ودرس سنين . توفي يوم السبت 11جمادى الأولى عام 573هـ/1177م ، وصلوا على جنازته في جامع القصر ، ودفن في مقبرة الخيزران في الأعظمية .

أبو المنصور الماتريدي

هو أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي ، والماتريدي نسبة إلى ماتريد ، بسمرقند فيما وراء النهر . إنه ولد في عهد المتوكل الخليفة العباسي ، وإنه يتقدم على الإمام الحسن الأشعري ببضع وعشرين سنة . مشايخه الذين تلقى علومه منهم ، يصل سندهم في العلم إلى الإمام بي حنيفة النعمان ، وقد ذكر صاحب " الجواهر المضيئة " أن الماتريدي تخرج بأبي نصر أحمد بن العباسي بن الحسين العياضي ، وتفقه على أبي بكر أحمد الجوزجاني ونصير بن يحيى البلخي ، ومحمد بن مقاتل الرازي . أما أبو نصر العياضي وأبو بكر الجوزجاني فقد تفقها على الإمام أبي سليمان موسى بن سليمان الجوزجاني ، وهذا الأخير تفقه على صاحبي أبي حنيفة : أبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني الذين تفقها على أبي حنيفة . وأما نصير البلخي ومحمد بن مقاتل الرازي فقد تفقها على الإمامين أبي مطيع الحكم بن عبدالله البلخي ، وابي مقاتل حفص بن سلم السمرقندي الذين تفقها على الإمام أبي حنيفة كذلك . وأما علومه فقد دارت حول تأويل القرآن الكريم وأصول الفقه وعلم الكلام ومايتعلق به ، وقد درس العلوم العقلية ، كما درس العلوم النقلية ، الفقه والتأويل وعلم الكلام . ثم انصرف إلى التدريس والتثقيف ، فصنّف وألف لنصرة عقيدة أهل السنة والجماعة ، موطداً لعقائد أهل السنة ، ورد على المعتزلة وذوي البدع في مناظراتهم إلى أن أسكتهم . كان له العديد من المؤلفات ، منها ما كان في علم الكلام والعقيدة ، ومنها ما كان في أصول الفقه ، ومنها ما كان في تأويل القرآن. وتوفي سنة ثلاثمائة وثلاث وثلاثين للهجرة ، وأن قبره بسمرقند .

أبو نصر السجزي

هو الإمام العالم الحافظ المجود شيخ السنة ، أبو نصر ، عبيدالله بن سعيد بن حاتم بن أحمد ، الوائلي ( نسبة إلى قرية بسجستان يقال لها : وائل ) البكري السجستاني ، شيخ الحرم ، ومصنف " الإبانة الكبرى " في أن القرآن غير مخلوق ، وهو مجلد كبير دال على سعة علم الرجل بفن الأثر . قال محمد بن طاهر: سألت الحافظ أبا إسحاق الحبال عن أبي نصر السجزي ، وأبي عبدالله الصوري ، أيهما أحفظ ؟ فقال : كان السجزي أحفظ من خمسين مثل الصوري . قال الذهبي : الحافظ الإمام عالم السنة، صاحب (الإبانة الكبرى ) في مسألة القرآن وهو كتاب طويل في معناه دال على إمامة الرجل وبصره بالرجال والطرق . قال السيوطي : كان متقناً مكثراً بصيراً بالحديث والسنة ، واسع الرحلة . قال السمعاني : كان أحد الحفاظ . توفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة .

أبو نعيم

هو أحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران ، الإمام الحافظ ، الثقة العلامة ، شيخ الإسلام ، أبو نعيم ، المهراني ، الأصبهاني ، الصوفي ، الأحول ، سبط الزاهد محمد بن يوسف البناء ، وصاحب " الحلية ". قال أبو محمد السمرقندي: سمعت أبا بكر الخطيب يقول : لم أر أحداً أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين ، أبو نعيم الأصبهاني وأبو حازم العبدويي . وقال الذهبي : وكان حافظاً مبرزاً عالي الإسناد، تفرد في الدنيا بشيء كثير. قال الصفدي : تاج المحدثين وأحد أعلام الدين له العلو في الرواية والحفظ والفهم والدراية وكانت الرحال تشد إليه ، وقال : بقي أربع عشرة سنة بلا نظير لا يوجد شرقاً ولا غرباً أعلى إسناداً منه ولا أحفظ منه . قال أحمد بن محمد بن مردويه : كان أبو نعيم في وقته مرحولاً إليه ، ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه ، كان حفاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده ، فكان كل يوم نوبة واحد منهم يقرأ مايريده إلى قريب الظهر ، وقال ابن كثير : الحافظ الكبير ذو التصانيف المفيدة الكثيرة الشهيرة ، منها حلية الأولياء في مجلدات كثيرة ، دلت على إتساع روايته ، وكثرة مشايخه ، وقوة إطلاعه على مخارج الحديث ، وشعب طرقه . مات سنة ثلاثين وأربع مائة .

أبو الوفاء علي بن عقيل

أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل ( 431هـ - 513هـ / 1040-1119م ) من بغداد ، العراق . شيخ الحنابلة ، أمام علامة ، وصاحب تصانيف . من كبار الأئمة. سعى إلى استخدام العقل والمنطق لتحقيق تفسير الدين ، في 1066 تم تعيينه أستاذا في مسجد المنصور في بغداد ، ولكن الاضطهاد من جانب رجال الدين المحافظين سرعان ما جعله يتقاعد في 1072 واضطر إلى التراجع عن هذه المعتقدات علناً . كان معتزلياً ثم أشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك . من مؤلفاته : كتاب الفنون : هو كتاب كبيرٌ جداً ، قيل أنه بلغ ثمانمئة مجلد ، فيه فوائد كثيرة في الوعظ والتفسير والفقه والأصول ، والنحو واللغة والشعر والتاريخ والحكايات وفيه مناظراتُه ومجالسُه التي وقعت له وخواطره ونتائج فكره قيّدها فيه .



أبو الوليد الطيالسي

هو أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبدالملك ، الإمام الحافظ الناقد ، شيخ الإسلام ، أحد أركان الحديث ، أبو الوليد الباهلي ، مولاهم البصري ، ولد سنة ثلاث وثلاثين ومئة، قال أحمد بن حنبل : أبو الوليد متقن . وقال عبدالله بن أحمد : سمعت أبي يقول : أبو الوليد شيخ الإسلام . وقال أبو حاتم : إمام فقيه عاقل ثقة حافظ ، ما رأيت في يده كتاباً قط . وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبا زرعة – وذكر أبا الوليد – فقال : أدرك نصف الإسلام ، وكان إماماً في زمانه جليلاً عند الناس . وقال أحمد العجلي : ثقة ثبت كانت إليه الرحلة بعد أبي داود الطيالسي . وقال أحمد بن سنان : أمير المحدثين مات سنة سبع وعشرين ومائتين .

أبو يوسف

أبو يوسف هو يعقوب بن إبراهيم الكوفي قاضي القضاة ، العلامة المجتهد المحدث ، وصاحب أبي حنيفة وهو المقدم بين أصحابه إذ يعدّ أول من دوّن الكتب في مذهب الحنفية ، وقد ساعده منصبه في القضاء على أن يمكّن لمذهب أبي حنيفة الذيوع والانتشار . توفي سنة ( 189هـ / 805م ) من سلالة أحد الصحابة ، ولد عام 113 من الهجرة وتوفي عن سبع وستين سنة . وكان موطنه الكوفة مركزاً علمياً مرموقاً ، وقد تلقى العلم على أكابر أساتذة عصره ، وكان من أنجب تلاميذ أبو حنيفة وأعلمهم وأكبرهم ، وقام بتدوين فقهه ونشر مذهبه ، وتولى القضاء في دولة بني العباس ، واستحدث له هارون الرشيد منصب قاضي القضاة فاشتهر بحسن السيرة والعدل في قضائه ، وكانت أهم أعماله في هذا المجال أنه استطاع توحيد الأمة على قانون واحد هو الفقه الحنفي وقضى على الفوضى القانونية التي كانت سائدة بسبب تأثيرات أهواء الحكام . ولما كان تعيين القضاة بيده فقد استطاع أن يختار قضاة صالحين من مدرسته الفقهية . من مؤلفاته : كتاب الرد على سير الأوزاعي – كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى – الخراج – أدب القاضي .

إسحاق بن راهويه

ابن رَاهَوَيْه ( 161هـ -238هـ / 778-853م ) ، أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخْلد الحنظلي التميمي المروزي . اجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصدق والورع والزهد . نزل نيسابور ، ورحل إلى العراق والحجاز واليمن والشام وعاد إلى خراسان. روى عن ابن عُليّة ، وابن عيينة ، وابن مهدي ، وعبدالرزاق ، وغيرهم ، وروت عنه الجماعة سوى ابن ماجة . قال الإمام أحمد عنه : إسحاق إمام من أئمة المسلمين . وقال نعيم بن حماد : إذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه فاتهمه في دينه . وقال الدارمي : ساد إسحاق أهل المشرق والمغرب بصدقه . وله مصنفات منها : المُسْند ، والتفسير ، وقد أملى المسند والتفسير من حفظه ، وما كان يُحدّث إلاّ حفظاً .

الآمدي

سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي فقيه ، مصنف ومتكلم حنبلي ثم شافعي . توفي في 4صفر سنة 631هجري وله 80سنة . اشتغل بالشام على المجير البغدادي ، ثم ورد إلى بغداد واشتغل وتفرد بعلم المعقولات والمنطق والكلام، وقصده الطلاب من البلاد ثم قرأ الفلسفة والمنطق بمصر بالجامع الظافري ، وقبة الشافعي ، وصنف التصانيف ثم قاموا عليه ، ورموه بالانحلال ، وكتبوا محضراً بذلك ووضعوا خطوطهم بما يستباح به الدم ، فخرج مستخفياً ، ونزل حماة . وله نحو من عشرين تصنيفاً . ثم تحول إلى دمشق ، ودرس بالعزيزية مدة ، ثم عزل عنها ، وكان يظهر منه رقة قلب .

إسماعيل القاضي المالكي

هو إسماعيل القاضي الإمام ، الحافظ ، شيخ الإسلام أبو إسحاق ، إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن محدث البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي ، مولاهم البصري ، المالكي ، قاضي بغداد ، وصاحب التصانيف . أخذ الفقه عن أحمد بن المعذل ، وطائفة، وصناعة الحديث عن علي بن المديني ، وفاق أهل عصره في الفقه . قال الخطيب : كان إسماعيل فاضلاً عالماً . متفنناً فقيهاً ، صنف المسند ، وكتباً عديدة من علوم القرآن ، وجمع حديث مالك ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وأيوب السختياني . وقال أبو إسحاق الشيرازي : كان إسماعيل جمع القرآن ، وعلوم القرآن ، والحديث وآثار العلماء . وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي : كان ثقة صدوقاً ، وقال القاضي عياض : بلغ من العمر ما صار واحد عصره ، في علوم الإسناد . فحمل الناس عنه من الحديث الحسن ، ما لم يحمل عن كثير . توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين .

البخاري

هو الإمام المحدث العلم ، شيخ الإسلام ، أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ابن بردزبه ، بباء موحدة مفتوحة ، ثم راء ساكنة ، ثم دال مهملة مكسورة ، ثم زاي ساكنة ، ثم باء موحدة ، ثم هاء ، وهي لفظة بُخارية ، معناها الزراع ، الجعفي مولاهم ، البخاري ، إمام أهل الحديث في زمانه ، والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه، صاحب الصحيح والتصانيف . عن محمد ابن خميرويه ، سمعت محمد بن إسماعيل يقول : أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، وأحفظ ألف حديث غير صحيح ، وقال أبو مصعب الزهري : محمد بن إسماعيل أفقه عندنا وأبصر بالحديث من أحمد بن حنبل . وقال ابن خزيمة : ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري . وقال محمد بن حمدون بن رستم : سمعت مسلم بن الحجاج يقول للبخاري : دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله . وقال الترمذي : لم أر أحداً بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل . قال أبو عبدالله الحاكم : محمد بن إسماعيل البخاري إمام أهل الحديث . وقال سعيد بن جعفر : سمعت العلماء بالبصرة يقولون : مافي الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح . وقال ابن حجر : جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث . مات سنة ست وخمسين ومائتين .

البزار

هو الشيخ ، الإمام ، الحافظ الكبير ، أبو بكر ، أحمد بن عمرو بن عبدالخالق ، البصري ، البزار ، صاحب " المسند " الكبير . قال أبو سعيد بن يونس : حافظ للحديث . وقد ذكره أبو الحسن الدارقطني ، فقال : ثقة ، يخطئ ويتكل على حفظه . وقال الذهبي : صاحب المسند الكبير المعلل ، الذي تكلم على أسانيده . وقال ابن حجر: صاحب المسند الكبير صدوق مشهور . مات سنة اثنتين وتسعين ومائتين .

البغوي

الشيخ الإمام ، العلامة القدوة الحافظ ، شيخ الإسلام ، محيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي المفسر ، صاحب التصانيف، "شرح السنة" و "معالم التنزيل " " المصابيح " وغيرها . قال الذهبي : كان البغوي يلقب بمحيي السنة وبركن الدين ، وكان سيداً إماماً ، عالماً علامة ، زاهداً قانعاً باليسير ، ....بورك له في تصانيفه ، ورزق فيها القبول التام ، لحسن قصده ، وصدق نيته ، وتنافس العلماء ، في تحصيلها ، وله القدم الراسخ في التفسير ، والباع المديد في الفقه، رحمه الله . وقال ابن كثير : صاحب التفسير وشرح السنة والتهذيب في الفقه ، والجمع بين الصحيحين والمصابيح في الصحاح والحسان ، وغير ذلك ، اشتغل على القاضي حسين وبرع في هذه العلوم ، وكان علامة زمانه فيها ، وكان ديناً ورعاً زاهداً عابداً صالحاً . وقال الأدنروي : كان إماماً في التفسير والحديث والفقه توفي سنة ست عشرة وخمسمائة .



البيهقي

أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، فقيه شافعي وحافظ كبير . كان معروفاً بشيخ خراسان النيسابوري الخُسرَوجرْدي وخسروجرد ( خسروكَرد ) قرية من ناحية بيهق. ولد في شعبان في سنة 384هـ . من شيوخ البيهقي : - أبو عبدالله الحكم النيسابوري 405هـ - أبو الفتح المروزي الشافعي – عبدالقاهر البغدادي – أبو سعيد بن الفضل الصيرفي – أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي وهو أكبر شيخ له – أبو طاهر الزيادي – وسمع من أبي بكر بن فورك وأخذ عنه علم الكلام وتبحر فيه – ومن مشايخه أبي علي الروذباري من مشاهير الصوفية – وهلال الحفار وأبي الحسن بن بشران – وأبي عبدالله بن لطيف وله أكثر من مائة شيخ . ومن تلاميذه : ولده إسماعيل وحفيده عبدالله وزاهر وعبدالله الفراوي وعبدالجبار بن عبدالوهاب وغيرهم كثير. كان البيهقي أوحد زمانه وأحد أئمة المسلمين حتى قيل فيه أن : ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي ، فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه وأقاويله . مؤلفاته : السنن الكبير في عشر مجلدات ، وهواشهرها – السنن والآثار في أربع مجلدات – الأسماء والصفات في مجلدين – المعتقد – البعث – الترغيب والترهيب مجلد – الدعوات – الزهد – الخلافيات – نصوص الشافعي – دلائل النبوة – السنن الصغير – شعب الإيمان – الأربعين الكبرى – الأربعين الصغرى – مناقب الشافعي – مناقب أحمد – فضائل الصحابة مجلد . توفي في عاشر شهر جمادى الأولى ، سنة ثمان وخمسين وأربع مائة ، فنقل ودفن ببيهق ، وعاش أربعاً وسبعين سنة .

الترمذي

هو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضاحك ، وقيل : هو محمد بن محمد عيسى بن يزيد بن سورة بن السكن ، الحافظ ، العلم ، الإمام ، البارع ابن عيسى السلمي الترمذي الضرير ، مصنف "الجامع" ، أحد الكتب الستة وكتاب "العلل" ، وغير ذلك .قيل: ولد أعمى ، والصحيح أنه أضر في كبره ، بعد رحلته وكتابته العلم. قال ابن حبان : كان أبو عيسى ممن جمع ، وصنف وحفظ وذاكر . وقال أبو سعد الإدريسي : كان أبو عيسى يضرب به المثل في الحفظ . قال عمر بن علك:مات البخاري ، فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى ، في العلم والحفظ ، والورع والزهد. وقال المزي : أحد الأئمة الحفاظ المبرزين ، ومن نفع الله به المسلمين. وقال الخليلي: الحافظ متفق عليه ، له كتاب في السنن وكتاب في الجرح والتعديل ، روى عنه أبو محبوب والأجلاء ، وهو مشهور بالأمانة والإمامة والعلم . وقال ابن كثير : هو أحد أئمة هذا الشأن في زمانه . مات سنة تسع وسبعين ومائتين بترمذ .

الجصاص

ولد أحمد بن علي الرازي الجصاص الحنفي في مدينة الري والتي ينسب لها بالرازي . وكانت سنة ولادته سنة خمس وثلاثمائة 305هـ. وقد مكث بها حتى سن العشرين حيث رحل إلى بغداد . وانتهت إليه رياسة المذهب الحنفي ببغداد. من كتبه : شرح الجامع الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني – شرح الجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني – شرح المناسك لمحمد بن الحسن الشيباني – شرح مختصر الفقه للطحاوى – شرح آثار الطحاوى – مختصر اختلاف الفقهاء للطحاوى - شرح الأسماء الحسنى – جوابات المسائل – أحكام القرآن – أصول الفقه . توفي في يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة 370هـ. عن خمس وستين سنة .

الجورقاني

هو الإمام الحافظ الناقد ، أبو عبد الله ، الحسين بن إبراهيم بن الحسين ابن جعفر ، الهمذاني الجورقاني . وجورقان : من قرى همذان . له مصنف في الموضوعات (الأباطيل ) وغيره . يسوقها بأسانيده. وعلى كتابه بنى أبو الفرج بن الجوزي كتاب "الموضوعات" له. قال الذهبي : الإمام الحافظ الناقد . وقال ابن مشق : ضبط وصنف عدة كتب في علم الحديث كتاب " الموضوعات " أجاد تصنيفه . قال ابن حجر : كان قليل الخبرة بأحوال المتأخرين وجل اعتماده في كتاب الأباطيل على المتقدمين إلى عهد ابن حبان وأما من تأخر عنه فيعل الحديث بأن رواته مجاهيل وقد يكونوا أكثرهم مشاهير . وقال الصفدي : سمع الكثير ، وكتب وحصل ، وصنف عدة كتب في علم الحديث منها : كتاب الموضوعات أجاد تصنيفه . وفاته في سادس عشر رجب سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة .

الحاكم

هو محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم ، الإمام الحافظ ، الناقد العلامة ، شيخ المحدثين ، أبو عبدالله بن البيع . قال السمعاني : هذه اللفظة لمن يتولى البياعة والتوسط في الخانات بين البائع والمشتري من التجار للأمتعة . الضبي الطهماني النيسابوري ، الشافعي ، صاحب التصانيف . قال الذهبي : صنف وخرج ، وجرح وعدل ، وصحح وعلل ، وكان من بحور العلم على تشييع قليل فيه . وقال : برع في معرفة الحديث وفنونه ، وصنف التصانيف الكثيرة ، وقال عنه أيضاً : الإمام الحافظ ، الناقد العلامة ، شيخ المحدثين . وقال : وانتهت إليه رئاسة الفن بخراسان ، لا بل في الدنيا ، وكان فيه تشييع وحط على معاوية . وهو ثقة حجة . وقال الخطيب: كان من أهل الفضل والعلم والمعرفة والحفظ ، وله في علوم الحديث بمصنفات عدة . وقال ابن كثير : كان من أهل العلم والحفظ والحديث . مات سنة خمس وأربع مائة .

الحسن بن نصر الطوسي

الحسن بن نصر الطوسي هو الإمام الحافظ المجود ، أبو علي ، الحسن بن علي بن نصر بن منصور الطوسي ، صاحب المستخرج على الترمذي . قال الخليلي : له تصانيف تدل على معرفته بهذا الشأن . وسئل عنه ابن أبي حاتم ، فقال : ثقة معتمد عليه . توفي على ما قاله الحاكم : بطوس سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة . وقال الخليلي: مات في طريق الغزو سنة ثمان وثلاثمائة .

حفص بن غياث

م 117 – ت 194 هـ ، وقيل ت 195 أو 196 أبو عمر حفص بن غياث بن طلق بن معاوية بن مالك بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ربيعة بن جسم بن وهبيل بن سعد بن مالك بن النخع ، كثير الحديث ، معتمد الرواية ، جليل القدر ، وكان جواداً مفضالاً ، وهو القائل من لم يأكل من طعامي لا أحدثه . وكان حفص من أعلام أصحاب أبي عبدالله الصادق وموسى الكاظم عليهما السلام ، كما كان من أعلام أصحاب أبي حنيفة . وقد ولي حفص القضاء لهارون الرشيد ببغداد الشرقية ، ثم ولاه الكوفة ومات بها .

الخطابي

هو الإمام العلامة ، الحافظ اللغوي ، أبو سليمان ، حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي ، صاحب التصانيف البديعة . قال أبو طاهر السلفي : وأما أبو سليمان الشارح لكتاب أبي داود ، فإذا وقف منصف على مصنفاته ، واطلع على بديع تصرفاته في مؤلفاته ، تحقق من إمامته وديانته فيما يورده وأمانته . وقال الذهبي : كان ثقة متثبتاً من أوعية العلم . وقال ابن كثير : له فهم مليح وعلم غزير ومعرفة باللغة والمعاني والفقه . توفي سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة بمدينة بست .

الخطيب البغدادي

هو الإمام العلامة المفتي ، الحافظ الناقد ، محدث الوقت أبو بكر ، أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي ، صاحب التصانيف ، وخاتمة الحفاظ . قال ابن ماكولا : كان أبو بكر آخر الأعيان ، ممن شاهدناه معرفة ، وحفظاً ، وإتقاناً ، وضبطاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفنناً في علله وأسانيده ، وعلماً بصحيحه وغريبه ، وفرده ومنكره ومطروحه ، ولم يكن للبغداديين – بعد أبي الحسن الدارقطني – مثله . وقال المؤتمن الساجي : ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من أبي بكر الخطيب . وقال أبو إسحاق الشيرازي الفقيه : أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه . وقال الباجي : حافظ المشرق الإمام المحدث الكبير ، أخذ الحديث عن كبار علماء عصره ، وارتحل في طلبه إلى عدة أمصار . وألف ستاً وخمسين مصنفاً في مختلف علوم الحديث ، وكل من أنصف علم أن المحدثين بعده عيال على كتبه . وقال ابن عساكر : الفقيه الحافظ أحد الأئمة المشهورين والمصنفين المكثرين والحفاظ المبرزين ومن ختم به ديوان المحدثين . وقال الذهبي : خاتمة الحفاظ ، كتب الكثير ، وتقدم في هذا الشأن ، وبز الأقران ، وجمع وصنف وصحح ، وعلل وجرح ، وعدل وأرخ وأوضح ، وصار أحفظ أهل عصره على الإطلاق . توفي سنة ثلاث وستين وأربع مائة .

الخليلي

هو القاضي العلامة الحافظ ، أبو يعلى ، الخليل بن عبدالله بن أحمد بن الخليل ، الخليلي القزويني ، مصنف كتاب " الإرشاد في معرفة المحدثين " . قال الذهبي : كان ثقة حافظاً عارفاً بكثير من علل الحديث ورجاله عالي الإسناد كبير القدر ، ومن نظر في كتابه عرف جلالته وله غلطات في " إرشاده " . وقال أيضاً : أحد أئمة الحديث . وقال الصفدي : الحافظ المحدث مصنّف الإرشاد في معرفة المحدّثين . كان ثقة حافظاً عارفاً بالعلل والرجال . توفي في آخر السنة وأربعين وأربعمائة .

الدارقطني

هو الإمام الحافظ المجود ، شيخ الإسلام ، علم الجهابذة ، أبو الحسن ، علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبدالله البغدادي الدارقطني المقرئ المحدث ، من أهل محلة دار القطن ببغداد . قال أبو بكر الخطيب : كان الدارقطني فريد عصره ، وقريع دهره ، ونسيج وحده ، وإمام وقته ، انتهى إليه علوم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال ، مع الصدق والثقة ، وصحة الإعتقاد ، والإضطلاع من علوم ، سوى الحديث . وقال أبو الطيب الطبري : كان الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث . قال الذهبي : الإمام الحافظ المجود ، شيخ الإسلام ، علم الجهابذة ، كان من بحور العلم . ومن أئمة الدنيا ، انتهى إليه الحفظ ومعرفة علل ، واستجيز من الأقطار البعيدة حتى من مصر والحجاز واليمن . وقال أبو عبدالله الحاكم : أبو الحسن صار واحد عصره في الحفظ والفهم والورع . وكان أحد الحفاظ . وقال الحافظ عبدالغني : أحسن الناس كلاماً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثلاثة : ابن المديني في وقته ، وموسى بن هارون ، يعني : ابن حمال في وقته ، والدارقطني في وقته توفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة .

الدارمي

هو عبدالله بن عبدالرحمن بن الفضل بن عبدالله ، الحافظ الإمام ، أحد الأعلام ، أبو محمد التميمي ، ثم الدارمي السمرقندي ، ودارم هو ابن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم ، طوف أبو محمد الأقاليم ، وصنف التصانيف . قال محمد بن بشار : حفاظ الدنيا أربعة : أبو زرعة بالري ، ومسلم بنيسابور ، وعبدالله بن عبدالرحمن بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى . وقال أبو حاتم : عبدالله بن عبدالرحمن إمام أهل زمانه. وقال ابن حبان : كان من الحفاظ المتقنين ممن حفظ وجمع وتفقه وصنف وحدث . وقال محمد بن إبراهيم الشيرازي : أظهر علم الحديث والآثار بسمرقند وذب عنها الكذب وكان مفسراً كاملاً وفقيهاً عالماً . وقال الخطيب : كان أحد الرحالين في الحديث والموصوفين بحفظه وجمعه والإتقان له مع الثقة والصدق والورع والزهد . وعن رجاء بن مرجا قال : ما رأيت أحدا أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منه . مات سنة خمس وخمسين ومائتين .

داود بن علي الظاهري

داود بن علي بن خلف ، البغدادي المعروف بالأصبهاني ( 200هـ - 270هـ ) ، إمام مجتهد وفقيه ، ومحدث يعتبر مؤسس وإمام أهل الظاهر . يكنى بـ " أبي سليمان " واشتهر بهذه الكنية لكن اشتهاره باسمه داود بن علي أكثر من اشتهاره بها . نسب إلى أصْبَهان ، وهي مدينة لا تزال قائمة إلى الآن في إيران . هناك من يرى أن الإمام الكبير داود بن علي ليس من أصبهان ، وإنما هو عراقي بغدادي ، ونسبته لأصبهان ، لأن أمه أصبهانية . شيوخه كثيرون وتلاميذه الذين أصبحوا من أئمة الحديث والفقه أكثر ، مصنفاته وكتبه كثيرة جداً حسب أبواب الفقه ، وكان من أكثر الناس تعصباً للإمام الشافعي وهو إمام أهل الظاهر ، وأثره واضح على : علي بن حزم الأندلسي ، نفطويه ، ابن ظاهر القيسراني ، ابن الرومية ، أبو تراب الظاهري، أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري ، مقبل بن هادي الوادعي . وكان ورعاً ناسكاً زاهداً ، أخذ عليه قوله بأن القرآن محدث وأنه قائم بذاته ليس بمخلوق منفصل عنه ، ويرى البعض بأنه لا يخالف الإمام أحمد في ذلك . وقد قيل فيه لا يعتمد قوله إذا انفرد فكيف إذا خالف .

الدقيقي

هو الإمام المحدث الحجة ، أبو جعفر محمد بن عبدالملك بن مروان ابن الحكم ، الواسطي الدقيقي ( بفتح الدال المهملة ، والياء الساكنة آخر الحروف بين القافين : هذه النسبة إلى الدقيق وبيعه وطحنه ) قال أبو حاتم : صدوق . وقال الدارقطني : ثقة. مات سنة ست وستين ومائتين .

الدوري

هو الإمام الحافظ الثقة الناقد ، أبو الفضل ، عباس بن محمد بن حاتم ابن واقد الدوري ثم البغدادي ، مولى بني هاشم ، أحد الأثبات المصنفين . لازم يحيى بن معين ، وتخرج به ، وسأله عن الرجال ، وهو في مجلد كبير . قال النسائي : ثقة . وقال الأصم : لم أر في مشايخي أحسن حديثاً منه . وقال الذهبي : أحد الأثبات المصنفين ، وقال : كان من أئمة الحديث ، وكتابه في الرجال عن ابن معين مجلد كبير نافع ينبئ عن بصره بهذا الشأن . توفي سنة إحدى وسبعين ومائتين .

الذهلي

هو محمد بن يحيى بن عبدالله بن خالد بن فارس بن ذؤيب ، الإمام العلامة الحافظ البارع ، شيخ الإسلام ، وعالم أهل المشرق ، وإمام أهل الحديث بخراسان ، أبو عبدالله الذهلي مولاهم ، النيسابوري . قال ابن أبي حاتم : كتب أبي عن محمد بن يحيى بالري ، وهو ثقة صدوق ، إمام من أئمة المسلمين ، وثقة أبي ، وسمعته يقول : هو إمام أهل زمانه . وقال أبو بكر بن زياد وابن أبي داود : كان أمير المؤمنين في الحديث . وقال ابن خزيمة : محمد بن يحيى إمام عصره . وقال الخطيب : كان أحد الأئمة العارفين ، والحفاظ المتقنين . وقال ابن ماكولا : إمام أهل الحديث بنيسابور مات في سنة ثمان وخمسين ومائتين .

الرشيد العطار

هو الرشيد الإمام الحافظ الثقة المجود رشيد الدين أبو الحسين يحيى بن علي بن عبدالله بن علي بن مفرج القرشي الأموي النابلسي ثم المصري العطار المالكي ، ألف معجم شيوخه وانتخب وأفاد وتقدم في فن الحديث ، وكان ثقة مأموناً متقناً حسن التخريج ، ذكره الشريف عز الدين فقال : كان حافظاً ثبتاً انتهت إليه رياسة الحديث بالديار المصرية ووقف كتبه ، صحبته مدة . وقال عنه ابن الغزي : الإمام الحبر الحافظ الرحالة . وقال عنه الكتبي : كان ثقة عارفاً الحديث . توفي في جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وستمائة .

الساجي

هو الإمام الثبت الحافظ ، محدث البصرة وشيخها ومفتيها ، أبو يحيى ، زكريا بن يحيى بن عبدالرحمن بن بحر بن عدي عبدالرحمن بن أبيض بن الديلم بن باسل بن ضبة الضبي البصري الشافعي . قال الذهبي : وللساجي كتاب جليل في علل الحديث يدل على تبحره في هذا الفن . وقال الحافظ ابن حجر : كان مع معرفته بالفقه والحديث وتصنيفه في الاختلاف كتابه المشهور في العلل وكتابه الآخر على الإسناد. وذكره الآخر على الإسناد . وذكره ابن أبي حاتم فقال : كان ثقة يعرف الحديث والفقه وله مؤلفات حسان في الرجال واختلاف العلماء وأحكام القرآن . مات بالبصرة سنة سبع وثلاثمائة .

سليمان بن حرب

هو سليمان بن حرب بن بجيل ، الإمام الثقة الحافظ ، شيخ الإسلام ، أبو أيوب الواشحي ، الأزدي ، البصري ، قاضي مكة . قال يعقوب بن شيبة : كان ثقة ثبتاً ، صاحب حفظ . وقال النسائي : ثقة مأمون . قال أبو حاتم الرازي : سليمان بن حرب إمام من الأئمة كان لا يدلس ، ويتكلم في الرجال وفي الفقه وليس . وقال أيضاً : كان سليمان بن حرب قلما يخطئ في المشايخ ، فإذا رأيته قد روى عن شيخ فاعلم أنه ثقة . مات سنة أربع وعشرين ومائتين .

صاعد بن محمد الإستوائي

أبو العلاء صاعد بن محمد بن أحمد عماد الإسلام ، فقيه حنفي ، نسبته إلى استواء وهي قرية بنيسابور . ولي قضاء نيسابور مدة وتوفي فيها وانتهت إليه رياسة الحنفية بخراسان في زمانه ، له كتاب الاعتقاد .

صالح بن محمد جزرة

هو صالح بن محمد بن عمرو بن حبيب بن حسان بن المنذر بن أبي الأشرس ، واسم أبي الأشرس : عمار ، مولى لبني أسد بن خزيمة . الإمام الحافظ الكبير الحجة محدث المشرق ، أبو علي الأسدي البغدادي ، الملقب ب ( جزرة ) بجيم وزاي نزيل بخارى . قال الدارقطني : كان ثقة حافظاً غازياً . وقال الحافظ أبو سعد الإدريسي : صالح بن محمد ، ما أعلم في عصره بالعراق وخراسان في الحفظ مثله . ورأيت أبا أحمد بن عدي يضخم أمره ويعظمه . وقال الخطيب : كان حافظاً عارفاً من أئمة الحديث وممن يرجع إليه في علم الآثار ومعرفة نقلة الأخبار . مات في ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائتين .

الصغاني

هو الشيخ الإمام العلامة المحدث إمام اللغة رضي الدين أبو الفاضل الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي القرشي العدوي العمري الصاغاني الأصل الهندي اللاهوري المولد البغدادي الوفاة المكي المدفن الفقيه الحنفي صاحب التصانيف . قال الدمياطي : كان شيخاً صالحاً صدوقاً صموتاً إماماً في اللغة والفقه والحديث ، قرأت عليه الكثير . وقال التقي الغزي : الفقيه ، المحدث ، حامل لواء اللغة في زمانه . وقال: الإمام العالم العلامة المحدث اللغوي . توفي سنة خمسين وستمائة .

الضياء المقدسي

هو محمد بن عبدالواحد بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل بن منصور ، الشيخ الإمام الحافظ القدوة المحقق المجود الحجة بقية السلف ضياء الدين أبو عبدالله السعدي المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب التصانيف والرحلة الواسعة. حصل الأصول الكثيرة ، وجرح وعدل ، وصحح وعلل ، وقيد وأهمل ، مع الديانة والأمانة ، والتقوى والصيانة ، والورع والتواضع والصدق والإخلاص وصحة النقل . قال شرف الدين يوسف بن بدر : رحم الله شيخنا ابن عبدالواحد ، كان عظيم الشأن في الحفظ ومعرفة الرجال ، هو كان المشار إليه في علم صحيح الحديث وسقيمه ما رأت عيني مثله . قال المزي : الشيخ الضياء أعلم بالحديث والرجال من الحافظ عبدالغني ولم يكن في وقته مثله . وقال ابن رجب : محدث عصره ، ووحيد دهره . وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره . قال ابن النجار : حافظ متقن حجة عالم بالرجال ورع تقى ما رأيت مثله في نزاهته وعفته وحسن طريقته ، وقال عمر بن الحاجب : شيخنا الضياء شيخ وقته ونسيج وحده علماً وحفظاً وثقة وديناً من العلماء الربانيين ، وهو أكبر من أن يدل عليه مثلي . توفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة .

الطبراني

أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني من مواليد عام 260هـ ( 821م ) بعكا بفلسطين وتوفي حسب بعض الروايات عام 360هـ (918م)، هو أحد رواة الحديث المشهورين وعلمائه . من تلاميذه أحمد بن عمرو بن عبدالخالق البصري وأبو بكر البزار . مؤلفاته : المعجم الكبير – المعجم الأوسط – المعجم الصغير – كتاب السنة وهو كتاب ضخم نقل ابن تيمية عنه بشكل ملحوظ ، لكنه مفقود الآن .

الطحاوي

هو الإمام الكبير ، محدث الديار المصرية وفقيهها ، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبدالملك ، الأزدي الحجري ( بفتح الحاء المهملة ، وسكون الجيم، وفي آخرها الراء ) المصري الطحاوي الحنفي ، صاحب التصانيف البديعة من أهل قرية طحا من أعمال مصر . قال ابن يونس : كان ثقة ثبتاً فقيهاً عاقلاً لم يخلف مثله . وقال الشيخ أبو إسحاق : أبو جعفر الطحاوي انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة بمصر . وقال الذهبي : من نظر في تواليف هذا الإمام علم محله من العلم، وسعة معارفه . وقال ابن كثير : هو أحد الثقات الأثبات ، والحفاظ الجهابذة . توفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة .

عباس الدوري

هو الإمام المحدث الثبت الثقة العباس بن محمد بن حاتم الدوري البغدادي ، أحد أئمة أهل الحديث ، صاحب الإمام أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأبو داود الطيالسي، قال عنه الأصم ، لم أر في مشايخي أحسن حديثاً منه ، ولد في بغداد سنة 185 للهجرة، وتوفي فيها سنة 271 للهجرة .

عبدالحق الإشبيلي

هو الإمام البارع المجود العلامة ، أبو محمد عبدالحق بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الحسين بن سعيد الأزدي الأندلسي الإشبيلي المعروف في زمانه بابن الخراط . قال الحافظ أبو عبدالله البلنسي : كان فقيهاً ، حافظاً ، عالماً بالحديث وعلله ، عارفاً بالرجال ، موصوفاً بالخير والصلاح والزهد والورع ولزوم السنة والتقلل من الدنيا ، وقال الذهبي : عمل ( الجمع بين الصحيحين ) بلا إسناد على ترتيب مسلم ، وأتقنه ، وجوده . توفي سنة إحدى وثمانين وخمسمائة .

عبدالرحمن بن مهدي

هو الإمام عبدالرحمن بن مهدي بن حسان بن عبدالرحمن ، أبو سعيد العنبري ، وقيل: الأزدي ، مولاهم البصري اللؤلؤي . إمام أهل الحديث في عصره ، والمعول عليه في علوم الحديث ومعارفه . قال ابن معين : ما رأيت رجلاً أثبت في الحديث من ابن مهدي . وقال علي بن المديني : أعلم الناس بالحديث ابن مهدي . وقال أيضاً: كان ابن مهدي يقال له في الحديث : روى فلان كذا فيقول : هو خطأ وينبغي أن يكون من وجه كذا فنفتش عليه فنجده كما قال . وقال أحمد بن حنبل : كان ابن مهدي خلق للحديث . وقال الشافعي : لا أعرف له نظيراً في الدنيا . وقال الخطيب : كان من الربانيين في العلم وأحد المذكورين بالحفظ وممن برع في معرفة الأثر وطرق الروايات وأحوال الشيوخ . توفي سنة ثمان وتسعين ومائة .

عبدالرزاق

هو عبدالرزاق بن همام بن نافع ، أحد الأعلام ، الحافظ الكبير ، عالم اليمن ، أبو بكر الحميري ، مولاهم الصنعاني . قال أحمد بن صالح قلت لأحمد بن حنبل : رأيت أحداً أحسن حديثاً من عبدالرزاق ؟ فقال : لا . وقال هشام بن يوسف : كان عبدالرزاق أعلمنا وأحفظنا . وقال ابن معين : لو ارتد عبدالرزاق ما تركنا حديثه . وقال أحمد العجلي : عبدالرزاق ثقة . توفي سنة إحدى عشرة ومائتين .

عبدالقادر الجيلاني

هو أبو صالح محي الدين عبدالقادر الجيلاني بن أبي صالح موسى بن عبدالله بن يحيى بن محمد بن داود بن موسى بن عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب زوج فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . الشيخ عبدالقادر الكيلاني أو كما تكتب أحياناً عبدالقادر الجيلاني ، ولد بجيلان وهي من الأقاليم التي يسكنها الأكراد ، وجاء بغداد وتفقه على عدد من مشايخها خاصة أبي سعيد المُخَرّمي، وكان على مذهب الإمام أحمد في صفات الله عزوجل ، وبغض الكلام وأهله ، وفي القدر ، وفي الفروع ، خلف شيخه أبا سعيد المُخَرّمي على مدرسته ، ودرّس فيها وأقام بها إلى أن مات . ويقال إنه ولد للشيخ عبدالقادر تسعة وأربعون ولداً ، سبعة وعشرون ذكراً والباقي إناث . جلس الشيخ عبدالقادر للوعظ ، وحصل له القبول من الناس ، واعتقدوا ديانته وصلاحه ، وانتفعوا بكلامه ووعظه . وكان له دور كبير مع شيخه الإمام الغزالي في إعداد جيل صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس الشريف حيث تؤكد المصادر وجود علاقات واسعة بينهما تتمثل بالتوجه الفكري والسياسي والعسكري كما تكشف الأبعاد الحقيقية لشخصية الشيخ عبدالقادر الكيلاني . وهو منشئ الطريقة القادرية الصوفية . مؤلفاته كثيرة جداً منها : غنية الطالبين ، فتوح الغيب ، الفتح الرباني .

عبدالواحد الأرموي

هو الحافظ الإمام الجوال ، أبو النجيب ، عبدالغفار بن عبدالواحد بن محمد ، الأرموي، ( والأرموي : نسبة إلى أرمية ، وهي من بلاد أذربيجان ) . قال الرافعي: من الأئمة المذكورين ، بحفظ الحديث ومعرفته . توفي في شوال سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة .

عبيدالله بن بطة

هو الإمام القدوة ، العابد الفقيه المحدث ، شيخ العراق ، أبوعبدالله ، عبيدالله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الحنبلي ، ابن بطة ، مصنف كتاب " الإبانة الكبرى " . قال عبدالواحد بن علي العكبري : لم أر في شيوخ الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة رحمه الله .وقال الخطيب : حدثني أبو حامد الدلوي ، وقال : لما رجع ابن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة ، لم ير في سوق ولا رؤي مفطراً إلا في عيد ، وكان أماراً بالمعروف ، لم يبلغه خبر منكر إلا غيره . قال الذهبي : كان صاحب حديث ولكنه ضعيف من قبل حفظه . قال العتيقي : توفي ابن بطة – وكان مستجاب الدعوة – في المحرم سنة سبع وثمانين وثلاثمائة .

العجلي

هو الإمام الحافظ الزاهد ، ابو الحسن ، أحمد بن عبدالله بن صالح بن مسلم ، العجلي الكوفي . قال الذهبي : وله مصنف مفيد في " الجرح والتعديل " ، طالعته ، وعلقت منه فوائد تدل على تبحره بالصنعة ، وسعة حفظه . وقال عباس الدوري : كنا نعده مثل ابن حنبل وابن معين . وقال الوليد بن بكر الأندلسي : " وأما عبدالله بن صالح فمن ثقات أئمة أهل الكوفة ، صاحب قرآن وسنة . مات سنة إحدى وستين ومائتين .

العز بن عبدالسلام

العز بن عبدالسلام الفقيه الدمشقي ولد بمدينة دمشق وهو شافعي المذهب ، أشعري العقيدة ، اشتهر باسم العزّ بن عبدالسلام ، برز في عصر الحروب الصليبية وعاصر الدول الإسلامية المنشقة عن الخلافة العباسية في عصرها الأخير . ولعل أبرز نشاطه في ريادة الدعوة لمواجهة الغزو المغولي التتري ووقوفه إلى جانب الحكام الذين قادوا المقاومة والحرب الدفاعية ضد الغزاة ووقوفه خاصة بجانب السلطان قطز المملوكي الذي كان قائد قوات السلطان عز الدين أيبك . هو أبو محمد العز عز الدين عبدالعزيز بن عبدالسلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذب السُلمي مغربي الأصل . وُلد الإمام الشيخ العز بن عبدالسلام في إربد عام 578هـ ، وعاش فيها وبرز في الدعوة والفقه ، توفي سنة 660هـ في مصر . ومن أوصافه رحمه الله: أنه له في وجهه وأساريره قسامة ، وكان جليلاً مقبول الصورة ، وكان ذا شخصية قوية ، وكان في مظهره من الملبس وغيره متواضعاً ، وكان لا يتأنق ليزيف عن نفسه ولا ليكذب في الحشمة وكان وقورا، ولم يكن يتقيد بلبس العمامة والتي كانت عادة العلماء والفقهاء في عصره ، وقد يلبس قبعة اللباد (طاقية من الصوف يغلب عليها اللون الداكن أو الأبيض ) وكان يحضر المواكب الرسمية به. عاش العز بن عبدالسلام في دمشق في كنف أسرة متدينة فقيرة مغمورة، وهذه تربة صالحة للنبوغ والتفوق ، وابتدأ العلم في سن متأخرة . يروي السبكي قصة ذلك عن والده : " كان الشيخ عز الدين في أول أمره فقيراً جداً ، ولم يشتغل إلا على كبر ( أي في العلم)، وسبب ذلك أنه كان في بيت في الكلاسة – وهي الزاوية والبناء والمدرسة عند الباب الشمالي للمسجد الأموي – من جامع دمشق ، فبات بها ليلة ذات برد شديد فاحتلم ، فقام مسرعاً ، ونزل في بركة الكلاسة، فحصل له ألم شديد من البرد ، وعاد فنام ، فاحتلم ثانية ، فعاد إلى البركة ، لأن أبواب الجامع مغلقة ، وهو لا يمكنه الخروج ، فطلع فأغمي عليه من شدة البرد ، أنا أشك ( ولد السبكي يتكلم ) هل كان الشيخ الإمام يحكي أن هذا اتفق له ثلاث مرات أو مرتين فقط ، ثم سمع النداء في المرة الاخيرة : يا ابن عبدالسلام ، أتريد العلم أم العمل ؟ فقال الشيخ عز الدين : العلم لأنه يهدي إلى العمل ، فأصبح وأخذ كتاب التنبيه – وهو أهم كتاب مختصر في الفقه الشافعي للشيرازي ، ويعتبر الكتاب الأول للمبتدئين – فحفظه في مدة يسيرة، وأقبل على العلم حتى صار أعلم أهل زمانه ، ومن أعبد خلق الله . وتدل هذه القصة على أن العز نشأ في أسرة دينية ومجتمع إسلامي ، ومحيط علمي ، يقدر العلم ويجل شأنه ، كما أنها تدل على الورع والتقوى ، وصرامة العز في دينه وقوة شكيمته ، وتحمله الصعاب والشدائد في سبيل مرضاة الله . قصد العز العلماء ، وجلس في حلقاتهم ، ينهل من علومهم ، ويكب على الدراسة والفهم والاستيعاب ، فاجتاز العلوم بمدة يسيرة. يقول عن نفسه : " ما احتجت في أي علم من العلوم إلى أن أكمله على الشيخ الذي اقرأ عليه ، إلا وقال لي: لم تعد بحاجتي، فاشتغل مع نفسك ، ولم أقنع بذلك، بل لا أبرح حتى أكمل الكتاب الذي أقرؤه عليه في ذلك العلم . واختار العز فطاحل العلماء العاملين ، فأخذ علمهم وتأثر بهم وبأخلاقهم الفاضلة ، وسلوكهم الرفيع في الحياة ، فجمع بين العلم والأخلاق والسلوك والعمل ، حتى صار أعلم أهل زمانه ومن أعبد خلق الله كما قال السبكي . وجمع العز في تحصيله بين العلوم الشرعية والعلوم العربية ، فدرس التفسير وعلوم القرآن ، والفقه وأصوله ، والحديث وعلومه، واللغة والتصوف ، والنحو والبلاغة وعلم الخلاف . وكان أكثر تحصيله للعلم في دمشق ، ولكنه ارتحل أيضاً إلى بغداد للإزدياد من العلم، فقد كانت الرحلة لطلب العلم قد أصبحت قاعدة مستقرة في الحضارة الإسلامية، وتعتبر منقبة ومفخرة ومزية لصاحبها . وقد رحل إلى بغداد في ريعان شبابه عام 597هـ وأقام بها أشهراً، يأخذ العلوم والمعارف ، ثم عاد إلى دمشق. ترك الشيخ تراثاً علمياً ضخماً في علوم التفسير والحديث والسيرة والعقيدة والفقه وأصول الفقه والزهد والتصوف وتلاميذ جهابذة ، وحارب البدعة وأحيا السنة ، وكانت له فتنة مع الحشوية من المنتسبين للحنابلة في أمور العقيدة . حكم دمشق الملك الصالح إسماعيل من بني أيوب ، فولّى العز بن عبدالسلام خطابة الجامع الأموي الكبير بدمشق ، وبعد فترة وجيزة قام الملك الصالح إسماعيل بقتال ابن أخيه الصالح نجم الدين أيوب حاكم مصر واراد انتزاع السلطة من يده فوالى الصليبين وأعطاهم الصالح إسماعيل حصن الصفد والثقيف وسمح لهم بدخول دمشق لشراء السلاح والطعام وعندها غضب العز وصعد المنبر وخطب الناس خطبة عصماء وأفتى بحُرمة بيع السلاح للفرنجة وحُرمة الصلح معهم ، ثم قطع الخطبة عن الصالح إسماعيل وكان ذلك بمثابة إعلان للعصيان العام وقال في آخر خطبته اللهم أبرم أمر رشد لهذه الأمة يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويأمر بالمعروف وينهي فيه عن المنكر ثم نزل . علم الملك الصالح إسماعيل بخروج العز عن طاعته ، فغضب عليه غضباً شديداً ، وأمر بإبعاده عن الخطابة ، وسجنه ، وبعدما حصل الهرج والمرج ، واضطرب أمر الناس ، أخرجه من السجن ومنعه من الخطبة بعد ذلك فترك دمشق إلى مصر . انتقل العز بعدها إلى مصر ، فوصلها سنة 639هـ . فرحب به الملك الصالح نجم الدين ، فولاه الخطابة والقضاء ، وكان أول ما لاحظه بعد توليه القضاء قيام الأمراء المماليك المملوكين للدولة الإسلامية بالبيع والشراء وقبض الأثمان ، وهو ما يتعارض مع الشرع إذ أنهم في الأصل مملوكين لا يحق لهم بالبيع والشراء والزواج من حرائر نساء مصر ، فكان لا يمضي لهم بيعاً ولا شراء ، حتى تكالبوا عليه وشكوه إلى الملك الصالح الذي لم تعجبه فتوى الشيخ العز ، فذهب إلى الشيخ يسأله أن يعدل من فتواه ، " فطلب منه الشيخ ألا يدخل في القضاء فليس هذا للسلطان، فإن شاء أن يتدخل فالشيخ يقيل نفسه". فاجتمع أمراء الدولة من الأتراك وأرسلوا إليه ، فقال الشيخ :" نعقد لكم مجلساً وننادي عليكم ( بالبيع ) لبيت مال المسلمين " ( السيوطي ، حسن المحاضرة ) . فاستشاط نائب السلطنة غضباً ، وكان من المماليك ، وأقسم ليقتلن الشيخ بسيفه . فذهب إليه نائب السلطنة مع جماعة من الأمراء فطرق بابه، ففتح الباب ابنه عبداللطيف ، فراعه منظر نائب السلطنة إذ رأى سيفه مسلولاً ، والغضب يعلو وجهه فدخل على والده وقال : انج بنفسك إنه القتل . فرد عليه الشيخ بقوله : أبوك أقل من أن يُقتل في سبيل الله . ثم خرج وحين وقع بصره علي النائب ، سقط السيف من يد النائب وارتعد ، فبكى وسأل الشيخ أن يدعو له ، وقال ياسيدي ماذا ستفعل ؟ قال : أنادي عليكم وأبيعكم . ألا أن السلطان لم يذعن لحكم الشيخ، فأرسل إليه من يتلطف إليه ، وبعد إصرار الشيخ أخبره الرسول أن السلطان لن يسمح ببيع الأمراء ، وأمر السلطان واجب ، وهو فوق قضاء الشيخ عز الدين ! وعلى أية حال فليس للشيخ أن يدخل في أمور الدولة فشؤون الأمراء لا تتعلق به . بل بالسلطان وحده! فأنكر الشيخ تدخل السلطان في القضاء وقام فجمع أمتعته ووضعها على حمار . ووضع أهله على حمير أخرى ، وساق الحمير ماشياً!.. إلى أين ياشيخ!؟.. قال : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟!..فيم المقام بأرض يُستضعف فيها أهل الشريعة، ويُعتدي فيها على القضاء ؟! تجمع أهل مصر وراءه وتبعه العلماء والصلحاء والتجار والنساء والصبيان ، حتى كادت مصر أن تخلو من سكانها . خرج الملك الصالح مسرعاً ولحق بالعز وأدركه في الطريق وترضّاه ، وطلب منه أن يعود وينفذ حكم الله ، فتم له ذلك . واشتهر العز بعدها بأنه بائع الملوك . فأزداد الأمراء المماليك غضباً وتآمروا على قتل الشيخ مرة أخرى وفشلوا ، بل وتاب من بعثوهم لقتله على يديه وصلوا صلاة توبة وكان هو أمامهم . عايش العز دولة بني أيوب التي أنشاها صلاح الدين في الشام ومصر ، وكانت دولة قوية ، ولكن في آخر عصرها تنافس أمراؤها وتقاتلوا على المُلك ، حتى لجأ بعضهم إلى التحالف مع الصليبيين من أجل أن يتفرغ لقتال إخوانه وبني عمومته ، ثم كان في آخر دولتهم أن حكمتهم إمرأة هي شجرة الدر ، في سابقة هي الثانية في تاريخ الإسلام أن يملك المسلمين إمرأة ، بعد تولي " رضية الدين " سلطنة دلهي ( 634 – 638هـ ) ، غير أن المصريين استنكروا وجود " سيدة " تتحكم في رقاب الأمراء والكبراء والسادة ، وغضبوا غضباً شديداً ، وخرجت المظاهرات الغاضبة تستنكر هذا الحضور والنفوذ السياسي الكبير لسيدة من سيدات القصر ، وقاد المعارضة العز بن عبدالسلام ، ووقف وسط جموع المتظاهرين ، مندداً بجلوس إمرأة على عرش مصر ، مبيناً أن هذا الجلوس مخالفاً للشرع الحكيم ، ما اضطر شجرة الدر بعدها للتنحي بعد 80يوماً قضتها في الحكم ، وبعد وصول قطز لسدة حكم مصر ، وظهور خطر التتار ووصول أخبار فظائعهم ورسلهم المهددين ، وللإستعداد لملاقاة التتار الزاحفين ، أمر قطز بجمع الأموال للإعداد للحرب ، ووقف العلماء وعلى رأسهم العز بن عبدالسلام أمام الأمراء وقادة الجند ، فقرروا ألا يؤخذ من الناس شيئاً إلا إذا كان بيت المال فارغاً ، وبعدما يخرج الأمراء والتجار وأغنياء الناس عن أموالهم وذهبهم حتى يتساوى الجميع، فنزل قطز على حكم العلماء . توفي العزّ بن عبدالسلام في العاشر من جمادى الأولى سنة ستين وستمائة للهجرة .

العقيلي

هو الإمام الحافظ الناقد ، أبو جعفر ، محمد بن عمرو بن موسى بن حماد ، العقيلي الحجازي ، مصنف " كتاب الضعفاء ". قال مسلمة بن القاسم : كان العقيلي جليل القدر، عظيم الخطر ، ما رأيت مثله . وقال ابن القطان الفاسي : أبو جعفر العقيلي ثقة، جليل القدر ، عالم بالحديث ، مقدم في الحفظ . وقال السيوطي : جليل القدر عظيم الخطر كثير التصانيف مقدم في الحفظ عالم بالحديث ثقة . توفي سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة .

علاء الدين الجويني

وهو الشيخ علاء الدين كيخسرو بن عمر بن الأصفر محمود الجويني ، كان من أعيان بغداد بعد واقعة سقوطها على يد هولاكو ، وهو من جماعة الحاكم عطا ملك الجويني، وكان الشيخ علاء الدين أحد الوزراء المقربين إلى هولاكو وولاه على العراق ، وكان عالماً جليلاً وله علاقة قوية بالعلماء ، ومنزلته كبيرة في نفوس الناس. توفي في يوم الجمعة 24 من ذي القعدة عام 675هـ ، الموافق 1276م ، وشيع بموكب مهيب ودفن في مقبرة الخيزران وأقيم مجلس عزائه في المدرسة المستنصرية ، ورثاه علماء بغداد ومنهم الشيخ شمس الدين الحارثي الكوفي بقصيدة .

علي بن المديني

هو الشيخ الإمام الحجة ، أمير المؤمنين في الحديث ، أبو الحسن ، علي بن عبدالله بن جعفر بن نجيح بن بكر بن سعد السعدي ، مولاهم البصري ، المعروف بابن المديني، مولى عروة بن عطية السعدي . قال أبو حاتم الرازي : كان ابن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل . وقال البخاري : ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني . قيل لأبي داود : أحمد بن حنبل أعلم أم علي ؟ فقال : علي أعلم باختلاف الحديث من أحمد . وقال صالح بن محمد البغدادي : أعلمُ من أدركتُ بالحديث وعلله علي بن المديني . وقال النسائي كأن الله خلقه للحديث . قال أبو قدامة السرخسي : بلغ في الحديث مبلغاً لم يبلغه أحد . وقال أبو عبيد القاسم : انتهى العلم إلى أربعة : أبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له ، وأحمد بن حنبل أفقههم فيه، وعلي بن المديني أعلمهم به ، ويحيى بن معين أكتبهم له . قال الفرهياني وغيره من الحفاظ : أعلم أهل زمانه بعلل الحديث علي . مات سنة أربع وثلاثين ومائتين .

عمر بن بدر الموصلي

هو عمر بن بدر بن سعيد ، الإمام المحدث المفيد الفقيه أبو حفص الكردي الموصلي الحنفي ضياء الدين . قال ابن قطلوبغا : له مصنفات في الحديث وغيره منها العقيدة الصحيحة في الموضوعات الصريحة واستنباط المعين من العلل والتاريخ لابن معين وحدَّث وكان حسن السمت طيب المحاضرة نبيلاً عالي الشأن . وقال الذهبي : جمع وصنف وحدث بحلب ودمشق ... وله تواليف مفيدة وعمل في هذا الفن . توفي في شوال سنة اثنتين وعشرين وستمائة .

الفضل بن دكين

هو شيخ البخاري ومسلم . في أيامه امتحن المأمون الناس في مسألة القول بخلق القرآن ودعاه والي الكوفة فسأله فقال : أدركت الكوفة وبها أكثر من سبعمائة شيخ يقولون القرآن كلام الله . روى الفضل بن دكين عن حفص بن غياث وداود بن نصير الطائي وسفيان الثوري ومسعر بن كرام وسدير الصيرفي وبشير بن المهاجر وإسماعيل بن مسلم العبدي وفطر بن خليفة وعبدالواحد بن أيمن وحبيب بن جري وسعد بن أوس وإسرائيل وشريك بن عبدالله وإسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر والحسن بن صالح وزهير بن معاوية وسفيان بن عيينه وعبدالعزيز بن أبي سلمة وهشام بن سعد وأبان بن عبدالله البجلي وعبدالله بن حبيب بن أبي ثابت وجرير بن ابي حازم ومحمد بن واسع وعمار الدهني . وروى عنه البخاري كثيراً ومسلم بن الحجاج ومحمد بن عبيدالله بن عتبة وموسى بن القاسم ومحمد بن أبي يونس والحارث بن محمد التميمي ومحمد بن إسماعيل الترمذي وعمير بن مرداس . وبشر بن موسى وابن معين وفضيل بن محمد الملطي وأحمد بن حنبل وأحمد بن الهيثم بن خالد البزار وأحمد بن خليل الحلبي والحسن بن علي الوشاء ومحمد بن الحسن بن سماعة وجعفر بن محمد الأحمسي ويحيى بن عبدالله البغدادي شيخ الطبراني وعلي بن عبدالعزيز البغدادي وعباس الدوري البغدادي وأحمد بن فلاعب بن حيان البغدادي وأبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ومحمد بن سليمان المصيصي ، وهارون بن عبدالله الحمال ومحمد بن حاتم بن بزيع . توفي 218هـ .

قتيبة بن سعيد

هو شيخ الإسلام ، المحدث الإمام الثقة الجوال ، رواية الإسلام ، أبو رجاء ، قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي ، مولاهم البلخي البغلاني ، من أهل قرية " بغلان". قال الحافظ أبو أحمد بن عدي : اسمه يحيى بن سعيد ، وقتيبة لقب . وقال الحافظ ابن منده : اسمه علي بن سعيد . قال أبو حاتم الرازي : ثقة . وقال فيه أبو حاتم الرازي أيضاً : حضرته ببغداد ، وقد جاءه أحمد ، فسأله عن أحاديث ، فحدثه بها . وقال ابن معين : ثقة وقال النسائي : ثقة مأمون . مات سنة أربعين ومائتين .

اللالكائي

هو الإمام الحافظ المجود ، المفتي أبو القاسم ، هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي ، الشافعي اللالكائي مفيد بغداد في وقته ، ( واللالكائي : نسبة إلى بيع اللوالك التي تلبس في الأرجل ، كما في " اللباب " ) . قال الخطيب : كان يحفظ ويفهم وصنف في السنن ورجال الصحيحين . وقال ابن الأثير: سمع الحديث الكثير ، وتفقه على أبي حامد الأسفراييني ، وصنف كتباً . وقال ابن كثير: كان يفهم ويحفظ ، وعني بالحديث فصنف فيه أشياء كثيرة . توفي في شهر رمضان سنة ثمان عشرة وأربع مائة.

مجد الدين ابن بلدجي

وهو الشيخ الإمام أبو الفضل عبدالله بن محمود بن مودود بن محمود ابن بلدجي الموصلي ، الحنفي المذهب ، ولد في الموصل في شوال عام 599هـ / 1203م، ونشأ بها وتلقى مبادىء العلوم على أبيه ، ودرس بالمدرسة الصارمية ، على الشيخ عمر بن محمد ابن طبررذ . وروى عن : مسمار بن عمر بن العويس النيار ، ثم رحل إلى دمشق ، ودرس على علمائها ، وصحب الشيخ جمال الدين الحصيري ، ثم قدم إلى بغداد ، وقرأ كتاب ( صحيح البخاري ) على الشيخ أبي الفرج محمد بن عبدالرحمن ، وابي الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة ، وأخذ عن الشيخ عمر بن محمد السهروردي ، وأبي النجا عبدالله بن عمر ابن التي ، ونصر بن عبدالرزاق الجيلي ، وعثمان البتي . وأجازه طائفة من علماء خراسان منهم : المؤيد بن محمد الطوسي ، وأبو بكر القاسم بن عبدالله الفراوي ابن الصفار ، وعبدالرحيم بن عبدالكريم السمعاني، وغيرهم . وأجازه من الموصل : المبارك صاحب (الأصول). كان الشيخ أبو الفضل ابن بلدجي فقيهاً وإماماً عالماً ، له مصنفات عدة ، وتولى القضاء في مدينة الكوفة ، ودرس عليه الكثير من العلماء ومنهم: أبو العلاء محمود الفرضي ، وأبو محمد عبد المؤمن الدمياطي وذكراه في معجميهما . ولقد تولى التدريس في جامع أبي حنيفة عام 667هـ وكانت حلقته واسعة في الدرس يقصدها مختلف العلماء والطلاب وتدور فيها المناظرات العلمية . توفي عام 683هـ / 1284م وصلوا عليه في جامع الإمام الأعظم، ودفن بجانب مرقد الإمام أبي حنيفة وتحت قبته .

محمد بن الحسن الشيباني

محمد بن الحسن الشيباني هو صاحب الإمام أبو حنيفة النعمان وناشر مذهبه وفقيه العراق . وهو يعد صاحب الفضل الأكبر في تدوين مذهب الحنفية ، على الرغم من أنه لم يتتلمذ على شيخه أبي حنيفة إلا لفترة قصيرة ، واستكمل دراسته على يد أبي يوسف ، وأخذ عن سفيان الثوري والأوزاعي ، ورحل إلى مالك بن أنس في المدينة، وتلقى عنه فقه الحديث والرواية . تولى القضاء زمن هارون الرشيد . له تصانيف عديدة منها الكتب الستة والزيادات . توفي في الري بواسط سنة ( 189هـ / 805م ).

محمد بن عثمان بن أبي شيبة

هو محمد بن عثمان بن أبي شيبة الإمام الحافظ المسند ، أبو جعفر العبسي الكوفي . وقال ابن عدي : لم أر له حديثاً منكراً فأذكره . قال الذهبي : جمع وصنف ، وله تاريخ كبير ، ولم يرزق حظاً ، بل نالوا منه . وكان من اوعية العلم . وقال الخطيب: له تاريخ كبير وله معرفة وفهم . وقال الذهبي : كان عالماً بصيراً بالحديث والرجال له تآليف مفيدة ، وقال : كان محدثاً فهماً واسع الرواية ، صاحب غرائب ، وله تاريخ كبير لم أره . وقال ابن حجر : هو على ما قال ابن عبدان لا بأس به . مات سنة سبع وتسعين ومائتين .

محمد بن علي الدامغاني

وهو القاضي الشيخ أبو عبدالله محمد بن علي بن محمد بن الحسين بن عبدالملك ابن حمويه الدامغاني ، ولد في دامغان في ليلة الإثنين 8 ربيع الثاني عام 398هـ   / 1007م، وتفقه على شيوخ بلده . قدم بغداد وسمع الحديث من علماء بغداد وبرع في الفقه ، وعرف بالعقل الوافر والتواضع ، فارتفع ذكره ، وعلا صيته ، وشيوخه كانوا ما زالوا أحياء ، وانتهت إليه الرئاسة في فقهاء المذهب الحنفي . من تلامذته ابنه أبو الحسن الدامغاني وابن أخته أبو محمد الدامغاني .

محمد بن نصر المروزي

هو محمد بن نصر بن الحجاج المروزي الإمام ، شيخ الإسلام ، أبو عبدالله الحافظ الفقيه ، صاحب التصانيف الكثيرة ، والكتب الجمة ، قال الحاكم : هو الفقيه العابد العالم إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة . وقال الخطيب : كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام . وقال ابن حبان : كان أحد الأئمة ممن جمع وصنف وكان من أعلم أهل زمانه بالاختلاف وأكثرهم صيانة في العلم . وقال الذهبي : أحد الأعلام ، كان رأساً في الفقه ، رأساً في الحديث ، رأساً في العبادة . وقال أبو إسحاق الشيرازي : كان من أعلم الناس بالاختلاف . وصنف كتباً . توفي سنة أربع وتسعين ومائتين .

مسلم

هو الإمام الكبير الحافظ المجود الحجة الصادق ، أبو الحسين ، مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ ، القشيري النيسابوري ، صاحب " الصحيح " . قال أحمد بن سلمة : رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما . وقال ابن منده سمعت أبا علي النيسابوري يقول : ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم . وقال أبو العباس بن سعيد : أما مسلم فقل ما يقع له الغلط لأنه كتب المقاطيع والمراسيل . وقال الخطيب : أحد الأئمة من حفاظ الحديث . مات سنة إحدى وستين ومائتين .

معمر بن راشد الأزدي

هو معمر بن راشد الأزدي ، الحداني مولاهم ، أبو عروة البصري ثم اليماني أحد الأعلام . قال أحمد : كان ثقة صدوقاً أفضل من مالك بن أنس إلا أن مالكاً أشد تنقية للرجال . وقال أيضاً : ليس يضم معمر إلى أحد إلا وجدته فوقه . وقال ابن حبان : كان فقيهاً متقناً حافظاً ورعاً . وقال الدارقطني : لا أعلم أحداً أنبل رجل من معمر . قال ابن جريج : عليكم بمعمر فإنه لم يبق في زمانه أعلم منه . مات سنة أربع وخمسين ومائة وهو ابن ثمان وخمسين سنة .

المنذري

هو الإمام العلامة الحافظ المحقق شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد عبدالعظيم بن عبدالقوي بن عبدالله بن سلامة بن سعد المنذري الشامي الأصل المصري الشافعي . قال الحافظ عز الدين الحسيني : كان عديم النظير في علم الحديث على اختلاف فنونه ثبتاً حجة ورعاً متحرياً . قال الدمياطي : هو شيخي ومخرجي ، أتيته مبتدئاً ، وفارقته معيداً له في الحديث . وقال السبكي : أما الحديث فلا مراء في أنه كان أحفظ أهل زمانه وفارس أقرانه له القدم الراسخ في معرفة صحيح الحديث من سقيمه وحفظ أسماء الرِّجال حفظ مُفرط الذكاء عظيمه والخبرة بأحكامه والدِّراية بغريبه وإعرابه واختلاف كلامه . وقال الذهبي : الحافظ الكبير الإمام الثبت ، وقال : كان صالحاً ، زاهداً ، متنسكاً ، ولم يكن في زمانه أحفظ منه . وقال السيوطي : كان عديم النظير في معرفة علم الحديث على إختلاف فنونه عالماً بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه متبحراً في معرفة أحكامه ومعانيه فقيهاً بمعرفة غريبة واختلاف ألفاظه إماماً حجة ثبتاً ورعاً متحرياً . توفي سنة ست وخمسين وستمائة .

موسى بن هارون

هو موسى بن هارون الإمام ، الحافظ الكبير ، الحجة الناقد ، محدث العراق ، أبو عمران البزاز . قال أبو بكر الخطيب : كان موسى ثقة حافظاً . وقال الصبغي : ما رأينا في حفاظ الحديث أهيب ولا أورع من موسى بن هارون . وقال عبدالغني بن سعيد الحافظ : أحسن الناس كلاماً على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله ، علي ابن المديني في زمانه ، وموسى بن هارون في وقته ، والدارقطني في وقته . وعن محمد بن العباس قال قرئ على ابن المنادي وأنا أسمع قال أبو عمران موسى بن هارون بن عبدالله البزاز المعروف هارون بالحمال كان أحد المشهورين بالحفظ والثقة ومعرفة الرجال . مات سنة أربع ومائتين .

النسائي

هو الإمام الحافظ الثبت ، شيخ الإسلام ، ناقد الحديث ، أبو عبدالرحمن ، أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني النسائي ، صاحب السنن أحد الكتب الستة. قال أبو سعيد ابن يونس : كان أبو عبدالرحمن النسائي إماماً حافظاً ثبتاً . وقال الحافظ أبو علي النيسابوري : الإمام في الحديث بلا مدافعة . وقال الحاكم : كلام النسائي على فقه الحديث كثير ، ومن نظر في سننه تحير في حسن كلامه . قال الدارقطني : أبو عبدالرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره . وقال: وكان أفقه مشايخ مصر في عصره ، وأعلمهم بالحديث والرجال . وقال سعد بن علي الزنجاني : إن لأبي عبدالرحمن شرطاً في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم . وقال الذهبي : كان من بحور العلم ، مع الفهم ، والإتقان ، والبصر ، ونقد الرجال ، وحسن التأليف ... ولم يبق له نظير في هذا الشأن . كانت وفاته سنة ثلاث وثلاثمائة .

نفطويه

هو أبو عبدالله إبراهيم بن محمد بن عرفة العَتَكيّ الأزديّ . إمام حافظ ، إمام من أئمة النحو ، والفقه الظاهري . ولد في ( 244هـ - 858م ) ، وتوفي في ( 323هـ - 935م) لقب ( نفطويه ) تشبيهاً له بالنفط ، لدمامته وأدمته ، وزيد مقطع ( ويه ) ، لأنه كان يجري على طريقة سيبويه في النحو . له العديد من الكتب منها : غريب القرآن وتاريخ الخلفاء . ولد بمدينة واسط في العراق ، وسكن بغداد ومات فيها .

الواقدي

هو الإمام محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي المديني القاضي ، صاحب التصانيف والمغازي ، أبو عبدالله ، أحد أوعية العلم . قال البخاري : سكتوا عنه ، تركه أحمد وابن نمير . وقال مسلم وغيره : متروك الحديث . وقال الذهبي : وجمع فأوعى ، وخلط الغث بالسمين ، والخرز بالدر الثمين ، فأطرحوه لذلك ، ومع ذلك فلا يستغنى عنه في المغازي ، وأيام الصحابة وأخبارهم . توفي سنة سبع ومائتين .

يحيى بن شرف النووي

الإمام الحافظ محيي الدين أبو زكريا يحيى بن ضرف بن مرّي بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي الشافعي الدمشقي المشهور بالإمام النووي (المحرم 631 – 676هـ / 1255 – 1300م )، أحد أشهر علماء السنة استمع إلى الكثيرين من علماء عصره وله مؤلفات عديدة في الحديث والفقه ولد في قرية نوى وهي قرية من قرى حوران بالقرب من دمشق ولذلك سمي بالنووي الدمشقي ، شيخ المذاهب وكبير الفقهاء في زمانه . مؤلفاته كثيرة منها : شرح صحيح مسلم وشرح سنن أبو داوود ورياض الصالحين والأربعون النووية .



يزيد بن هارون

هو يزيد بن هارون بن زاذي ويقال : زاذان الإمام القدوة، شيخ الإسلام ، أبو خالد السلمي مولاهم الواسطي ، الحافظ. قال علي بن المديني : مارأيت أحفظ من يزيد بن هارون . وقال أحمد بن حنبل : كان يزيد حافظاً متقناً . قال أبو حاتم الرازي : يزيد ثقة إمام ، لا يسأل عن مثله . وقال أبو زرعة : سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول : مارأيت أتقن حفظاً من يزيد بن هارون . قال ابن سعد : كان ثقة كثير الحديث . مات سنة ست ومائتين .

يعقوب ابن الصلت

هو يعقوب بن شيبة ابن الصلت بن عصفور، الحافظ الكبير العلامة الثقة ، أبو يوسف، السدوسي البصري ثم البغدادي ، صاحب " المسند " الكبير ، العديم النظير المعلل. قال ابن كامل الفرضي : كان فقيهاً سرياً من أصحاب أحمد ابن المعذل والحارث بن مسكين وهو من أئمة المسلمين وأعلام أهل الحديث المسندين . وقال الخطيب :كان ثقة وسكن بغداد وحدث بها . وقال ابن عبد البر : يعقوب أحد أئمة أهل الحديث وصنف مسنداً معللاً إلا أنه لم يتمه . وقال الذهبي : يوضح علل الأحاديث، ويتكلم على الرجال، ويجرح ويعدل ، بكلام مفيد عذب شاف . مات سنة اثنتين وستين ومائتين .

يعقوب الفسوي

هو الإمام ، الحافظ ، الحجة ، الرحال ، محدث إقليم فارس ، أبو يوسف ، يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي الفسوي ، بفتح الفاء والسين : نسبة إلى فسا : مدينة من بلاد فارس . ويقال له : يعقوب بن أبي معاوية . صاحب تاريخ " كبير " جم الفوائد . قال أبو زرعة الدمشقي : قدم علينا رجلان من نبلاء الرجال . أجلهما يعقوب بن سفيان أبو يوسف يعجز أهل العراق أن يرو مثله رجلاً. وقال الذهبي : وما علمت يعقوب الفسوي إلا سلفياً ، وقد صنف كتاباً صغيراً في السنة . مات سنة سبع وسبعين ومائتين.

يحيى بن معين

هو الإمام الحافظ الجهبذ ، شيخ المحدثين ، أبو زكريا ، يحيى بن معين بن معون بن زياد بن بسطام . وقيل : اسم جده غياث بن زياد بن عون بن بسطام الغطفاني ثم المري ، مولاهم البغدادي ، أحد الأعلام ، وحجة الإسلام ، إمام الجرح والتعديل. قال الإمام أحمد بن حنبل : كل حديث لايعرفه يحيى بن معين فليس بحديث . وكان يقول أيضاً : هاهنا رجل خلقه الله لهذا الشأن يظهر كذب الكذابين يعني يحيى بن معين . وقال النسائي : أبو زكريا أحد الأئمة في الحديث ثقة مأمون . وقال ابن المديني : انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين رحمه الله . وكان علي ابن المديني يقول : دار حديث الثقات على ستة ، قال أبو زرعة فصار حديث هؤلاء كلهم إلى يحيى بن معين. وقال هلال بن العلاء : وأما يحيى بن معين فإنه نفى الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال أبو عبيد القاسم : أعلمهم بصحيح الحديث وسقيمه يحيى بن معين . وعن عبيد محمد بن علي الآجري قال قلت لأبي داود أيما أعلم بالرجال يحيى أو علي بن عبد الله قال يحيى عالم بالرجال . وقال عمر الناقد : لا أعلم بالإسناد من يحيى ماقدر أحد يقلب عليه إسناداً قط . مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.





     الشعراء في العصر العباسي

ابن حجاج

حسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج ، النيل البغدادي ، أبو عبدالله. ( ؟ - 391 ) للهجرة ( ؟ - 1001 ) للميلاد ، من شعراء وكتاب العصر البويهي . وخدم بالكتابة في جهات متعددة وولي حسبة بغداد مدة ، وعزل عنها . نسبته إلى قرية النيل ( على الفرات بين بغداد والكوفة ) ووفاته فيها . ودفن في بغداد. غلب عليه الهزل . قيل عنه إنه شاعر العصر وسفيه الأدب وأمير الفحش ، كان أمةٌ وحده في نظم القبائح وخفة الروح يضرب به المثل في السخف والمداعبة والأهاجي ، بعيد من الجد ، وليس للعقل من شعره منال على أنه قويم اللفظ سهل الكلام ، في شعره عذوبة وسلامة من التكلف . جمع الشريف الرضي أشعاره الجيدة على حدة في ديوان منفرد ، ورثاه حين توفي ، له معرفة بالتاريخ واللغات . اتصل بالوزير المهلبي وعضد الدولة وابن عباد و ابن العميد .

مختارات من شعره :

رأيـــا من وجهــــه قميـرٌ منيــرُ   يضيء لنا وراحتهُ السـحابُ

إذا حضر الحساب أعدت ذكري   وتنساني إذا حضر الشـرابُ

أجبني بالقنــــــاتي والمثـــــاني   ووجهــك إنه نعم الجـــوابُ

وكلني في الحســــــاب إلى إله   يسامحني إذا وضع الحسابُ

*****

خليلي قد اتســــــعت محنتي  علي وضــــاقت بها حيلــتي

عذرت عذاري في شـــــيبه   وما لمت أن شـــمطت لمتي

إلى كم يخاسســــني دائـــماً   زماني المقبح في عشـــرتي

تحيفنــي ظالمــــاً غاشـــماً   وكدر بعد الصـــفا عيشــتي

وكنتُ تماسكتُ فيما مضى   فقد خانني الدهر في مسكتي

إلى منزل لا يــــواري إذا   تحصلت فيه سوى ســـوأتي

مقيـماً أروح إلى منــــزلٍ   كقبري وما حضــرت ميتتي

*****

فرشــــت له فيه بســط الحديث   من باب بيتي إلى صـــفتي

ومعدتــــه من خلال الكـــــلام   تشـــكو خواها إلى معدتي

وقــد فـــت عضــــــدي ما بهِ   ولكن عليه غلبت علــــتي

وأغــــدو غــــدواً ملــــياً بأن   يزيد به الله في شـــــقوتي

فأيـــــــــة دارٍ تيممتــــــــــها   تتيــــم بوابــــها حجــــتي

وإن أنــا زاحمتُ حتى أموت   دخلتُ وقد خرجت مهجتي

فيرفعني الناس عند الوصول   إليهم وقد ســـــقطت عمتي

وإن نهضوا بعد للإنصـراف   أسرعت في إثرهم نهضتي

وإن قدموا خيلهم للركـــوب   خرجــت فقدمت لي ركبتي

وفي جمل الناس غلمانــــهم   وليس ســــوائي في جملتي

ولا لي غــــلامٌ فأدعـــوا به   ســوى من أبوه أخو عمتي

****

ابن الخياط

أحمد بن محمد بن علي بن يحيى التغلبي أبو عبدالله ( 450 – 517 ) للهجرة (1058 – 1123) للميلاد ، شاعر ، من الكتاب ، من أهل دمشق مولده ووفاته فيها. طاف البلاد يمدح الناس ، ودخل بلاد العجم في حلب مدة .

مختارات من شعره :

أمنِّي النفسَ وصلاً من سُـعادِ   وأين من المنى دَرَكُ المُـــرادِ

وكيف يَصحُّ وصلٌ من خليلٍ   إذا ما كان مُعتَــــلَّ الــــــودادِ

تمادى في القطيعة لا لِجُــرْمٍ   وأجفى الهاجرينَ ذوُو التمادي

يفرِّقُ بينَ قلبــي والتأسِّــــي   وَيَجْمَعُ بَينَ طرْفِي والسُّـــــهادِ

ولوْ بذلَ اليســيرَ لبلَّ شوْقي   وقدْ يرْوي الظّماءُ منَ التّـــمادِ

أمَلُّ مَخَافَةَ الإمْـــلالِ قُرْبِي   وبَعْضُ الدمع مأســـور الرُّقادِ

*****

ابن دريد الأزدي

محمد بن الحسن بن دريد الأزدي القحطاني ، أبو بكر ( 223 – 321 ) للهجرة (838 – 932 ) للميلاد ، كاتب وشاعر ، ولد في البصرة وانتقل إلى عمان فأقام اثني عشر عاماً وعاد إلى البصرة ثم رحل إلى نواحي فارس فقلده آل ميكال ديوان فارس ، ومدحهم بقصيدته المقصورة الدريدية ، ثم رجع إلى بغداد واتصل بالمقتدر العباسي وأقام فيها إلى أن توفي . له كتب عديدة في النحو .

مختارات من شعره :

ولَيْلَةٍ سَـــامَرَتْ عَيْنِي كَوَاكِبَـــــهَا   نَادَمْتُ فِيهَا الصِّبَا وَالنَّوْمُ مَطْرُودُ

يستنبطُ الراحُ ماتخفي النفوسُ وقدْ   جَادَتْ بمَا مَنَعَتْهُ الكَاعِـــبُ الرُّودُ

والراحُ يفتــرُّ عنْ درٍّ وعنْ ذهبٍ   فَالتِّبْرُ مُنْسَــــكِبٌ والدُّرُّ مَعْقُـــودُ

يا ليلُ لا تبــحِ الإصــباحَ حوزتنا   وليحمِ جانبهُ أعطافَـــكَ الســــودُ

*****

وتفاحةٍ منْ سوسنٍ صيغَ نصفـها   ومنْ جلنارِ نصفها وشــــقائق

كَأنَّ النَّوَى قدْ ضَمَّ مِنْ بَعْدِ فُرْقـةٍ   بها خدَّ معشوقِ إلى خدِّ عاشق

*****

عُيُـــــونٌ مَا يُلمُّ بـــهَا الرُّقــــــادُ   ولاَ يَمْحُو مَحَاسِـــنَهَا السُّهَادُ

إذا مَا اللَّيْلُ صَافَحَهَا اسْـــــتَهَلَّتْ   وتَضْحَكُ حِينَ يَنْحَسِرُ السَّوادُ

لَهَا حَدَقٌ مِنَ الذهَبِ المُصَــــفَّى   صياغةَ منْ يدينُ لهُ العبـــــادُ

وأجفــانٌ منَ الدرِ اســــــتفادتْ   ضِـــــيَاءَ مِثلُهُ مَا يُْسْـــــــتَفَادُ

عَلى قَضُبِ الزَّبَرْجَدِ فِي ذُرَاهَا   لأعين منْ يلاحظــــها مــرادُ

*****

ابن رشيق القيرواني

الحسن بن رشيق القيرواني أبو علي ( 390 – 463 ) للهجرة ( 1000 – 1071 ) للميلاد ، كاتب وشاعر ، كان أبوه من موالي الأزد ، ولد في المسيلة ( بالمغرب ) وتعلم الصياغة ، ثم مال إلى الأدب وقال الشعر . رحل إلى القيروان واشتهر فيها وانتقل إلى جزيرة صقلية ، وأقام بمازر إحدى مدنها ، إلى أن توفي ، أشهر كتبه (العمدة في صناعة الشعر ونقده ) ، و ( قراضة الذهب ) في النقد ، و ( الشذوذ في العلة ) ، و ( أنموذج الزمان في شعراء القيروان ) ، و ( ديوان شعره ) ، ( شرح موطأ مالك ) ، وغيرها الكثير .

مختارات من شعره :

قُمْ فاســقِني قَهْوةً إذا انبَعَثَتْ  في باخِلٍ جادَ بالَّـذي مَلكَهْ

كَأنَّ أيْدي الرِّياح مُذْ بَسَطتْ  في مَتْنِهِ أظْهَرَتْ لنا حُبُكَهُ

*****

يا من يَمُــــــرُّ ولا تَمُــــــرُّ  به القلوبُ مِنَ الحُرَقْ

بعِمامَــــــةٍ مِـــنْ خــــــــدِّهِ  أو خدُّهُ مِنها سَـــــرَقْ

فكأنــــــــــه وكأنـــــــــــها  قَمَرٌ تَعَمَّمَ بالشَّــــــفَقْ

فــــإذا بَــــــدا وإذا كنْثـــنى  وإذا رنا وإذا نَطــــقْ

شَغَلَ الْخَواطِرَ وَالْجَوارحَ   والخواطِرَ والحــدقْ

*****  

مَنْ جَفَانِي فَإنَّنِي غَيْـــرُ جافِ   صِلةٌ أو قطيعَـــةٌ في عَفافِ

رُبَّمَا هاجَرَ الفَتَى مَن يُصافيه   وَلاقى بالْبشْر مَنْ لا يُصافي

*****

وَمُهَفْهَفٍ يَحْميهِ عَنْ نَظَرِ الْوَرَى   غيرانُ سكنَى المُلكِ تحتَ قِبابهِ

أوْما إليَّ أن كئْتِـــــني فَأتَيْتُــــــهُ   والفجــرُ يرمُقُ منْ خِلالِ نِقَابهِ

وَضَمَمْتُهُ لِلصَّدْرِ حَتَّى اسْتَوْهَبَتْ   مِنِّي ثِيــــابِي بَعْضَ طِيْبِ ثِيابهِ

فَلثمْتُ خَدّاً مِنْهُ ضَــــرَّمَ لَوْعَتِي   وَجَعَلتُ أطفي حَرَّها برضـابهِ

فَكَأنَّ قَلْبي مِنْ وَرَاءِ ضُـــلوعِهِ   طرباً يُخَبِّــــرُ قَلبَــــهُ عَــمَّا بهِ

*****

ابن الرومي

علي بن العباس بن جريج أو جورجيس ، الرومي ( 221 – 283 ) للهجرة ( 836 – 896 ) للميلاد ، شاعر ، رومي الأصل ، كان جده من موالي بني العباس . ولد ونشأ ببغداد ، ومات فيها مسموماً فقد دس له السمَّ القاسم بن عبيدالله – وزير المعتضد – وكان ابن الرومي قد هجاه . وقيل إنه لم يمدح أحداً من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه ، اشتهر بالوصف لكل شيء والرثاء وخاصة لابنه الأوسط . وبقي شعره وقصة حياته موزعة في كتب الأدب حتى جمعها وسلسلها وكتبها الكاتب المصري الكبير عباس محمود العقاد ، وهو أحد أشهر الكتاب والأدباء العرب في العصر الحديث.

مختارات من شعره :

إن أنس لا أنسى خبازاً مررت به  يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصر

ما بين رؤيتـــــها في كفــــه كرة  ورؤيتـــــــها قـــوراء كالقمـــــر

إلا بمقـــــدار ماتنـــــداح دائــرة   في المــاء يرمى فيه بالحجــــــر

*****

قصرت أخادعه وغار قذاله   فكأنه متربص أن يصفعا

فكأنـــما صـــفعت قفاه مرة   وأحس ثانية لها فتجمــعا

*****

ولي وطن آليـــت ألا أبيــــــعه   وألا أرى غيري له الدهر مالكاً

عهدت به شرخ الشباب ونعمة  كنعمة قوم أصبحوا في ظلالك

إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهـــمو  عهود الصبى فبها فحنوا لذلك

*****

بكاؤكما يشــــــفي وإن كان لا يجدي  فجودا فقد أودى نظيركما عنـــدي

ألا قاتــــل الله المنايــا ورميــــــها  من القوم حبات القلــوب على عمد

توخى حمام الموت أوسط صبيتي  فلله كيف اختــار واســــــطة العقد

وأولادنا مثل الجــــوارح أيــــــها   فقدنــــاه كان الفاجعــــة البين الفقد

محمد ما شــــيء تـــوهم ســـــلوة   لقلبـــي إلا زاد قلبـي من الوجـــــد

أرى أخويــــك الباقيين كليــــهما   يكونان للأحـــزان أورى من الزند

إذا لعبــــا في ملعب لك لذعـــــاً   فؤادي بمثل النار عن غير ما قصد

فما فيهــما لي ســـلوة بل حرارة   يهيجانـها دوني وأشــقى بها وحدي

*****

أن تطل لحية عليك وتعرض  فالمخالي معروفة للحمير

*****

للموز وموقعه المحبوب   يدفعه البلع إلى القلوب

*****

إن كان أنفــك هكــــــذا     فالفيل عندك أفطـس

إذا جلست على الطريق      ولا أخالك تجــــاس

قيل الســــــلام عليكما  فتجيب أنت ويخرس

*****

هبت سحيراً فناجى الغصن صاحبه  موســوساً وتداعى الطير إعلاناً

ورق تغني على خضـــــر مهدلــة   تسـمو بها وتمس الأرض أحياناً

تخال طائرها نشــــوانا من طرب   والغصن من هزه عطفيه نشوانا

*****

يـا خَلِيلـــــيَّ تَيَّمَتْنــــــي وَحيــــــــدُ   ففــــؤادي بها معنَّى عميدُ

غادةٌ زانها من الغصـــــــن قـــــــدّ   ومن الظَّبي مُقلتـان وجيدُ

وزهاها من فرعها ومن الخـــــدين   ذاك الســــــواد والتوريدُ

أوقد الحسْـــــــنُ نارَه من وحيـــــدٍ   فوق خدٍّ ما شَـــانَهُ تَخْديدُ

فَهْيَ بـــــرْدٌ بخـــــدِّها وســــــــلامٌ   وهي للعاشقين جُهْدٌ جهيدُ

لم تَضِر قَطُّ وجهـــها وهْو مــــــاءٌ   وتُذيبُ القلوبَ وهْيَ حديدُ

ما لما تصطليــــه من وجنتَيْــــــها   غير تَرْشــافِ ريقِها تَبْريدُ

مثلُ ذاك الرضابِ أطفأ ذاك الوَجد   لوْلا الإباءُ والتَّصــــــريدُ

وغرير بحســــنها قال صِـــــــفْها   قلت أمْران هَيِّنٌ وشــــديدُ

يسهل القول إنها أحسن الأشْــــياءِ   طُرّاً ويعْســــــــرُ التحديدُ

*****  

تتجــلَّى للناظــــــــرين إليـــــــــها   فشـــــــقى بحســــــنها وســعيدُ

ظبية تســـــــــكن القلوب وترعاها  وقَمْــــــريَّةٌ لــــــها تغريـــــــدُ

تتغـــــنّى ، كأنـــــــــها لا تغــــنّى   من سكونِ الأوصال وهي تُجيدُ

لا تراها هناك تَجْحَــــــظُ عيــــــنٌ  لك منــــــها ولا يَـــــدِرُّ وريـــدُ

مَعْبَدٌ في الغناء ، وابنُ سُــــــــرَيْج  وهي في الضــربِ زلزلٌ وعقيدُ

عَيْبُـــها أنَّها إذا غنَّتِ الأحْــــــرَارِ  ظلُّــــــوا وهُمْ لديــــــها عَبيــــدُ

واســـــــتزادت قلوبَهم من هواها   برُقاها ، وما لدَيْــــــهمْ مَزيـــــدُ

وحسان عرضن لي ، قلت : مهلَّاً  عن وحيدٍ فحقُّــــــها التوحيــــــدُ

حسنُها في العيون حســـــنٌ وحيد  فلها في القلوب حـــبٌ وحيــــــدُ

أهي شيءٌ لا تســـــــأم العين منه   أم لها كلّ ســــــــــاعة تَجْديــــدُ

*****

أجنتْ لك الوجدَ أغصانُ وكثبـــانُ   فيهـنّ نوعان تفاح ورمّـــــانُ

وفوق ذنيكَ أعنــــــابٌ مُهـــــــدَّلة   سودٌ لهن من الظلماء ألــوانُ

وتحت هاتيك أعنـــابٌ تلـــــوحُ به   أطرافهن قلوب القوم قنــوانُ

غصــــونُ بان عليها الدهرَ فاكهةٌ   وما الفواكه مما يحمل البــانُ

ونرجسٌ باتَ ساري الطلِّ يضربُهُ   وأقحوان منيرُ النور ريَّــــانُ

ألفَن من كل شيء طيّبٍ حَسَـــــنٍ   فهُــــنَّ فاكهةٌ شــتَّى وريْحانُ

ثمارُ صدق إذا عاينتَ ظاهــــرَها   لكنها حين تبلو الطعمَ خُطبانُ

*****

تجاوزت في غصون لسنَ من شجرٍ  لكن غصون لها وصلٌ وهِجران

تلك الغصون اللواتي في أكمّتـــــها   نُعْمٌ وبْؤْسٌ وأفــراحٌ وأحــــزان

*****

   تبـــرجــت بعــد حيـــاء وخــفــــر   تــــبــــرج الأنثى تصــدت للـذكر





ابن زريق البغدادي

أبو الحسن علي ( أبو عبدالله ) ابن زريق الكاتب البغدادي ( 420هـ / 1029م ) . انتقل إلى الأندلس وقيل إنه توفي فيها . وقد عرف ابن زريق بقصيدته المشهورة ( لا تعذليه فإن العذل يولعه ) .

مختارات من شعره :

لا تعذلِيـــــــه فإنَّ العَـــــــذلَ يُــولِعُـــــــــهُ  قد قلتِ حَقاً وَلكِــن ليسَ يَســـــمَعُهُ

جاوَزتِ فِي نصـــــــحه حَـــداً أضَـــــــرَّبهِ   مِن حَيث قدرتِ أنَّ النصــــح يَنفَعُهُ

فَاســــتعمِلِي الرفق فِي تَأنِيبــــــــهِ بَـــــــدَلاً   مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القلبِ مُوجعُهُ

قد كانَ مُضطلـــعاً بالخَطـــــــبِ يَحمِلُـــــهُ  فَضُـــيَّقت بخُطُوبِ الدهر أضـــلُعُهُ

يَكفيــــــــــهِ مِـــــن لوعَـــــــــة أنَّ لــــــهُ  مِنَ النَوى كُلَّ يَـــــومٍ ما يُروعُــــهُ

مــــا آبَ مِن سَــــــــــفرٍ إلّا وَأزعَجَـــــــهُ  رَأي إلى سَـــــــفَرٍ بالعَــزمِ يَزمَعُهُ

كَأنَّـــما هُـــــوَ فِي حِـــــــلِّ وَمُرتــــــــحلٍ  مُوَكَّـــل بفَضـــــــاءِ اللهِ يَذْرَعُـــــهُ

إذا الزَمــــــانَ أراهُ في الرَحيــــــــلِ غِنىً  وَلو إلى الســندّ أضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ

تــــأبى المطامــــــــعُ إلا أن تُجَشّــــــــمه  للرزق كــــــداً وكم ممــــن يودعُـهُ

وَما مُجـــــاهَدَةُ الإنســــــــان توصِـــــــلُهُ  رزقــــاً ولادَعَــــةَ الإنســـان تَقطعُهُ

قد وَزَّع اللهُ بَيــــــنَ الخَلـــــق رزقــــــهُمُ  لم يَخلُـــق اللهُ مِن خَلـــقِ يُضَـــــيِّعُهُ

لكِنَّهُم كُلِّفُــــــوا حِرصــاً فَلســـــــتَ تَرى  مُســــــترزقاً وَســوى الغاياتِ تُقنُعُهُ

وَالحرصُ في الرزقِ والأرزاقِ قد قسِمَت  بَغِي ألّا إنَّ بَغيَ المَــــرءِ يَصــــرَعُهُ

وَالدهـــرُ يُعطِي الفتى مِن حَيثُ يَمنَعُـــــهُ  إرثـــــاً وَيَمنَعُـــهُ مِن حَيث يُطمِعُـــهُ

أســــــــتَودِعُ اللهَ فِي بَغــــــدادَ قمَـــــــراً  بالكَــــرخ مِن فلكِ الأزرار مَطلعُـــهُ

وَدَّعتُــــــهُ وَبــــــوُدّي لـو يُــــــــوَدِّعُنِي  صَــــــفو الحَيــــــاةِ وَأنّي لا أودعُــهُ

وَكَم تَشــــــبَّثَ بي يَــــومَ الرَحيلِ ضُـحَىً   وَأدمُــــعِي مُســــــتَهلّات وَأدمُعُــــــهُ

لا أكُذبُ اللهَ ثــــوبُ الصَــــــبر مُنخـرقٌ   عَنِّـــــي بفُرقتِـــــــهِ لكِـن أرَقَعُـــــــهُ

إنّي أوَسِّــــــــعُ عُــــذري فِي جَنايَتِــــــهِ  بالبيــــنِ عنهُ وجُرمي لا يُوسِّـــــــعُهُ

رُزقـــتُ مُلكاً فلم أحســـــن سِـــــــياسَتهُ  وَكُلُّ مَن لا يُسُــــــوسُ المُلكَ يَخلعُـهُ

وَمَن غدا لابســـــــاً ثوبَ النَعِــــــيم بـلا  شَــــــــكرٍ عَليــــــهِ فَإنَّ اللهَ يَنزَعُـــهُ

اِعتَضــــتُ مِن وَجه خِلّي بَعـدَ فَرقتِـــــهِ  كَأســـــــاً أجَرَّعُ مَنــها ما أجَرَّعُــــهُ

كَم قائِــــلٍ لِي ذُقــــت البَيـــــنَ قُلتُ لــهُ  الذَنـــبُ وَاللهِ ذَنبي لســـــــتُ أدفعُـــهُ

ألا أقمــتَ فكـانَ الرُشـــــــدُ أجمَعُــــــهُ  لو أنَّنِي يَـــومَ بانَ الرُشـــــــدُ اتبَعُـــهُ

إنِّي لَأقطــــعُ أيّـــــــــامي وَأنفقُــــــــها   بحَســـــــرَةٍ مِنـــهُ فِي قَلبي تُقطّعُــــهُ

بمَن إذا هَجَــــــــعَ النُــــــــوّامُ بتُّ لــهُ   بلوعَـــــةٍ مِنهُ ليلي لســــــتُ أهجَعُــهُ

لا يَطمِئـــــنّ لِجَنبي مَضــــــجَعُ وَكَــذا  لا يَطمَئِــــنُّ لهُ مُـــــذ بنتُ مَضــــجَعُهُ

ما كُنتُ أحسَــــــبُ أنَّ الدهرَ يَفجَعُــني   بــــهِ وَلا أنَّ بي الأيّـــــــامَ تُفجــــــعُهُ

حَتَّى جَرى البَيــــــنُ فِيما بَينَــنا بيَــــــدٍ  عَســــــراءَ تَمنَعُــــنِي حَظّـي وَتَمنَعُــهُ

قد كُنتُ مِن رَيبِ دهري جازعـاً فرقــاً   فَلم أوقَّ الَّــذي قــد كُنـــتُ أجزَعُـــــهُ

باللهِ يا مَنزلَ العَيــش الَّذي دَرَســـــت   آثــــــارُهُ وَعَفّــــــت مُذ بنتُ أربُعُــــهُ

هَل الزَمـــــانُ مَعِيـــــد فِيــــــكَ لذَّتنا   أم اللّيــــالِي الَّتي أمضَــــــتهُ تُرجعُــهُ

فِي ذِمَّةِ اللهِ من أصـــــبَحَت مَنــــزلهُ   وَجــادَ غَيثٌ عَلى مَغنــــاكَ يُمرعُــــهُ

مَن عِنـــــدَهُ لِي عَهــــد لا يُضــــيّعُهُ   كَما لهُ عَهــــدُ صِــــدقِ لا أضيَيِّعُـــــهُ

وَمَن يُصَــــــدِّعُ قلبي ذِكـــــــرهُ وَإذا   جَرى عَلى قلبــــهِ ذِكــري يُصَــــــدِّعُهُ

لَأصـــــبرَنَّ على دهر لا يُمَتِّعُـــــنِي   بـــــهِ وَلا بيَ فِي حـــــالٍ يُمَتِّـــــــعُهُ

عِلماً بأنَّ اصـــــطباري مُعقِب فرَجاً   فَأضيَقُ الأمــر إن فَكَّــــرتَ أوسَــــــعُهُ

عَســـــى الليالي الَّتي أضنَت بفُرقَتنا   جســـــمي سَــــــتَجمَعُنِي يَــوماً وَتَجمَعُهُ

وَإن تُغِـــــلُّ أحَـــــدَاً مِـــنَّا مَنيَّـــــتَهُ   فَمــــا الَّذي بقضــــــاءِ اللهِ يَصــــــــنَعُهُ  

ابن الزيات

محمد بن عبدالملك بن أبان بن حمزة ، أبو جعفر المعروف بابن الزيات ( 173 – 233 ) للهجرة ( 786 – 847 ) للميلاد ، وزير المعتصم والواثق العباسيين ، شاعر وعالم باللغة والأدب والبلاغة . نشأ في بيت تجارة في الدسكرة ( قرب بغداد ) ونبغ فتقدم حتى بلغ رتبة الوزارة . وعول عليه المعتصم في مهام دولته . وكذلك ابنه الواثق وكان من العقلاء الدهاة وفي سيرته قوة وحزم . ولما مرض الواثق عمل ابن الزيات على تولية ابن الواثق وحرمان المتوكل فلم يفلح، وولي المتوكل فنكبه وعذبه وأحرقه في تنوره الذي صممه ابن الزيات ليحرق به أعداءه ولم يستعمل هذا التنور إلا مرة واحدة وأمر المتوكل بتحطيمه وإتلافه.

مختارات من شعره :

يا مَن يُمازحُني في الهَزلِ بالغضَبِ   فَرِّق فدَيتُــــكَ بَينَ الجــــدِّ وَاللَّعِــبِ

إذا اصطلحنا مُنِحنا بالصُّــــدودِ فَما   تَنفَكُّ مِن غَضَبِ يُفضي إلى غَضَبِ

*****

صَلَّى الضُّحى لَما اِستَفَادَ عَداوَتي  وَأراهُ يَنسُكُ بَعدَها وَيَصومُ

لا تَعــدَمَنَّ عَـــــداوَةً مَأجومَـــــةً   تَرَكَتكَ تَقَعُدُ مَــــرَّةً وَتَقومُ

*****  

اصبر النَّفسَ عَلى مَرِّ الحَزَنِ  وَإذَا عَــــزَّكَ مَن تَهــــوى فَهُن

فَلعَــلَّ الوَصـــــلَ يَأتي مَـرَّةً   فَكَأنَّ الهَجـــرَ شَـــــيءٌ لم يَكُن

أنـــا لا وَاللَّهِ ما حِلــــتُ وَلا   كانَ مِنّي فِي الهَوى إلَّا الحَسَن

وَلقـد تَزعُــــمُ أنّي خُنتُـــــها   وَنَقَضــــتُ العَهــدَ لا كُنتُ إذَن

   *****  

ابن عنين

محمد بن نصرالله بن مكارم بن الحسن بن عنين أبو المحاسن شرف الدين الزرعي الحوراني الدمشقي الأنصاري ( 549 – 630 ) للهجرة ( 1154 – 1232 ) للميلاد، شاعر ، ومولده ووفاته بدمشق ، كان يقول إن أصله من الكوفة ، كان هجاءً، قل من سلم من شره في دمشق ، حتى السلطان صلاح الدين الذي غضب منه ، هرب إلى العراق والجزيرة وأذربيجان وخراسان ، واليمن ومصر . وعاد إلى دمشق بعد وفاة صلاح الدين فمدح الملك العادل وتقرب منه ، وكان وافر الحرية عند الملوك والولاة . وتولى الكتابة والوزارة للملك المعظم ، بدمشق في آخر دولته ، ومدة الملك الناصر ، وانفصل عنها في أيام الملك الأشرف فلزم بيته إلى أن مات .

مختارات من شعره :

يا ظالماً جعل القطيعـــــــةَ مَذهبــــــــاً  ظلماً ولم أرَ عن هـــواهُ مذهـــــــباً

وأضاع عهداً لم أضِعــــــهُ حافظــــــاً  ذمم الوفاءِ وحالَ عن صبٍّ صـــــبا

غادرتَ داعيــــــةَ البعـــــــــادِ محبّتي  فبـــأيِّ حــــــالاتي أرى متقـــــــرّبا

ظبيّ من الأتـــــراكِ تثنــــي قــــــــدَّهُ  ريحُ الصَــــبا ويُعيدُه لينُ الصِـــــبى

ما بالــــهُ في عارضيــــــهِ مســــــكهُ  ولقد عهدتُ المســـكَ في سرر الظبا

غضبــــانُ لا يرضــــى فما قابلتـــــهُ  متبســــــــماً إلاّ اســــــــتحالَ مقطّبا

اللهُ يعلـــــمُ ما طلبــــتُ له الرضــــا   إلاَّ تجـــنَّى ظالــــــــماً وتجنَّــــــــبا

كم قـــد جنى ولقيتُــــــه متعـــــــذراً   فكأنني كنـــتُ المســـــــــيءَ المذنبا

فيزيدهُ طـــــــولُ التــــذلل عــــــزَّةً   أبــــــــداً وفرط الإعتــــــــذار تعتّبا

عجباً له اتخذَ الوشــــــــاةَ وقولــهم   صـــــــدقاً وعاينَ ما لقيتُ وكــــذَّبا

ورأى جيوشَ الصـبر وهي ضعيفةٌ   فأغارَ في خيلِ الصـــــــدودِ وأجلبا

يا بدرُ عمِّكَ بالملاحةِ خالكَ الداجي   فخصَّـــكَ بالملاحــــــةِ واجتـــــبى

ســــبحانَ من أذكى بخدّك للصِــبى   لهبَاً تزيــــد به القلــــــوبُ تلهُّــــبا

أوَ ما اكتفى من عارضــــيكَ بأرقمٍ   حتى لوى من فضل صُدغك عقربا

*****

ولقد كتَمتُ اســــــم الذي أحببتُهُ  ودفنتُ ســــــرَّ حديثهِ بينَ الحشـــا

ورأيتُ نقض العهـد ذنباً يحتوى  أبداً وكشفَ الســر شـــــيئاً مفحشا

فجعلتُ ســـرَّ القلبِ ستراً دونَهُ  فَمَن الأمينُ البَـــرُّ إنْ قَلْبٌ وشـــى

إني لأخشى القلبَ يَكشفُ سرَّهُ  إنْ طارَ عنهُ النسرُ واصطادَ الرشا

ابن الفارض

عُمر بن علي بن مرشد بن علي الحموي الأصل ، المصري المولد والدار والوفاة ، الملقب شرف الدين بن الفارض ( 576 – 632 ) للهجرة ( 1181 – 1235 ) للميلاد، شاعر متصوف ، يلقب بسلطان العاشقين ، في شعره ما يسمى بوحدة الوجود. درس الفقه على مذهب الشافعي ، وأخذ الحديث عن ابن عساكر ، وأخذ عنه الحافظ المنذري وغيره ، إلا أنه ما لبث أن زهد بكل ذلك وتجرد ، وسلك طريق التصوف وجعل يأوي إلى المساجد المهجورة وأطراف جبل المقطم ، وذهب إلى مكة في غير أشهر الحج ! وأكثر من العزلة في وادٍ بعيد عن مكة . ثم عاد إلى مصر وقصده الناس بالزيارة حتى أن الملك الكامل كان يزوره . وكان حسن الصحبة والعشرة رقيق الطبع فصيح العبارة ، يعشق مطلق الجمال وقد قيل إنه كانت له بعض الجواري يذهب إليهن فيغنين له بالدف والشبابة وهو يرقص ووجدانه يفيض .

مختارات من شعره :

لوْ قيــلَ لي ماذا تحــــــبُّ وما الَّذي   تَهواهُ مِنهُ لَقُلْــتٌ : ما هُوَ آمِــــــري

ولقدْ أقـــــولُ لِلائمي ، في حُبِّــــــهِ ،   لمَا رأهُ ، بُعيدَ وَصــــــلي ، هاجِري:

عنِّي إليكَ فلي حشـــــاً لمْ يثنــــــها   هجــــرُ الحديثِ ولا حديثُ الهاجـــر

لكنْ وَجَدْتكَ ، مِن طريــقِ ، نافِعي ،   وبلذع عذلي لوْ أطعتكَ ضـــــــائري

أحسنتَ لي منْ حيثُ لا تدري وإنْ   كنتَ المســـــئَ فأنتَ أعدلُ جائـــــر

يدني الحبيبَ وإنْ تنـــــــاءتْ دارهُ   طيفُ الملامِ لطرفِ سمعي السَّـــاهر

فكأنَّ عذْلَكَ عيــسُ مَن أحبَبْتُــــــهُ ،   قَدِمَــتْ عليَّ وكانَ ســــمعي ناظِري

أتعبتَ نفســـــكَ واسترحتَ بذكرهِ   حتَّى حسِبْتُكَ في ، الصبابَةِ ، عاذِري

فاعجَبْ لِهـــــاجِ ، مادحِ عُذَالَـــهُ ،  في حبِّهِ بلســـــــانِ شــــــاكٍ شــاكرِ

يا ســـــائراً بالقلبِ غدراً كيفَ لمْ   تُتْبعَهُ ما غادَرْتَـــــهُ مِن ســـــــائري؟

*****

بعضي يغارُ عليكَ منْ بعضي ويحْسُــــــدُ   باطِني ، إذْ أنتَ فيــــهِ ظاهِري

ويَـــودُّ طرفي ، إنّ ذكِــــــرْتَ بمَجلِـــسٍ ،   لوْ عادَ سمعاً مصغياً لمسامري

متعـــــــــوِّداً إنجـــــــــــازهُ متوعِّــــــداً   أبَداً ، ويَمْطُلُني بوَعــــدٍ نــــادِرِ

ولبُعْدِهِ اسوَدّ الضّحى عندي ، كما ابْيضَّتْ   لقربٍ منـــــهُ كان دياجــــــري

*****

عَيْني جَرَحَتْ وَجْنَتَــهُ بالنّظَـــــرَ،   منْ رقَتها فاعجب لحســـــن الأثر

لم أجنِ ، وقد جَنَيتُ وَرْدَ الخَفَــر،   إلاّ لِتَــرَى كيفَ انشِــــــقاقُ القمَر

ولو نالَ فَدْمُ القوْمِ لثمَ فِدامِــــــها،  لَأكسَــــبَهُ مَعنى شَــــــمائِلِها اللّثمُ

يقولونَ لي صفها فأنتَ بوصفها   خَبيرٌ، أجَلْ! عِندي بأوصافِها عِلْمُ

*****

صفاءٌ، ولامـــاءٌ، ولُطْــــفٌ، ولاهَـــــواً،  ونورٌ ولانــــارٌ وروحٌ ولاجســــمُ

تقـــدَّمَ كلَّ الكائناتِ حديثــــــها قديــــــماً،  ولا شَـــــكلٌ هناكَ، ولا رَسْـــــــمُ

وقامَتْ بـــــها الأشْــــــــياءُ، ثمّ، لحِكْمَةٍ،  بها احتجبتْ عنْ كلِّ منْ لالــهُ فهمُ

وهامتْ بها روحي بحيث تمازجا إتّحاداً   ولا جــــــــرمٌ تخلَّلــــــهُ جــــــرمُ

ولا قبلــــــها قبــــــلٌ ولا بعدَ بعـــــدها   وقبليَّةُ الأبعــــــــادِ فهيَ لــــها حتمُ

وعَصْرُ المَدى منْ قبْلِهِ كان عصْـــرها،  وعهدُ أبيـــــنا بعدهـــــا ولــها اليتمُ

محاسِنُ، تَهْدي المادِحين لِوَصْفِــــــــها،  فَيَحسُـــنُ فيها مِنهمُ النَّثـــــرُ والنّظمُ

ويَطرَبُ مَن لم يَدرها، عندَ ذِكـــــــرها،  كمُشْـــــتاق نُعْمٍ، كلّما ذُكِــــرَتُ نُعْمُ

وقالوا شــــــــربتَ الإثمَ كلاَّ وإنَّــــــما   شَربتُ التي، في تَرْكِها، عندي الإثمُ

هنيئاً لأهلِ الدير كمْ ســـــــكروا بــــها   وما شــــــربوا منها ولكنَّـــهمْ همُّوا

وعنديَ منها نشــــــوةٌ قبلَ نشـــــــأتي   معــــي أبـــــداً تبقي وإنْ بلىَ العظمُ

عليكَ بها صرفاً وإنْ شئتَ مزجــــــها   فعدلكَ عنْ ظلمِ الحبيبِ هوَ الظُّلــــمُ

فدونَكَها في الحانِ، واسْــــــــتَجلِها بهِ،  على نغمِ الألحـــــانِ فهيَ بــــها غنمُ

فما سَـــــــكَنَتْ والهَمّ، يوماً، بمَوضِعِ،  كذلِكَ لم يَســـــــــكُنْ، معَ النّغْمِ، الغمُّ

وفي ســـــــكرةٍ منها ولو عمرَ ساعةٍ   تَرى الدَّهْرَ عَبداً طائِـــعاً، ولَكَ الحُكْمُ

فلا عيشَ في الدُّنيا لمنْ عاشَ صـاحياً   ومنْ لمْ يمتْ ســـــكراً بها فاتهُ الحزمُ

على نفسهِ فلبيكِ منْ ضــــــاعَ عمرهُ   وليـــسَ لهُ نصــــــيبٌ ولا ســــــــهمُ

*****

ابن القيسراني

محمد بن نصر بن صغير بن داغر المخزوني الخالدي ، أبو عبدالله ، شرف الدين بن القيسراني ( 478 – 548 ) للهجرة ( 1085 – 1153 ) للميلاد ، شاعر جيد . أصله من حلب ، وولد بعكا ، وتوفي في دمشق . عاش فيها ، ثم تولى في حلب خزانة الكتب. والقيسراني نسبة إلى ( قيسارية ) في ساحل سورية ، نزل بها فنسب إليها ، وانتقل إليها ، وانتقل عنها بعد استيلاء الإفرنج على بلاد الساحل . ويقال إن نسبه يعود إلى خالد بن الوليد ، غير أن خالداً انقطع نسله .

مختارات من شعره :

بالســفح من لبنان لي     قمر منازلـــه القلـــــوب

حملت تحيته الشـمال     فردهـــا عني الجنــــوب

فرد الصفات غريبها      والحسن في الدنيا غريب

لم أنس ليلــة قال لي      لما رأى جســــدي يذوب

بالله قــــل لي يا فتى     ما تشـــــتكي قلت الطبيب

*****

لكم من فؤادي ما أباحكم الوجـد  فهـــلا حماني من وعيــــدكم وعد

أأحبابنا سرتم على القرب سيرة  من الغش جلى من ضمائرها البعد

ولي عند أعضاد المهاري لبانة  إذا ما اقتضاها الوجد قام بها الوخد

فما أتشـــكى البعد إلا تعرضت  لي الحرة الوجنــــاء والفرس النهد



*****

ابن المبارك

عبدالله بن المبارك بن واضح الحنظلي بالولاء ، التميمي ، المروزي أبو عبدالرحمن ( 118 – 181 ) للهجرة ( 736 – 797 ) للميلاد ، الحافظ ، شيخ الإسلام ، صاحب التصانيف والرحلات ، أفنى عمره في الأسفار ، حاجاً ومجاهداً وتاجراً ، وجمع الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والسخاء ، كان من سكان خراسان ، ومات في مكان يدعى هيث على الفرات منصرفاً من غزو الروم . له كتاب في   ( الجهاد ) وهو أول من صنف فيه ، و ( الرقائق ) .

مختارات من شعره :

رَأيتُ أبَا حَنيفَةَ كُلَّ يَـــــــومٍ  يزيــــدُ نبالةً ويزيدُ خيـــــرا

وينطقُ بالصوابِ ويصطفيهِ  إذا ما قالَ أهلُ الجور جُورا

يقايسُ منْ يقايســــــــهُ بلبٍّ   فَمَن ذا يَجْعلُون لهُ نَظيــــرَا

كَفَانَـــــا فَقْـــد حَمَّادٍ وَكَانَت   مصــــيبتنَا به أمراً كبيــــرا

فَردَّ شــــــماتَةَ الأعداءِ عنَّا   وأبدَى لعبده علــــــماً كثيرا

*****

ألا إنَّ تَقْوى الله أكـــــرمُ نســــــبَةً   يسَــــــامي بها الفخار كريمُ

إذا أنتَ نَافَستَ الرِّجَـالَ عَلى التُّقَى  خَرجتَ مِنَ الدُّنيا وَأنتَ سَليمُ

أرَاك امْرأ تَرجُو مِن الله عَفـــــــوَهُ  وأنتَ على ما لا يحــبّ مقيمُ

وإنَّ امرَأ لا يَرتَجِي النَّاسُ عَفـــوه  ولمْ يأمَنـــــوا منهُ الأذَى للئيمُ

تعصى الإله وأنت تُظــــــهر حبه  هذا لعمري في الفعــــال بديعُ

لو كان حبك صـــــــــادقاً لأطعته  إنََّ المحب لمن يحــــب مطيعُ

*****

أرَى النَّاسَ يَبكون مَوتَــــــاهمُ  وما الحيُّ أبقى مـنَ الميتينا

أليسَ مصـــــــيرهمُ للفــــــنا   وإنْ عَمَّرَ القومُ أيضَاً سِنينَا

يســــــاقونَ سوقاً إلى يومهم   فهمْ السياق ومَا يشـــعُرونا

فإنْ كنتِ تبكينَ منْ قدْ مضَى   فابكّي لِنسِــــك في الهَالِكينَا

فإنَّ الســــــبيلَ لكـــــمْ واحدٌ  ســـــيتبعُ الآخرُ الأوَّليــــنا

*****

ابن المُعتَز

عبدالله بن محمد المعتز بالله ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد العباسي ، أبو العباس ( 247 – 296 ) للهجرة ( 861 – 908 ) للميلاد ، الشاعر المبدع ، خليفة يوم وليلة . ولد في بغداد ، وأولع بالأدب ، فكان يقصد فصحاء الأعراب ويأخذ عنهم. آلت الخلافة في أيامه إلى المقتدر العباسي ، واستصغره القواد فخلعوه ، وأقبلوا على ابن المعتز ، فلقبوه ( المرتضى بالله ) ، وبايعوه للخلافة ، فأقام يوماً وليلة ، ووثب عليه غلمان المقتدر فخلعوه ، وعاد المقتدر ، فقبض عليه وسلمه إلى خادم له اسمه مؤنس ، فخنقه . وللشعراء مراث كثيرة فيه .

مختارات من شعره :

أبى الله ، ما للعاشــــــــقين عزاءُ،  وما للمِلاح الغانيـــــــاتِ وَفاءُ

تركنَ نفوساً نحوَهنّ صَـــــــوادياً،  مســـــراتِ داءٍ ، ما لهنّ دواءُ

يردنَ حياضَ الماءِ لا يســـــتعنها،  وهنّ إلى بردِ الشــــرابِ ظماءُ

وجنت بأطـــلالِ الدجيلِ ومائــــهِ،  وكم طللٍ من خلفـــــهنَ ومــاءُ

إذا ما دنت من مشرعِ قعقعتْ لها   عِصيٌّ، وقامتْ زأرَةٌ وزُقـــــاءُ

خليليّ ! بــــالله الذي أنتـــــــما له،  فما الحــــبّ إلاّ أنةٌ وبكــــــاءُ

كما قد أرى ، قالا: كذاكَ ، وربما،  يكونُ سرورٌ في الهوى وشقاءُ

لقد جحَدتني حقّ دَيني مَواطـــــلٌ،  وصـــــلنَ عداةٌ ما لــــهن أداءُ

يُعلّلُــــني بالوَعـــــدِ أدنَينَ وقتَــه،  وهيـــــهاتَ نيلٌ بعــــده وعطاءُ

فدُمن على مَنعي ، ودمتُ مطالباً،  ولا شـــيءَ من داءٍ ، فأينَ دواءُ

*****

أصبَحَ سرّي في الحبّ قد شاعا،   وصِرتُ عَبداً في الحُبّ مَطواعَا

لا تعذلـــــوني ، فقد برمتُ بكم،  واجتنبـوا نصــحكم ، فقد ضاعا

أفنى رجـــائي بخلفهِ رشـــــــاً،  يُديرُ لحظــــاً بالوَعــــــدِ خَدّاعَا

مجـــددٌ للوصــــــالِ مخلقــــهُ،  فديتــــــهُ معطـــــــياً ومنــــاعا

*****

يا رُبّ ليــــلٍ، سَـــــــحَرٌ كلَّه  ،   مفتضحُ البدر عليلُ النسيمْ

يَلتَقَــــطُ الأنفــــاسَ بَردُ النَّدى      فيهِ فيَهديهِ لحَرّ السَّــــمُومْ

لم أعرفِ الإصباحَ في ضَوئِهِ،      لما بدا ، إلاّ بســكر النديمْ

*****

عَرّجْ عَلى الدّار التي كــــنّا بها،  تغيرت من بعد عهدنا بـــــها

غيرَ ثلاثٍ لم تزَل تَشـــــقى بها،  كنقطِ الثــــــاءِ لدى كتابــــها

تنفستْ بعدَ الكَرى الصَّــــبا بها،  وانتقبَ المســــفرُ من ترابها

واهتزّ فيها النَّــورُ والنّقا بــــها،  حينَ تَرى الكمِيَّ إذ يُعنى بها

والصدقُ لا يعرفُ من غرابـها،  كغـــــادةٍ عزت على طلابها

غالية الوصــــــل على أحبابها،  ساخطة قد رَضيَ الهوى بها

تلتهــــبُ البيضُ على أبوابــها،  وغمـــرةٌ للمــــوتِ تتقى بها

حضرتُها، وكنتُ من أصحابها،  فطارتِ الهاماتُ عن رقابها

وناقــــةٍ في مهمــــهٍ رمى بها   هَمٌّ، إذا نام الوَرَى سرى بها

فهــي أمامَ الركبِ في ذهابــها،   كسَطر بســـــم الله في كِتابها

*****

ابن النبيه

كمال الدين ابن النبيه ، علي بن محمد بن الحسن بن يوسف أبو الحسن كمال الدين  ( 560 – 619 ) للهجرة ( 1164 – 1222 ) للميلاد ، شاعر من أهل مصر ، مدح الأيوبيين وتولى ديوان الإنشاء للملك الأشرف موشى ورحل إلى نصيبين فسكنها وتوفي بها .

مختارات من شعره :

تـــأودت كالغصــــــــن الأملـــــد   وابتســــمت عن نور ثغر ندي

وانتقبــــت بالصـــــــبح لكنـــــها   تقنعـــت بالخندس الأســـــــود

بيضـــــاء كحــــــلاء لــــها ناظر   منــــــزه عن لوثــــــة المزود

من ثغــرها الوضـــــاح أو خدها   واخجله الجوهر والعســــــجد

ترتــــج كالجــــــدول من رقــــة   وقلبها أقســــــى من الجلــــمد

أصــــــبح فيــــها عاذلي عاذري   ومل من طول الضــنى عودي

كم ليلــــــة أحييتـــــــها كلـــــما  قلت انتهت في طولــــها تبتدي

قال دجــــــاها لجفــــــوني لقـــد   شـــــغلت عني فرقدي فارقدي

جارية شـــــتت شـــــــملي بــها   صرف الزمان الجائر المعتدي

تملك الأشـــــرف شــــــاه أرمن   رب المعالي والنــــدى والندي

كعبـــــة إحســــــان نــــدى كفه   البيضاء مثل الحجر الأســـــود

يـــزدحم النـــاس على لثمـــــها  كالإبل الهيـــــم على المـــورد

بداهــــة بالجــــود ما شـــــانها  رويـة التقصــــــير في الموعد

الصـــدر يوم العدل في مجلس  والقلب يــوم القســـــطل الأربد

فليس صدر الدســــت أولى به  من ظهر محبــــوك القرا أجرد

في نغم البيــض له شـــــــاغل  عن نغمات البيـــــض عن معبد

لما سقى السمر دما ســـــنبلت  هاما بغير الســـــــيف لم تحصد

بالرأي والرايات يغزو العدى   فهي بغير النصـــــــر لم تعقـــد

أنــا الذي خاطـــــره جنـــــة   لكنه نـــــــــار على المعتـــــدي

لي ذهب الشــــعر الذي كلما   قلــــب في نيرانـــــــهم يـــــزدد

وليس لي فضل ســـوى أنني   أنظــــــم ما موســــــى به يبتدي

*****

قل لمن يلــــوم   في مهفهف أسمر

غصـنه قويـــم   في كثيبه الأعــفر

ثغـره النظـــيم   مسكر على سـكر

آه لو ســـقاني   أطفي حـر نيراني

درر ثمينة في   الياقـــوت مكنونه

*****

ما أشد حالي   إذا لم أر وجهك

*****

أبو بكر الخالدي - الخالديان

محمد بن هشام بن وعلة أبو بكر الخالدي ( ؟ - 380 ) للهجرة ( ؟ - 990 ) للميلاد، شاعر وكاتب ، من أهل البصرة ، اشتهر هو وأخوه سعيد بالخالديين وكانا من خواص سيف الدولة بن حمدان ، وولاهما خزانة كتبه ، لهما مؤلفات في الأدب ، وكانا يشتركان في نظم الأبيات أو القصيدة ، فتنتسب إليهما معاً . كان كثير الحفظ ، وقال يوماُ : إني أحفظ ألف سفر ، كل سفر في نحو مائة ورقة .

مختارات من شعره :

إنّ شَهْر الصّــيامِ إذ جاء في فصــلِ   ربيـــع أودى بحُسْــــــنٍ وطيــــبِ

فكأنَّ الوردَ المضــعَّفَ في الصَّــوْمِ   حَبيـــبٌ يمشـــــي بجَنْبِ رقيـــــبِ

لاَ تَحْسِـــــبُوا أنّني بَاغِ بكُـــمْ بَـــدَلاً   ولو تمكَّنتُ من صبري ومنْ جَلدي

قلبي رَقِيبٌ عَلى قلْبي لكُـــمْ أبـــــداً   والْعَيْــــــنُ عَيْـــــنٌ عَليْهِ آخِرَ الأبَدِ

ومعْذورة في هجرهـــا لجمـــــالها   كبــــدرِ على خُوط من البانِ مـــائِدِ

أرومُ هواها والمشـــــيبُ مُحــالِفي   وقد هَجَرَتْنِي والشَّـــــبابُ مُساعِدي

ومَنْ عرفَ الدُّنيا استقلَّ سُــرورها   ولَوْ بَرَزَتْ من حُسْـــنِها في مَجَاسِدِ

صَقِيلُ حســـــام الفكر يلقاك رأيُــه   لما غاب عن ألحاظهِ كالمشــــــاهدِ

وَمَا شَهدَ الهَيْجَـــــــاءَ إلاَّتَبَاعَــدَتْ   مَسَـــــافَةُ مَا بَيْنَ الكُلى والْسَـــوَاعِدِ

يُؤَازرُهُ في الرَّوْع قلْبٌ مُشَـــــــيَّعٌ   ومُبتسِــــــمٌ يُبكي عُيــــــون العوائِدِ

سهرتُ لها والنَّجمُ في الأفق نائــمٌ  فهاهي كالإبــــــريز في كــــفِّ ناقدِ

بَقيتَ كما تَبْقى مَعَاليكَ في الوَرَى  فهنَّ على الأيـــــــام غيـــــــرُ بوائدِ

*****

أبو تَمّام

حبيب بن أوس بن الحارث الطائي ( 188 – 231 ) للهجرة ( 803 – 845 ) للميلاد، ولد بجاسم ( من قرى حوران بسورية ) ورحل إلى مصر واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على شعراء زمانه ، فأقام في العراق ثم ولي بريد الموصل فلم يتم سنتين حتى توفي بها . وقيل إن والد أبي تمام كان نصرانياً يسمى ثادوس ، أو ثيودوس ، واستبدل الابن هذا الاسم فجعله أوساً بعد اعتناقه الإسلام ووصل نسبه بقبيلة طيء وكان أبوه خماراً في دمشق وعمل أبو تمام حائكاً فيها ثمَّ انتقل إلى حمص وبدأ بها حياته الشعرية . كان أسمر، طويلاً، فصيحاً، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة ، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطيع . في شعره قوة وجزالة ، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري ، له تصانيف ، منها ( فحول الشعراء )، و ( ديوان الحماسة )، و ( مختار أشعار القبائل )، و ( نقائض جرير والأخطل ). كما قيل إنه كان أجش الصوت يصطحب راوية له حسن الصوت فينشد شعره بين يدي الخلفاء والأمراء .

مختارات من شعره :

أقدام عمر و في ســــــماحة حاتم   في حلم أحنف في ذكاء إيـاس

لا تنكروا ضـــــربي له من دونه   مثلاً شروداً في الندى والباس

فالله قد ضـــرب الأقل لنــــــوره   مثلاً من المشـكاة والنبراس



نقل فؤادك حيث شئت من الهوى   ما الحــــب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفـتى   وحنينــــه أبداً لأول منـــــزل

*****

السَّـــــــــيْفُ أصْــــــدَقُ إنْبَـاءً مِنَ الكُتُبِ   في حـــدهِ الحــدُّ بينَ الجــــــدِّ واللَّعبِ

بيضُ الصَّفائح لاَ ســـــــــودُ الصَّــــحائف   في مُتُونِهنَّ جـــلاءُ الشَّــــــك والرَيبِ

والعِلْمُ في شُــــــــهُبِ الأرْمَاح لاَمِعَـــــةً   بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّــبْعَةِ الشُّــــهُبِ

أيْنَ الروايَـــــةُ بَلْ أيْنَ النَّجُـــــــــومُ وَمَا   صَــــاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ

تخرُّصـــــــاً وأحاديثـــــــــاً ملفَّقَـــــــــةً   لَيْسَـــــــتْ بنَبْع إذَا عُدَّتْ ولا غَــــرَبِ

عجائباً زعمــــــوا الأيَّــــــــامَ مُجْفلـــــةً   عَنْهُنَّ في صَفرِ الأصْــــــفَار أوْ رَجَبِ

وخَوَّفوا الناسَ مِنْ دَهْـــــــيَاءَ مُظْلِمَـــــةٍ   إذا بدا الكوكـــــبُ الغربيُّ ذو الذَّنــــبِ

وصــــــيَّروا الأبرجَ العُلْــــيا مُرتَّبــــــةً   مَا كَانَ مُنْقَلِبـــــــاً أوْ غيْرَ مُنْقَلـــــــــبِ

يقضـــــون بالأمر عنــــــها وهي غافلة   ما دار في فلك منـــــــها وفي قطـــــبِ

لو بيَّنـــــت قط أمــــــراً قبل موقعــــــه   لم تُخْفِ ماحلَّ بالأوثـــان والصــــــلُبِ

فَتْحُ الفُتــــــوح تَعَـــــالَى أنْ يُحيط بــــهِ   نَظْمٌ مِن الشـــــعْر أوْ نَثرٌ مِنَ الخُطــبِ

فتحٌ تفتَّـــحُ أبـــــــوابُ السَّـــــــــماءِ لهُ  وتبــــرزُ الأرضُ في أثوابها القُشُــــبِ

يَا يَوْمَ وَقَعَةِ عَمُّـــــــوريَّةَ انْصَــــــرَفَتْ  منكَ المُنى حُفَّـــلاً معســـــــولةَ الحلبِ

أبقيْتَ جدَّ بني الإســـــــلام في صـــــعدٍ  والمُشْــــركينَ ودَارَ الشرْكِ في صَبَبِ

أمٌّ لَــــهُمْ لوْ رَجَــــوْا أن تُفْتَدى جَعَلُـــوا  فــــــــداءها كـــــلَّ أمٍّ منـــــــهمُ وأبِ

وبــرْزةِ الوجهِ قـــدْ أعيتْ رياضتُــــــهَا  كِسْرَى وصدَّتْ صُدُوداً عَنْ أبي كَربِ

بكْرٌ فَما افْتَرَعَتْـــــــهَا كَـــــفُّ حَادِثـــــةٍ  ولا ترقَــــتْ إليــــــها همَّـــــةُ النَّوبِ

مِنْ عَهْدٍ إسْـــــــــكَنْدَرِ أوْ قبل ذَلِكَ قــــدْ  شـــابتْ نواصي اللَّيالي وهيَ لمْ تشبِ

حَتَّى إذَا مَخَّضَ اللهُ الســــــــنين لــــــهَا  مَخْضَ البخِيلــــةِ كانَتْ زُبْـــدَةَ الحِقبِ

أتتــهُمُ الكُربةُ السَّـــــــوداءُ ســــــــادرةً  منها وكان اســـــمها فرَّاجــــةَ الكُربِ

جرى لــها الفـــــالُ برحاً يــــــومَ أنقرةِ  إذْ غودر تْوحشــــةَ الساحاتِ والرِّحبِ

لمَّا رَأتْ أخْتَـــها بالأمْسِ قـــدْ خَربَــــتْ  كَانَ الْخَـــــرَابُ لهَا أعْدَى من الجَرَبِ

كمْ بينَ حِيطانـــــها من فارسٍ بطـــــــلٍ  قاني الذّوائــــب من آني دمٍ ســــــربِ

بسُـــــــنَّةِ السَّـــــــيفِ والخطيَّ منْ دمه  لاسُـــــنَّةِ الدين وَالإسْــــــلاَمِ مُخْتَضِبِ

لقـــد تركتَ أميـــــــرَ المؤمنينَ بــــــها  للنَّار يومـاً ذليلَ الصَّـــخر والخشـــبِ

غادرتَ فيها بهيمَ اللَّيل وهوَ ضُـــــــحىً  يَشُـــــــلُّهُ وَسْـــــطهَا صُبْحٌ مِنَ اللَّهَبِ

حتَّى كأنَّ جلابيـــــبَ الدُّجى رغبــــــتْ   عَنْ لوْنِــــهَا وكَأنَّ الشَّــــــمْسَ لَم تَغِبِ

ضـــــوءٌ منَ النَّــــــارِ والظَّلماءُ عاكفةٌ  وظُلمةٌ منَ دخان في ضُحىً شـــــحبِ

فالشَّـــــمْسُ طالِعَـــــةٌ مِنْ ذَا وقدْ أفلــتْ   والشَّـــــــــمسُ واجبةٌ منْ ذَا ولمْ تجبِ

تصرَّحَ الدَّهرُ تصـــــريحَ الغمامِ لـــــها   عنْ يـــــومِ هيجاءَ منـــــها طاهرِ جُنُبِ

لم تَطْلُع الشَّــــــمْسُ فيهِ يَـــومَ ذَاكَ على   بانٍ بأهـــلٍ وَلم تَغْـــــــرُبْ على عَزَبِ

ما ربـــــعُ ميَّــــــةَ معمـــوراً يطيفُ بهِ   غَيْلاَنُ أبْهَـــى رُبىً مِنْ رَبْعِــهَا الخَربِ

ولا الْخُــــدُودُ وقدْ أدْميـــــــنَ مِنْ خجَلٍ   أشــــــهى إلى ناظِري مِنْ خَدها التَّربِ

سَـــــــماجَةً غنيَتْ مِنَّا العُيــــــــون بها   عنْ كلِّ حُسْــــــنٍ بدا أوْ منظــر عجبِ

وحُسْـــــــنُ مُنْقَلـــــبٍ تَبْقَى عَوَاقِبُــــــهُ   جاءتْ بشــــــــاشتهُ منْ ســــوء منقلبِ

لوْ يعلمُ الكفرُ كمْ منْ أعصــــــرِ كمنتْ  لهُ العَواقِبُ بَيْنَ السُّـــــــــمْر والقُضُبِ

تَدْبيـــرُ مُعْتَصِــــــــمِ باللَّهِ مُنْتَقِــــــمِ للهِ  مرتقـــــــــــبٍ في الله مُرتغـــــــــــبِ

ومُطعَمِ النَّصر لمْ تَكْــــــهَمْ أسِــــــــنَّتُهُ  يــــــوماً ولاَ حُجبتْ عنْ روح محتجبِ

لمْ يَغْزُ قوْماً، ولمْ يَنْـــــهَضْ إلى بَلــــــــدٍ  إلاَّ تقدَّمـــــــهُ جيشٌ مـــن الرَّعـــــــبِ

لوْ لمْ يقدْ جحفلاً، يومَ الوغى، لغــــــدا  منْ نفســـــــهِ، وحدها، في جحفلٍ لجبِ

رمى بكَ اللهُ بُرْجَيْــــــــها فهدَّمـــــــها  ولوْ رمى بكَ غيــــــرُ اللهِ لمْ يصــــــبِ

إنَّ الأسُـــــودَ أســــــــودَ الغيل همَّتُها   يوم الكريهةِ في المســـــلوب لا السَّلبِ

وَلَّى، وَقــدْ ألجَـــــمَ الخطيُّ مَنْطِقـــــهُ   بسَكْتَةٍ تَحْتَها الأحْشَـــــــــاءُ في صخَبِ

أحْذَى قرَابينه صَـــرْفَ الرَّدَى ومَضى   يَحْتَثَّ أنْجى مَطايــــــاهُ مِن الهَـــــرَبِ

موكِّــــــلاً ببقـــاع الأرض يُشــــــرفهُ   مِنْ خِفَّةِ الخَوْفِ لا مِنْ خِفَّةِ الطــــرَبِ

إنْ يَعْدُ مِنْ حَــرهَا عَدْوَ الظَّــــلِيم، فَقَدْ   أوســـــــعتَ جاحمها منْ كثرةِ الحطبِ

تِسْعُونَ ألْفاً كآسادِ الشَّــــرَى نَضِـجَتْ   جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْـــــجِ التيــــــنِ والعِنَبِ

إن كان بينَ صُرُوفِ الدَّهر من رحـمٍ   موصـــــــولةٍ أوْ ذَمامٍ غير مُنقضــــــبِ

أبْقَتْ بَني الأصْفر المِمْرَاضِ كاسِمِهمُ   صُفْرَ الوجُــــــوهِ وجلَّتْ أوْجُهَ العَـــرَبِ

*****

أبو الشيص الخزاعي

محمد بن علي بن عبدالله بن رزين بن سليمان بن تميم الخزاعي ( 130 – 196 ) للهجرة ( 747 – 811 ) للميلاد ، شاعر سريع الخاطر رقيق الألفاظ . من أهل الكوفة غلبه على الشهرة معاصراه صريع الغواني وأبو النواس . وانقطع إلى أمير الرقة عقبة بن جعفر الخزاعي فأغناه عقبة عن سواه . ولقبه أبو الشيص ويقال للنخلة إذا لم يكن لها نوى وذلك رديء مذموم . وهو ابن عم دعبل الخزاعي ، عمي في آخر عمره قتله خادم لعقبة في الرقة .

مختارات من شعره :

وكيت أرّقــــها وَهَجُ الشَّـــــمْسِ  وصيْفٌ يَغْلي بها وشـــــتاءُ

طبختها الشــعرى العبور وحثَّت  نارها بالكواكب الجـــوزاءُ

محضــــتها كواكب القيْــظ حتى   أقلعت عن ســــمائها الأقذاءُ

هي كالسُّــرْج في الزجاج إذا ما   صَّبها في الزُّجاجة الوُصفاءُ

ودم الشَّـــادن الذَّبيح وما يَحْتَلِبُ   السَّــــــاقيان منها ســـــــواءُ

قد شقتني والليل قد فتق الصُّـبْح  بكأســـــين ظبْية حَـــــوْراءُ

عن بَنان كأنَّها قُضُب الفِضَة  حتَّى أطرافــــــها الحِنّــــاءُ

*****

وقائلــــــةٍ وقد بَصُــــــرَتْ بدمع  على الخدّين مُنحَدر ســـــكوبِ

أتكذِبُ في البكـــــــاء وأنت خِلْوٌ  قديماً ما جَسَــرْتَ على الذُّنوبِ

قميصـــــك والدّموع تجول فيه   وقلْبكَ ليــــس بالْقلـــب الكئيبِ

نظير قميص يوسف حين جاؤوا  على ألْبابــــــه بدمٍ كـــــــذوبِ

فقلت لــــها فِـــــداكِ أبي وأمّي   رجَمتِ بسوء ظنّك في الغيوبِ

أمــــا والله لو فَتَّشــــــتِ قلْبي   بســــــرّكِ بالعويــل وبالنَّحيبِ

دموعُ العاشـــــــقين إذا تلاقوا   بظهْر الغيْب ألسِـــــنةُ القُلوبِ

*****

دَعتْني جُفونُك حتى عشــقْتُ  وما كنتُ من قبلها أعْشَـقُ

فدمعي يسيلُ وصَبْري يزولُ  وجسْميَ في عبْرتي يغرَقُ

*****

أبو العَتاهِيَة

إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني ، العنزي ، أبو إسحاق ( 130 – 211 ) للهجرة ( 747 – 826 ) للميلاد ، شاعر مكثر، سريع الخاطر، في شعره إبداع ، يعد من مقدمي المولدين ، كان يجيد القول في الزهد والمديح وأكثر أنواع الشعر في عصره . ولد ونشأ قرب الكوفة ، وسكن بغداد . كان في بدء أمره يبيع الجرار ثم اتصل بالخلفاء وعلت مكانته عندهم . وهجر الشعر مدة ، فبلغ الخليفة العباسي المهدي ، فسجنه ثم أحضره إليه وهدده بالقتل إن لم يقل الشعر ، فعاد إلى نظمه ، فأطلقه . توفي في بغداد.

مختارات من شعره :

لِدُوا للموتِ وابنُـــوا لِلخُــــــرابِ   فكُلّـــــكُمُ يَصِـــــيرُ إلى تَبابِ

لمنْ نبنِي ونحــــنُ إلى تــــــرابِ   نصِيرُ كمَا خُلِقْنَا منْ تــــرابِ

ألا يا مَوْتُ! لم أرَ منــــكَ بُـــــدّاً،   أتيتَ وماتحيـــفُ وماتُحَـــابي

كأنّكَ قد هَجَمتَ على مَشــــــيبي،   كَما هَجَمَ المَشيبُ على شَبابي

أيــــا دُنيــــــايَ! ما ليَ لا أراني   أسُــــــومُكِ منـــزلاً ألا نبَابي

ألا وأراكَ تَبــــذُلُ، يا زَمـــــاني،   لِيَ الدُّنيا وتســـــرعُ باستلابي

وإنَّكِ يا زمـــانُ لذو صــــروف   وإنَّكَ يا زمــــــانُ لذُو إنقلابِ

فما لي لستُ أحلِبُ منكَ شَـطراً،   فأحْمَدَ منكَ عاقِبَةَ الحِــــــلابِ

وما ليَ لا ألِـــــحّ عَليـــــكَ، إلاّ  بَعَثْتَ الهَمّ لي مِنْ كلّ بــــابِ

أراكِ وإنْ طلِبْـــتِ بكلِّ وجْـــهٍ  كحُلمِ النّوْمِ، أوْ ظِلِّ السّـــحابِ

أو الأمـسِ الذي ولَّى ذَهَابــــــاً  وليسَ يَعودُ، أوْ لمع السّــرابِ

وهذا الخلـــــقُ منكِ على وفاءِ  وأرجلُهُمْ جميــــعاً في الرِّكابِ

وموعِدُ كلِّ ذِي عملٍ وســـعي   بمَا أســـــدَى، غداً دار التّوَابِ

نقلَّدت العِظــــامُ منَ البــــرايَا   كأنّي قد أمِنْتُ مِنَ العِـــــــقابِ

ومَهما دُمتُ في الدّنْيا حَريصاً،  فإني لا أفِيقُ إلى الصــــــوابِ

سأسألُ عنْ أمورِ كُنْت فِيـــهَا   فَما عذري هُناكَ وَمَا جـــوَابي

بأيّةِ حُجّةٍ أحْتَجّ يَوْمَ الحِســابِ،  إذا دُعيــــتُ إلى الحســـــــابِ

هُما أمْرانِ يُوضِحُ عَنْهُـما لي   كتابي، حِينَ أنْظُرُ في كتـــــابي

فإمَّا أنْ أخَلَّـــــدَ في نعِيْــــــم   وإمَّـــــا أنْ أخَلَّدَ في عـــــذابي

*****

المَرْءُ مَنظُورٌ إليـــهِ،   مادامَ يُرجى ما لديــهِ

مَنْ كُنتَ أنْ تَكـــونَ،   الدّهرَ، ذا فَضْلٍ عليْهِ

فَابذُلْ لهُ ما في يديكَ  وَغُضّ عَمّا في يَدَيْــهِ

*****

أبو العَلاء المَعَري

أحمد بن عبدالله بن سليمان ، التنوخي المعري ( 363 – 449 ) للهجرة ( 973   – 1057 ) للميلاد ، شاعر وفيلسوف ، ولد ومات في معرة النعمان ، كان نحيف الجسم، أصيب بالجدري صغيراً فعمي في السنة الرابعة من عمره . وسمي رهين المحبسين بيته والعمى ، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة ، ورحل إلى بغداد سنة 398هـ فأقام بها سنة وسبعة أشهر، وهو من بيت كبير في بلده ، ولما مات وقف على قبره 84 شاعراً يرثونه ، وكان يلعب بالشطرنج والنرد ، وإذا أراد التأليف أملى على كاتبه علي بن عبدالله بن أبي هاشم ، وكان يحرم إيلام الحيوان ، ولم يأكل اللحم خمساً وأربعين سنة ، وكان يلبس خشن الثياب ، أما شعره وهو ديوان حكمته وفلسفته، فثلاثة أقسام: ( لزوم ما لا يلزم ) ويعرف باللزوميات ، و ( سقط الزند ) ، و ( ضوء السقط) وأما كتبه فكثيرة ، من تصانيفه كتاب ( الأيك والغصون ) في الأدب يربو على مائة جزء ، ( تاج الحرة ) في النساء وأخلاقهن وعظاتهن ، أربع مائة كراس ، و (عبث الوليد ) و ( ذكرى حبيب ) و ( معجز أحمد ) و ( رسالة الملائكة ) صغيرة ، و (رسالة الغفران ) ، و ( الفصول والغايات ) ، و ( رسالة الصاهل والشاحج ) .

مختارات من شعره :

يا ليلُ! قد نامَ الشــــــجيُّ، ولم يَنمْ،  جِنحَ الدُّجُنَةِ، نَجمُها المِســــــهارُ

إن كانتِ الخضراءُ روضاً ناضراً،  فلعلّ زُهرَ نجومِـــــها أزهــــارُ

والنّاسُ مثلُ النبتِ يُظــــهرهُ الحيا،  ويكونُ، أوّلَ هُلكِهِ، الإظــــــهارُ

ترْعاهُ راعيـــــــة، وتهتِكُ بُــــرْدَهُ   أخرى، ومنهُ شَــــــقائقٌ وبَــهارُ

ما ميّزَ الأطفـــالَ في إشـــــباحِها   للعَيـــــنِ، حــــلُّ ولادةٍ، وعِهارُ

والجـــهلُ أغلبُ، غيــــرَ عِلمٍ أنّنا   نفنى، ويبــــقى الواحــــدُ القهّارُ

وكأنّ أبنـــــاءَ الذينَ هــــم الذَرى   أعـــفاءُ أهلٍ، لا أقولُ مِــــــهارُ

يا ليــــتَ آدَمَ كان طلّقَ أمَّــــــهُمْ،   أو كانَ حرّمَــــها عليه ظِــــهارُ

ولدَتْهُمُ، في غير طُــــهرٍ، عاركاً،   فَلذَاكَ تُفقــــدُ فيــــهمُ الأطـــهارُ

ولديّ سِـــــــرٌّ، ليس يمكنُ ذكرُهُ،   يخفى على البصراءِ، وهو نَهارُ

أما هدىً، فوجـــــدتُهُ، ما بينَــــنا،   سِـــــــرّاً، ولكنّ الضّلالَ جِهارُ

والرُّزءُ يُبدي، للكــــريمِ، فضيلة،   كالمِســـكِ تَرفَعُ نشـــرَهُ الأفهارُ

فازجر عزيزتَكَ المُسِيئةَ، جاهداً،   واســــــتكفِ أن تُتخَيّرَ الأصهارُ

*****

ألا في ســـــبيل المجد ما أنا فاعل  عفاف وأقــدام وحــــزم ونائـــــل

أعندي وقد مارســـــــت كل خفية   يصدق واش أو يخيب ســـــــائل

تعد ذنـــوبي عند قــوم كثيــــــرة   ولا ذنب لي إلا العلا والفضــائل

ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً   تجاهلـت حتى ظـن أني جاهــــل

فوا عجباً كم يدعي الفضل ناقص   ووا أسـفاً كم يظهر النقص فاضل

إذا وصـــف الطائي بالبخل مادر   وعير قســــــا بالفهامــــة باقــــل

وقال السهى للشـمس أنت ضئيلة   وقال الدجى يا صـــبح لونك حائل

وطاولت الأرض السـماء سفاهة   وفاخرت الشهب الحصى والجنادل

فيا موت زر إن الحيــــاة ذميمة   ويا نفس جــــدي إن دهرك هازر

إني وإن كنت الأخيــــــر زمانه   لآت بـــما لم تســـــتطعه الأوائل

*****

إذا ودَّك الإنســــــــانُ يـــــــوماً لخِلّـــةٍ،  فغيّرَها مَرُّ الزّمـــانِ، تنكّـــــرَا

ويُشــرَبُ ماءُ المُزْنِ، ما دامَ صــــــافياً،  ويَزهَـــدُ فيهِ واردٌ، إن تعكّـــرَا

وما زالَ فقـــرُ المــرءِ يأتي على الغِنى،  ونِســـــيانُهُ مســتدركاً ما تذكّرَا

شَــــــرابُكَ بئسَ الشيءُ سَــــــرّ، وإنّما   أفادَ سروراً باطلاً، حينَ أسَكرَا

وفي النّــاسِ مَن أعطى الجميلَ بَديهـــة،  وضـــــنّ بفعل الخير لمّا تفكّرَا

فخَفْ قولَ مَن لاقاكَ من غيرِ ســـــالِفٍ   حميــــدٍ، فَأبْدى بالنّفاقِ تشــكُّرَا

وكم أضمرَ المصحوبُ مكراً بصاحبٍ،   فألفى قضاءَ اللَّهِ أدهَى وأمْكَـرَا

يقومُ عليه النّـــــوْحُ ليـــــــلاً، ولو غَدا   سليماً لأجرى شـــأوَ غيٍّ وبكّرَا

*****  

أبو فِراس الحَمَداني

الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي الربعي ، أبو فراس ( 320 – 357 ) للهجرة (932 – 967 ) للميلاد ، شاعر، أمير من أمراء الدولة الحمدانية ، فارس ، ابن عم سيف الدولة . له وقائع كثيرة ، قاتل بها بين يدي سيف الدولة ، وكان سيف الدولة يحبه ويجله ويستصحبه في غزواته ويقدمه على سائر قومه ، وقلده منبج وحران وأعمالها ، فكان يسكن بمنبج وينتقل في بلاد الشام . جرح في معركة مع الروم ، فأسروه وبقي في القسطنطينية أعواماً ، ثم فداه سيف الدولة بأموال عظيمة . وقيل كانت له منبج ، وتملك حمص وسار ليتملك حلب فقتل في تدمر أو في صدد قرب حمص ، قتلوه وظنوا أنه سيف الدولة .

مختارات من شعره :

أقولُ وَقَدْ نَاحَـــتْ بقُــــرْبي حمامَةٌ  أيا جارتا هل تشــعرين بحالي

معاذَ الهوى!ما ذقت طارقةَ النوى،  وَلا خْطرَتْ مِنكِ الهُمُـومُ ببالِي

أتحملُ محـــــزونَ الفؤادِ قـــوادمٌ   على غصنٍ نائي المسافةِ عالِي

أيا جارتا، ما أنصـــفَ الدهرُ بينَنا   تَعَاليْ أقاسِــمْكِ الهُمُومَ، تَعَالِي

تَعَالِي تَرِيْ رُوحاً لدَيّ ضَـــعِيفةً،  تَرَدّدُ في جِسْـــــمٍ يُعَـــذَبُ بَالي

أيَضْحَكُ مأسُـــورٌ، وَتَبكي طلِيقةٌ،  ويسكتُ محزونٌ، ويندبُ سـالِي

لقد كنتُ أولى بالدمـــعِ مقلــــــةً،  وَلكِنّ دَمْعي في الحَوَادِثِ غَالِي

*****

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمع شِــــــيمَتُكَ الصّـــــــبرُ،   أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمـــــــرُ

بلى أنا مشـــــــــتاقٌ وعنــــــديَ لوعـــــةٌ،   ولكنَّ مثلي لا يــــــذاعُ لهُ ســـــــرُّ

إذا الليلُ أضــــواني بســـــــطتُ يدَ الهوى  وأذللتُ دمـــــعاً منْ خلائقــــهُ الكبرُ

تَكادُ تُضِــــــيءُ النّــــــارُ بينَ جَوَانِـــــحِي  إذا هيَ أذْكَتْـــهَا الصّـــــبَابَةُ والفِكْرُ

معللتي بالوصـــــــل، والمــــــــوتُ دونهُ،   إذا مِـــــتّ ظمْآناً فَلا نَـــــزَل القَطْرُ

حفظتُ وضــــيعتِ المــــــــودةَ بينَـــــــنا  وأحسنَ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ، العذرُ

وما هذهِ الأيـــــــــــامُ إلا صــــــــــحائفٌ  لأحرفــــها، من كفِّ كاتبها بشــــــرُ

بنَفســـــي مِنَ الغَادِيـــــــنَ في الحَيّ غَادَة  هوايَ لها ذنبٌ، وبهجتــــــها عــــذرُ

تَــــــرُوغُ إلى الوَاشِـــــــينَ فيّ، وإنّ لي  لأذْناً بــــهَا، عَنْ كُلّ وَاشِــــــيَةٍ، وَقرُ

بــــــدوتُ، وأهلي حاضـــــــرونَ، لأننِي  أرى أنَّ داراً، لســـتِ من أهلها، قفرُ

وَحَارَبْــــــتُ قوْمي في هَــــــوَاكِ، وإنّهُمْ  وإيايَ، لولا حبكِ، المــــاءُ والخمـــرُ

فإنْ كانَ ما قالَ الوشــــــــاةُ ولمْ يكــــــنْ  فَقَد الإيمــــــــانُ مَا شَــــــــــيّدَ الكُفرُ

وفيتُ، وفي بعضِ الوفـــــــاءِ مذلــــــــةٌ  لآنســــــــةٍ في الحي شــــيمتها الغدرُ

وَقُورٌ، وَرَيْعَــــــانُ الصِّبَا يَسْــــــــتَفِزّها،   فتأرنُ، أحيــــــاناً، كما يأرنُ المــــهرُ

تســــــــائلني: منْ أنتَ؟ وهي عليمــــــةٌ  وَهَلْ بفتىً مِثلي عَلى حَـــــالِهِ نُكـــرُ؟

فقلتُ، كما شاءتْ وشـاءَ لها الهـــــــوى:  قَتِيلُكِ! قالــــــتْ: أيّــــــــهُمُ؟ فَهُمُ كُثرُ

فقلتُ لـــــها: لو شـــــــئتِ لـمْ تتعنتــــي  وَلمْ تســـــــألي عَني وَعِنْدِكِ بي خُبرُ!

فقالتْ: لقد أزرى بك الــــدهرُ بعـــــــدنا  فقلتُ: معـــــــاذَ اللهِ! بلْ أنت لا الدهرُ

وَما كانَ للأحـــزَانِ، لوْلاكِ، مَســـــــلكٌ  إلى القلبِ، لكنَّ الهوى للبلى جســـــرُ

وَتَهْلِكُ بَينَ الهَــزْلِ والجــــــدّ مُهجَــــــةٌ  إذا مَا عَداها البَينُ عَذبَـــــها الهَجْـــــرُ

فأيقنتُ أنْ لا عزَّ، بعـــــدي، لعاشـــــــقِ  وَأنّ يَدي مِــمّا عَلِقْــــــتُ بهِ صِـــــفْرُ

وقلبــتُ أمــــــري لا أرى لي راحــــــةً  إذَا البَينُ أنْسَـــــــاني ألحّ بيَ الهَجْـــرُ

فَعُدْتُ إلى حكـــــمِ الزّمان وَحكمِـــــــها،   لهَا الذَنْبُ لا تُجْـــــــزَى به وَليَ العُذْرُ

كَأني أُنَــــــادي دُونَ مَيْثـــــاءَ ظبْيَـــــــةً   على شــــــــرفٍ ظميـــاءَ جللها الذعرُ

تجفَّــــــاُ حيــــــــناً، ثم تدنو كأنـــــــــما  تنادي طـــــلا، بالوادِ، أعجزهُ الحضرُ

فلا تنكـــــــرني ، يا بنـــــةَ العـــــمِّ، إنهُ  ليَعــــــرفُ مَن أنكَرْتِهِ البَدْْوُ وَالحَضْرُ

ولا تنكـــــــرني، إنني غيــــرُ منكــــــرٍ   إذَا زلتِ الأقــدامِ، واســــــتنزلَ النضرُ

وإني لجــرارٌُ لكلِّ كتيبــــــةٍ معـــــــودةٍ   أنْ لا يخـــــــــلّ بـــــــها النصــــــــرُ

وإني لنزالٌ بكــــلِّ مخوفـــــةٍ كثيـــــــرٌ   إلى نزالـــــــــها النظــرُ الشــــــــــزرُ

فَأظمأْ حتى تَرْتَوي البيـــــضُ وَالقَــــــنَا   وَأسْـــــغَبُ حتى يَشــــبَعَ الذّئبُ وَالنّسرُ

وَلا أصْــــــبحُ الحَيَّ الخَلُوفَ بِغَـــــارَةٍ،   وَلا الجَيشَ مَا لمْ تأتــــــهِ قبليَ النُّـــــذْرُ

وَيا رُبّ دَارٍ، لـــمْ تَخَفْنـــــي، مَنِيعَـــــةٍ  طلعـــــتُ عليها بالردى، أنا والفجــــرُ

وحيٍّ رددتُ الخيــــــــلَ حتى ملكتــــهُ   هزيـــــماً وردتني البراقــــعُ والخمــرُ

وَسَـــــــاحِبَةِ الأذْيــــــالِ نَحوي، لَقِيتُهَا   فَلمْ يلقها جــــــهمُ اللقــــــاءِ، ولا وعرُ

وَهَبْتُ لــهَا مَا حَـــــازَهُ الجَيشُ كُلَّـــــهُ   ورحتُ، ولمْ يكشــــفْ لأثوابها ســــترُ

ولا راحَ يطغيني بأثوابـــــــهِ الغـــــنى   ولا باتَ يثنيني عن الكــــــرمِ الفقـــــرُ

وما حاجتي بالمـــــالِ أبغي وفـــــورهُ  إذا لم أفِـــرْ عِرْضِـــــي فَلا وَفَرَ الوَفْرُ

أسرتُ وما صحبي بعزلٍ، لدى الوغى   ولا فرســــــي مهرٌ، ولا ربــــهُ غمرُ!

ولكنْ إذَا حمَّ القضــــــاءُ على إمرىءٍ   فَليسَ لــــــهُ بــــرٌّ يقيـــــــهِ، ولا بحرُ!

وقالَ أصـــيحابي: الفـــرارُ أو الردى؟  فقُلتُ: هُــــــمَا أمرَانِ، أحلاهُـــــمَا مُرُّ

وَلكِنّنِي أمْضِــــــي لِـــمَا لا يَعيبُنــــي،  وَحَســــــــبُكَ من أمرَينِ خَيرُهُمَا الأسْرُ

يقولــون لي: بعتَ الســــلامةَ بالردى   فقُلتُ: أمَا وَالله، مَا نَــــالَني خُسْـــــــــرُ

وهلْ يتجــافى عني الموتُ ســــــاعةً،  إذَا مَا تَجَـــافَى عَنيَ الأسْــــــرُ وَالضّرُّ؟

هُوَ المَوْتُ، فَاختَرْ ما عَلا لك ذِكْـــرُه،   فلمْ يمتِ الإنســـــــــانُ ما حييَ الذكـرُ

ولا خيـــــــرَ في دفــــع الردى بمذلةٍ   كما ردها، يـــوماً بســـــوءتهِ "عمرو"

يمنــــــونَ أنْ خلـــــــوا ثيابي، وإنما   عليَّ ثيــــــابٌ، من دمائــــــهمُ حمـــرُ

وقائم ســــــيفي، فيهمُ، اندقَّ نصــــلهُ   وَأعقابُ رُمحِ فيــهِمُ حُطّمَ الصّــــــدرُ

سَـــــــيَذْكُرُنِي قوْمي إذَا جَدّ جـــدّهُمْ،   "وفي الليلةِ الظلـــــماءِ، يفتقــــدُ البدرُ"

فإنْ عِشْـــــتُ فَالطّعْنُ الذي يَعْرفُونَه   وتلكَ القَنَا، والبيضُ والضمرُ الشــقرُ

وَإنْ مُتّ فَالإنْسَــــــــانُ لابُدّ مَيّــــتٌ   وَإنْ طالتِ الأيّامُ، وَانْفَسَــــــحَ العمرُ

ولوْ ســـدَّ غيري ما سددتُ اكتفوا بهِ   وما كانَ يغلو التبرُ، لو نفقَ الصـــفرُ

وَنَحْنُ أُنَـــاسٌ، لا تَوَسُّــــــــط عِنْدَنَا،   لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمــــينَ، أو القبرُ

تَهُونُ عَليْنَا في المَعَالي نُفُوسُــــــــنَا،   ومنْ خطبَ الحســـناءَ لمْ يغلها المهرُ

أعزُّ بني الدنيا، وأعلى ذوي العـــلا،   وَأكرَمُ مَن فوقَ التــــرَابِ وَلا فَخْـــرُ

أبو الفضل الميكالي

عبيدالله بن أحمد وقيل عبدالرحمن بن أحمد، بن علي الميكالي أبو الفضل ( ؟ - 436) للهجرة ( ؟ - 1045 ) للميلاد ، من الكتاب الشعراء ، من أهل خراسان ، ذكر في العديد من الكتب . كما أنه صنف بعض الكتب منها ( المنتحل ) .





مختارات من شعره :

هل إلى سَلةٍ وصبرِ ســـــبيلُ  كيفَ والرزءُ ما عَلِمـــتَ جَليـــلُ

فجعتني الأيّـــامُ لمّا ألمّــــتْ   بصـــــديقٍ وَجــــدي عليه طويلُ

بأبي القاسم الذي أقسمَ المجدُ   يمينـــــاً أن ليــــــسَ منه بديــــلُ

حســـنُ خَلقٍ ومَخبرٍ ورُواءٍ   قــد عَلتــه قسَــــــامةٌ وَقُبــــــولُ

كان مغنى الوَفــاءِ والبرّ إن   حالَ زَمـانٌ فـــــودُّه ما يحُـــــولُ

كان زينَ الندى في العلــــمِ   والآدابِ تَرعى رياضُهن العقولُ

كان بدرَ النُّهى فحانَ أفَـولُ   كان شـــمسَ الحجى فَحانَ أصيلُ

   *****

لهفَ نفســـي على شــــــمائلِ حُرٍّ  سُحبتْ للشـــمالِ فيها ذيولُ

كيفَ أســلُو عن صاحبٍ ليسَ منه  خَلفٌ يَشــــتَفي به لي غَليلُ

ليسَ هيهَاتَ لي إليــــه ســـــــبيلُ  إن دهـــري بمثله لبخيـــــلُ

زانه العقلُ والحصــــافةُ والرأيُ  وحســــنُ البيانِ والتَّحصيلُ

وعفافٌ يثنيه عن موقفِ الشّــــكِ  إذا أطلقَ العِنــــان الجَهولُ

مسـعدٌ في الرّخاءِ ســــمحٌ شفيقٌ  وله في النائباتِ برُّ وصولُ

صـادقُ الوَدِ ثابتٌ لا كخــــلٍ هو  مســـــتكرهُ الإخـــاءِ ملولُ

حافظٌ للكتــــابِ يعنيـــــه منــــه  رافداه التنزيـــلُ والتأويـــلُ

قائمٌ في الدّجى حليـفُ صـــــلاةٍ  من ســناه وجهه عليها دليلُ

من يكــــنْ بعدَه العـــزاءُ جميلاً  فاجتنابُ العــزاءِ منه جميلُ

ما علاه الصفيحُ في اللّحدِ حتى  غالني بعدَه البكــــا والعويلُ

*****

أبو منصور الثعالبي

عبدالملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي ( 350 – 429 ) للهجرة (961 - 1038) للميلاد ، من أئمة اللغة والأدب ، من أهل نيسابور ، كان فراءاً يخيط جلود الثعالب ، فنسب إلى صناعته . واشتغل بالعلم والأدب فنبغ فيهما . وصنف الكتب الكثيرة الممتعة ، منها : ( يتيمة الدهر ) أربعة أجزاء في تراجم شعراء عصره ، و(فقه اللغة)، و( سحر البلاغة ) ، و( من غاب عنه الطرب ) ، و( غرر أخبار ملوك الفرس ) ، و( مكارم الأخلاق ) .

مختارات من شعره :

فَدَيْتُكَ يا أتَّــم الناسِ حُســـــناً   وأصــــلحَهم لمتَّخِذٍ حبيــــبا

فوجهُكَ نزهةُ الأبصار حُسْناً   وصوتُكَ متعَةُ الأسماع طيبا

وسائلةٍ تســــائِلُ عنكَ قُلْنا لها   في وصفِكَ العَجَبَ العَجيــبا

دَنَا ظبــياً، وغَنّى عندَلِيـــــبا   ولاحَ شـقائِقاً، ومشى قضِيبا

*****

لقد طربَ المحــبُّ إلى الحبيبِ  كما طربِ المريضُ إلى الطبيبِ

وأذعنَ للهوى القلــبُ المعنَّى   كإذعانِ الشـــــبيبة للمشــــــيبِ

ألا يا حبَّذا مَسْــــرى نســـــيمٍ   نســـيبِ الروح يا لكَ من نسيبِ

كأنَّ الروحَ منهُ طيـــــبُ ذكر   العميدِ السِّــــــيدِ الفـــردِ الأديبِ

أبي نصر بن مشكان الذي قد   غدا بينَ الأنــــامِ بلا ضــــــريبِ

أتمَّ اللهُ نعمَتـــــــهُ عليــــــــهِ   ولا أخـــــلاهُ من طــربٍ وطيبِ

*****

فديتكَ ما هـــذا التحشُّـــــــمُ كلُّـــهُ  لدعــوةِ عبدٍ روحُــــهُ بكَ ترتــــاحُ

ولِمْ كلُّ هذا الإحتشــــــامِ بمجلسٍ   يزيِّنُهُ الريحانُ والشــــمسُ والراحُ

وفيكَ غنىً عن كلِّ شيءٍ يروقَني   ووجهُكَ لي في ظلمةِ الليلِ مصباحُ

وريقٌكَ لي خمرٌ وعيناكَ نرجـسٌ   وصــــدغُكَ لي آسٌ وخــــدُّكَ تفاحُ

*****

أبو نُوّاس

الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح الحكمي بالولاء ( 146 – 198 ) للهجرة (763 – 813 ) لليملاد ، ولد في الأهواز من بلاد خوزستان ونشأ بالبصرة ، ورحل إلى بغداد فاتصل فيها بالخلفاء من بني العباس، ومدح بعضهم ، وخرج إلى دمشق ، ومنها إلى مصر ، فمدح أميرها ، وعاد إلى بغداد فأقام بها إلى أن توفي فيها . وقيل كان جده مولى للجراح بن عبدالله الحكمي ، أمير خراسان ، فنسب إليه ، وقيل إن أباه من أهل دمشق ، ودرس أبو نواس الفقه ، ونبغ فيه، وخرج من دمشق يريد بغداد ، ومر على قرية استراح فيها أياما عديدة ، وغنت الجواري أبياتا نظمها في إحدى الحانات ، منها :

   حامل الهوى تعب   يستخفه الطرب

   إن بكى يحق له     ليس ما به تعب

   تضحكين لا هية   والمحب ينتحب

ولما وصل بغداد استقبلته حاناتها وجواريها بغناء شعره ذاك ، وأصبح أبو نواس رمزا للفجور وعلما من أعلامه . وقيل إنه من طيء من بني سعد العشيرة . وهو أول من نهج للشعر طريقته الحضرية وأخرجه من اللهجة البدوية ، وقد نظم في جميع أنواع الشعر ، وأجود شعره في الغزل والخمريات .

مختارات من شعره :

دَعْ عَنْكَ لَوْمي فإنّ اللّـــوْمَ إغْــــــرَاءُ  ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الــــــدّاءُ

صَفراءُ لا تَنْزَلُ الأحزانُ سَــــــاحَتها   لوْ مَسّها حَجَرٌمِسّـــــتْهُ سَـــــرّاءُ

مِنْ كف ذات حِـــــر في زيّ ذي ذكر  لها مُحِبّـــــــانِ لُوطيٌّ وَزَنّــــــاءُ

قامْت بِإبْريقِـــــــها، والليـــــلُ مُعْتَكِرٌ  فلاحَ مِنْ وَجْهــها في البَيتِ لألاءُ

فأرْســــــلتْ مِنْ فَم الإبْريق صـــافيَةً  كأنَّما أخَذَها بالعيــــنِ إغفــــــــاءُ

رَقَتْ عن الماء حتى ما يلائمُــــــــها  لطافةٌ، وَجَفا عَنْ شَــــــكلِها الماءُ

فَلوْ مَزَجْتَ بها نُـــــوراً لمَازَجَـــــها  حتى تَوَلدَ أنْـــــوارٌ وأضــــــواءُ

دَارتْ على فِتْيَةٍ دان الزمانُ لــــــهمْ،  فَما يُصيبُــهُمُ إلاّ بما شــــــــاؤوا

لتِــــــلـكَ أبْكِي، ولا أبكي لمنزلــــــةٍ   كانتْ تَحُلُّ بها هندٌ وأســــــــماءُ

حاشا لِدُرَّةَ أن تُبْنَى الخيـــــــامُ لـــها   وَأنْ تَرُوحَ عَليْها الإبْلُ وَالشّـــاءُ

فقلْ لمـــنْ يدَّعي في العلمِ فلســـــفةً   حفِظْتَ شَيئاً، وغابَتْ عنك أشياءُ

لا تحْظُر العفوَ إن كنتَ امرأً حَرجاً   فإنّ حَظْرَكَـــهُ في الدّيـــن إزْراءُ

*****

كأنّما خدّهُ، والشَّعْرُ مُلْبسُهُ،  شِقٌّ منَ البَدْرِ مُنشَقٌّ عن الظُّلمِ

كأنّما كاتبٌ خَطّــتْ أنَامِلُهُ   بالمِسْكِ في خَدّهِ سَـطرَين بالقلمِ

*****

قل لمن يبكي على رسم درس   ما ضر لو كان جلس

*****

لا تبك ليلى ولا تطـــــرب إلى هند   واشرب على الورد من حمراء كالورد

كأساً إذا انحدرت في كأس شاربها   أجــدته حمرتـــــــها في العيــــن والخد

فالخمـــر ياقوتـــــة والكأس لؤلؤة   في كف جاريـــــة ممشــــــــوقة القــــد

تسقيك من طرفها خمرا ومن يدها   خمرا فمــــالك من ســـــــكرين من بــد

لي نشـــــــوتان وللندمـــان واحدة   شـــــيء خصصت به من دونهم وحدي

*****

ما زلت أســـتل روح الدن في لطف   وأستقي دمه من جوف مجروح

حتى انثنيت ولي روحان في جسدي   والدن منطرح جســماً بلا روح

*****

ألا فاستقني خمراً وفل لي هي الخمر   ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر

فما الغبن إلا أن تــــراني صـــــاحياً   وما الغنم إلا أن يتعتعني السـكر

*****

إني عَشِقتُ، وهل في العشق من بأسٍ،   ما مرّ مثلُ الهوى شــيءٌ على راسي

مالي وللنّاس، كمْ يَلْحَـــوْنَني سَـــــفَهاً،   دِيني لنفْسي ودينُ النّــــاسِ للنّــــــاسِ

ما للعُـــــداةِ، إذا ما زُرْتُ مالِكَـــــتي،   كــأنّ أوْجُهَـــــــهُمْ تُطْلى بأنْفـــــــاسِ

الله يعْلــــمُ ما تَـــــرْكي زيارَتــــــكمْ،   إلاّ مخافــــــةَ أعدائــــي وحُرّاســـــي

ولو قدرت على الإتْــــيان جئتُـــــــكُمْ  سعْياً على الوجهِ أو مشْياً على الراسِ

وقد قرأتُ كتابــــاً من صـــــــحائفكمْ   لا يرحــــمُ الله راحـــــــمَ النّـــــــــاس

يا رب إن عظمـت ذنوبي كثرةً فلقـد علمتُ بأن عفوك أعظمُ

إن كان لا يرجوك الا محســـنٌ فبمن يـلوذ ويستجيـر المجرمُ

أدعـوك ربي كما أمرتَ تضرعاً فإذا رددتَ يدي فمن ذا يرحمُ

   مــالـي إليك وســيـلةٌ إلا الــرجا    وجميــل عفوك ثم إني مسـلمُ



     دع المساجد للــعباد تسـكنـهـــا وطف بنا حول خمار ليسقينا

   ما قال ربك ويل للذين ســكروا   ولكن قــال ويــل للمـصـليينا

الأبيوردي

أبو المظفر محمد بن العباس أحمد بن محمد بن أبي العباس أحمد بن إسحاق بن أبي العباس الإمام ( 457 – 507 ) للهجرة ( 1064 – 1113 ) للميلاد ، شاعر وكاتب، ولد في كوفن ، وعاش حياة حافلة بالأحداث ، وكان حسن السيرة ، ودخل بغداد ، وترحل في بلاد خراسان ومدح الخلفاء ومنهم المقتدي بأمر الله وولده المستظهر بالله العباسيين ، وكان عارفاً باللغة والنحو والبلاغة والنسب والأخبار، وله كتب عديدة ، وقد مات مسموماً بأصفهان.

مختارات من شعره :

أسَمْراءُ عَهْدي بالخُطـــــوبِ قريبُ   وعـــــــودي بأيـــــــــدي صليـــبُ

وكلُّ خليلٍ كنتُ أرقــــبُ عطفـــــه   تولَّى بــــذمٍّ والزَّمــــــــانُ مريـــبُ

وقد كنتُ أصــــــفيه المودَّةَ والظُّبا   على الهـــــامِ تَبْــــــدُو مَرَّةً وَتَغيــبُ

نأى عامــــرٌ لا قــــــرَّبَ اللهُ دارهُ   وَآواهُ رَبْــــــعٌ بالغُمَيْــــــر جَديــــبُ

رَأى مُسْتَقَرَّ السِّمْعِ مِنْ أمِّ رَأسِــــهِ   يَصَــــــــمُّ وَأدْعَى لِلعُّــــــــلا فَأُجِيبُ

يعيِّرني أنَّي غريـــــبٌ بأرضـــــهِ   أجَلْ أنا في هذا الأنــــــــامِ غريــــبُ

وَيُظْهرُ لي نُصْــــــحاً وَلِلْغِلِّ تَحتَهُ   دواعِ بكلتــــــا مقلتيـــــــهِ تهيــــــبُ

وَيَرتْادُ مِنّي أنْ أضُـــمَّ على القَذَى   جُفُوني، وَهَلْ يَرْضَى الهَوانِ أرَيــبُ

وكفِّي بهزِّ المشـــــــرفيِّ لبيبـــــةٌ   وَباعي بتَصْــــريفِ القناةِ رَحيـــــبُ

أفِقْ جَدَّ ثــــدْيَي أمِّكَ الثُّكْلُ وَانْثنى  شَبا السيفِ عَنْ فَوْدَيْكَ وهَو خَضِيبُ

فَلا غروَ أن يســتودعَ المجدَ همّهُ  أغرُّ طـــــوالُ السّـــــــاعدين نجيبُ

يحاولهُ مذْ شــــــدَّ عقدَ إزارهِ إلى  أنْ مشــــــى في وفرتيــه مشـــــيبُ

ومنْ نكدِ الأيّــــــام أن يبلغَ المنى  أخو اللُّؤمِ فيـــــها والكريـــــمُ يخيبُ

ســأطْلُبُ عِزَّ الدهر ما دامَ ضافِياً  عليَّ رداءٌ للشَّـــــــــبابِ قشـــــــيبُ

ولي همةٌ تأبى مقامي على الأذى  ضـــجيعَ الهوينى ما أقامَ عســــــيبُ

*****

يا ربَّةَ البرقـــع والوجهُ أغـــرّ   يُشرقُ بَدْراً في ظلامِ مِنْ شَعَرْ

إنّي أرى ربعكِ بالجزعِ دثـــرْ  تميتهُ الرِّيـــــحُ ويحييهِ المطرْ

بما يُرى أخضرَ رفّافَ الزَّهرْ  وروضهُ ريّـــانُ مجّاجُ الغدرُ

بهِ ثرىً يقطــــرُ حينَ يعتصرْ  فَأهْلُهُ الأنجُمُ واللَّيْــلُ سَــــحَرُ

وَهْوَ كَإبْهـــــــامِ قطاةٍ أوْ نُغَرْ  وَكُلُّ ليْلٍ صــــالِحٍ فيهِ قِصَــرْ

حَلَّتْ بهِ إحْدى بُنَيَّاتِ مُضَـــرْ  كأنَّـــــــها إذا رنتْ على حذرْ

ريمٌ أحَــــــسَّ نَبْأةً ثُمَّ نَظَـــــرْ  بكيتُ حينَ ابتسمتْ على خفرْ

فَكادَ أنْ يَلْتَقِط الحَيُّ دُرَرْ

*****

أسامة بن منقذ

أسامة الشيرزي أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكتاني الكلبي الشيرزي مؤيد الدولة ( 488 – 584هـ / 1095- 1188م ) ، أمير ، من الجابر بني منقذ ، أصحاب قلعة شيزر ( بقرب حماة ) ومن العلماء الشجعان ، ولد في شيزر ، وسكن دمشق ، وانتقل إلى مصر سنة ( 540هـ ) ، وقاد عدة حملات على الصليبيين في فلسطين ، وعاد إلى دمشق . ثم تركها إلى حصن كيفي فأقام إلى أن ملك السلطان صلاح الدين دمشق ، فدعاه السلطان إليه ، فأجابه وقد تجاوز الثمانين ، فمات في دمشق ، وكان مقرباً من الملوك والسلاطين . له تصانيف في الأدب والتاريخ منها : (لباب الآداب ) ، و( البديع في نقد الشعر ) ، و( المنازل والديار ) ، و( والنوم والأحلام ) ، و( القلاع والحصون ) ، و( أخبار النساء ) ، و( العصا ) .

مختارات من شعره :

بنفسي قريبُ الدار، والهجرُ دُونه  وبُعدُ التَّقالِي غيرُ بعدَ السَّـــباسِبِ

أراهُ مكانَ الشَّــــمس بُعداً، وبينَنَا  كما بينَ عينٍ في التداني وحاجبِ

وهل نَافعي قُربٌ، ومن دُون قلبه  نوى قَذفٌ أعيتْ ظهورَ الركـائبِ

تجنَّى لِي الذَّنـــبَ الذي ما جَنيته   ولا هُو مغفورُ بعــــــذْرَة تَائـــبِ

وملَّ، فلو أهــــدى إليّ خيالــــه   بَدا لِيَ منه في الكَرى وجهُ عاتبِ

وضَنَّ، فلو أنَّ النســـــيمَ يُطيعهُ   لجنَّبني بـــردَ الصــــبا والجنائبِ

إذا رجَعتْ باليأسِ منه مَطامعي   علقتُ بأذيالِ الظنـــــون الكواذبِ

وأعجبُ ما خبِّرتُه من صـبابتي   به، والهَــوى ما زالَ جَمَّ العَجائِبِ

حَنِينِي إلى مَن خِلـبُ قلبي دارُه   وشَــوقي إلى مَن ليس عَني بغائبِ

*****

مُهَفْهَفٌ يُخجُل بَدر الدُّجَى   فإن رآه اكتنَّ في الســحبِ

قََوَامُهُ يُزرى، إذا ما انْثَنَى   مِنْ لِينه، بالغُضُــن الرَّطبِ

يبســم عن درّ تعالى الذي   نَظَّمه في البــــــارد العَذبِ

ألاَمُ فيـــــه، وهو لي شَــــــــــاغِـــلُ   بالهَـجـــر عن لـــومٍ وعن عَــــــتـــبِ

إن لم أبُحْ بهـــــــوَاك قُلنَ لَوائِــــمي:   ذا مبطل ما الكتم شـــــــيمة هائــــــمِ

وإن أدَّعى خوفَ الوُشاة، فَما الهَوَى  للخوف مذ خلق الهـــــوى بملائـــــمِ

لا تَكْذِبـــــنَّ، فَمَا لأبنـــــاءِ الهَـــوى  رأىٌ يحــــذِّرُهُم عواقـــــبَ نَــــــادِمِ

شــــــغلت قلوبهم بروعـــات النوى  والهجر عن خوف الزمان العــــارمِ

فَتَـــــراهُم صـــــــوَراً كظلّ ماثـــلٍ  لا يرعــوون لزاجـــــر أو لائــــــمِ

واهاً لأيامِ الحمى لو أنـها دامَــــــتْ،   وهل عَيــــــش يَســــــــرُّ بدائـــــــمِ

إذا أجتلي القمـــر المـــردى بالدجى  يجلو الشموس على القضـيب الناعمِ

ســـــكرى بناظره وراح رضـــــابه  وكُئُوسِـــه، طولَ الزَّمــان، مُلازمي

ما غال عقلي قط ســــــحر جفونــه  إلا جعــــــلت ذؤابتيـــــــه تمائـــمي

ثم افْتَــــــرقَنا بغتــــــةً، فَـــإذَا الَّذي  كُـــــــنَّا نُســـــــــــرُّ فَكاهَـــــةُ حَالِمِ







الباخرزي

علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي أبو الحسن ( ؟ - 467 ) للهجرة (؟- 1075 ) للميلاد، فقيه وشاعر وعرف بكتابة الرسائل ، من أهل باخرز من نواحي نيسابور . وتعلم بها وبنيسابور ، وقام برحلة واسعة في بلاد فارس والعراق ، وقتل في مجلس أنس بباخرز. اشتهر بكتابه ( دمية القصر وعصرة أهل العصر ) وهو ذيل أو حاشية لكتاب ( يتيمة الدهر ) للثعالبي .

مختارات من شعره :

يا طِيبَ ليلتِــــــنا بصــــــحبةِ غـــادةٍ   حسناء ناعمةِ الشـباب كعابِ

عطفتْ أناملــــــــها لتقرعَ دفَـــــــها   فَقًرعتُ أبواباً من الأطــرابِ

ودهشتُ حينَ رأيتُ في غلسِ الدجى   شــــمساً تصك البدرَ بالعنابِ

حســـــت بوجنتها وفاحمِ صــــدغها   كالبدر ملتحــفاً بريش غرابِ

تقول ســــلمى، والمشـــــيبُ قناعها:   أتصرم مني حبلَ ودِّ وصلتـه؟

فإن ينقـــــطع وردي فَأنتَ قَطفتـــــهُ   وإن يبلُ ديباجي فَأنتَ ابتذلتَـهُ

أراكَ مُســـــــــتعجلاً يا حاديَ الإبـــــلِ  فاصبروا إن خُلِقَ الإنسانُ من عَجَلِ

واقرَ الســـــــلامَ على غمـــــرٍ تحلُّ بهِ  من ماءِ عَيني ولا تقرأ على الوشَــلِ

وإن نظرتَ إلى العيـــسِ التي قلقـــــتْ  للظـــاعنينَ فَلا تســـــــكن إلى عذلِ

أجني وأحتالُ في تزويـــــر معــــــذرةٍ  والعجـــــزُ للمرءِ ليسَ العجزُ للحِيَلِ

وقفتُ والشـــــوقُ يبليني على طلـــــلٍ  كأنّني طلــــلٌ بــــــــالٍ على جمـــلِ

سرّحتُ في جوِّها الأنفاسَ فالتقـــــطت  نســــــــــيمَ ريّـــــا وأهدتْهُ إلى عِللي

أرض مكرمـــــة لم يـــــؤذِ تربتــــــها   إلاّ تَسَــــــــحّبُ أذيــــــــالٍ منَ الحللِ

شـــــتى اللغاتِ فقل في هاتـــــف غردٍ   أو صـــــــاهلٍ جـــرَسٍ أو باغمٍ غزلِ

ما زالَ منِها قلـــــوبُ النّاسِ عاثـــــرةً   من لطـــخِ غاليةِ الأصــــداغِ في وَحَلِ

شـــــيدت عليها قبـــــابُ الحيّ فاتقدت   أن البقــــاعَ لـــها قســـــــطٌ منَ الدولِ

إذا الغبارُ منَ الفُرســـــان ســـــارَ بها   قالوا: أتشـــــــكرُ نعماهُ؟ فقلتُ: أجـــلْ

دار التي حليت بالحســــــنِ عاطلـــــة   فوسْــــوسَ الحليُّ من غيظٍ على العطلِ

بيضـــــاء مُرهفة سُـــــلتْ على كبدي   وأغمدت من ســــــجوفِ الخزِّ في كللِ

كالظبي لولا اعتلالٌ في نواظــــــرها   والظبيُ لا يشــــــتكي من عارض العللِ

وقد يقالُ لمصْــــــحاح الرِّجـــــالِ به  داءُ الظبــــــاءِ، كذا يروونَ في المثـــلِ

شـــــــفاهُها كيفَ لا تَخلو وقد خَزنت  ذخيرةَ النحلِ في أنقـــــوعةِ العَســــــلِ

ينالُ مَن يَشـــــتهي ماءَ الحياة بـــــها  ما كان مِن قبلُ ذو القرنـــــينِ لم يَنَــــلِ

كم طافَ بي طيفها والأفقُ مســـــتترٌ  بذيلٍ ســــجفٍ منَ الظلماءِ منســــــــدلِ

أنى تيسرَ مســــراها وقد رســـــفت  من الذوائب طـولَ الليـــــلِ في شـــــكلِ

وكيف خفت إلى النشــــتاق نهضتها  والثقـــلُ يقعـــــدها مـــن جانب الكفـــلِ

تأوي إلى حفرةِ الكـــــدري آونــــة   وتـــــــارةً تَرتقي في سُـــــــــــلّمِ الحِيَلِ

لمّا أحسّـــــتْ بأسـفارِ النّوى ونأتْ  عني بحــــرِّ حشــــــــاً يخفيهِ بـــردُ حلي

يا حبّذا هو من ضـــــيفٍ وهبتُ له  ســـــــمعي وعيني إبـــــــــدالاً من النزلِ

وأزعجتها دواعي البين وانكمشت   تَســــــــري وفي مُقلتيها فَتْرةُ الكسَـــــــلِ

فرشت خدَّي لِمَمْشـــاها وقلتُ لها:  أخشــــى عليك الطريقَ الوعرَ فانتعَـــــلي





البُحتُريّ

الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي أبو عبادة البحتري ( 206 – 284 ) للهجرة ( 821 – 897 ) للميلاد ، شاعر كبير ولد في منبج الفرات ورحل إلى العراق فاتصل بالخليفة العباسي المتوكل ومن بعده ، وتوفي بمنبج . يقال لشعره سلاسل الذهب ، وهو أحد الثلاثة الذين كانوا أشعر أبناء عصرهم ، المتنبي وأبو تمام والبحتري ، قيل لأبي العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر؟ فقال : المتنبي وأبو تمام حكيمان وإنما الشاعر البحتري. وأفاد مرجوليوث في دائرة المعارف أن النقاد الغربيين يرون البحتري أقل فطنة من المتنبي وأوفر شاعرية من أبي تمام .

له مختارات شعرية لشعراء معاصرين له أو سبقوه ،جمعها في كتاب سماه كتاب الحماسة ، على مثال حماسة أبي تمام .

مختارات من شعره :

صُــــــنْتُ نَفْسِــــــي عَمّا يُدَنّــــــس نفسي،  وَتَرَفَعــــــتُ عن جَــــــدا كلّ جِبْسِ

وَتَماسَــــــــكْتُ حَينُ زَعزَعني الدّهْـــــــرُ  التماســــــاً منهُ لتَعسِــــــي، وَنُكسي

بُلـــــغٌ منْ صُــــــــبابَةِ العَيـــــــش عندِي،  طفَفَتُـــــــها الأيّــــــامُ تَطفيفَ بَخْسِ

وَبَعيــــــــــدٌ مَـــــــا بَيــــنَ وَاردِ رفَــــــه،   عَللٍ شُـــــــــرْبُهُ، وَوَاردِ خِمْــــــسِ

وَكَأنّ الزّمَـــــانَ أصْــــــــبَحَ مَحْمُـــــــولاً  هَــوَاهُ معَ الأخَـــــــسّ الأخَـــــــسِّ

وَاشـــــــترَائي العــــــــرَاقَ خِطَــــةَ غَبْنٍ،  بَعدَ بَيعي الشّــــــــامَ بَيعـــــةَ وَكْسِ

لا تَرُزْنــــــي مُــــــزَاولاً لاخْتبَـــــــــاري،  بَعدَ هذي البَلــوَى، فَتُنكرَ مَسّــــــي

وَقديـــــــــماً عَهدْتَنــــــــي ذا هَنَـــــــــاتٍ،  أبياتٍ، على الدّنيــــــات، شُـــــمْسِ

وَلقــــــدْ رَابَنـــــي نُبُـــــــوُّ ابنِ عَمّــــــي،   بَعدَ لينٍ من جانبيـــــــهِ، وأنْـــــسِ

وإذا ما جُفيـــــــتُ كنــــتُ جديَــــــــرّاً أنْ   أرَى غيرَ مُصْبح حَيثُ أمسِـــــــي

حَضَرَتْ رَحليَ الهُمُـــــــــومُ فَوَجّهْــــــتُ   إلى أبيَضِ المَدائــــــــنِ عُنْسِــــــي

أتَســـــــــلّى عَن الحُظُــــــــوظِ، وَآســـى   لمَحَلٍّ من آل ساســـــــــــانَ، دَرْسِ

أذَكّرْتَنيـــــــهمُ الخُطُــــــــوبُ التّـــــوَالي،  وَلقَدْ تُذكِرُ الخُطُـــــوبُ وَتُنسِـــــــي

وَهُمُ خافضُـــــــــونَ في ظــــلّ عَــــــالٍ،   مُشرفٍ يُحسرُ العُيونَ وَيُخسِـــــــي

مُغْلقٌ بَابُــــهُ عَلى جَبَـــــــــلِ القْبـــــــــق   إلى دَارَتَيْ خِــــــــلاطٍ وَمَكْـــــــسِ

حِللٌ لم تكُــــنْ كأطْــــــــلالِ سُــــــــعدَى   في قِفَارِ منَ البَســــــــــاسِ، مُلْــسِ

وَمَسَــــــــاعِ، لوْلا المُحَابَــــــــاةُ منّــــي،  لم تُطقها مَســــــعاةُ عَنــــسٍ وَعبسِ

نَقَلَ الدّهــــــرُ عَهْدَهُـــــــنّ عَن الجِــــدّةِ،  حتّى رجعـــــــنَ أنضَـــــــــاءَ لُبْسِ

فَكَأنّ الجِـــــــرْمَازَ منْ عَـــــدَمِ الأنْــــسِ   وإخْــــــــلالهِ، بَنيّـــــــــة رَمْــــسِ

لـــوْ تَــــرَاهُ عَلمْـــــــتَ أن اللّيَــــــــالي   جَعَلتْ فيهِ مأتـــــــماً، بعد عُــــرْسِ

وَهْوَ يُنْبيـــــكَ عَنْ عَجـــــــائِبِ قــــــوْمٍ،  لا يُشَــــــــابُ البَيانُ فيهم بلبْــــــسِ

وإذا ما رَأيْتَ صُـــــــــورَةَ أنْطَاكيَــــــةَ   ارْتَعْـــــتَ بَيــــــنَ رُومٍ وَفُـــــرْسِ

والمنَـــــايَا مَوَاثِـــــــلٌ، وأنُوشَـــــــــــرْ   وإنَ يُزْجي الصّفوفَ تحتَ الدِّرَفْسِ

في اخضِـــرَارِ منَ اللّباسِ على أصْـــفَر   يَختَــــــــالُ في صَــــــــبيغَةِ وَرْسِ

وَعِــرَاكُ الرّجَـــــــالِ بَيـــنَ يَدَيْــــــــهِ،   في خُفوتٍ منـــهمْ وإغماضِ جَرْسِ

منْ مُشــــــيحِ يُهـــوي بعاملِ رُمْــــــحِ،   وَمُليح، من السّــــــــنانِ، بتُـــــرْسِ

تَصِــــفُ العَينُ أنَّـــــــهُمْ جِــــدُّ أحيَـــاءَ   لــــهُمْ بَينَـــــهُمْ إشــــــــــارَةُ خُرْسِ

يَغتَلــــي فيـــــــهُمُ ارْتِيــــــابيَ، حَـــتَّى   تَتقــــــــرّاهُمُ يَــــــــــدايَ بلمْـــــسِ

قد سَـــقاني، وَلمْ يُصَــــرِّدْ أبو الغَـــوْثِ   على العَســــــكَرَينِ شُــــــرْبَة خَلسِ

مــــنْ مُـــــدَامٍ تظنــــــهَا هيَ نَجْــــــــمٌ   أضـــــوَأ اللّيْلَ، أوْ مُجَاجةَ شَــــمسِ

وَتَــــرَاها، إذا أجَــــــدّتْ سُــــــــرُوراً،   وَارْتياحاً للشّــــــــاربِ المُتَحَــــسّي

أفَرغَتْ في الزّجـــــــاجِ من كلّ قلـــبٍ،   فَـــهْيَ مَحبُوبَـــــــة إلى كلّ نَفْـــــسِ

وَتَوَهّمْـــــتَ أنْ كســـــرَى أبَرْويــــــزَ   مُعَــــــاطيُّ، والبَلهْبَــــــذُ أنْـــــــسِي

حُلُـــمٌ مُطبـــــقٌ على الشّـــــــكّ عَيني،   أمْ أمَـــــــان غيّـــــرْنَ ظَنّي وَحَدْسي

وَكَأنّ الإيــــوَانَ منْ عَجَبِ الصّـــــنْعَةِ   جَــــــوْبٌ في جنــــــبِ أرْعَنَ جِلسِ

يُتَظَــــنَّى مــــنَ الكَــــآبَةِ أنْ يَبْــــــــدُو   لعَيْــــــني مُصَــــــــبِّحٌ، أوْ مُمَــسّي

مُزْعَجــــاً بالفـــــراق عن أنْسِ إلْـــفٍ   عَزّ أوْ مُرهَـــــــقاً بتَطليـــــقِ عِرْسِ

عَكَسَتْ حَظَّهُ اللَّيالي وَباتَ المُشـــتَري   فيــــــــهِ، وهو كوْكـــــــبُ نَحـــــسِ

فَهْـــوَ يُبْــــــدي تَجَلّـــــــداً، وَعَليْـــــهِ   كَلكـــــلٌ من كَلاكلِ الدّهـــــر مُرْسِي

لمْ يَعِبْهُ أنْ بُزّ منْ بُسُــــــــطِ الدّيبـــاج   وَاســـــــتُلّ من سُــــــــتور الدِّمَقْــسِ

مُشْـــــــمَخِرٌّ تَعْلُــو لهُ شَـــــــــرَفَاتٌ،   رفعتْ في رُؤوسِ رَضْـــــوَى وَقَدْسِ

لابسَــــــــاتٌ من البَيَاضِ فَمَا تُبْصِــرُ   منـــــــــها إلاّ غَلائـــــــــلَ بُــــــرْسِ

ليسَ يُدرَى: أصُــــــــــنْعُ إنْسِ لجــنٍّ   سَـــــــــــكَنوهُ أمْ صُـــــــنعُ جنٍّ لإنْسِ

غيـــــرَ أنّي أرَاهُ يَشْـــــــــهَدُ أنْ لــمْ   يَـكُ بَانيـــــــــهِ في المُلُــــــــوكِ بنِكْسِ

فَكَأنّي أرَى المَــــــرَاتبَ والقــــــوْمَ،   إذا مـــــــا بَلغــــــــتُ آخـــرَ حسّــــي

وَكَأنّ الوُفودَ ضـــــاحينَ حَســــرَى،   من وقـــــوفٍ خَلفَ الزِّحــــــامِ وَخُنْسِ

وَكأنّ القِيّانَ، وَسْــــــط المَقاصِـــير،   يُرَجّعـــــــــنَ بينَ حُــــــــوٍّ وَلُعــــــسِ

وَكَأنّ اللّقــــــــاءَ أوّلْ مِنْ أمْــــــسِ،   وَوَشْــــــــــكَ الفــــــــــــرَاق أوّلُ أمْسِ

وَكَـــأنّ الّـذي يُريــــــــدُ اتّبَـــــــاعاً   طامــــــــعٌ في لُحوقـــــهمْ صُــبحَ خمسِ

عَمَرَتْ للسّـــــرُور دَهْراً، فَصَارَتْ   للتّعَـــــــزّي ربَاعُــــــــهُمْ، وَالتّــــــأسَي

فَلــــهَا أنْ أعيِنَـــــــها بدُمُــــــــوعِ،   مُوقَفَــــــاتٍ عَلى الصَّـــــــــــبَابَةِ، حُبْسِ

ذاكَ عندي وَليســــــتِ الدّارُ داري،   باقتـــــــرَابٍ منــــها، ولا الجنسُ جنسِي

غيرَ نُعْـــمَى لأهْلِـــــهَا عنْــدَ أهْلِي،   غَرَسُــــــــوا منْ زَكَائِـــــــها خيرَ غَرْسِ

أيّدُو مُلْكَــــــنَا، وَشَــــــــدّوا قَــوَاهُ   بكُمــــــاةٍ، تحتَ السّــــــــنوّر، حُمــــسِ

وأعَانُوا عَلى كتــــائِبِ أرْيَـــــــاط   بطعـــــــــنٍ على النّحـــــــــورِ، وَدَعْسِ

وأرَانِي، منْ بَعدُ، أكَلفُ بالأشْرافِ   طُـــــــــرّاً مــنْ كــــلّ سِــــــــــنْخِ وَإسِّ

*****

طواه الطوى حتى اسـتمر مريره   فما فيه إلا العظم والروح والجلــد

كلانا بها ذئب يحــــدث نفســــــه   بصــــاحبه والجد يتعســــــه الجد

عوى ثم أقعى فارتجــزت فهجته   فأقبل مثل البـــــرق يتبعـــه الرعد

فأتبعتها أخرى فأضللت نصــلها   بحيث يكون اللب والرعب والحقد

فخر وقد أوردته منهل الــــردى   على ظــــمأ لو أنه عذب الــــورد

وقمت فجمعت الحصى فاشتوته   عليه وللرمضـــــــاء من تحته وقد

ونلت خســـــــيساً منه ثم تركته  وأقلعـــــت عنه وهو منعفـــر فرد

*****

ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها  نعم ونسألها عن بعض أهليها

يا دمنة جاذبتها الريح بهجتـــها  تبيت تنشـرها طوراً وتطويها

*****

يا مَنْ رَأى البرْكَة الحَسْـــــنَاءَ رُؤيَتُها،   والآنِسَـــــاتِ، إذا لاحَتْ مَغانِيــها

بحَسْـــــــبِهَا أنّها، في فَضْلِ رُتْبَتِــــهَا،   تُعَدُّ وَاحِدَةٌ والبَحْـــــــرُ ثانِيــــــها

ما بَـالُ دِجْلةَ كالغَيْـــــرَى تُنَافِسُــــــها   في الحُسْنِ طُوْراً وأطْوَاراً تُباهِيهَا

أمَا رَأتْ كالىءَ الإســــــــلامِ يَكْــلأهَا   مِنْ أنْ تُعَــابَ، وَبَاني المَجدِ يَبْنيهَا

كَأنّ جــــــنّ سُــــــليْمَانَ الذينَ وَلُــوا   إبْداعَـهَا، فَأدَقَــــوا في مَعَانِيـــــهَا

فَلوْ تَمُرُّ بـــهَا بَلْقِيــــسُ عَـــنْ عَرَضٍ   قَالتْ هيَ الصّرْحُ تَمثيلاً وَتَشــبيهَا

تَنْحَطُّ فيها وُفُودُ المَــــــاءِ مُعْجِلـــــة،   كالخَيلِ خَارجَةً من حَبْلِ مُجريــهَا

كأنّما الفِضّةَ البَيضــــــاءُ، سَــــــائِلة،   مِنَ السّـــبائِكِ تَجْري في مَجَاريهَا

إذَا عَلتْــهَا الصَّــــــبَا أبدَتْ لهَا حُبُكاً  مثلَ الجَوَاشِنِ مَصْقُولاً حَوَاشِـــيهَا

فَرَوْنَقُ الشّـــــمس أحْياناً يُضَـاحِكُها  وَرَيّقُ الغيْــثُ أحْيَانــــاً يُبَاكِيـــــهَا

إذَا النُّجُــــومُ تَرَاءَتْ في جَوَانِبــــهَا  لَيْلاً حَسِــبْتَ سَــــــمَاءً رُكّبتْ فيهَا

لا يَبلُغُ السّــــمَكُ المَحصُورُ غَايَتَهَا  لِبُعْدِ ما بَيْنَ قَاصِـــــيهَا وَدَانِيــــــهَا

يَعُمْنَ فيــــــهَا بأوْسَـــــــاطٍ مُجَنَّحَةٍ   كالطّيــــرِ تَنقَضُّ في جَوٍّ خَوَافِيـــهَا

لهُنّ صَحْنٌ رَحِيبٌ في أسَــــــافِلهَا،   إذا انحَططْــنَ، وَبَهْـــوٌ في أعَالِيـهَا

صُورٌ إلى صُورَةِ الدُّلْفِينِ، يُؤنِسُهَا   مِنْهُ انْـــزوَاءٌ بعَيْنَيْـــــهِ يُوَازِيــــهَا

تَغَنَى بَسَــــاتِينُهَا القُصْوَى برُؤيَتِهَا  عَنِ السّـــــحَائِبِ، مُنْحَلاً عَزَالِيـــهَا

*****

أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً   حتى كــــــاد أن يتكلـــــما

وقد نبه النيروز في غسق الدجى   أوائل ورد كن بالأمس نوما

يفتقـــــه بـــــرد النــــــدى فكأنه   يبث حديثاً كان قبل مكتـــما

ورق نسيم الراح حتى حســـــبته  يجيء بأنفاس الأحبة نعــما

*****

أخْفي هَوىً لكِ في الضّلوعِ، وأظهرُ،   وآلامُ في كَمَـــــدٍ عَليْكِ، وأعْـــــذَرُ

وَأرَاكِ خُنتِ على النّوى مَنْ لم يخُـنْ  عَهدَ الهَوَى، وَهجَرت مَن لا يَهجُرُ

وَطلبْتُ مِنْكِ مَــــوَدّةً لمْ أعْطــــــــهَا،   إنّ المُعَـــنّى طـــــالِبٌ لا يَظْفَـــــرُ

هَلْ دَينُ عَلْوَةً يُســــــتَطاعُ، فيُقتَضَى،   أوْ ظُلُمُ عَلْـــــوَةً يَســــــتَفيقُ فَيُقْصَرُ

بَيْضَاءُ، يُعطيكَ القَضِـــيبَ قَوَامُـــهَا،   وَيُريكَ عَينَيها الغَـــــزَالُ الأحْـــــوَرُ

تَمشـــي فَتَحكُمُ في القُلوبِ بدَلّــــــها،   وَتَمِيسُ في ظِلّ الشّــــــبابِ وَتَخطُرُ

وَتَميلُ مِنْ لِينِ الصّــــبا، فَيُقيمُـــــها  قدٌّ يُؤنَّــــــثُ تَـــــــــارَةً، ويُذَكَّـــــــرُ

إنّي، وإنْ جانَبْـــتُ بَعضَ بَطالــــتي  وَتَوَهَّمَ الوَأشُــــــونَ أنّيَ مُقصِـــــــرُ

ليَشُوقَني سِـــــحْرُ العُيُونِ المُجتَلى،   وَيَرُوقُني وَرْدُ الخُــــــدُودِ الأحْمَـــــرُ

بديع الزمان الهمذاني

أحمد بن الحسين بن يحيى الهمذاني أبو الفضل ( 358 – 398 ) للهجرة ( 969 – 1008 ) للميلاد ، أحد أوائل الكتاب له ( مقامات ) أخذ الحريري أسلوب مقاماته عنها، والمقامة قصة تعنى باستخدام المحسنات البديعية ، وكان شاعراً. ولد في همذان وانتقل إلى هراة فسكنها ثم ورد نيسابور ولم تكن قد ذاعت شهرته. فلقي فيها أبو بكر الخوارزمي فشجر بينهما ما دعاهما إلى المساجلة فطار ذكر الهمذاني في الآفاق . ولما مات الخوارزمي خلا لبديع الزمان الجو فلم يدع بلدة من بلدان خراسان وسجستان وغزنة إلا ودخلها ولا ملكاً أو أميراً إلا فاز بجوائزه. كان قوي الحافظة يضرب المثل بحفظه ويذكر أن أكثر مقاماته إرتجال وأنه كان ربما يكتب الكتاب مبتدئاً بآخر سطوره ثم هلم جراً إلى السطر الأول فيخرجه ولا عيب فيه. توفي في هراة مسموماً . وله العديد من الكتب منها ( رسائل ) ، و( مقامات ) .

مختارات من شعره :

أيا جامع المال من حله  يبيت ويصــبح في ظله

ســـيؤخذ منك غداً كله  وتسأل من بعد عن كله

*****

ســـــل الملك الكريم إلام تبني   وأين؟ وقد تجاوزت الســـماء

أجــــــدَّك لا بــــــراك الله إلا   علاءً أو عطـــــاءً أو وفــــاء

ولو ذوبتـــــني ما كنــــت إلا  ولاءً أو دعــــــاءً أو ثـــــناء

منحتك من ســواء الصدر وداً  يكاد لفرطه يروي الظـــــماء

أيعجزني إذا احتكُّـــــوا هِناءٌ  وللكلبى إذا مرضوا شـــــفاء

جريت مع الملوك إلى مداها  ففتهم ســـــــناءً وارتقـــــــاء

فضلتهم ندى وفضـــلت مالاً  ومن طلب الثناء رمى الثراء

أمــن جمع الدراهم واقتناها  كمن جمع النهى ليسوا سواء

يكاد التخت يــــورق جانباه  ويقطــر عوده لينـــــاً ومــاء

إذا خطرت له قدماك تسعى   إلى أعــــواده أو قيـــــل جاء

*****

خطرتْ كغصـــــنِ البانــةِ المتأودِ  ورنتْ بناظرةِ الغـــــزالِ الأغيدِ

وغدتْ تشيرُ إلى الســـلامِ بطرفها  وبكفها المخضوبِ خوفَ الحُسدِ

فنظرت معســولَ المنى فوقَ القنا  والليلُ تحتَ نقابِ شمس الأسـعدِ

فكأنَّ حاليةَ المحاســـــن صورتْ  منْ فضةٍ عجنتْ بماءِ العســــجدِ

أو درةٍ مكنونـةٍ معجونــــةٍ بهوى  النفــــوس وذائبـــــــاتِ الأكبـــدِ

تلهوُ العيــونُ بمذهبٍ ومفضفضٍ  منْ حســـــــنها ومنظمــو منضدِ

ســــلبتْ ببهجتـها العقولَ وتيمتْ  مهجاً يــــروحُ بها الغرامُ ويغتدي

للهِ موقفـــــــنا بمنعرج اللوى في  الشــــعبِ منْ دونِ الفريق المنجدِ

جاذبتها طرف العتاب فأعرضتْ  عني وقالــــتْ ما أراكَ بمُســــعدي

*****

بَشّار بن بُرد

بشار بن برد العُقيلي ، أبو معاذ ( 95 – 167 ) للهجرة ( 713 – 783 ) للميلاد ، شاعر من المولدين . أصله من طخارستان غربي نهر جيحون ونسبته إلى إمرأة عقيلية قيل إنها أعتقته من الرق . كان ضريراً دميما . نشأ في البصرة وقدم بغداد ، وأدرك الدولتين الأموية والعباسية ، وشعره كثير متفرق ، أتهم بالزندقة فمات ضرباً بالسياط، ودفن بالبصرة .

مختارات من شعره :

كأنها يوم راحت في محاســــــنها  فارْتجَّ أسْـــــفلُها واهْتزَّ أعْلاها

حوْراءُ جاءت من الفرِدوس مقْبلة  فالشمس طلْعتُها والمِسكُ رياها

من اللَّواتي اكتسَتْ قَدّا وشَــقَّ لها  من ثوبه الحسنُ سربالاً فردّاها

راحتْ ولمْ تُعْطِـــهِ بــــرّاً لِلوْعَتهِ  منها ولو سـألته النَّفسَ أعطاها

هل تعلمين وراءَ الحُــــــبِّ مَنْزلةً  تدني إليك فإنَّ الحبَّ أقصــــاني

يا رئْمُ قَولي لِمِثلِ الرِّئم قدْ هَجَرَتْ  يَقْظى فما بالُها في النَّوْمِ تَغْشانِي

لهْفِي عَليْها ولهْفِي مِنْ تَذَكُّــــرهَا   يدنو تذكُّــــــرها منِّي وتنــــآني

إذ لا يزال لها طيـــــفٌ يؤرِّقـني   نَشْوانَ من حبها أو غَيْرَ نَشْوانِ

*****

عنان يا منيتي ويا ســكني   أما تريني أجولُ في ســــككِ

حرمتُ منك الوفا معذبتي   فعجِّلي بالسِّــــجلِّ في صِكَكِ

إنِّي وربِّ السَّـماء مجتهدٌ   في حل ما قد عقدت من تككِ

بلى وإنْ شئت قُلْتُ فَيْشَل   تســــكن الهائجات من حككِ

ماذا تقولين لرب العـــلا   إذا تخليـــــت به وحـــــــدكِ

*****

زودينا يا عبده قبل الفـــراق   بتلاق وكيف لي بالتــلاق

أنا والله أشتهي سحر عينيك   وأخشى مصارع العشاق



لقد أسمعت لو ناديت حياً   ولكن لا حياة لمن تنادي

*****

إذا ما غضبنا غضبة مضرية   هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما

إذا ما أعرنا ســـيداً من قبيلة   ذرا منبر صـــــلى علينا وســـــلما

*****

ربابــــة ربةُ البيت   تصب الخل في الزيت

لها عشر دجاجاتٍ   وديك حســـن الصوت

*****

إذا كنت في كل الأمــــور معـــــاتباً   صَــــــديقَكَ لمْ تَلْقَ الذي لاَ تُعَاتَبُهُ

فعش واحداً أو صـــــل أخـــاك فإنه   مُقارف ذَنْبٍ مَــــرَّةً وَمُجَانِبُــــــهُ

   وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَـــــجاياهُ كُلُّها   كَفى المَرءَ نُبــلاً أن تُعَـدَّ مَعـايبُهُ

إذا أنْتَ لمْ تشْربُ مِراراً على القَذى   ظمئت وأي الناس تصفو مشاربهُ

*****

إذا الْملِكُ الْجبَّـــــارُ صَــــــــعَّر خدَّهُ   مَشَـــيُنا إليْه بالسُّــــيوفِ نُعاتبُهْ

وكُنَّــا إذا دَبَّ الْعـــــدُوَّ لسُــــــخْطِنَا   ورَاقَبَنا في ظاهـــــرِ لا نُراقَبُهْ

ركِبْـــــنَا لهْ جهْــــــراً بكُلِّ مُثقَّــــفٍ   وأبْيضَ تَسْتَقِي الدِّماءَ مضاربهْ

وجيـش كجنح الليل يرجف بالحصى   وبالشول والخطي حمر ثعالبهْ

غَدَوْنا لهُ والشَّــــــمْسُ فِي خِدْرِ أمِّها   تُطالِعُنا والطَّلُّ لمْ يجْـــر ذائِبُهْ

بضرب يذَوقُ الْموْت منْ ذاق طعَمَهُ   وتُدْركُ منْ نَجَّى الْفِرارُ مثالِبُهْ

كأن مُثـــار النقع فوق رؤوســــــهم  وأســـيافنا ليلٌ تهاوت كواكبهْ

بعثنا لهم مــــــــوت الفجـــــاءة إننا  بنُو الْمُلْكِ خفَّاقٌ عليْنا سَــبَائبُهْ

فراحُـوا: فريقاً فِي الإســـــار ومِثلهُ   قتِيـــلٌ ومِثل لاذَ بالبحْر هاربُهْ

*****

إذا بلغ الرأي المشـــــورة فاســتعن   برأي نصيح أو نصيحة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة   فإن الخوافي قـــــوة للقــــوادم

وما خير كف أمســــك الغل أختها   وما خير ســـيف لم يؤيد بقائم

وخل الهوينا للضـــــعيف ولا تكن   نؤوماً فإن الحزم ليس بنـــــــائم

بن حَيّوس

محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس ، الغنوي ، من قبيلة غني بن أعصر ، من قيس عيلان ، ( 394 – 473 ) للهجرة ( 1003 – 1080 ) للميلاد ، الأمير أبو الفتيان مصطفى الدولة . شاعر الشام في عصره ، يلقب بالإمارة وكان أبوه من أمراء العرب. ولد ونشأ بدمشق وتقرب من بعض الولاة والوزراء بمدائحه لهم وأكثر من مدح أنوشتكين، وزير الفاطميين وله فيه أربعون قصيدة . ولما اختلّ أمر الفاطميين ضاعت أمواله ورقت حاله ورحل إلى حلب وانقطع إلى بني مرداس فمدحهم وعاش في ظلالهم إلى أن توفي بحلب .

مختارات من شعره :

كُنْ بَعِيداً إنْ شِئْتَ أوْ كُنْ قريبـــــاً  فَأيادِيــكَ عِنْـــــدَنا لنْ تَغِيــــبا

خَلَّفَتْكَ الآلاَءُ مُذْ سِــــــرْتَ فِينــــا  فَتســــاويت مشـــــهداً وَمغيبا

كَالغمَام الرُّكــــامِ يَمْضِـــي وَيُبْقِي  مَوْرداً فائِضاً وَمَرْعَىً خَصِيبا

فَرْقَةٌ يا أبا الْعَـــــلاَءِ أصـــــارَتْ  حســـناتِ الزمانِ عندي ذنوبا

كمْ سبقتَ الجارين في حلبةِ المجدِ  وَكَلُّـــوا وَما شَـــــكَوْتَ لُغُوبا

لا كما يســبقُ المجاري المجارى  بَلْ كَما يَسْبقُ الشَّــبابُ الْمَشِيبا

لمْ يزلْ جانبي منيـــــعاً مهيــــــباً  مذْ رأتني بكَ الخطــوبُ مهيبا

وَلِهَذَا أصْـــــبَحْتُ مِنْ ألَمِ الفُرْقَةِ  أوفـــى مفارقيــــــكَ نصــــيبا

وَلوْ أني ملكتُ نفســــي وَرأيـي   لوَصَـــلتُ الإِسْـــــادَ والتَّأويبا

فكفاني مؤونةَ الشـــــــوق عزمٌ   لاَ يملُّ التقويـــضَ وَالتطـــنيبا

غَيْـــــرَ أنَّي الْقَلْــــــبَ عِلْــــماً   أنَّــــهُ لاَ يَؤُوبُ حَتَّى تَـــــؤُوبا

*****

سَـلْ عَنْ فَضائِلِكَ الزَّمانَ لِتُخْبَرا  فنطيرُ مجـــــدكَ ما رآهُ وَلاَ يـــــرا

أوْ لاَ فَدعهُ وَادعِ الشـــرفَ الذي  أعيا الأنامَ فَلســـــتَ تلقى نمكــــرا

ما احتاجَ يوماً أنْ يقامَ بشـــــاهدٍ  حقٌّ أزالَ الشــــــكَّ وَاجتاحَ المــرا

وَلقدْ جمعتَ مناقباً ما استجمعتْ  مَشْهُورَةً ما اسْـــتَعْجَمَتْ فَتُفَسَّـــــرا

وَمَلَكْتَ أهْوَاءَ النُّفُـــــوسِ بأنْعُمٍ  عَمَّتْ فَايْسَــــــرُ حَقَّها أنْ تُشْـــــكَرا

مِنٌّ يَلُوحُ عَلى الجِبَاهِ مُسَـــطَّراً  وَهَوىً يَظَلُّ عَلى القُلُوبِ مُسَـــيْطِرا

لوْ لمْ تملكــكَ الأمــــورُ قيادها  ضعفتْ قوىً مما عرا وَوهتْ عرى

فطل الكرامَ فأنتَ أثبتــــهمْ قراً  في حملِ نائبــــةٍ وَأعجلــــــهمْ قرى

لسَـهرْتَ فِي حِفْظِ الذِّمار وَإنَّهُ   مَجْـــدٌ لَدُنَّــــــكَ أنْ يَنامَ وَتَسْـــــهَرا

بهاء الدين زهير

زهير بن محمد بن علي المهلبي العتكي بهاء الدين ( 581 – 656 ) للهجرة ( 1185 – 1258 ) للميلاد ، شاعر وكاتب ، ولد بمكة ونشأ بقوص ، واتصل بالملك الصالح أيوب بمصر ، فقرّبه وجعله من خواص كتّابه وظلَّ حظيّاً عنده إلى أن مات الصالح فانقطع زهير في داره إلى أن توفي بمصر .

مختارات من شعره :

أيا صـــــــاحبي ما لي أراكَ مفكـــــــراً  وَحَتّامَ قُلْ لي لا تَـــزَالُ كَئِيـــبَا

لقد بان لي أشْــــــــياءُ مِنْــــــــكَ تُريبُني  وهيهاتَ يخفى من يكونُ مريبَا

تعــــــــالَ فحدثني حديثـــــــكَ آمـــــــناً  وَجَدْتَ مكـــــاناً خالِياً وَحَبيـــبَا

تعالَ أطارحكَ الأحاديـــثَ في الهــــوى  فَيذكرَ كلٌّ منْ هــواهُ نصـــــيبَا

لئن بحتُ بالشــــــكوى إليـــكَ محبـــــةً  فَلســـــتُ لمَخلُوقٍ سِوَاكَ أبُوحُ

وَإنَّ سُــــكُوتي إن عَرَتني ضَــــــرُورَةٌ  وكِتمانَـــــها ممّن أحــــبّ قبيحُ

وما ليَ أخفي عنْ حبيبي ضــــــرورتي  وما هو إلاّ من مشــفقٌ ونصيحُ

بروحيَ مَن أشــــــــكو إليــــــهِ وأنثني  وقد صـــــارَ من لُطفِهِ ليَ رُوحُ

ولوْ لم يكـــــن إلاّ الحديـــــــثُ فإنـــــهُ  يخففُ أشـــــــجانَ الفتى ويريحُ

وكمْ رُمــــــتُ أنّي لا أقــــولُ فَخفتُ أن   يقولَ لســــانُ الحالِ وهوَ فصيحُ

وكِدتُ بكتمــاني أصِــــــيرُ مُفـــــــرِّطاً  فَأبكي على ما فَاتَنِي وَأنُــــــوحُ

وأنــــدمُ بعد الفـــــوتِ أوفى ندامـــــــة  وأغدو كما لا أشــــتهي وأروحُ

تكهنتُ في الأمــــرِ الذي قــــد لقيتـــــهُ  وليَ خطـــــراتٌ كلــــهنّ فتوحُ

  فراسَـــةُ عَبــدٍ مؤمــنِ مــن ذاكَ حَرْفــاً  كَهانتي فلــهِ ظـني إنهُ لصحيــحُ

التهامي

أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي ( ؟ - 416 ) للهجرة ( ؟ - 1025 ) للميلاد، شاعر زمانه . مولده ومنشؤه في اليمن ، وأصله من أهل مكة ، كان يكتم نسبه ، فينتسب مرة للعلوية وأخرى لبني أمية . وانتحل مذهب الإعتزال ، وسكن الشام مدة ، ثم قصد العراق والتقى الصاحب ابن عباد ، وعاد فتقلد الخطابة بجامع الرملة ، واتصل بالوزير المغربي فكان من أعوانه في ثورته على الحاكم الفاطمي ، وقيل إنه قصد مصر وغدر به بعض أصحابه وأودع في موضع يعرف بالمنسي حتى مات.

مختارات من شعره :

لما رأى لحظات طرفي رتــعاً   تجني شقيقاً من رياض خـــدوده

لم ترض في قتلي سهام لحاظهِ   عمداً فأتبعـــــها رماح َ نهـــوده

سدل اللثام وصدَّ عني شــارداً  ونأى فأســـهر مقلتي بشــروده

لاحظ لي في قربـــه وبعـــاده  عدمُ البخيـــــل وفقده كوجــوده

وبكى لفرقتنا فواقــــــاً فالتقى  درّان درُّ دمــــــــوعه وعقوده

وجلا كمثل البدر في تدويــره  وضـــــيائه والفجر في توريده

أخفي هواه وهو نارٌ مثلــــما   يخفي الزنادُ ضرامهُ في عوده

يلتفُّ نورُ الأقحــــوان بمثله   في ريــحه وبياضـــــه وقدوده

*****

تعاتب ســـــــعدي إن تنقل دارها  وأية شـــــمس يســــــتقلّ نهارُها

إذا نزلت أرضاً أضاءت بوجهها  فســـــــيِّان منها ليلها ونــــهارها

بدور ولكن الخدورَ ســــــرارها  كواكب لكنّ الحدوج بروجــــــها

تألَّق من تحت اللثــــام كأنــــــما  يلاث على شـمس النهار خمارها

جرحت بلحظي خـــدّها فتعمدت  فؤادي فأصمته وذاك انتصـــارها

فدعها وقتلي إنـــها من قبيلـــــة  إذا وترت لم يمطل الدهر ثـــارها

بكيتُ فحنــت ناقتي فأجابــــــها  صهيل جوادي حين لاحت ديارها

خططنا بأطراف الأسنةِ أرضها  فأهدت إلينا مســـــك دارين دارها

*****

ولاحت ثنايا الأقحـــــوان ولو رأت   محاسنها من أهواه طال استتارها

وإني وإن عاصيتُ في بيشة الهوى  ليعجبني غزلانها وصــــــوارها

أرى الحبُّ ناراً في القلوب وإنـــما  تصعُّدُ أنفاس المحب شــــرارها

توقَّ عيــون الغانيــــــات فإنــــــها   سيوفٌ وأشفار الجفون شــفارها

جحظة البرمكي

أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكي أبو الحسن ( 224 – 324 ) للهجرة ( 838 – 935 ) للميلاد ، شاعر عباسي وكان قبيح المنظر ، ناتئ العينين ، فلقب بجحظة . وكان طنبوريّاً حاذقاً يصوغ اللحن ويجود الغناء . وقد عمر طويلاً ، وقد ضاع أكثر شعره . وله شعر في شعراء عباسيين منسيين .

مختارات من شعره :

عاتَبتُ نَفسـي في هَواكِ   فلم أجِـــدها تَقَبَـــلُ

وَأطعتُ داعيــــها إليكِ   فلم أطِع من يَعــذِلُ

لا وَالَّذي جَعَلَ الوُجـوهَ   لِحُسنِ وَجهكِ تمثُلُ

لا قُلتُ إنَّ الصَبرَ عَنكِ   مِنَ التَصابي أجمَلُ

*****

أقولُ لها وَالصُبحُ قد لاحَ ضَوءُهُ   كَما لاحَ ضَوءُ البارقِ المُتَـــــألّقِ

شَبيهُكِ قد وافى وَلاحَ اِفتِراقَــــنا   فَهَل لكِ في صَوتٍ وَكَأسٍ مُرَوَّقِ

فقالت شِفائي في الَّذي قد ذَكَرتَـهُ   وَإن كُنتَ قد نَغَّصـــــــتَهُ بالتَفَرُّقِ



يا مَن بَعُدتُ عَن الكَرى ببُعادِهِ   الصَبرُ مُذ غَيِّبتَ عَنّي غائِبُ

أصبَحتُ أجحَدُ أنَّني لكَ عاشِق   وَالعَينُ مُخبـــرَةٌ بأنّي كاذِبُ

*****





الحلاج

الحسين بن منصور الحلاج ( 244 – 309 ) للهجرة ( 858 – 922 ) للميلاد ، اختلف النّاس في أمره ، عده البعض من غرباء الفلاسفة ، ووضعه البعض في كبار المتعبدين والزهاد ، ورماه آخرون في زمرة الزنادقة والملحدين . أصله من فارس ، ونشأ بواسط في العراق ، وشاع أمره . قبض عليه الخليفة المقتدر العباسي وقتله في بغداد . ويقال إنه ألف العديد من الكتب الغريبة في مواضيعها وعناوينها منها :   ( الكبريت الأحمر ) ، ( هو هو ) ، ( اليقين ) .

مختارت من شعره :

إلى كم أنت في بحر الخطــــــايا  تبــــارز من يــــــــــراك ولا تــــــــراه

وســــمتُك ســـمت ذي ورعٍ تقِي   وفَعْلك فعــــــــل متّبــــــــــع هـــــــــواه

فيا من بات يخلو بالمعــــــاصي  وعيــــن الله شـــــــــــــاهدة تــــــــــراه

أتطمع أن تنــــال العفــــــو ممّا  عصــــــمتَ وأنت لم تطلب رضـــــــــاه

فَتُبْ قبل الممـــات وقبل يـــــوم  يلاقي العبـــــــد ما كســــــــبت يـــــــداه

أتفرح بالذنـــــوب والخطـــــايا  وتنســــــــــاه ولا أحـــــــد ســـــــــــواه

كانت لقلبي أهـــــواءٌ مفـــــرّقة  فاســــــتجمعَتْ مُذْ رأتْك العين أهـــوائي

فصار يحسدني من كنت أحسده  وصرتُ مولى الورى مُذْ صرتَ مولائي

ما لامني فيك أحبابي وأعــدائي  إلَّا لغفلتــــــــهم عن عظـــم بلــــــــوائي

تركتُ للنّاس دنيـــاهم ودينــــهم  شــــــــــغلاً بحبّـــــــــك يا ديني ودنيائي

أشــعلت في كبدي نارين واحدة  بين الضــــلوع وأخرى بين أحشــــــائي

*****

والله ما طلعت شــــمسٌ ولا غربت   إلا وحبّـــــك مقــــــــرون بأنفاســـي

ولا خلوتُ إلى قــــــوم أحدّثــــــهم   إلا وأنت حديثي بيـــــن جلاســــــــي

ولا ذكرتك محـــزوناً ولا فـــــرحاً   إلا وأنت بقلبي بيــــــن وســــــواسي

ولا هممت بشرب الماء من عطش   إلا رَأيْتُ خيـــــالاً منـــــك في الكأس

ولو قدرتُ على الإتيان جئتُـــــــكم   سعياً على الوجه أو مشياً على الرأس

ويا فتى الحيّ إن غَنيت لي طـــرباً   فَغّنني وأســــــفاً من قلبك القاســــــي

ما لي وللنّاس كم يلحونني ســــفهاً  ديني لنفســــــي ودين النّاس للنّــــاس

*****

يا نسيم الروح قولي للرشـا   لم يزدني الوردْ إلا عطشــــا

لي حبيبٌ حبّه وسط الحشا   إن يشا يمشي على خدّي مشا

*****

الخُبز أرزي

نصر بن أحمد بن نصر بن مأمون البصري أبو القاسم ( ؟ - 317 ) للهجرة ( ؟ - 939 ) للميلاد ، شاعر غزل ، له شهرته . عرف بالخبز أرزي ( أو الخبزرزي ) ، لأنه كان أمياً ، يخبز خبز الأرز بمربد البصرة في دكان ، وينشد أشعاره في الغزل ، والنّاس يزدحمون عليه ويتعجبون من حاله . وكان ( ابن لنكك ) الشاعر ينتاب دكانه ليسمع شعره ، واعتنى به وجمع له ( ديواناً ) . ثم انتقل إلى بغداد ، فسكنها مدة ، وقرأ عليه ديوانه ، وأخباره كثيرة وطريفة .





مختارات من شعره :

وحقِّ الهوى إني أحـــــسُّ من الهوى   على كبدي جمراً وفي أعظمي رَضّــا

أقــــرَّت نجومُ الحســــــن أنك بدرُها   وأنك في روض المحاســــن زهــرُها

ووجه لو أنَّ الأعين العــــور كُحِّلت  ببهجته يومـــاً لراجَــــعَ بصـــــــرُها

وللجُدَري فيه رســــــوم محاســــــنٍ  يُرى فيه آثارَ المحاســـــــن أثــــرُها

على قانةٍ ما زال يُغبَـــــط ردفَــــــها  ويُحسَدُ سَـــــــاقَاها ويُرحَم خَصـرُها

فتسعة أعشـــار الملاحة قَسِّـــــــمَت  عليك وفي كلِّ الخـلائق عُشـــــــرُها

وقد نُقِشت نقشَ الدنانيـــر عــــــــدنا  صــــــفاتك إلا أن عقلــك تبـــــــرُها

محاسن زاد العقل فيها محاســــــــناً  فيحســــــن مرآها ويحســــن ذكـرُها

لذكرك طيبٌ في النفـــــوس لو أنّّــه  لجســـمك لم يُجلب من الهند عطـرُها

فصارت بك الأيامُ أعيــــــادَ لــــــذَّةٍ  فَما كاد أضـــــحاها يبين وفِطـــــرُها

تَقَلّبُ طرفاً لو تَقَلّــــــبَ ســـــــحرُهُ   على الأرض لم يظهر ببابل سِـــحرُها

فلو كنتَ في سوق الجواهر ضاحكاً  إذَا عُرضَت لم يغلُ في السوق قدرُها

أرى لك قبل الأنـــــس مزح تَظرُّفٍ  كذلك قبل الشـــــمس يطلع فجــــرُها

وما عابَ نفسَ المرء كثرةُ مزحــها  إذَا قلَّ منـــها خلـــــف ذلك نُكــــرُها

وطبعاً وأخــلاقاً إذَا بانَ كشـــــــفُها  تبيَّن من تحت التكشُّــــف ســــــترُها

تخلَّقَتَ أخـــــلاقاً هي الخمـــــر لذَّةً  وطيبـاً ولكن في التَظرُّفِ ســـــكرُها

خلائق يُرضي الله في السرِّ صونُها  ويرضي عباد الله في الجهر نشــرُها

فيكثر عند النّاس في ذاك حمـــــدُها  ويكثر عنــــــد الله في ذاك أجــــرُها

*****

خلف الأحمر

خلف بن حسان الأحمر أبو محمد وأبو محرز ( ؟ - 185 ) للهجرة ( ؟ - 796 ) للميلاد ، كان مولى أبي بردة عن أبي موسى الأشعري ، أعتقه وأعتق أبويه . وكان شاعراً وعارفاً بالشعر ، ووضع على عبد القيس شعراً موضوعاً كثيراً وعلى غيرهم عبثاً بهم ، فأخذ عنه أهل البصرة والكوفة . وأخذ النحو عن عيسى بن عمرو وأخذ اللغة عن أبي العلاء . وكان يضرب به المثل في الشعر ، وكان يقرأ القرآن في كل يوم وليلة.

مختارت من شعره :

يَرَونَ المَــــوتَ دوني إن رَأوني   وَصِــــــلَّ صَــــــفاً لِنابِيهِ ذَبابُ

مِنَ المُتَحَــــرِّماتِ بكَهفِ طـــودٍ   حَــــــرامٍ ما يُــــــرامُ لهُ جَنابُ

أبى الحاوونَ أن يَطئو حِمــــــاهُ   وَلا تَســــــري بعَقوَتِهِ الذِئـــابُ

كَأنَّ دَماً أميـــــرَ عَلى قــــــراهُ  وَقطـــــراناً أميــــرَ بهِ كُبـــابُ

إذا ما اِستَجرَسَ الأصواتَ أبدى  لِســــــــاناً دونَهُ المَوتُ العُبابُ

يَظلُّ نَهارَهُ نَومـــــــاً سُـــــــباتاً  وَنَزوَتُهُ طُمــــورٌ وَاِنسِــــــيابُ

إذا ما اللّيلُ ألبَسَـــــــهُ دُجـــــاهُ  سَرى أصم تَصيحُ لهُ الشِعابُ

كَأنَّ جَرادَةَ تَشَــــــرَت عَليــــهِ  جَناحـــــاً فاِرتَدى مِنــها الحُبابُ

مَتى ما يَرمِ عَن عَينَيهِ شَـخصاً   فَليــــسَ إلى الحَيــــــاةِ لهُ إيابُ

*****







دعبل الخزاعي

دعبل بن علي بن رزين الخزاعي ، أبو علي ( 148 – 246 ) للهجرة ( 765 – 860 ) للميلاد ، وقيل إن اسمه عبدالرحمن وإنما لقبته دايته لدعابة كانت فيه فأرادت ذعبلاً فقلبت الذال دالاً. شاعر هجّاء ، أصله من الكوفة ، أقام ببغداد . كان صديق البحتري وصنّف كتاباً في طبقات الشعراء . وقيل كان بذيء اللسان مولعاً بالهجو والحط من أقدار النّاس ، هجا الخلفاء ، الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق ومن دونهم . وطال عمره فكان يقال : لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك ، وكان طويلاً ضخماً . توفي ببلدة تدعي الطيب بين واسط وخوزستان .

مختارت من شعره :

وإني لَعَبْدُ الضَّيْفِ مِنْ غير ذِلَّةٍ   وما فيَّ إلاّ تِلْكَ مِن شِيمَةٍ العَبْدِ

*****

اللّهُ يَعْلَـــــمُ أنَّني ما سَـــــرَّني   شيءٌ كطارقَةِ الضــيوفِ النزلِ

مَا زلْتُ بالتَّرحيبِ حَتَّى خِلْتُني   ضيفاً لهُ، والضيفَ ربّ المنزلِ

*****

إنَّ المشِـيبَ رداءُ الحِلمِ والأدبِ   كما الشــــــــبابُ رداءُ اللَّهو واللعبِ

تَعجَّبَتْ أنْ رَأتْ شَيْبي فَقُلتُ لها:   لا تعجبي، مَنْ يطُلْ عمر بهِ يَشِـــــبِ

شَيبُ الرِّجالِ لهمْ زَينٌ وَمَكْرُمَةٌ   وشــــــيبكنَّ لكنَّ العـــــــــارُ فاكتئبي

فينا لكنَّ، وإن شـيبٌ بَدا، أربٌ  وَليسَ فَيكُنَّ – بَعدَ الشَّيبِ – مِن أربِ

*****

ومَا المرء إلاَّ الأصغرانِ: لِسانُهُ   ومَعقولُهُ، والجسمُ خَلْقٌ مُصوَّرُ

وإنْ طُرَّةٌ راقَتْكَ فانظرْ فَرُبَّـــما  أمرَّ مَذاقُ العُودِ والعُودُ أخضَرُ

*****

دوقلة المنبجي

الحسين بن محمد المنبجي ، المعروف بدوقلة . شاعر مغمور ، تنسب إليه القصيدة المشهورة باليتيمة ، ووقعت نسبتها إليه في فهرست ابن خير الأندلسي وهي القصيدة التي حلف أربعون من الشعراء على انتحالها ثم غلب عليها اثنان هما أبو الشيص الخزاعي والعكوك وهو علي بن جبلة العباسيان ، وتنسب في بعض المصادر إلى ذي الرمة ، وشذ الآلوسي في بلوغ الأرب فجعلها من الشعر الجاهلي ، وخلاصة القول أن القصيدة كانت معروفة منذ القرن الثالث الهجري عند علماء الشعر ، وأول من ذهب أنها لدوقلة هو ثعلب المتوفى سنة 291هـ .

مختارت من شعره :

هَــــل بالطُلــــــولِ لِســــــــائِل رَدُّ   أم هَل لــــها بتَكَلُّم عَهــــــــــدُ

أبلى الجَديــدُ جَديـــــدَ مَعهَـــــــدِها   فَكَأنَّما هو رَيطـــــــة جُـــــردُ

لهَفَي عَلى دَعــــــدٍ وَما حفَلــــــت   إلّا بحــــــــرِّ تَلهُّفي دَعــــــــدُ

بَيضـــــــاءُ قد لبـــــسَ الأديمُ أديم   الحُســــن فهو لِجِلــــــدِها جَلدُ

وَيَزينُ فَودَيــــــها إذا حَسَــــــرَت   ضــــــافي الغَدائِر فاحِمٌ جَعـدُ

فَالــــوَجهُ مثل الصُــــــبح مبيضٌ   والشعر مِثلَ اللّيلِ مُســــــــوَدُّ

ضِدّانِ لما اسْـــــتُجْمِعا حَسُــــــناً   وَالضِدُّ يُظهِرُ حُســــــنَهُ الضِدُّ

وَجَبينُــــها لما صَــــلتٌ وَحاجِبِها   شَـــــــــختُ المَخَطّ أزَجُّ مُمتدُّ

وَكَأنَّـــــها وَســـــــنى إذا نَظَرَت   أو مُدنَفٌ لمّا يُفِـــــق بَعــــــــدُ

بفتور عَينٍ ما بـــــــها رَمَــــــــدٌ   وَبها تُداوى الأعيُنُ الرُمــــــدُ

وَتُريكَ عِرنينـــــــاً به شَــــــــمَمٌ   وتُريكَ خَدّاً لَونُـــــهُ الـــــوَردُ

وَتُجيلُ مِســـــــواكَ الأراكِ عَلى   رَتلٍ كَأنَّ رُضـــابَهُ الشَــــــهدُ

والجيدُ منها جيـــــــدُ جازئــــــةٍ   تعطو إذا ما طالـــــــها المَردُ

وَكَأنَّــــما سُــــــقِيَت تَرائِبُــــــها   وَالنَحرُ ماءَ الحُســــنِ إذ تَبدو

وَاِمتَدَّ مِن أعضادِها قَصَــــــــبٌ   فَعمٌ زهتــــــهُ مَرافِـــــقٌ دُردُ

وَلها بَنــــــانٌ لَـــــو أرَدتَ لـــهُ   عَقـــــداً بكَفِّكَ أمكَـــــن العَقدُ

وَالمِعصــــمان فَما يُرى لهُـــما  مِن نَعمَةٍ وَبَضـــــــاضَةٍ زَندُ

وَالبَطنُ مَطويٌّ كَما طُــــــويَت  بيضُ الرياطِ يَصـــونُها المَلدُ

وَبخَصرها هَيَــــــفٌ يُزَيِّنُــــــهُ  فَإذا تَنـــــــــوءُ يَكــــــادُ يَنقدُّ

وَالتَفَّ فخـــــذاها وَفَوقَهُــــــما  كَفل كدِعصِ الرمل مُشـــــتَدُّ

فَنهوضُها مَثنىً إذا نَهَضــــــت  مِن ثِقلهِ وَقَعــــــودها فَــــردُ

وَالســـــــاق خَرعَبَـــــةَ مُنَعَّمَةً   عَبلت فَطوقُ الحَجل مُنسَــــدُّ

وَالكَعـــــبُ أدرَمُ لا يَبيـــــنُ لهُ   حَجـــــمٌ وَليسَ لِرَأسِـــــهِ حَدُّ

وَمَشــــت عَلى قدمَينِ خُصِّرتا  وألينَتــــا فَتَكامَــــــلَ القَـــــدُّ

إن لم يَكُن وَصـــــــلٌ لدَيكِ لنا  يَشــــفى الصَبابَة فَلْيَكُن وَعدُ

قد كانَ أورَقَ وَصــــلكُم زَمَناً  فَذَوى الوصالِ وَأورقَ الصَدُّ

لِلَّهِ أشــــــواقي إذا نَزَحَــــت  دارٌ بــــنا ونـــــوىً بكُم تَعدو

إن تُتهمي فَتَهامَـــــةَ وَطـــني   أو تُنجِـــــدي يكن الهَوى نَجدُ

وَزَعَمتِ أنَّكِ تضــــمُرينَ لنا  وُدّاً فَهَلّا يَنفَـــــــعُ الـــــــــوُدُّ

وَإذا المُحِبُّ شَكا الصُدودَ فلم  يُعطـــف عَليهِ فَقَتلُهُ عَمــــــدُ

تَختَصُّـــها بالحُبِّ وُهيَ على  ما لا نُحِبُّ فَهكَذا الوَجــــــــدُ

فَالسَـيفُ يَقطعُ وَهُوَ ذو صَدَأٍ  وَالنَصلُ يَفري الهامَ لا الغِمـدُ

*****

ديكِ الجِنِّ الحِمصي

عبدالسلام بن رغبان بن عبدالسلام بن حبيب ، أبو محمد ، الكلبي ( 161 – 235 ) للهجرة ( 777 – 849 ) للميلاد ، شاعر ، سمي بديك الجن لأن عينيه كانتا خضراوين . أصله من ( سلمية ) قرب حماة ، ومولده ووفاته بحمص ، في سورية ، لم يفارق بلاد الشام ولم ينتفع بشعره . قيل إن النّاس افتتنوا بشعره في العراق وهو في الشام .

مختارات من شعره :

وليلةٍ باتَ طلُّ الغيثِ ينســـــجها  حتى إذا كملتْ أضــــحى يذبحُها

يبكي عليها بكاءَ الصــــبِّ فارقهُ   غلفٌ ويضــحكها طوراً ويبهجُها

إذا تَضاحَكَ فيها الورْدُ نَرْجِسَـها  باهى زكيَّ خزاماها بنفســـــجُها

فقلتْ فيها لســـــــاقينا، وفي يَدِهِ  كأسٌ كشِـــــعْلةِ نارٍ باتَ يوهجُها

لا تمزجنها بغير الماء منكَ فإنْ  تبخلْ يداكَ فدمعي سوف يمزجها

أقلُّ ما بيَ مِنْ حبّيــــكَ أنَّ يدي  إذَا ســمتْ نحو قلبي كاد ينضجُها



قـــولي لطيـــــــــفكِ ينثنـــــي  عن مضــــــجعي عند المنــــــامْ

عند الرقــــادْ، عند الهجــــوعْ  عند الهجــــــودْ، عند الوســــــنْ

فعســــــى أنـــــــام فتنطفـــي   نـــــــارٌ تَأجَّــــــجُ في العظــــامْ

في الفـــرادْ، في الضــــــلوعْ  في الكبــــــــــودْ، في البَــــــــدَنْ

جســــــــدٌ تقلبـــــــــهُ الأكفُّ   على فــــــــراشٍ مــن ســــــــــقامْ

من قتـــــــادْ، من دمـــــــوعْ  من وقـــــــــودْ، من حـــــــــــزنْ

أمّــــــا أنــــا فكـــــما علمتُ  فهـــــــل لوصــــــــلكِ مـــن دوامْ

من مـــــــعادْ، من رجــــوعْ   مـن وجــــــــودْ، مـن ثمــــــــــــنْ

*****

أتاني هواها قَبْلَ أنْ أعْرفَ الهــــــوى   فصـــــــادفَ قلبــــاً خاليــــاً فتمكنا

إني ببـــــــاك لا ودي يقــــــربني ولا   أبي شــــــــافِعٌ عندي ولا نســــــبي

إنْ كانَ عرفك مذخوراً لذي سَبَـــــبٍ   فَأضمُمْ يديكَ على حرٍّ أخي سَـــــبَبِ

أوْ كُنْتَ وافقته يومــــاً على نَسَـــــبٍ   فَاضْمُمْ يديكَ فإنِّي لَسْـــــــتُ بالعرَبي

إنِّي امرؤٌ بازلٌ في ذروتي شـــــرفٍ   لقيصَرٍ ولِكِسْـــــرى محتــــدي وأبي

حرفٌ أمونٌ ورأيُّ غير مشــــــتركٍ   وصارمٌ من سيوفِ الهند ذو شطبِ

خوَّاضُ ليْل تهـــــــابُ الجـــنُّ لجَّتَه   وينطوي جيشــــــها عن جيشهِ اللجبِ

مالشـــــنفري وســـــــليكٌ في مغيبةٍ   إلاَّ رضــــــيعاً لبانٍ في حمى أشِـــبِ

والله ربَّ النبي المصطفى قســـــــماً   براً وحق منى والبيتِ ذي الحجــــبِ

والخمسة الغرّ أصحاب الكسـاءِ معاً   خير البريَّــــةِ من عُجْمٍ ومن عَـــرَبِ

ما شِدَّةُ الحِرْصِ من شَأني ولا طلبي   ولا المكاسِــــــبُ من هَمِّي ولا أرَبي

لكنْ نوائــــــبُ نابتــــــني وحادثـــةٌ   والدَّهْرُ يطْرُقُ بالأحْــــــداثِ والنُّوَبِ

وليس يَعْرفُ لي قَـــــدْري ولا أدبي   إلاَّ كامْــــرؤ كانَ ذا قـــــدْرِ وذا أدَبِ

لا يَفْتُنَّنكَ شــــــــكري إنْ ظفِرْتَ بهِ   فَإنَّـــــها فُرْصَـــــــةٌ وافَتْكَ من كَثبِ

واعلمْ بأنَّكَ ما أودعتَ من حســــنٍ   عندي ففي حســــــنٍ أنقى من الذهبِ

*****

ربيعة الرقي

ربيعة بن ثابت بن لجأ بن العيذار الأسدي الرقي ( ؟ - 198 ) للهجرة ( ؟ - 813 ) للميلاد ، ولد ونشأ في الرقة على نهر الفرات في سورية . شاعر غزل ضرير ، بلقب بالغاوي ، عاصر المهدي العباسي ومدحه بعدة قصائد . وكان الرشيد يأنس به وله معه طرائف كثيرة . وله شعر كثير وقيل كان أشعر من أبي نواس في الغزل .

مختارات من شعره :

اعتــــادَ قلبكَ من حبيبكِ عيدهُ   شوقٌ عراكَ فأنت عنهُ تـــذودهُ

والشوقُ قد غلبَ الفؤادَ فَقَادهُ   والشوقُ يغلبُ ذا الهوى فيقودهُ

في دار مرار غزالُ كنيســةٍ   عطـــرٌ عليه خزوزهُ وبــرودهُ

ريمٌ أغرُّ كأنه من حســـــنهِ  صـــــنمٌ يحجُّ ببيعـــــةٍ معبودهُ

عيناهُ عينا جؤذرٍ بصــريمةٍ  وله من الظبي المـــرببِ جيدهُ

ما ضرَّ عثمةَ أن تلمَّ بعاشق  دنفِ الفؤادِ متيـــــمٍ فتعــــودهُ

وتلدهُ من ريقـــــها فلربــما  نفع السقيم من الســــقامِ لَدودهُ

*****

خليليَّ هـــذا ربـــــعُ ليلى فقيــــــداً   بعيركما ثمّ ابكيـــــا وتجلــــــــدا

قفا أســـــعداني باركَ الله فيكـــــما   وإن أنتما لم تفعلا ذاكَ فاقعــــــدا

وإلاّ فســــيرا واتركاني وعــولتي   أقلْ لجنابي دمنةِ الدارِ أســـــــعدا

فقالا وقد طال الثــــويُّ عليـــــهما   لعلك أن تنســـــى وأن تتجلـــــدا

فســـرْ عنكَ قد عنيتنا وحبســــــتنا   على دمنِ الأطلال يوماً مطــــردا

يلــومُ على ليلى خليلي ســــــفاهةً   وما كنتُ أهلاً في الهوى أن أفندا

لعمريَ أي ليلى لئنْ شطتِ النوى   بليلى لقد صـــــادتْ فؤادي معمدا

قتولٌ بعينيها صــــــيودٌ بدلــــــها   وما تقتل الفتيـــــان إلا تعمــــــدا

ألا حبذا ليلى ووأترابـــــها الألى   وعدنكَ من ليلى ومنــــهنَّ موعدا

فأقبلنَ من شــــتى ثـــلاثاً وأربعاً   وثنتين يمشــــــينَ الهــــوينا تأودا

يطانَ مروط الخزّ يلحفها الجـنى   ويســحبنَ بالأعطافِ ريطاً معمدا

فلما التقينا قلنَ أهـــلاً ومرحـــباً  تبوأ لنا بالأبطح الســــــهل مقعدا

*****

يا غنمَ ردي فؤادَ الهائمِ الكمــــــــدِ   من قبل أن تطلبي بالعقلِ والقــــــودِ

تيمتـــــني بدلالِ منكِ يقتلـــني وقد  رميـــــتِ فما أخطـــــأتِ عن كبدي

إن تقتليني كذا ظلــــماً بلا تـــــرةٍ  فلســــــتِ فائتـــــةً قومي بني أســـدِ

أما الفؤادُ فشـــــيّ قد ذهبت بـــــهِ   فما يضركِ ألا تســــقمي جســــــدي

أنتِ الهوى ومنى نفسي ومتعتــها   أقولُ ذاكَ ولا أخفيــــــهِ عن أحـــــدِ

نلتِ الجمالَ ودلاٌّ رائعاً حســــــناً  فما تســـــــمينَ إلا أظبيــــةَ البلــــدِ

وأنتِ طيبةٌ في القيـــــظِ بــــاردةٌ   وفي الشتاء ســــــــخونٌ ليلةَ الصردِ

تسقي الضجيعَ رضاباً من مقبلها   من باردٍ واضــــح الأنيابِ كالبــــردِ

يا ليتني قبلَ موتي قد خلوتُ بـها   على الحشية بين الســـــجفِ والنضدِ

قد وســدتني اليد اليمنى ويارقها  ودملجُ العضدِ اليسرى على عضدي

في كل يــــــوم لنا إلمامـــةٌ بكمُ  وليـــتَ داركِ من داري على صــددِ

*****

سِبطِ اِبنِ التَعاويذي

محمد بن عبيدالله بن عبدالله ، أبو الفتح ، المعروف بابن التعاويذي أو سبط ابن التعاويذي ( 519 – 583 ) للهجرة ( 1125 – 1187 ) للميلاد ، شاعر من أهل بغداد مولدا ووفاةً ، ولي فيها الكتابة في ديوان المقاطعات ، وأصيب بالعمي وهو سبط الزاهد أبي محمد ابن التعاويذي ، كان أبوه مولى اسمه ( نُشتكين ) فسمي عبيدالله .

مختارات من شعره :

حَتَّــــــامَ أرضــــــى في هواكَ وتغضبُ   وَإلى مَتَى تَجْني عَليَّ وَتَعْتِــــــبُ

ما كــــــانَ لي لـــــــولا مَلالُكَ زَلَّـــــــةٌ   لَمَّا مَلِلْتَ زَعَمْــــتَ أنِّي مُذْنِـــبُ

خُــــذْ في أفانينِ الصُّـــــــدودِ فــــإنَّ لي   قلْباً عَلى العِـــــلاَّتِ لاَ يُتَغَلَّـــــبُ

أتظُنُّني أضــــمرْتُ بعـــــــدَكَ سَـــــــلْةً  هَيهاتَ عَطْفُكَ مِنْ سُــــلُوِّي أقربُ

لِي فِيكَ نَــــــارُ جَوَانِـــــــحِ مَا تَنْطَـــفِي  حرَقـــاً وماءُ مدامعِ ما يَنضُـــــبُ

أنســــــــيتَ أيّــــــــاماً لنـــا ولياليَــــــاً  لِلَّهْو فِيـــــهَا وَالْبَطــــــــالةِ مَلْعَبُ

أيّامَ لا الواشـــــــي يعُـــــدُّ ضـــــــلالةً  وَلهي عَليْكَ وَلاَ الْعَــــــذُولُ يُؤَنِّبُ

قد كنتَ تُنصِـــــــفُني المـوَدّةَ راكِــــــباً  فِي الحُبِّ مِنْ أخْطارهِ ما أرْكَـــبُ

فَاليَــــوْمَ أقنَعُ أنْ يَمُــــرَّ بمَضْـــــجَعِي  في النومِ طيفُ خيالِكَ المُتَــــــأوِّبُ

مَا خِلْتُ أوْرَاقَ الصَّبيَ تَذْوَى نَضَارَتُهَا  وَلاَ ثوْبُ الشَّــــــبيبَةِ يُسْــــــــــلبُ

حتى انجــــلى ليلُ الغوايـــــةِ واهتدى  سَاري الدُّجى وانْجَابَ ذَاكَ الغَيْهَبُ

وَتَنَافَرَ الْبيضُ الْحِسَـــــــانُ فَأعْرَضَتْ   عَنَّي سُــــــعَادُ وأنْكَــــــرَتْنِي زَيْنَبُ

قالتْ وَريعَـــــتْ مِنْ بَيَاضِ مَفـــارقي   وشُحوبِ جِســـمي بانَ منكَ الأطيَبُ

إنْ تنقِمي سُــــــقمي فخَصْرُكِ ناحِـــلٌ   أو تُنكري شَـــــيبي فَثغرُكِ أشْـــنَبُ

يا هاجـــــــــري ظُلـــــــــماً ومــــــا   لي غيــــــــرَ وَجْـــــــــدي فيه ذَنْبُ

وَهَـــــــــواكَ أُقسِــــــــــــمُ أنَّــــــني   كَلِــــــــــفٌ إلى لُقْيَـــــــاكَ صَــــبُّ

لا كــــــــــــانَ يـــــــــــــومٌ لا أرى   فيـــه محاســــــــــنَ مَــن أحِــــــبُّ

*****

فَدَتْكَ عمادَ الدينِ نفسي وما حوَتْ  يَميني وَأهْلِي الأقرَبُونَ وَمَعْشِري

نهضْـــتَ بما كَلَّفْتُ جُودَكَ حامِلاً  لأعْبَاءِ حَاجَاتي نُهُوضَ مُشَـــــمِّرِ

فَأغْنَيْتني عن كلِّ مُثـــــرِ مُبخَّـــلِ  وَكَمْ مِنْ غنِيٍّ نَفْسُــــــهُ نَفْسُ مُقْتِرِ

نَزَعْـتَ إلى مَجْدِ قديمٍ وَسُــــــودَدٍ  مُنيفٍ وأصلٍ كِسْــــــرَويٍّ مُطهَّرِ

إلى خَيْرِ بَيْتٍ مِنْ ذَوَابَــــةِ فَارسٍ  وأكرمِ عِيصٍ في الأنامِ ومعشَـــرِ

فَقُلْتُ وَقَدْ أوْلَيْتنيــــهَا بَريَّــــةً من  المَطْلِ ما شِـــــــيبَتْ بمَنٍّ مُكــدِّرِ

أبَى الله أنْ يُسْـــــدِي إليْنَا صَنِيعَةً  سِــــوَى الْكُرَمَاءِ الْغُرِّ آلَ الْمُظفَّرِ

*****

السرّي الرفّاء

السرّي بن أحمد بن السرّي الكندي أبو الحسن ( ؟ - 366 ) للهجرة ( ؟ - 976 ) للميلاد ، شاعر وكاتب من أهل الموصل ، كان في صباه يرفو ويطرز في دكان له ، فعرف بالرفاء ولما جاد شعره ومهر في الأدب قصد سيف الدولة بحلب ، فمدحه وأقام عنده مدة ، ثم انتقل بعد وفاته إلى بغداد . ومدح جماعة من الوزراء والأعيان ، وانتشر شعره إلى أن تصدى له الخالديان ، وكانت بينه وبينهما مهاجاة فآذياه وأبعداه عن مجالس الكبراء . فضاقت دنياه واضطر للعمل في الوراقة ( النسخ والتجليد ) ، فجلس يورق شعره ويبيعه ، ثم نسخ لغيره بالأجرة . وركبه الدين ، ومات ببغداد على تلك الحال . من كتبه ( المحب والمحبوب والمشموم والمشروب ) .

مختارات من شعره :

أحَذِّرُكُمْ أمــــــواجَ دجلـةَ إذ غـــــدَتْ   مُصَنْلةً بالمَدِّ أمواجُ مائِــــــها

وظلَّتْ صِغارُ السُّفنِ تَرقُصُ وسـطها   كَرَقصِ الريــــح عندَ انتشــــائِها

فكم من غريــــق قـد رأيــــتُ رداءَهُ   تَجُولُ مجالَ الطّرْفِ فوقَ ردائِها

وما أنْسَ من يــــــومٍ ذَممتُ صـنيعَه   فَما أنــــسَ يومي واقفاً بفِنائِـــها

وقد عصفتْ بالجســـرِ ريحٌ فأقبلــتْ   ســـفائِنُهُ تَعْوَجُّ بعدَ اســــــتوائِها

فمن مُهجَةٍ تَرتاعُ عنــدَ انخفاضِـــها   وســـــبَّابَةٍ تهتزُّ عندَ اعتلائِـــــها

تُفرِّقَها هُــــوجُ الرِّيَــــــاح وتَعتلــي   رُبا الموج من قُدَّامِـــها وورائِها

فَهنَّ كدُهْمِ الخيـلِ جالتْ صــــفوفُها   وقَد نشَـــرتها روعةٌ من ورائِها

ودجلةُ كَدْراءُ الأديـــــــمِ ســـــفيهةٌ  تعافُ ســــجايا حَملِها وصفائِها

كأنَّ صنوفَ الطَّير عاذَتْ بأرضِها  وقَدْ سامَها ضَيْماً أسُودُ ســمائِها

أو السَّبَجَ المســــــوَدَّ حُلَّتْ عقودُه  على تُربةٍ محمرَّةٍ من فَضائِـــها

*****

مَحلُّكَ من وَصْـــلِ الأحبَّــــــةِ آنسُ  وغُصنُكَ من ماءِ الشَّــــــــبيبَةِ مائِـــسُ

تمتَّــــــعْ من اللَّــــــذَاتِ قبلَ نَفَادِها  وبادِرْفإنّـا للخُطـــــــــوبِ فَرائِــــــــسُ

ألا حَبَّذَا المَـــرْجُ العَليلُ نســــــيمهُ  إذا نَبَّهَتْـــني للصَّــــــــبُوح النَّواقِـــــسُ

ومالتْ غُصــونٌ زيَّنَتْــــها مَناطِقٌ  ولاحَتْ شُــــــموسٌ تَوَّجَتْـــــها حَنادِسُ

ودارَتْ على النَّدمانِ مِنْ خَمْر بابلٍ  عَروسٌ حَوَتْ حُسنَ الصِّبا وهيَ عانِسُ

ألم ترَني أجرَرْتُ في اللَّهو مِقوَدي  فَأضحَكْـتُ أيَّامـــــــي وهُنَّ عَوابــــــسُ

ولم أعْبَ بالوعْدِ الذي وَعَدَ الوَرى  فَمَــــنْ كــــان يرجـــــــوه فإني آيـــسُ

*****

سمنون المحب

أبو الحسن سمنون بن حمزة الخواص ( ؟ - 297 ) للهجرة ( ؟ - 910 ) للميلاد ، شاعر صوفي ، كان معاصروه يلقبونه بسمنون المحب، وذلك لأنه كان ينسج غزلياته وينظم محبته لله تعالى. عاش في بغداد وصحب سمنون كل من السقطي والقلانسي ومحمد بن علي القصاب ، وكانوا جميعاً من الصوفيين ببغداد .

مختارات من شعره :

وكان قلبي خاليـــــــــاً قبل حبــــــــكم  وكان بذكر الخلق يلهو ويمزحُ

فلما دعــا قلبي هـــــــواك أجابــــــــه  فلســـــتُ أراه عن فنانك يبرحُ

رُميــــــت ببين منك إن كنت كاذبـــــاً  إذا كنت في الدنيا بغيرك أفرحُ

وإن كان شيءٌ في البلاد بأســـــــرها  إذا غبت عن عيني بعيني يلمحُ

فإن شئت واصلني وإن شئت لا تصل   فلسـتُ أرى قلبي لغيرك يصلحُ

*****

كان لي قلبٌ أعيـش به   ضــــاع منّي في تقلبــه

رب فاردده علـيّ فقــد   ضاق صدري في تطلبه

وأغث ما دام بي رمقٌ   يا غياثَ المســتغيثِ به

بكيتُ ودمع العين للنفــس راحة   ولكن دمع الشوق ينكى به القلبُ

وذكرى لما ألقاه ليــــس بنافعي   ولكنه شـــــيء يهيـــج به الكربُ

فلو قيل لي من أنت قلت معذب   بنار مواجيــد يضـــــرمها العتبُ

بليت بمن لا أســـــــتطيع عتابه   ويعتبنى حتى يُقـــــــال لي الذنبُ

*****

السهروردي

أبو الفتوح يحيى بن حبش الحكيم ، شهاب الدين السهروردي ، نسبة لسهرورد بلده قريبة من زنجان ( 549 – 587 ) للهجرة ( 1154 – 1191 ) للميلاد ، فلسفي ينسب إليه أشعار من ذلك ما قاله في النفس على مثال عينية ابن سينا:

خلعت هياكلها بجرعاع الحمى  وصبت لمغناها القديم تشوقا

وكان يتهم بإنحلال العقيدة فأفتى علماء حلب بإباحة قتله فقتله الملك الظاهر بن السلطان صلاح الدين سنة 587 وعمره ستة وثلاثون سنة . من كتبه ( صاحب حكمة الإشراق) الذي شرحه قطب الدين الشيرازي و( هياكل النور ) و( التنقيحات والتلويحات ) وغير ذلك .

مختارات من شعره :

أقول لِجارَتي وَالدَّمعُ جــــــار   وَلي عَزم الرَّحيل إلى الدِيـارِ

ذريني أن أســــيرَ ولا تَنوحي   فإنّ الشّهبَ أشرَفها السّواري

فسَيرُ الســـــائرينَ إلأى نَجاح   وَحالُ المترَفينَ إلأى بـــــوارِ

وَأنّي في الظَّلامِ رأيت ضوءاً   كَأنّ الليل بــــدّلَ بالنَـــــــهارِ

فَيَأتيني مِنَ الصّــــــنعاءِ بَرقٌ   فَذكّــــرني بهِ قُرب الدّيـــــارِ

وَكَيفَ يَكونُ للدّيـــــدان طعمٌ   وَفوقَ الفرقديـن عَرفتُ داري

أأرشـــــــي بالإقامةِ في فلاةٍ   وَأربَعةَ العَناصِـر في جواري

إلى كم آخذ الحَيّــات صحبي   إلى كَم أجعــــل التنّين جاري

إذا لاقيت ذاكَ الضّــوء أفنى   فَلا أدري يَميني مِن يَســـاري

وَلي سِـــــرٌّ عَظيمٌ أنكَـــروهُ   يَدقُونَ الرّؤوسَ عَلى الجــدارِ

*****

السيد الحميري

إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري أبو هاشم أو أبو عامر (105 – 173) للهجرة ( 723 – 789 ) للميلاد ، ولد في أرض يقال لها نعمان قرب الفرات ، ومات في بغداد أول أيام الرشيد ، ونشأ بالبصرة . شاعر شيعي إمامي ، وكان يتعصب لبني هاشم ويفرط في ذم غيرهم ، وكان يرى رأي الكيسانية برجعة محمد بن الحنفية إلى الدنيا ، والحنفية زوج الإمام علي بعد وفاة فاطمة الزهراء رضي الله عنهما . ويقال : إن السيد اجتمع بالإمام جعفر الصادق فعرفه خطأه وأنه على ضلالة فرجع وأناب . ويقال إنه أحد ثلاثة ، هم أكثر العرب شعراً في الجاهلية والإسلام ، بشار وأبو العتاهية والسيد، إذ لم يقدر أحد على تحصيل جميع شعر أحدهم. وكان مفضلاً عند المنصور والمهدي .

مختارات من شعره :

إنّي امرؤٌ حميريٌ حين تنسبني  جَدّي وَعَيْنٌ وأخوالي ذُو ويَزن

ثمّ الولاءُ الذي أرجو النجـاة به  يومَ القيامة للهادي أبي حســـن

*****



الشاب الظريف

محمد بن سليمان بن علي بن عبدالله التلمساني ، شمس الدين ، الشاب الظريف (661- 688) للهجرة ( 1263 – 1289 ) للميلاد ، ويقال له أيضاً ابن العفيف نسبة إلى أبيه الذي عرف ( بعفيف الدين التلمساني ) وكان شاعراً أيضاً. ولد بالقاهرة ، وكان أبوه صوفياً .

مختارت من شعره :

يَا رَاقِدَ الطرْفِ ما لِلطَّرْفِ إغفـــــــاءُ   حَدّثْ فـــــما في الحُــــــبِّ إخْفاءُ

إنّ اللّيـــــالي والأيــــــــامَ مِنْ غَزَلي   في الحســـــنِ والحُبّ أبناءٌ وأنباءُ

إذْ كلّ نافرةٍ في الحُــــــبّ آنِســــــــةٌ   وَكُلّ مَائِسَــــــةٍ في الحَيِّ خَضْرَاءُ

وصفوة الدَّهر بحرٌ والصّــبا ســــفنٌ   وللخلاعةِ إرســــــاءٌ وإســــــراءُ

يا ساكِني مِصْر شَمْلُ الشّـوْق مُجْتَمِعٌ   بَعدَ الفراق وشولُ الوصلِ أجزاءُ

كأنّ عَصْرَ الصِّـــــبَا مِنْ بَعْدِ فُرْقتِكُمْ   عصرُ التصـــــابي به للهو إبطاءُ

نارَ الهَوَى ليْس يَخْشَى مِنْكِ قَلْبُ فَتىً  يكون فيه لإبراهيـــــم أرجـــــاءُ

نَدْبُ يَرَى جُودَهُ الرّاجي مُشــــــافَهَةً  والجُودُ مِنْ غَيْرهِ رَمْزٌ وإيمــــاءُ

ذُو هِمَّةٍ لو غَــــدتْ للأفق ما رَحَلتْ  له ثريـــــا ولا جَازتهُ جـــــوزاءُ

لوْلاَ أخُـــــوكَ ولا ألْفى مَكَارمَـــــهُ  لمْ تَحْو غَيْرَ الذي تَحْويــهِ بَطْحَاءُ

لكِنْ تَعَوَّضْتُ عَنْ سُــــحْبٍ بمُشْبهِهِ  إذْ سُــــحْبُ هذا وهَذا فِيهما المَاءُ

وعند ذلك ظــــــلٌّ بـــاردٌ شـــــــبمٌ  وعندَ ذا منهــلٌ صــــافٍ وأهواءُ

إليْكَ أرْسَـــــلْتُ أبياتــــــاً لِمَدْحِكُما   في ساحتيهن إســــــراءُ وإرسَاءُ

لم يَقــــــوَ مِنـهنّ إقــــــــواءٌ لِقَافَيَةٍ  ولم يطاهُــنّ في الترتيبِ إيـــطاءُ

فإن نظـــمي أفــــــرادٌ مُعـــــــدّدةٌ   وَنَظْمُ غَيْــري رُعاعاتٌ وَغَوغاءُ

فلا يُقاسُ بـــدُرٍّ مِنْـــه مُخْشَـــــلبٌ   هذا دواءٌ وقــــولُ الجاهِــل الدّاءُ

عَليْكَ مِنّي سَلامٌ ما سَرَتْ سَـــحراً   نُسَــــيْمَةٌ عِطْرُها في الكَوْنِ دَرَّاءُ

فإنْ هجرتِ وقد أخلفـــــتِ واعدةً   فبالذي زُرتِ ما واعدتِنـــــــا ذاكِ

*****

الشافعي

محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي ، أبو عبدالله ( 150 – 204 ) للهجرة ( 767 – 819 ) للميلاد ، أحد أئمة المذاهب الأربعة عند أهل السنة وإليه نسبة الشافعية كافة . ولد في غزة بفلسطين وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين ، وزار بغداد مرتين وقصد مصر سنة 199 وتوفي بها ، كان من أشعر الناس وأعرفهم بالفقه والأدب والقراءات ، كان من أحذق قريش بالرمي ، يصيب من العشرة عشرة ، برع في ذلك أولاً كما برع في الشعر واللغة وأيام العرب ثم أقبل على الفقه والحديث وأفتى وهو ابن عشرين سنة .

مختارت من شعره :

يُخَاطِبني السَّفيهُ بكُلِّ قُبْح  فأكرهُ أن أكونَ له مجيـبا

يزيدُ ســفاهةً فأزيدُ حلماً  كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيبا

مشيناها خطى كتبت علينا   ومن كتبت عليه خطى مشاها

شَكَوتُ إلى وَكِيع سُوءَ حِفْظِي   فَأرْشَدَنِي إلى تَرْكِ المعَاصي

وَأخْبَـــرَنِي بأنَّ العِلْمَ نُــــــورٌ   ونـــورُ الله لا يهدى لعاصي

*****

أعْرضْ عَنِ الجَاهلِ السَّفِيه   فكـــــلَّ ما قــــــــالَ فيــــهِ

ما ضــرّ نهرَ الفراتِ يوماً   أن خاضَ بَعْضُ الكِلاب فيهِ

*****

تعلم فليــــــسَ المرءُ يولدُ عالماً   وَليْــسَ أخو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ

وإنَّ كَبير الْقَــــــوْمِ لاَ علْمَ عِنْدَهُ   صَغيرٌ إذا الْتَفَّتْ عَليهِا الْجَحَافِلُ

وإنَّ صَغيرَ القومِ إنْ كانَ عَالِماً   كَبيرٌ إذَا رُدَّتْ إليــــهِ المَحَافِـــلُ

*****

إذا رمتَ أن تحيا ســـــليماً منَ الرَّدى   وَدينُكَ مَوفُورٌ وَعِرْضُكَ صَيِّنُ

فَلاَ يَنْطقنْ مِنْكَ اللسَـــــانُ بســـــــوأةٍ  فَكلُّكَ سَــــوءاتٌ وَلِلنَّاسِ أعْينُ

وَعَاشِر بمَعْرُوفٍ، وَسَامِحْ مَنِ اعتَدَى   ودافع ولكن بالتي هي أحسنُ

*****

الشريف الرضي

محمد بن الحسين بن موسى ، أبو الحسن ، الرضي العلوي الحسيني الموسوي (359- 406) للهجرة ( 969 – 1015 ) للميلاد ، ولد وتوفي ببغداد ودفن بداره أولاً ثمّ نقلت رفاته في جوار الحسين رضي الله عنه ، بكربلاء . شاعر وكاتب ، انتهت إليه نقابة الأشراف في حياة والده ، وخلع عليه بالسواد . له كتب منها : (الحَسَن من شعر الحسين) ، وهو مختارات من شعر ابن الحجاج ، و( المجازات النبوية ) ، و( مجاز القرآن ) ، و( مختار شعر الصابئ ) ، ومجموعة من الرسائل .

مختارات من شعره :

أشكو إلى الله قلباً لا قـــرار له   قامَتْ قِيامَتُـــهُ، وَالنّاسُ أحْيَاءُ

إن نال منكم وصالاً زاده سقماً  كَأنَّ كُـــــلّ دَوَاءٍ عِنــــدَهُ داءُ

كَأنّ قلْبيَ يَوْمَ البَيْن طــــارَ بهِ  من الرفاع نجيب الساق عداءُ

*****

وَلقَدْ مَرَرْتُ عَلى دِيَـــارهِمُ  وطلولــها بيــــد البلى نهب

فوقفت حتى ضج من لغب   نضوي ولج بعذلي الركب

وَتَلفَتَتْ عَيني ، فَمُذْ خَفِيَـتْ  عنـــها الطلول تلفت القلب

*****

كَرْبَلا، لا زلْتِ كَرْبــــــاً وَبَــلا  ما لقي عندك آل المصــــطفى

كَمْ عَلى تُرْبكِ لمّا صُــــــرّعُوا  من دم ســــال ومن دمع جرى

كَمْ حَصَان الذَيلِ يَرْوي دَمعُــها  خَدَّهَا عِندَ قتيــــــلٍ بالظّــــــمَا

تمســـــح الترب على إعجالها  عَنْ طُلى نَحْرٍ رَمِيــــــلٍ بالدّمَا

وضــــــــيوف لفــــــلاة قفرة   نزلوا فيـــــــها على غير قرى

لم يذوقوا الماء حتى اجتمعـوا   بحد السيف على ورد الردى

تكسف الشمس شــموساً منهم   لا تدانيها ضــــــــياءً وعـــــلا

وتنوش الوحش من أجسادهم   أرْجُلَ السّـــــــبْقِ وَأيْمَانَ النّدَى

وَوُجُوهاً كَالمَصــــابيح، فَمِنْ  قَمَــــرٍ غابَ، وَنَجْـــــمٍ قَدْ هَوَى

الشريف المرتضي

علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم أبو القاسم ( 355 – 436 ) للهجرة ( 966 – 1044 ) للميلاد ، من أحفاد الإمام علي بن أبي طالب ، وكان نقيب الطالبيين، وشاعر وكاتب ، ولد وتوفي في بغداد . ويقال إنه هو لا أخوه الشريف الرضي جامع نهج البلاغة وهو كتاب يضم خطب الإمام علي رضي الله عنه ، ومن طالعه جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين ، له تصانيف وكتب كثيرة منها ( الغرر والدرر ) يعرف بأمالي المرتضى ، و( الشهاب بالشيب والشباب ) ، و( تنزيه الأنبياء) ، و(الإنتصار) فقه، و( تفسير العقيدة المذهبة ) شرح قصيدة للسيد الحميري ، وغير ذلك الكثير.

مختارات من شعره :

ومن السعادة أن تموت وقد مضى   مِن قبلِكَ الحُسَـــــــادُ والأعداءُ

فبقاءُ من حُـــــرمَ المـــــرادَ فَناؤُهُ   وفَناءُ من بلغَ المــــرادَ بقـــــاءُ

وَالنَّـــاسُ مختلفون في أحوالـــهم   وهُمُ إذا جاءَ الــرّدى أكفــــــاءُ

وطِــــــلابُ ما تَفْنَى وتتركُهُ على   مَن ليس يشكرُ ما صنعتَ عَناءُ

*****

مرَّتْ بنا بمصلَّى الخَيْفِ ســـــــانحةٌ  كظــــــبيةٍ أفلتتْ أثنــــاء أشــــــواكِ

نبكى ويضــــحكها منّا البكاء "لــها"  ماذا يمرّ من المســـــرور بالبــــاكي

فقلتُ والقــولُ قد يَشْفِي أخا شَــــجَنٍ  وربَّما عطفَ المشـــــكوُّ للشـــــاكي

أعطيتِ منّا الذي لم نُعط منـــــكِ فلو   رام الهوى النّصف أعطانا وأعطــاكِ

ولســـــتِ بالرِّيمِ لكنْ فيكِ أحســـــنُهُ   ولســـــــتِ ظبْياً وريّا الظَّبْي رَيّــــاكِ

تودّ شــمسُ الضّحى لو كنتِ بهجتها   وودّ بـــــدرُ الــدّجى لو كان إيّــــــاكِ

قد كنتُ أحســـــبني جَلْداً فَأيْقظــــني   منّى على الضّـــعفِ أنّى بعضُ قتلاكِ

لا بــــاركَ الله في قلبٍ قـــــلاكِ ولا   أبكى السّـــــماءَ لمن بالسُّــــوءِ أبكاكِ

ولا تـــــــولَّى الذي ولاّكِ جانِبَــــــهُ  ولا عدا الخيــــرُ إلاَّ مَنْ تعـــــــدّاكِ

أشــــقيتِ منّا قلــوباً لا نقـــــولُ لها:   أشــــقى الإلهُ الذي بالحبِّ أشــــقاكِ

وكنتِ ملــــذوذةً والمــــــرُّ منك لنا  وما أمــــــرَّكِ شيءٌ كانَ أحـــــلاكِ

هل تذكـــرين – وما الذكرى بنافعةٍ  مَسْرَى الرّكائبِ يومَ الجِزع مسراكِ

في ليلةٍ ضلّ فيها الرّكبُ "وجهتهمْ"  لولا ضــــــياءُ جمالِ من مُحيّــــاكِ

بتنا نميـــــــلُ على أقتـــــادنا طرباً   مُصغينَ نحو الذي بالحسن أطراكِ

مســـــــهَّدين ولولا داءُ حبِّــــــــكمُ   أكرى العيـــونَ لنا مَن كان أكـراكِ

إنْ بتِّ آمنـــــــــةً مـــــنّا عليك كما  شــــــــــاء العفافُ فَإنّا ما أمنّــــاكِ

أو كنتِ ســــــاليةً لمّا خطـاكِ هوىً  غـــدا علينا فإنّــــا ما سَــــــــلوْناكِ

وإنْ مللتِ فقــــوماً لا مـلالَ بــــهمْ   وإنْ ســــــئمتِ فَإنّا ما ســــــئمناكِ

أيُّ الشّـــــــــفاءِ لداءٍ في يديكِ لــنا   وأيُّ رئٍّ لصـــــــادٍ من ثنايــــــاكِ؟

لولا الغُواةُ وخوفٌ مِن وشــــايتهمْ   ما كان مثــــــواي إلاّ حيثُ مثـواكِ

مَلكْتِنا بالهَــــوى والحــــبُّ مَتْعَبَـةٌ   فحبــــــذا ذاك لو أنّـــــا ملكنــــــاكِ

ولو أصِـــبْتِ بداءٍ قد أصِــــبْتُ به  علمتِ ما في فؤادٍ بــاتَ يَهْـــــــواكِ

إنْ تشكري فاشــكري من لم يذقكِ  هوىً ومن بحبِّك أبــلانا وأبــــــلاكِ

وكيف يصـــــم فؤادٌ فيكِ مختبـــلٌ  تســـــــري سـرى دمهِ فيه حميّــاكِ؟

ولو رميتِ وريعانُ الشّـــباب معي   أصميتِ مِنّيَ مَن بالحبِّ أصـــــماكِ

كم مرّةٍ زرتنا وهــــناً على عجلٍ   سريتِ فيه وما أسرتْ مطاياكِ

حتّى التقينا على رُغم الرُّقـادِ وما   ذاك اللّقاء سوى وسواس ذكراكِ



*****

صريع الغواني

مسلم بن الوليد الأنصاري بالولاء أبو الوليد ( ؟ - 208 ) للهجرة ( ؟ - 823 ) للميلاد، شاعر غزل ، من أهل الكوفة نزل ببغداد فاتصل بالرشيد وأنشده ، فلقبه صريع الغواني فعرف به . وقيل إنه اتصل بالفضل بن سهل فولاه بريد جرجان فاستمر إلى أن مات فيها . كما قيل هو مولى أسعد بن زرارة الخزرجي . مدح الرشيد والبرامكة وداود بن يزيد بن حاتم ومحمد بن منصور صاحب ديوان الخراج ثم ذا الياستين فقلده مظالم جرجان . وقيل وصل إلى جرجان مع المأمون ، ويقال إنه ولي قطائع جرجان وقبره بها معروف . وهو أول من أكثر من البديع في شعره وتبعه الشعراء فيه .

مختارات من شعره :

تُفاحَةً شـــــامِيَّــــةً   مِن كَفِّ ظبي غزلِ

ما خُلِقت مُذ خُلِقت   تِلكَ لِغيــــرِ القُبَــلِ

كَأنَّــــما حُمرَتُــها  حُمــــرَةُ خَدٍّ خَجَلِ

*****

غَرّاءُ في فَرعِها ليــــلٌ عَلى قمَر   عَلى قضيبٍ عَلى دَعصِ النَقا الدَهَس

أزكى مِنَ المِسكِ أنفاساً وَبَهجَتُها  أرَقُّ ديبـــــــاجَة مِن رقَـــةِ النَفَــــسِ

كَأنَّ قلبي وشــاحاها إذا خَطَرَت  وَقلبُـــــها في الصَـــــــمتِ وَالخَرَسِ

تَجري مَحَبُّتُها في قلبِ عاشِــقِها  جَريَ السَـــــلامَةِ في أعضاءِ مُنتَكِسِ

إنّض المَطيَّةَ لا يَلذُّ رُكوبُها  حَتّى تُذَلَّلَ بالزمــــامِ وَتُركَبا

وَالحبُّ ليسَ بنافـــعِ أربابَهُ  حَتَّى يُفصَّلَ في النِظامِ وَيُثقبا

*****

عِندي وَعِنــدَكَ عِلمُ ما عِنــــــدي  مِن ضُرِّ ما أخفي وَما أُبــــدي

لا أشـــــــتَكي ما بي إليــــكِ وَلو  نَطقت بهِ العَبَراتُ في خَــــدّي

وَجــــــدي عَليـــــكَ أراهُ يُقنِعُني   مِن وَصفِ ما ألقى مِنَ الوَجدِ

فَإذا اِصطبَرتُ عَلى السُكوتِ فَلم   أنطقُ فَمِّــــما بي مِنَ الوَجـــدِ

*****

أنا النارُ في أحجارها مُستَكِنَّةً   فَإن كُنتَ مِمَّن يَقدَحُ النارَ فَاِقدَح

*****

العَبّاس بن الأحنَف

العبّاس بن الأحنف بن الأسود ، الحنفي ( نسبة إلى بني حنيفة ) ، اليمامي ، أبو الفضل ( ؟ - 192 ) للهجرة ( ؟ - 807 ) للميلاد ، قيل إن أصله من عرب خراسان ومنشأه ببغداد . شاعر غزل رقيق ، قال فيه البحتري : أغزل الناس . أصله من اليمامة بنجد ، وكان أهله من البصرة وبها مات أبوه ، ونشأ ببغداد وتوفي بها ، وقيل بالبصرة . خالف الشعراء في طرقهم فلم يمدح ولم يَهجُ بل كان شعره كله غزلاً وتشبيباً ، وهو خال إبراهيم بن العباس الصولي .

مختارات من شعره :

ألا ليتَ شـعري والفُؤادُ عميدُ   هوايَ قريبٌ أمْ هــــــوايَ بعيدُ

وفي القُربِ تعذيبٌ وفي البعدِ   حسرةٌ وما منِهُما إلا عليّ شَديدُ

مُعذّبتي فِيمَ الصُّدودُ ومَا الذي   أفَنِّـــدُ حتى لا يكون صُـــــدودُ

أصدّقتِ حُسّداً وكذَبتِ عاشـقاً   وليسَ سَـــــواءً عاشقٌ وحَسودُ

*****

وحدّثتَني يا ســـــعدُ عنها فزدتَني   جُنوناً فزدني من حديثكَ يا ســعدُ

وما زلتُ في حُبّي ظُليمةَ صادقاً  أهِيمُ بها ما فوقَ وَجدي بها وَجدُ

هواها هوى لم يَعلم القلْبُ غيـرَهُ  فَليسَ لهُ قبـــــلٌ وليسَ لهُ بَعــــدُ

*****

كانتْ ظلومُ إذا عاتبتُها اعتذَرَتْ  فكنت أحبسُ دمعي حينَ تعتــــذرُ

فاليومَ قَدْ آيســـــتني أنْ أعاتبها   فاستقطرَ اليأسُ دمعي فهو ينحدرُ

*****

ألا أشـــرقتْ فوزٌ من القصر فانظر   إلى منْ حبـــــاكَ الوُدّ غير مُكـــدر

ولمّا رأتْ أنْ لا وصولَ إلى الهَوى  تراءت من السّـطح الرفيع المحجَّر

فقلتُ لها : يا فــــوزٌ هل لي إليـــكمُ  سبيلٌ؟ فقالتْ بالإشارةِ : أبشِــــــــر

وقفتُ لها في ســــاحةِ الحيِّ سـاعةً  أشـــــيرُ إليها بالرّداءِ المُعَصْــــفَر

نظرتُ إلى ما لم تَــر العيــــنُ مِثلهُ  إلى قمــــــرِ في رواقيّ ومئـــــزر

إذا مــــــاتَ عَبّاسٌ وفـــــــوزٌ فإنّهُ  يموتُ الهَوى واللّهُوُ من كلّ معشَر



تقولُ وقد كَشفتُ المِرط عنها   وذلكَ ، لو ظفرتُ به ، الخُلودُ

تَنَاوَلْ ما بَــــدا غيـــــــرَ هذا   ففيما دُونَ ذا قٌتِـــلَ الوليــــــدُ

أرى طرْفي يُشـــــوّقني إليها   كأنّ القلــــبَ يعلـــمُ ما أريــدُ

تغارُ عليّ سَـــــمِعتْ بأخرى  وأطلُبُ أن تجودَ فلاَ تجــــــودُ

إذا امتنعَ القريبُ فَلم تَنَلــــــهُ  على قُربٍ فَــذَاكَ هو البَعيـــــدُ

*****

عبدالصمد بن المعذل

عبدالصمد بن المعذل بن غيلان بن الحكم العبدي القيسي أبو القاسم . من بني عبدالقيس ( ؟ - 240 ) للهجرة ( ؟ - 854 ) للميلاد ، ولد ونشأ في البصرة . كان شاعراً هجاءاً ، شديد العارضة سكيراً خميراً .

مختارات من شعره :

قلت له إذ مر بي فـــــرداً   مولاي هل تقتلني عمدا

فأطبق الورد على نرجس   فامتـــلأت وجنته وردا

*****

لــــــما رأيـــــت البـــــــــدر في   أفـــــق الســـــــــماء وقد تعلّى

ورأيت قـــــــرن الشــــــمس في   أفـــــق الغـــــــروب وقد تدلّى

شــــــــــبَّهت ذاك وهـــــــــــــذه   وأرى شــــــــــبيههما أجـــــلا

وجــــه الحبيـــــــب إذا بــــــــدا   وقفا الحبيــــــب إذا تــــــــولّى

قد نزلنا بروضــــــة وغديـــــــر   وهجرنا القصر المنيف المشيّدا

بعريــــش ترى من الزاد فيــــــه   زكرتي خمرة وصــقرا صيودا

وغريريـــن يُطربــــــان الندامى   كلما قُلـــــتُ : أبديــــــا وأعيدا

غنيــــــاني ، يغنيــــــــاني بلحنٍ   ســـلس الرجع يصدع الجلمودا

لا ذَعرتُ السوام في فلق الصبح   مغيــــــراً ولا دعيت يزيــــــدا

حَيِّ ذا الزور وانهــــه أنْ يعودا   إنَّ بالباب حارســـــــــين قعودا

من يزرنا يجد شــــــواء حبارى   وقديداً رخصـــــاً وخمراً عتيدا

وكراماً معذليــــــن وبيضـــــــاً   خلعوا العذر يســحبون البرودا

لسـت عن ذا بمقصر ما جزائي  قرّبت لي كريمـــــة عنقــــودا

*****

عبدالقادر الجيلاني

عبدالقادر بن موسى بن عبدالله بن جنكي دوست الحسني أبو محمد يحيى الدين الجيلاني ( 471 – 561 ) للهجرة ( 1078 – 1166 ) للميلاد ، صاحب الطريقة القادرية ، من المتصوفين ، ولد في جيلان ( وراء طبرستان ) ، وانتقل إلى بغداد شاباً، فاتصل بشيوخ العلم والتصوف ، وبرع في أساليب الوعظ ، وتفقه وسمع الحديث، وقرأ الأدب واشتهر . وتصدر للتدريس والإفتاء ببغداد ، وكان يأكل من عمل يده ، وتوفي ببغداد . له كتب منها : ( الغنية لطالب طريق الحق ) ، ( الفتح الرباني )، ( فتوح الغيب ) ، ( الفيوضات الربانية ) .

مختارات من شعره :

سَقَانِي حَبيبي مِنْ شَــــرَابِ ذَوي الْمَجْدِ  فَأسْكَرَنِي حَقاً فَغِبْتُ عَلى وَجْـــــدِي

وَأجْلسَنِي فِي قابَ قوْسَيْنِ سَــيِّدي عَلى  مِنْبَر التَّخْصِيصِ فِي حَضْــرَةِ الْمَجْدِ

حَضَرْتُ مَعَ الأقطابِ فِي حَضْرَةِ اللّقا   فَغِبْتُ بهِ عَنْهُمُ وَشَـــــــاهَدْتُهُ وَحْدِي

فَمَا شَـــــــربَ العُشَّـــــــاقُ إلاَّ بَقِيَّتي   وَفَضْلهُ كَاسَاتِي بهَا شَـــــربُوا بَعْدِي

وَلوْ شَربُوا مَا قدْ شَــــــربْتُ وَعَايَنُوا   مِنَ الحَضْـرَةِ الْعَلْيَاءِ صَافِيَ مَوْردِي

لأمْسَوْا سُكَارَى قَبْلَ أنْ يَقْرَبُوا الْمُدَام   وَامْسَــوْا حَيَارَى مِنْ مُصَادَمِةِ الورْدِ

أنَا البَدْرُ فِي الدُّنْيَا وَغَيْري كَوَاكِـــبٌ   وَكُلُّ فتىً يَهْــــــوَى فَذَلِـــــكُمُ عَندي

وَبَحْري مُحِيط بالبحَارِ بأسْــــــــرهَا   وَعِلْمِي حَوَى مَا كَانَ قَبْلِي وَمَا بَعْدِي

وَسِرِّي لهُ الأسْـرَارُ تُزْجَرُ في الدُّجَا   كَزَجْرِ سَــحَابِ الأفْقِ مِنْ مَلكِ الرَّعْدِ

فَيَا مَادِحِي قُلْ مَا تَشَـــــاءُ وَلاَ تَخَفْ   لكَ الأمْنُ فِي الدُّنْيَا لكَ الأمْــنُ فِي غَدِ

فَإنْ شِــــــئْتَ أنْ تَحْظى بعِزِّ وَقُرْبَةٍ   فَدَاومُ عَلى حُبِّي وَحَافِظْ عَلى عَهــدِي

*****

عبدالله الخفاجي

أتُــــــرى طيْفُـــــــكُم لَمَّا سَـــــرَى   أخَذَ النَّومَ وَأعْطى السَّــــهَرَا

أمْ ذَهَلْنَــــــا وَتَمَــــــــادَى ليْلُنَــــــا   فَتَوَهَّمْنَا العِشَاء السَّـــــــحَرَا

ما نلومُ الليـــــلَ بـــــلْ نعـــــــذرهُ   إنمَا طـــــولهُ منْ قَصــــــرَا

إنْ لبســــــــناهُ ظلامــــــاً داجيـــاً  فِيْمَا كَانَ صــباحاً مُسْــــفِراً

يَا عَيُوناً بالغَضَــــــى رَاقِـــــــــدَةً  حَرَّمَ الله عَليْـــــكُنَّ الكَــرى

لوْ عدلتــــــنَّ تســــــــاهمنَا جوىً  مثلمَا كنَّا اشــــــتركنَا نظرَا

سَــــلْ فُروعَ البَانِ عَنْ قلْبي فَقَـــدْ  وهِمَ البَــــارقُ فِيْــــمَا ذَكَرَا

قالَ فِي الرَّبْـــــعِ وَمَا أحْسَـــــــبَهُ   فَارقَ الأظعانَ حتَّى انفطرَا

مَا عَلى الغيْرانِ مِنْ سُقْيا الحِمَى  أحَــــرَامٌ عِنْدَهُ أنْ يُمْطـــــرَا

وإذَا أغضـــــــبهُ ريــــــــــــــكمُ  فَسَـــــقى الله الفَضَا وَالسُّمُرَا

حَبََّــــــذَا فِيكَ حَدِيـــــث طاهِــــرٌ  فطنَ الدمعُ بهِ فانتشـــــــــرَا

خبرَ الواشـــــــي وفينَــــــا ريبة   تُوجِبُ التُّهْمَــــةُ فِيْمَا خَبَّــرَا

نظرٌ مــــوهَ دمعــــــاً لمْ يـــــزلْ   يفصحُ الوجدُ بهِ حتَّى جرَى

يا بني العـــــــوام هلْ ذلــــــــكمُ   يمنعُ الموتورَ أنْ ينتصـــرَا

دونَ نيـــــلِ الضـــــيمِ نفسٌ حرة  وَالمَطايَا وَالفَيَافِي وَالسُّـرَى

لســــــــتُ مِنْ يقبعُ في حبوتـــهِ   يتمنَّى في الأعادي الظفــرَا

أمِنَ العَجْـــــــز مِهَــــــاداً أرَى   طلبَ العزِّ يثيرُ الخطـــــرَا

وهوَ مغلـــــــوبٌ على صارمهِ   يتبعُ الدّهـــرَ إذَا مَا أمـــــرَا

*****

عَرقَلةِ الكَلبيّ

حسان بن نمير بن عجل الكلبي أبو الندى ( 486 – 567 ) للهجرة ( 1093 – 1171) للميلاد ، شاعر من الندماء ، كان من سكان دمشق واتصل بالسلطان صلاح الدين الأيوبي فمدحه ونادمه ووعده السلطان بأن يعطيه ألف دينار إذا استولى على الديار المصرية ، فلما احتلها أعطاه ألفين فمات فجأة ، قبل أن ينتفع بفجأة الغنى .

مختارات من شعره :

أحنّ إلى نجدٍ وإن هبَّت الصَّـــــــبا  وأصبوا إلى شرخ الشبيبة والصَّبا

وقلبي إلى الحيّ الجلاحيّ لم يــزل  مشــــــوقاً على ماء العُذُيب معذّبا

وأغيدُ براق الثنيّــــات واضــــــحٌ  أبي القلب عن حبِّيــــــــه أن يتقلَّبا

له شَـــــــعَرٌ ما اهتـــزَّ إلا تثعبنت  ذوائبهُ، والصَّــــــــــدغ إلا تعقربا

وكم ليلـــــةٍ قد أســـــــقى بكفِّــــهِ   على وجهه، نادمتُ بــــدراً وكوكبا

حكت فَمَهُ طعماً وريحــــاً، وخدَّه،   إذا مزجــــــــوها، رقَةً وتلُّهــــــبا

وهل ليلةٌ أمسَـــــى لميعاد وصله  مُسَـــــيلِمةً، إلاَّ وأصبحتُ أشْـــعَبا

وقائلــــــةٍ لي أصبحت لاهـــــياً   بزُخرُفِ دنــــــيا كُلّما رُمْتُـــهُ أبى

لعمرُكَ ، ما شرخ الشبيبةِ راجعٌ   إذا ما تولى العمـــــرُ عنكَ وجنّــبا

وللشيب شـعرات تدلَّ على الفنا   إذا ابتسمت في عارض المرء قطبا

*****

إلامَ ألامُ فيـــــــك وكم أعــــــادي   وأمرض من جفاكِ ولن أعادا

لقد ألف الضنى والسقمَ جســــمي   وعينايَ المدامعَ والســــــهادا

وها أنا قد وهي صبري، وشوقي  إذا ما قلتِ الأشـــــواقُ، زادا

بقلبي ذاتَ خلخــــــالٍ وقلــــــبٍ  تملَّكَ فوْدُها مني الفــــــــؤادا

مهفهفة كــأنَّ قضــــــيبَ بـــــانٍ   تثنَى في غلائلها ومــــــــــادا

بوجهٍ لم يـــــــزد إلاّ بياضـــــــاً   وشعرٍ لم يزد إلا ســـــــــوادا

تعجب عاذلي من حَــرِّ حُبـــــي   ومن برد السّـــــلُوِّ وقد تمادى

ولا عجـــــبٌ إذا ما آبَ حَـــــرٌّ   بآب، ومن جمادى في جُمادى

وقد أنســــــانيَ لا شيبُ الغواني   فلا سعدى أريدُ ولا ســــــعادا

*****

ميلوا إلى الدار من ذات اللمى ميلــــــوا   كحلاء ما جال في أجفانها ميــــــلُ

هذا بكائي عليـــــــها وهي حاضـــــــرةٌ   لا فرســـــــخٌ بيننا يوماً ولا ميــــلُ

ممشـــــــوقةُ القد ما في شــــنفها خرسٌ   ولا تضجُّ بســــــاقيها الخلاخيــــلُ

كأنـــــما قــدُّها رمــــــحٌ ومبســـــــمها   صبحٌ وحسبُكَ عسّالٌ ومعســــــولُ

في كل يـــــــومٍ بعينـــــها وقامتـــــــها  دمي ودمعي على الأطلال مطلولُ

إن يحســــــدوني عليـــها لا ألومُــــهُمُ  لذاك جار على هابيــــــل قابيـــــلُ

إني لأعشــــــــق ما يحويـه برقعــــها  ولست أبغض ما تحوي الســراويلُ

وربَّ ســـــــاقٍ ســــــقانيها على ظمأٍ  مهفهف مثل خُوطِ البــانِ مجـــدولُ

حتى إذا ما رشـــــــفنا راح راحتـــــهِ  وهناُ وانقى لــــــنا، عض وتقبيــــــلُ

جاءت عليَّ يــــدُ الســـــــاقي ومقلتـه  لكنني بزمـــام العقـــــل معقــــــولُ

فكيف أخشى صروف الدهر إن وثبت   وسيف مولاي ســـيف الدين مسـلولُ

ملك عن المجد يوماً ليس يشــــــــغلهُ   كأسٌ دِهاقٌ ولا حســـــناء عُطبــــولُ

وهل يقصـــــر عن بأسٍ ، وعن كرمٍ   وقد تجمع فيه الطَّــــــولُ والطَّـــــولُ

*****

علي بن جبلة

علي بن جَبلة بن مسلم بن عبدالرحمن الأبناوي ( 160 – 213 ) للهجرة ( 776 – 828) للميلاد ، ولقبه العكوك وهو القصير السمين ، ويقال إن الأصمعي هو الذي لقبه به حين رأى هارون الرشيد متقبلاً له ، معجباً به . شاعر من العراق ، أعمى ، أسود، أبرص ، من أبناء الشيعة الخراسانية ، ولد بحيّ الحربية في الجانب الغربي من بغداد. ويختلف الرواة في فقده لبصره ، فمنهم من قال أنه ولد مكفوفاً ومنهم من قال أنه كف بصره وهو صبي . وعني به والده فدفعه إلى مجالس العلم والأدب مما أذكى موهبته الشعرية وهذبها. وكان قد امتدح الخلفاء ومنهم الرشيد الذي أجزل له العطاء وفي عهد المأمون كتب قصيدة في مدحه إلا أنه لم ينشدها بين يديه وإنما أرسلها مع حميد الطوسي فسخط المأمون عليه لأنه نوه بحميد الطوسي وأبي دلف العجلي وتأخر عن مدحه والإشادة به ، مما أوصد عليه أبواب الخلفاء بعد الرشيد . وتدور مواضيع شعره حول المديح والرثاء كما يراوح في بعضه بين السخرية والتهكم والفحش وهتك الأعراض والرمي بالزندقة والغزل والعتاب . اختلف في سبب وفاته فمنهم من يقول إن المأمون هو الذي قتله لأنه بالغ في مدح أبي دلف العجلي وحميد الطوسي ويخلع عليهما صفات الله . ومنهم من قال إنه توفي حتف أنفه .

مختارات من شعره :

إنما الدنيا أبو دلف  بين باديه ومحتضره

إذا ولى أبو دلــف  ولت الدنيا على أثره

*****

أنت الذي تنزل الأيام منزلــــها   وتنقل الدهر من حال إلى حال

وما مددت مدى طرف إلى أحد   إلا قضــــــيت بأرزاق وآجال

*****

هل بالطُلُــــــول لســـــــــائلٍ رَدُّ   أو هَلْ لـــــها بتكلُّمٍ عَهْـــــــدُ

دَرَسَ الجـــديد جديدَ مَعْهــــــدها   فَكأنَّــــــما هي رَيْطةٌ جَـــرْدُ

من طُـــــولِ ما يبكي الغَــــــمام   على عرَصاتِها ويُقهْقِه الرَّعْدُ

وتلثُّ ســــــــــاريةٌ وغاديـــــــةٌ   ويكر نحسٌ خلفـــه ســـــــعدُ

تُلــــقى شـــــــــامية يمانيـــــــة   لهما بموْر تُرابــها سَــــــــرْدُ

فكســـــتْ بواطنها ظواهــــرها   نَــــــــوْراً كأنَّ زهـــــاءَهُ بُرْدُ

يغدو فيســــرى نســـــجه حدبٌ   واهي العُــــرَى ووئيـــدِه عقدُ

فَوقَفْتُ أســـــألها وليس بـــــها   وَهْناً إليَّ وقــــــــادَهُ بَـــــــرْدُ

ومكدَّم في عانــــــةٍ خَفـــــرت   حتى يهيّــــج شـــــأوها الوْردُ

فتبادرت دررُ الشــــؤون على   خدّي كــــــــما يتنـــــاثرُ العِقْدُ

أو نَضْح عَزْلاء العَسِــيب وقد   راح العســــــــيف بمائها يعدو

لهفى على دعــــدٍ وما خلقـتْ   إلا لِطُــــــــول بَليّتي دَعْـــــــدُ

بيضــــاء قد لبسَ الأديمُ بهــاءَ   الحســــــــــن فهو لجلدها جلدُ

ويزين فوديــها إذا حســــرت   ضـــــــــافي الغدائر فاحِمٌ جَعْدُ

فالوجه مِثــل الصَّــــبْح مُنْبلجٌ   والشَّــــــعْر مثل الليل مُسْـــوَّدُ

ضدان لما اســـتجمعا حســناً   والضدّ يُظْهرُ حُسْــــــــنه الضِدُّ

وجبينَها صَـــلْتٌ وحاجِبُــــها   شَـــــــــــخْتُ المخَطّ أزَجُّ مُمْتَدُّ

وكأنها وســـنى إذا نظـــرتْ   أو مدْنَفٌ لـــــــما يُفِــــــــقْ بَعْدُ

بفتور عين ما بـــها رمـــــدٌ   وبـــها تداوى الأعيـــــــنُ الرمدُ

وتريـــكِ عرنينــــــاً يزينــه   شــــــــــممٌ وخداً لونـــــه الوردُ

وتجيل مِسْواك الأراك على   رتِلِ كأنَّ رُضَــــــابه الشُّـــــــهْدُ

والمعصمان فما يرى لهما  فَعْـــــــمٌ تلثْـــــــه مَرافِــــقٌ دُرْدُ

ولها بنــــــانٌ لو أردتَ له  عَقداً بكفِّــــــــك أمكـــــــن العَقْدُ

وكأنَّما سُـــــــقِيتْ تَرائِبُها  والنحر ماء الحســــــــــنِ إذ تبدو

ما شــانها طولٌ ولا قصرٌ   في خَلْقـــــــها فَقوامُــــــــها قصْدُ

إنْ لم يكن وَصلٌ لديكَ لنا  يشـــــــفى الصـــــبابةَ فليكنْ وعدُ

*****

بأبي من زارني مُكتَتِــــماً  حَذِراً من كُلّ واشٍ جَزعـا

زائراً نمَّ عليهِ حســـــــنهُ  كيف يُخْفي اللَّيْلُ بدراً طلعَا

رصدَ الغفلةِ حتى أمكنتْ  ورعى السّـامِرَ حتّى هَجَعَا

كابَدَ الأهوالَ في زَوْرَتِهِ   ثمَّ ما ســــــــلّمَ حتّى ودّعا

*****

علي بن الجهم

علي بن الجهم بن بدر ، أبو الحسن ، من بني سامة ، من لؤي بن غالب ( 188 – 249 ) للهجرة ( 803 – 863 ) للميلاد ، شاعر من أهل بغداد ، كان معاصراً لأبي تمام ، وخص الخليفة المتوكل العباسي بشعره ، ثم غضب الخليفة عليه فنفاه إلى خراسان ، فأقام مدة ، وانتقل إلى حلب ، ثم خرج منها بجماعة يريد الغزو ، فاعترضه فرسان بني كلب ، فقاتلهم وجرح ومات .

مختارات من شعره :

أنتَ كَالكَلبِ في حِفاظِكَ لِلودِ   وَكَالتَيسِ في قِراعِ الخُطوبِ

أنتَ كَالدَلو لا عَدِمناكَ دَلـــواً   مِن كِبار الدِلاء كَثيرَ الذَنـوبِ

*****

عُيونُ المَها بَينَ الرُصــافةِ وَالجِســـرِ   جَلبنَ لي الهَوى مِن حَيثُ أدري وَلا أدري

أعَدنَ لِيَ الشَـــــــوقَ القديــــــمَ وَلم أكُن   سَـــلوتُ وَلكِن زَدنَ جَمراً عَلى جَمرِ

سَـــــــلِمنَ وَأســـــلمنَ القُلوبَ كَأنَّـــــما  تُشَــــــــكُّ بأطرافِ المُثَقَّفةِ السُــــــمرِ

وَقُلــــــنَ لنا نحــــــنُ الأهلَّــــــةِ إنَّــــما  تُضيءُ لِمَن يَســـــري بليلٍ وَلا تَقري

فلا بَـــــــذلَ إلّا ما تَــــــزَوَّدَ ناظِــــــــرٌ   وَلا وَصلَ إلّا بالخَيالِ الَّذي يَســــــري

أحيــــنَ أزحــنَ القلبَ عَن مُســـــــتَقَرِّهِ   وَألهَبـــــنَ ما بَينَ الجَوانِحِ وَالصَــــدرِ

خَليليَّ ما أحلى الهَــــــوى وَأمَـــــــــرَّهُ   وَأعلمَني بالحُلـــــو مَنــــهُ وبالمُــــــرِّ

بما بَينَـــنا مِن حُرمَـــــةٍ هَل رَأيتُـــــــما   أرَقّ مِنَ الشَــــكوى وَأقسى مِنَ الهَجرِ

وَأفضَحَ مِن عَين المُحِــــبِّ لِسِـــــــــرِّهِ   وَلا ســــــــيَّما إن أطلقت عَبرَةً تَجري

وَما أنسَ م الأشياءِ لا أنسَ قولـــــــها   لِجارَتــــــها ما أولعَ الحُبَّ بالحُـــــــرِّ

فقالت لـــها الأخرى فَــــما لِصَـــــديقِنا   مُعنّىً وَهَل في قتلـــــهِ لكِ مِن عُـــــذرِ

عِديهِ لَعَــــلَّ الوَصـــــلَ يُحييهِ وَاِعلمي  بأنَّ أســــــــيرَ الحُبِّ في أعظم الأمـرِ

فقالت أداري النـــــاسَ عَنهُ وقلَّـــــــما  يَطيبُ الهَــــوى إلّا لِمُنهَتِكِ السِــــــــترِ

وَأيقنَتـــا أن قـــد سَــــــمِعتُ فَقَالتــــــا   مَنِ الطارقُ المُصــــغي إلينا وَما نَدري

فقُلتُ فتىً إن شِــــــئتُما كَتَمَ الهَـــــوى  وَإلّا فَخَـــــلّاعُ الأعنَّـــــــةِ والعُـــــــذرِ

عَلى أنَّهُ يشــــــــكو ظلوماً وَبُخلــــها  عَليهِ بتَســـــــليمِ البَشــــــاشَةِ والبشــــرِ

فقالـــت هُجينا قُلــتُ قد كانَ بَعضُ ما   ذَكَرت لَعَلَّ الشَــــــــرَّ يُدفعُ بالشَـــــــرِّ

فقالت كَأنّي بالقــــــوافي سَــــــوائِراً   يَردنَ بنا مِصراً وَيَصدُرنَ عَن مِصــــرِ

فقُلتُ أسَأتِ الظنَّ بي لستُ شـــاعِراً   وَإن كانَ أحيانـــــاً يَجيشُ بهِ صَـــــدري

صِلي وَاِسألي مَن شِئتِ يُخبركِ أنَّني   عَلى كُلِّ نِعمَ مُســــــــتَودَعُ السِــــــــــرِّ

*****

طلعَت وَهيَ في ثِيابِ حِدادٍ   طلعَةَ البَدرِ مِن خِلالِ السَحابِ

بتُّ في اللهو وَاللـذَاذَةِ ليلي   أرشِفُ الشُــهدَ مِن ثُنايا عِذابِ

تَتَجَنّى وَســــاعَةَ تَتَراضى   عَبَثاً وَالقُلوبُ غيرُ غِضــــابِ

وَشربنا مِن العِتابِ كُؤوساً  وَجَعَلنا التَقبيلَ نقلَ الشَــــرابِ

*****

قالوا عَشِقَتَ صَغيرَةً فَأجَبتُهُم   أشهى المَطِيِّ إليَّ ما لم يُركَبِ

كَم بَينَ حَبَّـــةِ لُؤلُؤٍ مَثقوبَــــةٍ   نُظِمَت وَحَبَّـــــةِ لُؤلُؤٍ لَم تُثقبِ

*****

الوَردُ يَضحَكُ وَالأوتارُ تَصطخِب   وَالنـــايُ يَندُبُ أشــــــجاناً وَيَنتَحِبُ

وَالراحُ تُعرَضُ في الرَبيــــع كَما   تُجلى العَروسُ عَليها الدُرُّ وَالذَهَبُ

واللهوُ يُلحِقُ مَعْبوقاً بمُصـــطبحِ   وَالدَورُ سِــــــيّانِ مَحثوثٌ وَمُنتَخَبُ

وَكُلَّما اِنسَــــكَبَت في الكَأسِ آنِيَة   أقسَمتُ أنَّ شُـــعاعَ الشَمس يَنسَكِبُ

*****

   لاتضجرن المريض جئت عائده  إن العيــادة يـــوم إثـــر يـــوميـــن

  بل سله عن حاله وادع الإلــه له  واقعــد بقدر فــواق بيـــن حـــلبيــن

من زار غبــا أخــا دامت مودتــه   وكـان ذاك صــلاحــا للخـلـيــلـيــن

علية بنت المهدي

علية بنت المهدي ( 160 – 210 ) للهجرة ( 777 – 825 ) للميلاد ، مولدها ووفاتها ببغداد . أخت هارون الرشيد ، كاتبة وشاعرة وتحسن صناعة الغناء ، من أجمل النساء وأظرفهن وأكملهن فضلاً وعقلاً وصيتاً. كان أخوها إبراهيم بن المهدي يأخذ الغناء عنها ، وكان في جبهتها اتساع يشين وجهها فاتخذت عصابة مكللة بالجوهر لتستر جبينها وهي أول من اتخذها . قال الصولي لا أعرف لخلفاء بني العباس بنتاً مثلها ، كانت أكثر أيام طهرها مشغولة بالصلاة ، ودرس القرآن ولزم المحراب ، فإذا لم تصلي اشتغلت بلهوها . وكان أخوها الرشيد يبالغ في إكرامها ويجلسها معه على سريره وهي تأبى ذلك وتوفيه حقّه . تزوجها موسى بن عيسى العباسي ، وقد لا يكون من التاريخ ما يقال عن صلتها بجعفر بن يحيى البرمكي .

مختارات من شعره :

ما أقصرَ اسم الحبِّ يا ويحَ ذا الحبِّ   وأطولَ بلواهُ على العاشـقِ الصَّبِّ

يَمُرُّ لفظُ اللّســـــــــان مُسَـــــــــهّلاً   ويَرمي بمَنْ قاساهُ في هائرٍ صعبِ

*****

يا حِبُّ باللهِ لِمْ هَجَرْتِيــــني   صددتِ عنَّي فَما تباليني

وآمِلُ الوَعْدِ مِنْكِ ذُو غُررٍ   لا تَخْدَعيهِ كَما خَدَعْتيني

أينَ اليمينُ الّتي حلفتِ بها   والشّـــاهدُ اللهُ ثمَّ خنتيني

*****

أصابني بَعْدَك ضُرُّ الهوى  واعْتادني للبُعْدِ إقــلاقُ

قد يعلمُ المولى وحسبي بهِ  أنّي إلى وجهكِ مشتاقُ

*****

يا ذا الذي أكتــــــمُ حبّيـــــهِ   ولستُ من خوفٍ أســــمّيهِ

لم يدر ما بي من هــواهُ ولم   يعلمْ بما قاســــــيتهُ فيـــــهِ



الشــوقُ بين جوانحي يتردَّدُ   ودموعُ عيني تستهلُّ وتنفذُ

إنّي لأطمعُ ثمَّ أنهضُ المنى   واليَــأسُ يَجْذُبُني إليْهِ فَأقْعُدُ

*****

بليتُ منكِ بطولِ الهجرِ والغضبِ   واليومَ أوّلُ يَوْمٍ كانَ في رَجَبِ

*****

أيا ســــرْوةَ البُستانِ طال تشــــوُّقي   فهَلْ لي إلى ظلِّ لديكِ ســــــبيلُ

متى يَلْتَقي مَنْ ليس يُقضى خروجهُ   وليسَ لما يُقْضَى إليه دُخـــــولُ

عســـــى اللهُ أو نرتاحَ من كربةٍ لنا   فيلقى اغتباطـــاً خلّةٌ وخليـــــلُ

عســــــى اللهُ أن يُرتاح منهُ برحمةٍ   فَيُشفى جوىً من مُدْنَفٍ وعَويلُ

*****

عماد الدين الأصبهاني

محمد بن محمد صفي الدين بن نفيس الدين حامد بن آله أبو عبدالله عماد الدين الأصبهاني ( 519 – 597 ) للهجرة ( 1125 – 1201 ) للميلاد ، مؤرخ وكاتب وشاعر ، ولد في أصبهان ، وقدم بغداد حدثاً ، فتأدب وتفقه ، واتصل بالوزير عون الدين " ابن هبيرة " فولاه نظر البصرة ثم نظر واسط ، ومات الوزير ، فضعف أمره، فرحل عماد الدين إلى دمشق . فاستخدم عند السلطان " نور الدين " في ديوان الإنشاء، وبعثه نور الدين رسولاً إلى بغداد أيام المستنجد ثم لحق بصلاح الدين بعد موت نور الدين ، وكان معه في مكانة " وكيل وزارة " . لما مات صلاح الدين استوطن العماد دمشق ولزم مدرسته المعروفة بالعمادية وتوفي بها . له كتب كثيرة منها ( خريدة القص ) وغيره .

مختارات من شعره :

الشــــــوق أبرح ما يكون   إذا دنا أمـد اللقـــاء

وتزيــل أيــــــام التـــداني   جور أيـــام التنائي

كم غلة في القلب ليســـت   نارها ذات انطفـاء

وشـــكاية للوجد يبديــــها   لدى بـرح الخفــاء

قد كاد يغلب عند تذكاري   لكم يأســي رجائي

أشــتاقكم شوق المريض   إلى معاودة الشـفاء

وأحبــكم حب النفـــوس   لما تؤمل من بقـاء

*****

لو حفظت يوم النوى عهودها   ما مطلت بوصلكم وعودها

ماذا جنت قلــوبنا حتى غـــدا   في النار من شوقكم خلودها

لم أنســـها إذا نثرت دموعها  في خدها ما نظمت عقودها

إذا قربتني للـــوداع نحــوها  فبان في وصالها صــدودها

كأسهم الرامي متى قربـــها   يكــون تقريبـــــها تبعيــدها

*****

يروقني في المهـــــا مهفهفـــــــها   ومن قدود الحســـــان أهيفــــها

ومن عيـــــــون الظبـــــاء أفترها   ومن حضور الملاح أنحفـــــها

ما ســـــــقمي غير ســــقم أعينها  ثم شفائي الشــــفاه أرشــــــفها

يســـــكرني قرقف يشعشــــــعها  لحظ الطـلا لا الطـــلا وقرقفها

يا ضـــــعف قلبي من أعين نجل   أقتلــــها بالقلـــــــوب أضعفــها

ومن عــــــــذار كأنــــــه حلــق   وأحكام في ســـــــروه مضعفها

ومن خـــــدود حمر مـــــــوردة   أدومـــــها للحيــــــــاء أطرفها

في ســـــــــلب لبي تلطفت فأتى   نحوي بخط الصــــــــبا ملطفها

يا منكــــــــرا من هوى بليت به   علاقـــة ما يكــــــاد يعرفــــــها

دع ســـــــر وجدي فما أبوح به   وخل حالي فلســـــت أكشـــفها

واصرف كؤوس الملام عن فئة   عن شرعة الحب لست تصرفها

من شـــرف الحب حل في مهج   أقبلها للغــــــــرام أشـــــــرفها

لا يســــتطيب الســــلو مغرمها   ولا يلذ الشـــــــــفاء مدنفـــــها

فالقلـــب في لوعة أعالجــــــها   والعين في عبــــرة أكفكفـــــها

كأن قلـــبي وحــــب مالكــــــه   مصر وفيها المليك يوســــــفها

هذا بســـــلب الفؤاد يظلمــــني   وهو بقتل الأعداء ينصـــــــفها

*****

كشاجم

محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك أبو الفتح الرملي ( ؟ - 360 ) للهجرة ( ؟ - 970 ) للميلاد ، شاعر وكاتب ، من أهل الرملة بفلسطين فارسي الأصل كان أسلافه الأقربون في العراق . تنقل بين القدس ودمشق وحلب وبغداد وزار مصر أكثر من مرة . واستقر بحلب ، فكان من شعراء أبي الهيجاء عبدالله والد سيف الدولة بن حمدان ثم ابنه سيف الدولة . لفظ كشاجم منحوت فيما يقال ، من علوم كان يتقنها الكاف للكتابة والشين للشعر والألف للإنشاء والجيم للجدل والميم للمنطق . وقيل لأنه كان كاتباً شاعراً مغنياً وتعلم الطب فزيد في لقبة طاء فقيل ( طكشاجم ) ولم يشتهر به. له العديد من الكتب منها ( أدب النديم ) و( المصايد والمطارد ) و( الرسائل ) .

مختارات من شعره :

أفدِي الّذي كَلِفَ الفؤادُ لأجلِــــهَا   بالعودِ حتَّى شــــــفَني إطرابَا

تَاهَتْ بجمعِ صِنَاعَتين وأظْهَرَتْ   كِبْراً لذاكَ وأعجَبَتْ إعْجَـــابَا

قالتْ فَضَــــلتُكَ بالغناءِ وأنتَ لا   تَشْــــدَو وكُنَّا مثلكُمْ كُتَّــــــابَا

فألِفْتُهَا فأغارَ ذاكَ على يَـــــدي   قلبي وعَاتَبَـــها عليهِ عِتَـــــابَا

فجعلتُ للقرطاسِ جَانِبَ صدره   وجعلتُ جانِبَ عجزهِ مِضْرَبَا

*****

من ترى ينصـــــفُني من خليــل  لم يَزَلْ يلبسُ ثـــــوبَ المَلُــــــــولِ

كلّما طافَ بــــــهِ العاذِلـــــــونَ  لجّ به في ســـــــرعةٍ بالقُبُـــــــولِ

والوشـــــــاةُ وَيْحَهُم لا ينـــــونَ  في اقتضابِ حَبْلِ وصالِ الوَصُولِ

كيفَ لا يحولُ هَوَى من لدَيـــــهِ  منظــــــرٌ ومســـــــتمعٌ للعَـــذُولِ

لو يرى مودّتهُ في الضّـــــــمير  لم يَــــزَلْ يقابلُـــــني بالجَميـــــــلِ

لا ولا كرامــــةٌ للعاذليــــــــــنَ   لا أصـــــــدُّ قبلَ قيـــــــامِ الدّليــــلِ

لا أصــــدُّ منـــهمُ للصّـــــــديق   أســـــــرتي وأســـــــــرتُهُ من قبيلِ

أنفـــسٌ مؤتلفـــــةٌ بالإخـــــــاءِ   كلّـــها تَدِيــــــنُ بحبّ الرّسُــــــــولِ

فــــارجُ الظـــلامِ وهادي الأنامِ   والوصــــــيِّ صََــــــاحِبهِ والبَتُـــولِ

فَضْلُ هذا لصـــــاحبهِ والعَــدُوّ   مكتئـــــــــبٌ قلبُــــــــــهُ بالغلِيــــــلِ

بَيْنَـــــــنا مواصَـــــــلةٌ لا يُبَتُّ   حَبْلُــــــــها بقـــــــالِ عدوَّ وَقِيـــــــلِ

وامتزاجُ أنفسِــــــنَا بالصـــفاءِ   كامتزاج صَــــوْبِ حَيّاً بالشّـــــــمُولِ

غيرَ أنَّ ذَا حســـــــدٍ قد يلـــحّ  بالدخـــــولِ بينـــــهما بالفُضُـــــــولِ

فهو لا يفــــوزُ بـما يرتَجِيــــهِ   ولا يُضِــــــــلّهما عــن ســــــــــــبيلِ

يا أخي يا عَضُدي في الخوبِ  والّذي أنــــــــــالُ بهِ كلَّ ســــــــــولِ

والّذي يشــــــــاركُني في القد  يمِ و عــــــــــزّتي ومحــــولي

دُمْ على ودَادِكَ مـــا بَقيـــــتَ  ولا تُـــــــردْ هُدِيــــــتَ بهِ من بــــديلِ

ليسَ بينَنا بعــــدُ في الفخـــارِ  كلُّ واحــــــــدٍ لأخيـــــهِ كالرّســــــيلِ

حُورٌ شــــــــغلْنَ قلوبَنا بفراعِ   لرسائلٍ قصُرَتْ عن الإبلاغِ

وَسْعنَ وردَ خدودِهِنَّ فلم نُطِقْ   قطفاً لهُ لِعَقاربِ الأصــــداغِ

*****

المتنبي

أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكوفي الكندي ، أبو الطيب (303- 354) للهجرة ( 915 – 965 ) للميلاد ، ولد بالكوفة في محلة تسمى كندة وإليها نسبته ، ونشأ بالشام ، ثم انتقل في البادية يطلب الأدب وعلم العربية وأيام الناس . قال الشعر صبياً ، وتنبأ مدعيا النبوة في بادية السماوة ( بين الكوفة والشام ) فتبعه كثيرون ، وقبل أن يستفحل أمره خرج إليه لؤلؤ أمير حمص ونائب الإخشيد فأسره وسجنه حتى تاب ورجع عن دعواه . وفد على سيف الدولة بن حمدان صاحب حلب فمدحه وحظي عنده . ومضى إلى مصر فمدح كافور الإخشيدي وطلب منه أن يوليه، فلم يوله كافور، فغضب أبو الطيب وانصرف يهجوه . قصد العراق وفارس ، فمدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي في شيراز . عاد يريد بغداد فالكوفة ، فعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في الطريق بجماعة من أصحابه ، ومع المتنبي جماعة أيضاً، فاقتتل الفريقان، فقتل أبو الطيب وابنه محسّد وغلامة مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول في الجانب الغربي من سواد بغداد . وفاتك هذا هو خال ضبة بن يزيد الأسدي العيني ، الّذي هجاه المتنبي بقصيدته البائية المعروفة ، وهي من سقطات المتنبي.

مختارات من شعره :

طوَى الجَزيرَة حتّى جاءَني خَبَــــرٌ   فزعْتُ فيــهِ بآمـــــالي إلى الكَــــذِبِ

حتّى إذا لم يَدَعْ لي صِــــــدْقَهُ أمَلاً   شَرقتُ بالدّمعِ حتّى كادَ يشـــــرَقْ بي

تَعَثَرَتْ بهِ في الأفَـــوَاهِ ألْسُــــــنُهَا   وَالبُرْدُ في الطُّرْقِ وَالأقلامُ في الكتبِ

أرَى العَراقَ طويلَ اللّيْلِ مُذ نُعِيَتْ   فَكَيفَ ليــــــلُ فتى الفِتيــانِ في حَلبِ

يَظُـــــــنَ أنّ فـــــــــؤادي مُلتَهِب   وَأنّ دَمْعَ جُفُــــوني غيرُ مُنســــــكِبِ

*****

وَمَن يَجعَل الضِرغامَ بــــازاً لِصــــــيدِهِ   تَصَيَّـــــــدَهُ الضِـــــــرغامُ فيما تَصَّيدا

رَأيتُكَ محُــضَ الحِلْم في محْــضِ قُــدرَةٍ   وَلوْ شـــــئتَ كانَ الحِلمُ منكَ المُهنّــــدَا

وَما قتــلَ الأحرارَ كالعَفــــــو عَنــــــهُمُ   وَمَنْ لكَ بالحُــرّ الذي يحفـــظُ اليَـــــــدَا

إذا أنــتَ أكْرَمـــتَ الكَريـــــــمَ مَلكْتَـــهُ   وَإنْ أنْتَ أكْـــرَمتَ اللّئيـــــــمَ تَمَــــرّدَا

وَوَضْعُ النَّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى   مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّّدى

وَمَا الدّهْــرُ إلاّ مِــنْ رُواةِ قصــــــائِدي   إذا قلتُ شِــــعراً أصْبَحَ الدّهرُ مُنشِـــدَا

فَسَـــارَ بهِ مَنْ لا يَســــــيرُ مُشَــــــمِّراً  وَغَنَى بــــهِ مَنْ لا يُغَـــــنّي مُغـــــرِّدَا

أجِزْني إذا أنْشِــــــدْتَ شِـــــــعراً فَإنّمَا  بشِـــــعري أتَــــاكَ المادِحـــونَ مُردَّدَا

وَدَعْ كلّ صَــــوْتٍ غيرَ صَــوْتي فَإنّني   أنَا الطّائِــــرُ المَحْكِيُّ وَالآخَرُ الصَّــدَى

*****

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ   بمَا مَضَى أمْ لأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

أمّا الأحِبّةَ فالبَيْداءُ دونَــهُمُ   فَليتَ دونَـــــكَ بيداً دونَهَا بيدُ

*****

يا سَــــــاقِيَيَّ أخَمْرٌ في كُؤوســــــكُما   أمْ في كُؤوسِــــكُمَا هَمٌّ وَتَســـــهيدُ

أصَــــــــخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُــني   هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَـــــاريدُ

إذا أرَدْتُ كُمَيْــــتَ اللّــــوْنِ صَـــافِيَةً   وَجَدْتُهَا وَحَبيبُ النّفسِ مَفقُـــــــودُ

ماذا لقيـــتُ مـنَ الدّنْيَـــــــا وَأعْجَبُــهُ   أني بمَا أنَا شـــاكٍ مِنْهُ مَحْسُــــودُ

أمْسَــــيْتُ أرْوَحَ مُثرٍ خَازنــاً وَيَــــداً  أنَا الغنيّ وَأمْـــوَالي المَــــوَاعِيدُ

إنّي نَزَلْــــتُ بكَـــذَابينَ، ضَـــــــيْفُهُمُ   عَن القِرَى وَعَن الترْحالِ محْدُودُ

جودُ الرّجالِ من الأيـدي وَجُــــودُهُمُ  منَ اللّسـانِ، فَلا كانوا وَلا الجُودُ

ما يَقبضُ المَوْتُ نفســــاً من نفوسِهمُ  إلاّ وَفي يَـــــدِهِ مِنْ نَتْنِــــهَا عُودُ

أكُلّمَا اغتَالَ عَبــــدُ السّـــــوْءِ سَــيّدَهُ  أوْ خَانَهُ فَلهُ في مصـــــــرَ تَمْهيدُ

صَــــارَ الخَصِيّ إمَــامَ الآبقِينَ بــهَا  فالحُرّ مُسْـــــتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُـــودُ

نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصــــرِ عَنْ ثَعَالِبـها  فَقَدْ بَشِــــــمْنَ وَما تَفنى العَنَـــاقيدُ

العَبْـــدُ لَيْسَ لِحُــــرٍّ صَـــــالِح بأخِ   لوْ أنّـــه في ثِيَـــــابِ الحُرّ مَوْلُودُ

لا تَشْـــتَر العَبْدَ إلاّ وَالعَصَـــا مَعَهُ   إنّ العَبيـــــــدَ لأنْجَــــــاسٌ مَنَاكِيدُ

ما كنتُ أحْسَــــبُني أحْيَـا إلى زَمَنٍ   يُسِيءُ بي فيهِ عَبْدٌ وَهْوَ مَحْمُــــودُ

ولا تَوَهَمْتُ أنّ النّــاسَ قَدْ فُقِــــدوا  وَأنّ مِثلَ أبي البَيْضـــــاءِ مَوْجودُ

وَأنّ ذَا الأسْوَدَ المَثقُوبَ مَشْــــفَرُهُ   تُطيعُهُ ذي العَضَـــاريطُ الرّعاديدُ

جَوْعانُ يأكُلُ مِنْ زادي وَيُمسِكني   لكَيْ يُقالَ عَظيمُ القدر مَقْصُـــــودُ

وَيْلُمِّهَا خُطّــــةَ وَيْلُــــمِّ قابلِــــــهَا   لِمِثلِــــــها خُلِقَ المَهْـــــريَة القُودُ

وَعِنْدَهَا لذّ طَعْـمَ المَوْتِ شَــــاربُهُ  إنّ المَنِيّــــــةَ عِنْدَ الذّلّ قِنْديـــــــدُ

مَنْ عَلمَ الأسْوَدَ المَخصِيّ مكرُمَةً  أقَوْمُهُ البيضُ أمْ آبَــاؤهُ الصِّـــــيدُ

أمْ أُذْنُهُ في يَـــــدِ النّخّـــاسِ دامِيَةً  أمْ قدْرُهُ وَهْوَ بالفِلْسَــــــينِ مَرْدودُ

أوْلى اللّئَـــــامِ كُوَيْفِيــــرُ بمَعْذِرَةٍ  في كلّ لُـــؤمٍ، وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ

وَذَاكَ أنّ الفُحُولَ البيضَ عاجِـزَةٌ  عنِ الجَميلِ فَكَيفَ الخِصْيةُ السّودُ؟



لعَيْنَيْكِ ما يَلقى الفُؤادُ وَمَا لَقي   وللحُبّ ما لم يَبقَ منّي وما بَقي

وَما أنا ممن يَدْخُلُ العِشــــقُ قَلبَهُ   وَلَكِنّ مَن يُبصِرْ جفونَكِ يَعشَـقِ

*****

أيَّ مَحَـــلٍّ أرْتَـــقِي   أيَّ عَظِيـــمٍ أتّـــقِي

وَكُلّ مَا قدْ خَلقَ اللهُ   وَمَــــا لَــمْ يُخْلــقِ

مُحْتَقَرٌ في هِمّـــتي   كَشَعْرَةٍ في مَفْرقي

*****

إذا غامَرْتَ في شَــــــرَفٍ مَرُومِ   فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجــــــــومِ

فَطعْمُ المَــــوْتِ في أمْرٍ حَقِيــــرٍ   كطعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظِيـــمِ



لا يَسلمُ الشّرَفُ الرّفيعُ منَ الأذى   حتى يُراقَ عَلى جَوَانِبِـــهِ الدّمُ



يُؤذي القليلُ مِنَ اللّئَــــــامِ بِطبْعِهِ   مَنْ لا يَقِلّ كَمَا يَقِلّ وَيَلْـــــــؤمُ

*****

   حتى رجعت وأقلامي قوائل لي   المجد للسيف ليس المجد للقلم

الرّأيُ قَبَلَ شَجاعةِ الشّجْعانِ   هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني



مَغاني الشِّعْبِ طِيباً في المَغاني   بمَنْزلةِ الرّبيعِ منَ الزّمَــــانِ

غَدَوْنَا تَنْقُضُ الأغْصَـــــانُ فيهَا   على أعْرافِهَا مَثلَ الجُمَـــانِ

فسِـــرْتُ وَقَدْ حَجَبنَ الحَرّ عني   وَجِئْنَ منَ الضّيَاءِ بمَا كَفَانِي

وَألْقى الشّــــرْقُ مِنْهَا في ثِيَابي   دَنانِيـــراً تَفِرّ مِنَ البَنَــــــانِ

*****

وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُــهُ شَــــــبمُ   وَمَنْ بِجِسْـــــمِي وَحَالِي عِندَهُ سَقمُ

ما لي أكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدي   وَتَدّعي حُبّ سَـــــيفِ الدّوْلةِ الأمَمُ

إنْ كَانَ يَجْمَعُـــنَا حُبٌّ لِغُرّتِــهِ   فَليْــــتَ بقـــدْرِ الحُــــبّ نَقْتَسِـــــمُ

قَدْ زُرْتُهُ وسُـيُوفُ الهِنْدِ مُغْمَدَةٌ   وَقَدْ نَظَرْتُ إليْهِ والسّــــــــيُوفُ دَمُ

فَكَانَ أحْسَـــــنَ خَلقَ الله كُلهم   وَكَانَ أحسنَ ما يف الأحسنَ الشّيَمُ

*****

يا أعدلَ النّـــــاسِ إلاّ في مُعامَلـــــــتي   فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ

أعِيذُهــــا نَظَــــــراتٍ مِنْكَ صــــــادِقةً   أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ

وَمَا انْتِفــــــــاعُ أخي الدّنْيَا بنَاظِــــــرهِ   إذا اسْــــتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلمُ

سَيعْلمُ الجَمعُ ممّنْ ضَـــــمّ مَجلِسُــــــنا   بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْـــــــعَى بهِ قَـــدَمُ

أنَا الّذي نَظَـــــرَ الأعْـــــمَى إلى أدَبي   وَأسْـــــــمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ

أنَامُ مِلْءَ جُفُـــوني عَـنْ شَـــــــوَاردِهَا   وَيَسْــــــهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ

وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِـــــهِ ضَحِـــــــكي   حَتّى أتَتْه يَــــــدٌ فَرّاسَــــــــــةٌ وَفَمُ

إذا رَأيْـــتَ نُيُـــــوبَ اللّيــــــثِ بارزَةً   فَلا تَظُنّـنّ أنّ اللّيْــــــثَ يَبْتَسِـــــــمُ

وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَــــمّ صَاحِبـــــها   أدرَكْتُـــهَا بِجَــــوَادٍ ظهْـــــرُهُ حَرَمُ

رجلاهُ في الركضِ رجلٌ وَاليــــدانِ يَدٌ   وَفِعْلُهُ مَا تُريـــــدُ الكَــــــفُّ وَالقدَمُ

وَمُرْهَـــفٍ ســـــرْتُ بينَ الجَحْفَلينِ بهِ   حتّى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلتَطِــمُ

الخَيْلُ واللّيْـــــلُ وَالبَيْـــــــداءُ تَعرفُني   وَالسّــيفُ والرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلمُ

صَحِبْتُ في الفلواتِ الوَحشَ منفـــرداً   حتّى تَعَجّــــبَ مني القُــــورُ والأكَمُ

يَا مَنْ يَعِـــزّ عَليْنَــــــا أنْ نُفَارقـــــهُمْ   وجـــدانُنَا كُلَّ شـــيءٍ بَعدَكمْ عَــــدَمُ

مَا كانَ أخلقَنَــــــا مِنــــــكُمْ بتَكرمَـــةٍ   لوْ أنّ أمْــــرَكُمُ مِن أمرِنَــــــا أمَــمُ

إنْ كانَ سَـــــرّكُمُ ما قالَ حاسِــــــدُنَا   فَــمَا لجُـــــرْحِ إذا أرْضَـــــــاكُمُ ألمُ

وَبَيْنَنَا لوْ رَعَيْتُــــــمْ ذاكَ مَعـــــــرفةً   إنّ المَعــــــارفَ في اهْلِ النُّهَى ذِمَمُ

كم تَطْلُبُونَ لنَــا عَيْبـــــاً فَيعجِــــزُكُمْ   وَيَكْـــــرَهُ الله ما تَأتُـــــــونَ وَالكَرَمُ

ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ عنْ شـرَفي   أنّا الثّرَيّا وَذَانِ الشّـــــــــيبُ وَالهَرَمُ

إذا تَرَحّلْتَ عن قـــوْمٍ وَقَدْ قَـــــدَرُوا   أنْ لا تُفارقــــــهُمْ فالرّاحِلـــــونَ هُمُ

شَــــــرُّ البلادِ مَكانٌ لا صَــــديقَ بهِ   وَشَرُّ ما يَكسِـــــبُ الإنســانُ ما يَصِمُ

وَشَـــــرُّ ما قنّصَــــتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ   شُــــــــهْبُ البُزاةِ سَــواءٌ فيهِ والرَّخَمُ

بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّــــــــــعْرَ زعْنِفَةً   تَجُـــــوزُ عِندَكَ لا عُــــرْبٌ وَلا عَجَمُ

هَــــذا عِتابُـــــــكَ إلاّ أنّــــهُ مِقـــةً   قد ضُــــــــمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّـــــهُ كَلِـــــمُ



عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْمِ تأتي العَزائِــمُ   وَتأتي على قدْرِ الكِــــــرامِ المَكــــارمُ

وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغير صغارُها   وَتَصْـــــغُرُ في عَين العَظــــيمِ العَظائِمُ



لكِ يا مَنازلُ في القُلوبِ مَنــــازلُ   أقفَـــــــرْتِ أنْتِ وهــنّ منـكِ أواهِــــلُ

وإذا أتَتْكَ مَذَمّـــــتي من نَاقِــــصٍ   فَهَيَ الشّـــــــــهادَةُ لي بأنّي كامِـــــــلُ

*****

من حكمه :

وإني لـــمن قـــوم كــأن نفوســــــهم   بها أنف أن تسكن اللحم والعظما

وآنـــــــــف مــن أخــي لأبــي وأمــي   إذا مــا لم أجــــده من الكـــــرام

من يهن يســـــهل الهـــــــوان عليــــه   ما لجــــــرح بميــــــت إيـــــلام

أعز مكان في الدنا ســــــــرج ســـابح   وخير جليــس في الأنــــام كتاب

كفا بك داء أن ترى الموت شــــــــافياً   وحســـــــب المنايا أن يكن أمانيا

وإذا لـم يكــــن من المــــــــوت بــــد   فمن العجـــز أن تمــــــوت جبانا

عش عزيزاً أو مــــت وأنت كريـــــم   بين طعن القنــــــا وخفق البنـــود

يهون علينا أن تصــــاب جســــــومنا   وتســـــــلم أعراض لنا وعقـــول

والظلم من شــــــيم النفــوس فان تجد   ذا عفـــــــة فلعلــــــة لا يظـــــلم

ومن ينفق الســـــاعات في جمع ماله   مخـــــــافة فقـــر فالذي فعل الفقر

ومن يـــــك ذا فم مــــر مريــــــض   يجد مــــر به المــــــــاء الــزلال

فأحسن وجه في الورى وجه محسن   وأيمـــــن كف فيــــــهم كف منعم

ما كل ما يتمـــــنى المرء يـــــدركه   تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

ومن البليـة عذل مــن لا يرعــــوي   عن جهله وخطـــــــاب من لا يفهم

ذو العقل يشــــقى في النعيم بعقلـــه   وأخو الجهالة في الشــقاوة ينعم

إذا اعتاد الفتى خـــوض المنــــــايا   فأهــــون ما يمـــــر به الوحــــول

وما وما نيل المطـــــالب بالتمـــني   ولكن تؤخــذ الدنيــــــــا غلابــــــا

*****

محمد بن حازم الباهلي

محمد بن حازم بن عمرو الباهلي بالولاء أبو جعفر ( ؟ - 215 ) للهجرة ( ؟ - 830) للميلاد ، شاعر كثير الهجاء ، لم يمدح من الخلفاء غير المأمون العباسي ، ولد ونشأ في البصرة وسكن بغداد ومات فيها . قيل كان يأتي بالمعاني التي تستغلق على غيره وأكثر شعره في القناعة ومدح التصّوف وذم الحرص والطمع .

مختارات من شعره :

تشــــــــبَّه بالأســــــــــدِ الثّعلبُ   فغــــادرهُ معنقــــــــاً يجنــــبُ

وحاولَ ما ليــــسَ في طبعــــــهِ   فأســـــلمهُ النابُ والمخلـــــبُ

فلم تغـــنِ عنــــــها أباطيلُـــــــهُ   وحاصَ فأحــــرزهُ المهـــربُ

وكانَ مضيّــــــاً على غــــــدرِهِ   فَعيِّبَ والغـــــــادرُ الأخيــــبُ

أيا بنَ حميدٍ كفــــرتَ النعيــــــمَ   جهلاً وَوسوســـــكَ المذهـــبُ

ومنَّتكَ نفســـــكَ ما لا يكـــــونُ  وبعضُ المنى خلَّبٌ يكــــــذبُ

وما زلتَ تســـعى على منعــــمٍ  ببغيً وتنــــهى فــلا تعتـــــبُ

فأصبحتَ بالبغي مســـــــــتبذلاً  رشاداً وقدْ فاتَ مســـــــتعتبُ

هوِّنْ عليكَ فكلُّ الأمـــر ينقطع  وخلِّ عنكَ عنانَ الهـــــمِّ يندفعُ

فكلُّ همٍّ لهُ منْ بعــــدهِ فــــرجٌ   وكلُّ أمرِ إذا ما ضاقَ يتَّســــعُ

إنَّ البلاءَ وإنْ طالَ الزَّمانُ بهِ   فالموتُ يقطعهُ أو سوفَ ينقطعُ

يا راقدَ اللَّيــــلِ مســــــروراً بأوَّلــــهِ   إنَّ الحوادثَ قدْ يطرقنَ أســحارَا

لا تفرحنَّ بليـــــلٍ طــــــــابَ أوَّلـــهُ   فربَّ آخر ليلٍ أجَّــــجَ النَّــــــارا

أفنى القــــرونَ التي كانـتْ منعَّمــــةٌ   كرُّ الجديدين إقبـــالاً وإدبـــــارا

كمْ قدْ أبادتْ صروفُ الدّهر منْ ملكٍ   قدْ كان في الدّهر نفَّاعاً وضرَّارا

يا منْ يعانـــقُ دنيــــــا لا بقـــاءَ لها   يمسي ويصبحُ في دنياهُ ســــفَّارا

هلاَّ تركتَ منَ الدنيـــــــا معانقــــةٌ   حتَّى تعانقُ في الفردوسِ أبكــارا

إنْ كنتَ تبغي جنانَ الخلدِ تســكنها  فينبغي لكَ أنْ لا تأمـــن النــــارا

محي الدين بن عربي

محمد بن علي بن محمد بن عربي أبو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي المعروف بمحي الدين بن عربي ( 560 – 640 ) للهجرة ( 1164 – 1242 ) للميلاد ، قدوة القائلين بوحدة الوجود والتصوف وعلم النفس ، ولد في مرسية بالأندلس وانتقل إلى إشبيلية وقام برحلة فزار الشام وبلاد الروم والعراق والحجاز ، وأنكر عليه أهل الديار المصرية ( شطحات ) صدرت عنه ، وعمدوا إلى إراقة دمه ، وحبس فسعى في خلاصه علي بن فتح اليحيائي واستقر في دمشق ومات فيها . يقال إن له نحو أربعمائة كتاب ورسالة منها : ( الفتوحات المكية ) في عشر مجلدات ، ( محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار ) و( فصوص الحكم ) ، أكثر شعره في التصوف .

مختارات من شعره :

إني لســـــــــان صغار لي وعائلــــة   وترجمانـــــهمُ في الســــــــرِّ والعلنِ

قــدْ أصــــبحوا مالهمْ ثــوبٌ يــردّ بهِ  بــــردُ الهـــــواءِ ولا فلسٌ منَ الثمنِ

وما التمست سوى مرسوم ســـــيدهم   فإنْ منعتمْ فلا ثوبٌ ســـــــوى الكفــنِ

وإنَّ ظني بكمْ في حقــــهمْ حســـــــنٌ   ولم يخب أحد في ظنـــه الحســــــــنِ

إنْ أجدبَ الوقت فاستســــقاء صاحبه   يزيلهُ بانســــــــكابِ الوابلِ الهتــــــنِ

فإنـــهُ ربُّ إحســــــــانِ ومأثـــــــرةٍ   على المقليـــــــن بالآلاءِ والمنـــــــنِ

خليليّ عٌوجــــا بالكَثِيـــبِ وعَرِّجَــــا   على لعْلــعِ، واطلــب ميـــــاهَ يَلمْلــمِ

فإنّ بــــها مَنْ قَدْ عَلِمْـتَ، ومن لـــهم   صِيَامِي وحجّي واعتماري ومَوْسمي

فَلمْ أنسَ يومــــاً بالمحصِّــبِ منْ منىً   وبالمنحرِ الأعلى أمـــوراً وزمــــزمِ

مُحَصَّــــبُهُمُ قلبي لرَمْي جِمَــــــارِهِمْ  ومَنْحَرُهُمْ نفســـي ومشـــــرَبهم دَمي

فيَا حاديَ الأجمالِ إن جئتَ حاجِـــزاً   فقفْ بالمطايــــا ســــــاعةً ثمَّ ســـلّمِ

ونادِ القِبَابَ الحُمرَ من جانبِ الحمى   تحِيّــةِ مُشْــــــــتاق إليـــــكُم مُتيَّـــــمِ

فإن سلَموا فاهدِ الســـــلامَ معَ الصَّبَا  وإن ســــــــكَتوا فارْحلْ بــــها وتقدّمِ

إلى نهرِ عيسى حيثُ حلّتْ ركابـــهم،   وحيثُ الخيـــام البيض من جانبِ الفمِ

وَنــــادِ بدَعْــدٍ والرّبـــــابِ وزَيْنَــبٍ   وهندٍ وسَـــــــلْمى ثم لُبنى وَزَمــــزَمِ

وسَـــــــلهُنّ هلْ بالحَلْبَةِ الغــادة التي   تُريكَ سَـــــــنا البيضاءِ عندَ التبسّـــمِ

خاب ظني إنْ لم تكن عند ظني   قلْ لي يا منيةَ المتمـــــني

والذي فات لا تعــــده عليـــــنا   ومن الآن فلتكن عند ظني

ناحتْ مطوقــــــةٌ فحـــنَّ حزيــــــــنُ   وشــــــــجاهُ ترجيعُ لها وحنيـــنُ

جرتِ الدُّمـــوعُ منَ العيونِ تفجُّـــــعاً  لحنينـــها فكأنــــــهنَّ عيــــــونُ

طارحتـــهما ثكلاً بفقــــدِ وحيــــــدها   والثُّكلُ منْ فقدِ الوحيـــــدِ يكـــونُ

بي لاعـــــجٌ منْ حبِّ رملةَ عالـــــجٌ   حيثُ الخيـــــامُ بها وحيثُ العيــنُ

من كلِّ فاتكةِ اللِّحــــاظِ مريضـــــــةٍ   أجفانُها لِظُبا اللّحــــــاظِ جفــــونُ

ما زلتُ أجــــرعُ دمعتي من غلَّـــتي   أخفي الهوى عن عاذلي وأصونُ

حتّى إذا صــــاح الغُـــــرابُ ببَيْنــهم   فضحَ الفــــراقُ صبابة المحزونُ

وصلوا السَّرى، قطعوا البُر فلسعيهم   تحتَ الْمَحــــــامل رَنَّــــــةٌ وأنينُ

عاينتُ أســـــــبابَ المنيَّـــــــةِ عندما   أرخَوا أزمَّتــــــها وشُـــــدَّ وضِينُ

إنَّ الفـــراقَ معَ الغـــــــــرامِ لقاتلي   صـــــعبُ الغرامِ مع اللّقاءِ يَهـــونُ

مالي عّــــــذُولٌ في هـــــــواها إنَّها   معشـــــــوقةٌ حســـــناءُ حيث تكونُ

*****

مهيار الديلمي

مهيار بن مرزويه ، أبو الحسن الديلمي ( ؟ - 428 ) للهجرة ( ؟ - 1037 ) للميلاد، شاعر فارسي الأصل من أهل بغداد ، كان منزله فيها بدرب رباح ، من الكرخ ، وبها وفاته . ولد في الديلم ( جنوب جيلان على بحر قزوين ) واستخدم في بغداد للترجمة عن الفارسية . وكان مجوسياً وأسلم على يد الشريف الرضي . وتشيع وغلا في تشيعه، حتى قيل : يا مهيار انتقلت من زاوية في النار إلى أخرى فيها .

مختارات من شعره :

يا عين لو أغضــيتِ يومَ النوى   ما كان يوماً حســـــــــناً أن يرى

كلفتِ أجفانـــــــكِ ما لو جرى   برملِ يبرينَ شـــــــــكا أو جرى

جنايـــــةٍ عرضــــتِ قلبي لها   فاحتملـــي أولى بـــــها منْ جنى

ســــــــلْ ظبياتٍ بالحمى رتعاً   خضـــرَ منهــــــنّ بياضُ الحمى

نشــــــــدتكنّ اللهَ مـا حيلـــــةٌ   صاد بها الأســــــــدَ عيونُ المها

إن تك ســــــــحراً أولها فعلهُ   فالســــحر يشفي منه طبُّ الرقى

فَيمنّ من حشـــــــــوُ جلابيبه   أهيفُ راوى الردف ظامى الحشا

قلبي له مرعى وصدري كلاً   ليـــت كــلاً ظبي الحمى ما رعى

*****

أعطيتْ من كلّ حسنٍ ما اشتهتْ   فرآها كلُّ طرفٍ فاشــــــــتهاها

وحماهـــــا خفرٌ في وجهــــــها   ووقارٌ قبلَ أن تُســــــــمي أباها

لوخلتْ من أســــــرةٍَ في قومها   ونفاها حســـــــبٌ زاكٍ نمــــاها

غدت الشـــــمسُ إذا ما أسفرتْ   أختها والغصنُ إن ماست أخاها

ورأتْ في العين من أشــــباهها   من قبيلٍ وعديــــدٍ ماكفــــــــاها

*****

الوأواء الدمشقي

محمد بن أحمد العناني الدمشقي أبو الفرج . ( ؟ - 385 ) للهجرة ( ؟ -995 ) للميلاد، شاعر ، كان أول أمره منادياً بدار البطيخ في دمشق .

مختارات من شعره :

نَاَلتْ عَلى يَــــدِهَا مَا لَمْ تَنَلْـــــهُ يَــــــــدِي   نَقْشــــاً عَلى مِعْصَمٍ أوهَتْ بهِ جَلَدِي

كَأنــــهُ طَرْقُ نَمْــــــــلٍ فِي أنَامِلِـــــــــهَا   أو رَوْضَةٌ رَصَّعَتْهَا السُّــحْبُ بالبَرَدِ

كَأنًّهَا خَشِــــــــيتْ مِنْ نَبْــــــلِ مُقْلتِـــــهَا   فَألْبَسَــــــــتْ زَنْدَها دِرْعاً مِنَ الزَّرَدِ

مَدًّتْ مَواشِـــــــطهَا فِي كَفِّهَا شَــــــــرَكاً   تَصِيدُ قلْبي بهِ مِنْ دَاخلِ الجَسَــــــــدِ

وَقوْسُ حَاجِبِــــــــهَا مِنْ كُلِّ نَاحيَـــــــــةٍ   وَنْبــــــلُ مُقْلَتِـــــــهَا تَرْمِي بهِ كَبدِي

وَعقْرَبُ الصُّـــــــدْغِ قــدْ بَانَتْ زُبانَتُــــهُ   وَناَعِسُ الطَّرْفِ يَقْظانٌ عَلى رَصَدي

إنْ كانَ في جُلَّنـــــــارِ الخَدِّ مِنْ عَجَــبٍ  فَالصَّــــــدْرُ يَطْرَحُ رُمَّاناً لِمَنْ يَـــرِدِ

وَخصْـــــــرُهَا نَاحلٌ مِثلِي عَلَى كَفَـــــلٍ   مُرَجْرَجِ قَدْ حَكَى الأحْــزَانَ فِي الخَلدِ

أنْسِــيَّةَ لوْ رَأتْهَا الشَّــــــــمْسُ مَا طَلعَتْ   مِنْ بَعْدِ رُؤيَتـــــهَا يَومـــاً عَلى أحَـــدِ

سَـــــــــألتُها الوَصْــــــــلَ لا تُغَـــرَّ بنَا  مَنْ رَامَ منَّا وصَـــــالاً مَــــاتَ بالكَمَدِ

فَكَمْ قتِيلٍ لنَا بالحُــــــبِّ مَاتَ جَــــــوىً  من الغــــرَامِ وَلمْ يُبْــــــدِي وَلَمْ يَعِــــدِ

فقُلتُ : أسْـــــــتَغْفِر الرَّحْمــنَ مِنْ زَلَلٍ  إنَ المُحِبَّ قليلُ الصَّـــــــبْرِ وَالجَــــلدِ

قالتْ وَقَدْ فَتَكَتْ فِيْــــــنَا لوَاحِظُـــــــهَا  مَا إنْ أرَى لِقَتِيلِ الحُــــبِّ مِنْ قــــــوَدِ

قدْ خَلَّفَتُـــنِي طريحـــــاً وَهي قائِلــــــة  تَأمَّلُوا كَيْــــفَ فِعْلَ الظّبْي بالأسَــــــــدِ

قالتْ لِطيْفِ خَيَـــــــالٍ زَارَنِي وَمَضَى  باللهِ صِــــــفْهُ وَلاَ تَنْقُــــصْ وَلاَ تَــــزدِ

فقَالَ أبْصَــــــرْتُهُ لوْ مَـــــاتَ مِنْ ظمَأ  وَقَلْتِ قِفْ عَنْ وُرُودِ المَــــاءِ لمْ يَــــردِ

قالت : صدق الوفا في الحب شيمته   يا برد ذاك الذي قالت على كبــــــــدي

وَاسْـــــــتَرْجَعَتْ سَألتْ عَنّي فَقِيْلَ لَهَا   مَا فِيهِ مِنْ رَمَقٍ، دَقَتْ يَــــــدّاً بيَــــــــدِ

وَأمْطَرَتْ لُؤلُؤاً منْ نَرْجِسٍ وَسَــــقتْ   وَرْداً وَعَضَّـــتْ عَلى العُنَّابِ بالبَــــردِ

وَأنْشَـــــــدَتْ بِلسَــــــــانِ الحَالِ قائِلة   مِنْ غَيْرِ كَرْهٍ وَلاَ مَطْــــــلٍ وَلاَ مَــــدَدِ

وَاللهِ مَا حَــزَنَتْ أخْــــتُ لِفَقْــــــدِ أخٍ   حُــــزْنِي عَليْــــــهِ وَلاَ أمٍّ عَلى وَلـــــدِ

فَأسْــــرَعَتْ وأتَتْ تَجري عَلى عَجَلٍ   فَعِنْدَ رُؤْيَتِــــهَا لَمْ أسْـــــــتَطِعْ جَلــــدِي

وَجَــرَّعَتْنِي بريقٍ مِنْ مَرَاشِــــــــفِهَا   فَعَادَتْ الرُّوحُ بَعْدَ المَوْتِ فِي جَسَــــدِي

هُمْ يَحْسِـــدُونِي عَلى مَوْتِي فَوَا أسَفِي  حَتَّى عَلى المَوْتِ لاَ أخْلُو مِنَ الحَسَــــدِ

القصيدة أعلاه تنسب أيضا للخليفة والشاعر الأموي يزيد بن معاوية

وَمُهَفْهَفٍ كَالغُصْــــنِ هَزّتُهُ الصَّــــــــبا   فَصَـــــبَا إليهِ مِنَ الفُتونِ هَـــــــوَائِي

يوهيـــــــه حملُ وشــــــــاحهِ فقراهُ من   تَرَفِ النعيــــــــمِ يَئِـــــن!ُ في إخْفَـاءِ

تــــدمى ســــــــوالفه إذا لاحظتـــــــها  بخفيِّ كرِّ اللَّحْـــــــظِ وَالإيمــــــــاءِ

وكأنَّ عقـــربَ صُــــــــدْغِهِ لمَّا انثنت  بقاف معلقـــــــة بعطفـــــــةِ فـــــاءِ

فإذا نظرتُ إلى محاســــــــن وجــــههِ  لم يروَ من نظــــــــري إليهِ ظمائي

حازَ الجمـــــــالَ بأسْـــــــــرهِ فَكَأنَّــما  قســـــمتْ عليه محاســـــنُ الأشـياءِ

متبســـــــمٌ عن لؤلؤٍ رطـــــــبٍ حكى  برداً تســــاقط من عقودِ ســــــــماءِ

تُغْنِي عَن التُّفَــــــاحِ حُمــــــرةُ خَـــدِّهِ  وتنوبُ ريقتـــــــه عن الصــــــهباءِ

وَيُدِيـــــرُ عَينــــــــاً في حَديقةِ نرجسٍ  كســــــــــوادِ بأسٍ في بياضِ رجاءِ

فَأمْزُجْ بمائِكَ خَمْرَ كأسِكَ واســــــقني  فلقدْ مزجـــتُ مدامعــــي بدمائــــي

واشْرَبْ عَلى زَهْر الرِّيــــاضِ مُدامةً  تَنْفي الهُمــــــومَ بعَاجِلِ السَّــــــراءِ

لطفتْ فصارتْ من لطيفِ محلــــــها  تجري مجاري الرُّوح في الأعْضَاءِ

وكأنَّ مخنقــــةً عليــــــها جــــــوهرٌ  ما بين نــــــــارٍ ركبت وهـــــــواءِ

ويظلُّ صـــــــبَّاغُ المِزَاجِ محَكَّـــــماً  في نقضِ حُمرتها بأيــــــدي المـــاءِ

وَكَأنّـــــها، وكأنَّ حاملَ كأســــــــها،   إذ قامَ بحلولــــــها على الندمـــــــاءِ

شمسُ الضحى رقصتْ فنقط وجهها   بدرُ الدّجى بكواكــب الجــــــــوزاءِ

يموت بن مزرع

يموت بن مزرع العبدي ، من عبدالقيس ، البصري ، أبو بكر ( 230 – 304 ) للهجرة ( 844 – 916 ) للميلاد ، شاعر وكاتب ، وهو ابن أخت الجاحظ ، من أهل البصرة ، زار بغداد وهو كبير السن ، زار مصر مراراً ، وكان لا يعود مريضاً خوفاً من أن يتطير المريض باسمه وأن يتشاءم ، ويقول : بليت باسم سماني به أبي . وسمى نفسه محمداً، وذكر عند بعض المؤرخين في ( المحمدين ) ، ولكن اسمه الأول غلب عليه واشتهر برواية الأخبار والحكايات ، ومات بطبرية وقيل بدمشق . وهو والد (مهلهل بن يموت ) . وقيل إن اسمه محمد ، وإنما يموت لقب .

مختارات من شعره :

تؤَرِّقُنِي بَعدَ العشــــــــاءِ همـــومُ   كأني لما بين الضلوع ســـــقيمُ

أبيتُ لهــــــذا لوعة وصَـــــــبابة   وفي كبد من حَرَّهُــــــنَّ همومُ

أبَكِّي شباباً قد مضى هل يعودُ لي   وهل عَيشُ حَيٍّ في الحياةِ يدومُ

*****

مُهلهلُ أحشــــائي عليكَ تَقَطَّعُوا   وأقرحَ أجفاني أخـــــوكَ مُزَرَّعُ

إلى الله أشكو ما تجنُّ جوانـحي  وما فيكما من غصَّةٍ أتجـــــرَّعُ

فلولاكما ما إن ســـــلكتُ تنائفاً  ولولاكما قد كان في القومِ مَقْنَـعُ

فإن ذرفت عَينايَ وَجداً عليكما  ففي دون ما ألقاهُ مبكى ومجْزَعُ

أخافُ حِمامـــاً يا مهلهلُ باعثاً  وطيرُ المنايــا حائمـــــاتٌ وَوُقَعُ